الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده؛ أمَّا بعد:
فإنَّ التوحيد -أي توحيد الله بأنواعه الثلاثة- هو أصلُ دينِ الإسلام، الذي هو دينُ الله عزَّ وجلَّ؛ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]، وهو الدِّين الذي لا يقبل اللهُ مِن أحدٍ دينًا سواه؛ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، وهو الدِّين الذي بعث اللهُ به رسلَهُ مِن أولهم إلى آخرهم، وهذا التَّوحيد هو مفتاحُ دعوتهم، وعليه مدارُ رسالتهم، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ[النحل:36]، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وهاتان الآيتان نصٌّ في توحيد العبادة -توحيد الألوهيَّة-، وهو متضمِّنٌ لتوحيد الرّبوبيَّة وتوحيد الأسماء والصّفات؛ فإنَّ الإله الحقّ هو المستحقُّ للعبادة وحده، ولابدَّ أن يكون كاملَ النُّعوت والصّفات، فلا كفءَ له، ولاندَّ له، ولابدَّ أن يكون هو المالك لكلِّ شيء، والقادر على كلِّ شيء، وخالق كلِّ شيء، ومَن يكون كذلك يلزمُ أن يكون هو المستحقّ للعبادة بأنواعها، خوفًا ورجاءً ومحبَّة وتعظيمًا، وهذا معنى قول العلماء: إنَّ توحيد الألوهيَّة يتضمَّنُ توحيدَ الرّبوبيَّة وتوحيدَ الأسماء والصفات [1] ، أو التوحيد العلميَّ الخبريَّ، كما في بعض العبارات، أو توحيد المعرفة والإثبات. [2]
وقد دلَّ الكتابُ والسُّنَّة على هذه الأنواع، فهما المرجعُ والمصدرُ الأوَّل لهذا العلم، أعني علمَ التَّوحيد، بدءًا بسورة الفاتحة الجامعة لمعاني القرآن؛ فقد تضمَّنت الدَّلالة على هذا التوحيد بأنواعه، واقرأ بيان ذلك فيما أوضحه ابن القيم -رحمه الله- في أوَّل كتابه مدارج السالكين وفي آخره، في الكلام على منزلة التوحيد. [3]
وكما أنَّ التَّوحيد بأنواعه هو ما تتضمَّنه كلمةُ التوحيد (لا إله إلا الله)؛ فإنَّه كذلك يتضمَّنه الأصلُ الأوَّلُ مِن أصول الإيمان، وهو الإيمان بالله؛ فإنَّه شامل للإيمان بربوبيَّته وإلاهيَّته وأسمائه وصفاته، وعلى هذا فالتَّوحيدُ هو أصلُ عقيدة أهلِ السُّنَّة والجماعة.
ومجملُ اعتقاد أهل السُّنَّة هو أصول الإيمان السّتة التي أجاب بها الرسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- جبريلَ -عليه السَّلام- حين سأله عن الإيمان، فقال: (أن تؤمنَ باللهِ، وملائكتهِ، وكتبهِ، ورسلهِ، واليومِ الآخرِ، وتؤمنَ بالقدرِ خيرهِ وشرّهِ) [4] ، وتفصيلُ هذه الأصول مبيَّنٌ في آيات القرآن وفي الأحاديث الصَّحيحة.
وكان الصَّحابة -رضي الله عنهم- يَعلمون ذلك ويؤمنون به، ويقفون عند حدوده، غير زائدين ولا ناقصين، وتبعهم على ذلك التابعون، وتابعو التابعين، وأئمةُ الدين الذين كانوا على الحق المبين، فبيَّنوا للنّاس ما اختلفوا فيه مِن الحق؛ فاهتدوا وهدوا إلى الصّراط المستقيم، ودحضوا شبهات المبطلين، مِن المبتدعة والملحدين مِن الخوارج [5] ، والمرجئة [6] ، والقدرية [7] ، والمعطلة [8] من الجهمية [9] والمعتزلة [10] ، ومَن شاركهم في بعض باطلهم مِن المنتسبين للسُّنَّة كالكلابية [11] والأشاعرة [12] ، والماتريدية [13] ، فحصل بتلك الردود الفرقانُ المبينُ بين الحقِّ والباطل والحالي [14] ، والعاطل مِن أقوال النَّاس في مسائل الدّين، فأخرج الله بهذه الجهود وبهذا الجهاد مَن شاء مِن الظلمات إلى النور، وهذه سنَّته تعالى في الرسل وأتباعهم، فهم المنقذون بإذن الله مَن استجاب لهم مِن الضَّلال، وردوا عليهم بالبراهين مِن النَّقل الصَّحيح والعقل الصَّريح، فحفظ الله بهم هذا الدين، تحقيقًا لوعده سبحانه في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وصدق فيهم قول النَّبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيما روي عنه: (يحملُ هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عدولُه؛ ينفونَ عنه تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين) [15] ، فلم تزل منارات العلم ومعالم طريق الحق قائمةً يهتدي بها السَّالكون السَّائرون إلى الله، وذلك على مرّ العصور مِن تاريخ هذه الأمة، ومِن القول المحكم المشهور في ذلك قول الإمام أحمد في خطبة كتابه "الرَّد على الجهميّة والزنادقة":
"الحمدُ لله الذي جعل في كلّ زمان فتْرةٍ مِن الرّسل، بقايا مِن أهل العلم يدعون مَن ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم مِن قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم مِن ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه مِن الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبِّهون عليهم، فنعوذ بالله مِن فتن الضَّالين". [16]
وهؤلاء هم أئمة أهل السُّنَّة مِن السَّلف مِن أهل القرون المفضلة فمَن جاء بعدهم وتبعهم على هذا الطريق، وكانت جهودهم في ذلك أنواعًا، فمنها فتاوى يجيبون بها السَّائلين، وأقوال يردّون بها على المبتدعين ضمن مناظرات يعوّلون فيها على الحجج مِن الكتاب والسُّنَّة، وقد ألَّف كثيرون في هذا الشأن -أعني في تقرير اعتقاد أهل السُّنة والرَّد على المخالفين- مؤلفات كثيرة، مبسوطة ومختصرة [17] ، سموها كتب التوحيد [18] ، وكتب السنة [19] ، واعتقاد أهل السُّنَّة [20] ، ولهم في ذلك مناهج، والغالب على المتقدّمين ذكر الآيات والأحاديث والآثار المسندة، مع ذكر ما يشهد لها مِن الأدلّة العقليَّة، ومِن أشهر هذه المؤلفات: كتابُ "الرَّد على الجهميَّة والزَّنادقة" للإمام أحمد، و"الرَّد على الجهميَّة" لعثمان بن سعيد الدارمي [21] ، و"الرَّد على بشر المريسي" [22] له أيضًا، وكتاب "الرَّد على الجهميَّة" لابن منده [23] ، و"شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة" للّالكائي [24] ، وكتاب "التَّوحيد" لابن خزيمة [25] وغيرها كثير، رحمهم الله جميعًا.
ومضى على هذا النَّهج أتباعُهم حماةُ اعتقاد أهل السُّنّة، وأشهرهم في عصور متأخرة في القرن السابع والثامن الإمامُ ابن تيمية [26] الذي نهل مِن علوم السَّلف ومؤلفاتهم المستمدَّة مِن كتاب الله وسنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، مع ما آتاه الله مِن فهم وبصيرة في معاني كلام الله وكلام رسوله، وكلام السَّلف الصَّالح مِن الصَّحابة والتَّابعين، وما آتاه الله مِن اطّلاع واسع ومعرفة بمذاهب الطَّوائف المختلفة، فجعل الله له بذلك فرقانًا، فميَّز بين اعتقاد أهل السُّنَّة المحض وسائر اعتقادات الطوائف، فألَّف لذلك المؤلَّفات الطَّويلة والمختصرة، وهي دائرة على أصلين: الأول: تقريرُ وتحريرُ اعتقاد أهل السُّنَّة، الثاني: الرَّد على الطَّوائف المخالفة، وأشهر كتبه المبسوطة: "الجواب الصَّحيح لِمَن بدَّل دين المسيح، ودرء تعارض العقل والنقل، ونقض التأسيس [27] ، ومنهاج السُّنَّة، واقتضاء الصّراط المستقيم"، وأشهر مؤلَّفاته في تقرير عقيدة أهل السُّنَّة في الأسماء والصّفات والقدر: "الفتوى الحمويَّة، والعقيدة التَّدمريَّة، والعقيدة الواسطيَّة [28] ، وهي أشملها لمسائل الاعتقاد، وقد صارت مؤلَّفاته موردًا بعد كتاب الله وسنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لكلّ مَن جاء بعده مِن المجدّدين لهذا الدّين ببيان أصوله بأدلَّتها، وكشف شبهات المشركين والمبتدعين.
وأعظم مَن انتفع بمؤلَّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة الإمامُ المجدّد في القرن الثاني عشر الشّيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله [29] ؛ فقد ألهمه الله النّهوضَ بدعوة الإصلاح والتَّجديد لِمَا اندرس مِن معالم التَّوحيد، وآتاه الله همَّةً عاليةً وبصيرةً، فهدى الله بدعوته كثيرًا مِن الضَّالين عن الصّراط المستقيم مِن العامة والخاصة، وكانت وسيلته في ذلك التّعليم والتَّأليف ومراسلة الأعيان في البلدان؛ تعريفًا بدعوته، أو نصيحة، أو ردًّا على مبطل أو مخطئ، ويُرجع في ذلك إلى رسائله الشَّخصية في مجموع مؤلَّفاته [30] ، وأشهر مؤلَّفاته في هذا الشأن: "كتاب التَّوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد" [31] ، الذي بناه على سبعة وستين بابًا، ضمنها الأدلَّةَ مِن الكتاب والسُّنَّة على التَّوحيد بأنواعه، وبخاصة توحيد العبادة، مع بيان ما يُضاد أصله مِن الشرك الأكبر، أو ينافي كماله مِن أنواع الشرك الأصغر؛ قوليَّة أو فعليَّة، وكمَّل -رحمه الله- موضوع هذا الكتاب بكتابه "كشف الشّبهات" [32] ، أي: شبهات المشركين في توحيد العبادة، وقد صار هذان الكتابان مادةً لكل مَن قَفى أثره في الدَّعوة مِن أبنائه وتلاميذه، رحمهم الله وجزاهم عنا وعن المسلمين جزاء حسنًا.
وممَّا تقدّم يُعلم أنَّ طريق العلم ممهَّد للسَّالكين؛ بما وفَّق الله له العلماء المصلحين من الشرح والتَّبيين، فعلى طالب علم التوحيد وغيره من مسائل الاعتقاد أن يرجع إلى ما دوَّنه مَن تقدَّم ذكرُهم مِن أئمة الدّين وغيرهم مِن أهل السُّنَّة والجماعة، ويختلف المنهج في ذلك بحسب المواهب والمراتب؛ فالمبتدئ عليه بعد حفظ ما تيسَّر مِن القرآن أن يصرف همَّته لحفظ المتون المختصرة، ثم يرتقي إلى ما فوقها مِن المؤلَّفات المبسوطة.
وينبغي أن يعلم أنَّ المؤلَّفات في التوحيد بأنواعه الثلاثة وغيره من أصول الاعتقاد الغالبُ عليها الشموليةُ والكلامُ على هذه الأصول جملة، دون أن يفرد كلُّ نوع أو أصل بمؤلَّف خاص، وإليك بعض المصنفات في هذا الباب من المختصرات والمبسوطات، فمِن المختصرات: كتاب التَّوحيد، وكشف الشّبهات، وثلاثة الأصول للإمام المجدّد، ويتضمن معناها: نظْمُ سلم الوصول إلى علم الأصول [33] للشيخ حافظ الحكمي [34] ، وأهم ما في هذه المصنَّفات الأربعة تقريرُ توحيد الإلهيَّة، وما يضاده من الشرك بأنواعه، ومِن المختصرات في توحيد الأسماء والصفات: العقيدة الواسطيَّة للإمام ابن تيمية، وهذه كلُّها مما يُذكر ويُقصد للحفظ. ثمَّ ينتقلُ الطَّالب بعد حفظها إلى الرجوع إلى شروحها المختصرة، يُضاف إلى ذلك الرجوع إلى الشروح المختصرة للعقيدة الطحاوية [35] ، ثم إذا أتقن الطَّالب هذه المتون، واستفاد مِن شروحها فإنَّه ينتقل إلى دراسة "العقيدة التّدمرية، والفتوى الحمويّة" للإمام ابن تيميَّة، وكذلك "مقدمة الرّسالة" للعالم المالكي ابن أبي زيد [36] رحم الله الجميع. فإذا قطع الطالبُ هذه المرحلة مِن طريق العلم فقد صار أهلًا لقراءة الكتب المبسوطة المشار إليها في صدر الجواب، ككتابي الإمام الدارمي وكتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتب السُّنَّة لأئمة السُّنَّة، وقد أشار إلى كثير منها شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية [37] ، ومن المراجع المفيدة في أنواع التوحيد الثلاثة: الأجزاء الثمانية الأولى من "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، و"مدارج السَّالكين" للإمام ابن القيم رحمه الله.
هذا؛ ومع كلّ ما تقدَّم فلا ينبغي لطالب العلم أن يستقلَّ بفهمه ورأيه، بل لابدَّ له مِن الرجوع إلى مَن يتيسَّر له مِن أهل العلم المعروفين مِن أهل السُّنَّة والجماعة. هذا هو السبب المقدور للعبد، ولابدَّ له مع هذا السبب مِن السبب الجامع لكل الأسباب، وهو التَّوجّه إلى الله بدعائه والضَّراعة إليه بسؤال العون وتيسير الأسباب وإيتاء الفهم؛ فإنَّه المعلّم لأنبيائه وأوليائه، والهادي مَن استهداه، وهو وليُّ كلّ نعمة، وهو على كلّ شيء قدير، يختصُّ برحمته مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في يوم الخميس، الثَّاني عشر مِن شهر الله المحرَّم، لعام 1438هـ
الحاشية السفلية
↑1 | ينظر: الصفدية (2/64)، ومنهاج السنة (3/313) و(5/327)، وبيان تلبيس الجهمية (4/533)، وإغاثة اللهفان (2/857 ط. عالم الفوائد)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (1/32، 41). |
---|---|
↑2 | ينظر بيان مسالك العلماء في تقسيم التوحيد في: بيان تلبيس الجهمية (1/430)، ومنهاج السنة النبوية (3/289)، وشرح الأصبهانية (ص107)، ومدارج السالكين (1/48 -51) (3/417 -418)، واجتماع الجيوش الإسلامية (ص84 ط. عالم الفوائد)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (1/24) (1/42)، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/128)، وتيسير العزيز الحميد (120- 124)، وفتح المجيد (1/79 -80)، ومعارج القبول (1/97)، وأضواء البيان (3/410). |
↑3 | ينظر: مدارج السالكين (1/48 -51) (3/417 -418)، واجتماع الجيوش الإسلامية (ص84 ط. عالم الفوائد). |
↑4 | أخرجه البخاري (50)، ومسلم (9) و(10) من حديث أبي هريرة، وأخرجه مسلم (8) من حديث عمر. |
↑5 | الخوارج: هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكفّروه والحكمين وأصحاب الجمل، وهم فرق كثيرة، يجمعهم: التكفير بالكبيرة، والخروج على أئمة الجور. ينظر: مقالات الإسلاميين (86)، والفَرْق بين الفِرَق (54)، ومجموع الفتاوى (3/279، 349 -350، 355، 381 -383). |
↑6 | المرجئة: اسم فاعل، من الإرجاء، ويدل في العربية على معنيين، أحدهما: التأخير {قالوا: أرجه وأخاه}؛ أي: أخِّره وأمهله. ثانيهما: إعطاء الرجاء، فيكون إطلاق هذا الاسم باعتبار المعنى الأول: تأخير العمل عن مسمى الإيمان، وبالاعتبار الثاني قولهم: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والإيمان عندهم: شيء واحد، لا يزيد ولا ينقص، ولا يتفاضل أهله فيه، وهم أصناف، يجمعهم القول بإخراج العمل عن مسمى الإيمان. ينظر: "مقالات الإسلاميين" (1/213-234)، و"مجموع الفتاوى" (7/195)، و"النبوات" (1/577، 580). |
↑7 | سُمَّوا بذلك؛ لقولهم في القدر، وهم الذي يقولون بأن العبد يخلق أفعاله استقلالًا، وينفون القدر ويقولون: الأمر أنف لم يسبق به قدر ولا علم، والمعتزلة قدرية؛ لقولهم إن العباد يستقلون بخلق أفعالهم، ونفيهم علم الله السابق للأشياء. والقدرية الغلاة أنكروا مراتب القدر كلها، وأما القدرية غير الغلاة؛ فأنكروا عموم المشيئة، وعموم الخلق فقط. ينظر: كتاب القدر لشيخ الإسلام ضمن مجموع الفتاوى (8/287). |
↑8 | وهم نفاة الصفات، ثم أصبح هذا الاسم علمًا على الجهمية، ومن حذا حذوهم في تعطيل الرب –سبحانه- عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى، والسلف كانوا يسمون نفاة الصفات معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله بتعطيل كمال أسمائه وصفاته وأفعاله. يُنظر: مجموع الفتاوى (5/329). |
↑9 | الجهمية: هي طائفةٌ من المتكلمين، تُنسب إلى الجهم بن صفوان، نفت عن الله تعالى الأسماء والصفات، وضلت في أبواب أخرى: كالقول بالجبر في القدر، والقول بفناء الجنة والنار، والزعم بأن الإيمان هو المعرفة فقط… واشتهر إطلاق هذا الاسم على كل من عطّل صفات الرب سبحانه. ينظر: مجموع الفتاوى (3/354)، وبيان تلبيس الجهمية (3/684) و(5/365)، و"تاريخ الجهمية والمعتزلة" (ص9). |
↑10 | المعتزلة: فرقة كلامية ظهرت في البصرة أول القرن الثاني، على يد واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري؛ لابتداعه القول بأن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر، مخالفًا بذلك قول الحسن وأهل السنة أنه مؤمن لكنه فاسق، وهم طوائف شتى يجمعهم: القول بنفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وأن العبد يخلق فعل نفسه. لهم أصول خمسة هي التي ذكرها المصنف، شرح هذه الأصول شيخهم القاضي عبد الجبار في كتابه: «شرح الأصول الخمسة». ينظر: مجموع الفتاوى (6/339)، وتاريخ الجهمية والمعتزلة (56-58) والمعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها (14-19). |
↑11 | هم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان البصري (المتوفى بعد سنة 240 هـ وحددها البعض بسنة 241 هـ)، رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه، أخذ عنه الكلام: داود الظاهري، والحارث المحاسبي، وسلك طريقته أبو الحسن الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال؛ كما قال شيخ الإسلام في درء التعارض (2/16). يثبت ابن كلاب الأسماء والصفات لله تعالى، كما يثبت الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين، والاستواء والعلو، إلا أنه ينفي الصفات الاختيارية بناء على نفي حلول الحوادث بذات الله تعالى، وأوجب له ذلك: القول بأزلية صفات الأفعال، وهو أول من ابتدع القول بالكلام النفسي، وقال في كلام الله والقرآن قوله المشهور، وهو أنه ليس بحروف ولا صوت، وأنه معنى واحد، وأن القرآن الذي يتلى هو حكاية عن كلام الله مع قوله: إن القرآن غير مخلوق! ينظر تفصيل مذهبه في: مقالات الإسلاميين (1/138)، ومجموع الفتاوى (3/102) و(8/424) و(12/165، و367، و376) و(16/407) وسير أعلام النبلاء (11/174)، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/438)، ورسالة الآراء الكلابية العقدية وأثرها في الأشعرية للباحثة هدى الشلالي (ص91 -190). |
↑12 | الأشاعرة: فرقة كلامية تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري في الاعتقاد، في طوره الثاني قبل رجوعه لمذهب السلف الذي يمثل آخر أطواره، والتي ألف فيها مصنفاته: (الإبانة) و(رسالة إلى أهل الثغر) و(مقالات الإسلاميين). أما الأشعرية فقد تطور مذهبهم؛ من نفي لأفعال الله الاختيارية، إلى نفي الاستواء؛ فالعلو، فبعض الصفات الذاتية، ثم كلها، إلى أن صاروا في النهاية لا يثبتون إلا سبع صفات. قال شيخ الإسلام: "وأما من قال منهم بكتاب "الإبانة " الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك، فهذا يعد من أهل السنة؛ لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة". "مجموع الفتاوى" (6/359). ينظر التعريف بمذهبهم في: "مجموع الفتاوى" (3/103) (4/156) (5/90- 99)، و"المستدرك على الفتاوى" (1/84-85)، و"نقض التأسيس" (1/279) (1/399) (1/407)، و"شرح الأصبهانية" (ص25-34)، و"شرح حديث النزول" (157-159، 187، 105، 155)، و"النبوات" (1/266-271)، و"موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (2/505). |
↑13 | وهم أتباع أبي منصور الماتريدي، محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي (258 – 333هـ). والماتريدي نسبة إلى ماتريد وهي محلة قرب سمرقند، المدينة المشهورة ببلاد ما وراء النهر التي عرفت فيما بعد بتركستان. لم يحظ الماتريدي باهتمام المؤلفين في الملل والنحل، وليس له في كتب شيخ الإسلام إلا إشارات عابرة، ومع هذا الإغفال لشخصيته إلا أن فكره انتشر انتشارًا واسعًا ودان به كثيرٌ من المسلمين. تشترك الماتريدية مع الأشاعرة في كثير من القضايا المنهجية التي انحرفوا بها عن الوحي وإجماع السلف؛ كتقديم العقل على النقل، وتعطيل الصفات الخبرية والاختيارية، ونفي العلو والاستواء، والقول بالإرجاء ..إلخ واقتربوا من المعتزلة في الغلو في العقليات، والإفراط في استخدام علم الكلام المذموم، وانتهاج مسلكهم في النظر والاستدلال! ينظر تفصيل مذهبهم في "الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات" لشمس الأفغاني السلفي. |
↑14 | الحالي من الحلية والتحلي بها، وتطلق الحلية على الصفة أيضًا، والحالي العاطل، والعطل: فقدان الحلي، وعطلت المرأة إذا نزعت حليها. ينظر: النهاية في غريب الحديث (1/435) و(3/257). |
↑15 | أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 17)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 256) – ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (1/59)- وابن عدي في الكامل (1/ 211) – ومن طريقه البيهقي في السنن (20911)- من طرق عن معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مرسلًا. وهذا الحديث مع إرساله قد تفرد به معان بن رفاعة كما قال العقيلي وغيره، ومعان ضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن عدي وغير واحد من الأئمة النقاد، وقال أحمد: لا بأس به، وتعقبه ابن القطان بقوله: وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره ثم ذكر أقوال المضعفين له، وأيضًا إبراهيم العذري مجهول، وهذا المرسل بعلله المجتمعة هو أحسن ما روي في هذا الخبر كما قال عبد الحق، وصَحَّحَ الإمام أحمد هذه الرواية المرسلة فيما نقله ابن عبد البر في شرف أصحاب الحديث (ص29). وقد روي مسندًا من حديث أبي هريرة وعبد الله عمرو بإسناد تالف! أخرجه البزار (9422)، وابن عدي في الكامل (1/ 248)، والعقيلي في الضعفاء (1/9) من طريق خالد بن عمرو القرشي، عن ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة، به. وخالد بن عمرو القرشي هذا مجمعٌ على تركه، كذَّبه ابن معين، وقال ابن عدي: "وهذه الأحاديث التي رواها خالد عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب كلها باطلةً، وعندي أن خالد بن عمرو وضعها على الليث". وقال البزار: "منكر الحديث، قد حدّث بأحاديث لم يُتابع عليها، وهذا منها". وقال الهيثمي في المجمع (1/ 140): "وفيه عمرو بن خالد (كذا مقلوبًا) كذّبه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ونسبه إلى الوضع". وفي الباب أيضًا: عن علي وأبي هريرة وأبي أمامة، وعبد الله بن مسعود وأسامة بن زيد بأسانيد ضعيفة. وذهب جماعة من المتأخرين إلى أن الحديث يقوى بمجموع طرقه ويشد بعضه بعضًا. ينظر: الكامل لابن عدي (1/ 248)، والتمهيد لابن عبد البر (1/59)، وشرف أصحاب الحديث للخطيب (ص 28)، وبيان الوهم والإيهام (3/ 37)، ومفتاح دار السعادة (1/ 163)، والروض البسام (1/ 142)، والتقييد والإيضاح (ص 138)، وفتح المغيث (2/ 16). |
↑16 | الرد على الجهمية والزنادقة (ص170 ط. دغش). |
↑17 | انظرها في "تاريخ تدوين العقيدة السلفية" لعبد السلام بن برجس (ص16) وما بعده. |
↑18 | ككتاب التوحيد لابن خزيمة، وابن منده، وقد يفرد بعض الأئمة في مصنفاتهم كتابًا باسم التوحيد، مثل: كتاب التوحيد في آخر صحيح البخاري. |
↑19 | ككتاب السنة لعبد الله بن أحمد، وأبي بكر الخلال، وابن أبي عاصم، وحرب الكرماني، والمروزي، واللالكائي .. وقد يفرد بعض الأئمة في مصنفاتهم كتابًا باسم السنة، ككتاب السنة في سنن أبي داود، والترمذي وغيرهما. |
↑20 | كشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، ويُسمى بالسنة. |
↑21 | الدارمي: الحافظ الإمام الحجة أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني محدث هراة وتلك البلاد، أخذ هذا الشأن عن ابن المديني ويحيى وأحمد وإسحاق وأكثر الترحال، له سؤالات عن الرجال ليحيى بن معين، وله مسند كبير، وتصانيف في الرد على الجهمية، وهو الذي قام على ابن كرام وطرده من هراة فيما قيل، وتوفي سنة 280 هـ. طبقات الحفاظ (2/146). |
↑22 | بشر بن غياث المريسي، مبتدع ضال، تفقه على أبي يوسف فبرع وأتقن علم الكلام، ثم جرد القول بخلق القرآن، وناظر عليه، ولم يدرك الجهم بن صفوان، إنما أخذ مقالته، واحتج لها، ودعا إليها، وسمع من حماد بن سلمة وغيره. قال الخطيب: حُكي عنه أقوال شنيعة، أساء أهل العلم قولهم فيه، وكفره أكثرهم لأجلها، مات سنة 218 هـ. ميزان الاعتدال (1/ 322). |
↑23 | أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مَنْدَه العبدي الأصبهاني، من كبار حفاظ الحديث الراحلين في طلبه المكثرين من التصنيف فيه، عدة شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ، وله إجازة من الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، من كتبه: "فتح الباب في الكنى والألقاب"، و"الرد على الجهمية"، و"معرفة الصحابة"، و"التوحيد" وغيرها، قال الذهبي: وما بلغنا أن أحدًا من هذه الأمة سمع ما سمع ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرحالين وفرد المكثرين مع الحفظ والمعرفة والصدق وكثرة التصانيف. توفي سنة 390 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ (3/ 157). |
↑24 | هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازيّ، أبو القاسم اللالكائي – نسبة إلى بيع "اللوالك" التي تلبس في الأرجل على خلاف القياس كما قال الزبيدي-، محدث بغداد، من فقهاء الشافعية، من أهل طبرستان، استوطن بغداد، قال الخطيب: كان يفهم ويحفظ، وصنف كتابًا في السنة، وكتابًا في رجال الصحيحين، وكتابًا في السنن، وعاجلته المنية: خرج إلى الدينور فأدركه أجله بها في رمضان سنة 418 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ (3/ 189). |
↑25 | ابن خزيمة: الحافظ الكبير، إمام الأئمة، شيخ الإسلام، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، صنف واشتهر اسمه وانتهت إليه الإمامة والحفظ في عصره بخراسان، حدث عنه الشيخان خارج صحيحيهما وخلق لا يحصون، تزيد مصنفاته على 140 كتاب كما قال الحاكم، منها كتاب "التوحيد وإثبات صفة الرب"، كبير وصغير، و "مختصر المختصر" المسمى "صحيح ابن خزيمة"، توفي سنة 311 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ (2/207). |
↑26 | ينظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، للشيخين: علي العمران وعزيز شمس. |
↑27 | المطبوع باسم: "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية"، نشره مجمع الملك فهد كاملًا في 10 أجزاء بتحقيق مجموعة من المحققين. |
↑28 | وقد شرح شيخنا هذه الكتب الثلاثة جميعًا، أما شرح التدمرية والواسطية فمطبوعان، وأما شرح الحموية فسيطبع قريبًا يسر الله إخراجه. |
↑29 | تنظر ترجمته في عنوان المجد لابن بشر (1/33- 47)، وعلماء نجد لابن بسام (1/125-168). |
↑30 | مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء السادس. |
↑31 | وقد شرحه شيخنا مرارًا، وسيطبع شرحه قريبًا يسَّر الله إخراجه. |
↑32 | وقد شرح شيخنا، وهو مطبوع. |
↑33 | شرحه ناظمه شرحًا مطولًا كتابه المشهور: "معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول" في 3 مجلدات. |
↑34 | هو الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، أحد علماء المملكة العربية السعودية السلفيين، وهو علم من أعلام منطقة الجنوب "تهامة"، والحكمي: نسبة إلى "الحكم بن سعد العشيرة" أحد أجداد العرب القحطانية، من أشهر شيوخه الذين تلقى عنهم العلم الشيخ عبد الله القرعاوي، له عدة مصنفات، منها: "معارج القبول"، و" أعلام السنة المنشورة"، و" النور الفائض في علم الفرائض"، و"اللؤلؤ المكنون في أحوال السند والمتون" وغيرها، توفي سنة 1377 هـ. ينظر: الأعلام للزركلي (2/ 159). |
↑35 | ولشيخنا شرحٌ نفيسٌ مطبوع. |
↑36 | الإمام العلامة القدوة الفقيه، عالم أهل المغرب، أبو محمد، عبد الله بن أبي زيد، القيرواني المالكي، ويقال له: مالك الصغير. كان أحد مَن برز في العلم والعمل. قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب، وملأ البلاد من تواليفه. تفقه بفقهاء القيروان. كان -رحمه الله- على طريقة السلف في الأصول، لا يدري الكلام، ولا يتأؤل. توفي سنة 386 هـ. من أهم مصنفاته: "النوادر والزيادات". ينظر: سير أعلام النبلاء (17/ 10)، والديباج المذهب (1/427). |
↑37 | ينظر: الفتوى الحموية (ص282- 500). |