الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(113) فصل تفسيرهم لتجسم كلمة الله بالمسيح قوله “أن الله لما كلم موسى عليه السلام من الشجرة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(113) فصل تفسيرهم لتجسم كلمة الله بالمسيح قوله “أن الله لما كلم موسى عليه السلام من الشجرة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس الثالث عشر بعد المئة

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبهِ أجمعين، أما بعد؛ فيقول شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَه اللهُ تعالى في كتابه "الجوابُ الصحيحُ لمن بَدَّلَ دينَ المسيحِ":
قال رحمه الله تعالى: الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ الله لَمَّا كَلَّمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الشَّجَرَةِ، كَانَ الْكَلَامُ الْمَسْمُوعُ مُخَالِفًا لِمَا يُسْمَعُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَلِهَذَا لَمْ تُطِقْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ سَمَاعَ ذَلِكَ الصَّوْتِ، بَلْ قَالُوا لِمُوسَى: صِفْ لَنَا ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ. كَمَا رَوَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فِيمَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: " لَمَّا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ الله قَالَ: يَا رَبِّ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي أَسْمَعُ هُوَ كَلَامُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا مُوسَى، هُوَ كَلَامِي، وَإِنَّمَا كَلَّمْتُكَ بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلَافِ لِسَانٍ، وَلِي قُوَّةُ الْأَلْسُنِ كُلِّهَا، وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَّمْتُكَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ بَدَنُكَ، وَلَوْ كَلَّمْتُكَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا لَمِتَّ، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ قَالُوا لَهُ: صِفْ لَنَا كَلَامَ رَبِّكَ. فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، وَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَهُ لَكُمْ؟ قَالُوا: فَشَبِّهْهُ لَنَا. قَالَ: هَلْ سَمِعْتُمْ أَصْوَاتَ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تُقْبِلُ فِي أَحْلَى حَلَاوَةٍ سَمِعْتُمُوهَا، فَكَأَنَّهُ مِثْلُهُ".

– الشيخ: في تعليق؟ شيء، تعليق في؟
– القارئ: إي نعم، أخرجَهُ ابنُ الإمامِ أحمدَ في السُّنةِ، وعنه أبو بكرِ النَّجاد في "الرَّدِّ على مَنْ يقولُ القرآنُ مخلوقٌ"، وابنُ جريرٍ في التفسيرِ، والطبرانيُّ في الأوسطِ، مِنْ حديثِ الزُّهريِّ عَن ابنِ بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ عَنْ جُزءِ بنِ جابرٍ عَنْ كعبِ الأحبار قالَ: لَمَّا كَلَّمَ اللهُ موسى كلَّمَهُ بالألسنةِ كلِّها قبلَ لسانِهِ فَطَفِقَ مُوسَى يَقُولُ: يا رَبِّ، وَاللَّهِ مَا أَفْقَهُ هَذَا. حَتَّى كَلَّمَهُ آخِرَ الْأَلْسِنَةِ بِلِسَانِهِ بِمِثْلِ صَوْتِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ، أَهَكَذَا هذا يا رب كَلَامُكَ؟ فَقَالَ: لَوْ كَلَّمْتُكَ بِكَلَامِي لَمْ تَكُنْ شَيْئًا، أو لمْ تستقمْ لَهُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، هَلْ فِي خَلَقِكَ شَيْءٌ يُشْبِهُ كَلَامَكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَقْرَبُ خَلْقِي شَبَهًا بِكَلَامِي، أَشَدُّ مَا يُسْمَعُ مِنَ الصَّوَاعِقِ "
قال ابن كثير في التفسير: فَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَهُوَ يَحْكِي عَنِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِيهَا الغَثُّ والسَّمِين.
ولمْ نجدْهُ في المطبوعِ مِن كتابِ السُّنَّةِ للخَلَّالِ
– الشيخ: الحمدُ لله استرحنا منه هذي أمورٌ لا يُعوُّلُ عليها، مثل هذا لا يُعوُّلُ عليهِ، فهو من نوع: لا يُصدَّقُ ولا يُكذَّبُ، لا يُصدَّقُ ولا يُكذَّبُ.
ثمَّ أنه -سبحانه وتعالى- حكَوا هذه الأخبار الإسرائيلية، إنما حُكِيَتْ في شأنِ تكليمِ اللهِ لموسى عندمَا جاءَ لميقاتِ ربه، وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ [الأعراف:143] لكنَّهُ -تعالى- قد كلَّمَهُ قبلَ ذلكَ، كلَّمَهُ عندما رأى النارَ فأَتى إليها فنُودِيَ هناكَ، يعني: ذكر.. فناداهُ اللهُ وأعلمَهُ بأنه ربُّه سبحانه وتعالى والآياتُ في هذا متعددةٌ: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى [الشعراء:10] فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي [القصص:29-30]، ناداهُ اللهُ وسمعَ كلامَاً، [….] الله جال في قلبه، سمع الكلام ولم يكن، يعني لم يَخَفْ مِن الكلامِ، خافَ مِن العصا لَمَّا صارتْ حية، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ يعني: من جهة، من جانب الوادي، مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [القصص:30] يعني: جاءَه الصوتُ مِن جهةِ تلكَ الشجرةِ، يعني هذا تحديدًا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا الله رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:30] أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا الله رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ أمرَهُ اللهُ بأن..
هذا أولُ خطابٍ لله وتكليم مِن اللهِ لموسى، لأنَّ اللهَ كلَّمَ موسى مرتين أو ثلاثة، كلَّمَهُ عندَ إرسالِهِ وهذا جاءَ في مواضعَ كثيرة في "سورةِ القصصِ" كما في هذه الآيات، وفي "سورة النملِ"، وفي "سورة طه" ذكرَ اللهُ خطابَهُ له، وطويل: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا.. كلامٌ طويلٌ وتفصيلٌ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:9-18] يقولُ بعضُ المفسرين: إنَّ اللهَ قالَ: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أليسَ هذا جواباً كافياً؟
– القارئ:  كاف
– الشيخ: قَالَ هِيَ عَصَايَ لكنَّه أتى ببعضِ صِفاتِها ومقاصدِها، قيلَ: مِن أجلِ تطويلِ الخطابِ معَ ربِّهِ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سبحانَ الله! خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ.. [طه:18-24] جاءَ الإرسالُ بعدَ هذهِ الأحوالِ، وهذا الكلامُ وهذا الخطابُ، الله أكبر اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً.. [طه:24-27] يعني في "سورةِ طه" فيها تفصيلٌ لهذا اللقاءِ مع ربِّهِ، الله أكبر.
أمَّا هذه الأخبارُ، كما قالَ ابنُ كثير: مُنْتَهَاهَا إلى كعبِ الأحبارِ، وهِيَ مِن الرواياتِ الإسرائيليةِ التي لا يُعَوَّلُ عليها، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
 
– القارئ: وَأَمَّا الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يَسْمَعُ صَوْتَهُ كَصَوْتِ سَائِرِ النَّاسِ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْهُمْ بِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا سَمِعُوا كَلَامَ الله كَمَا سَمِعَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام.
– الشيخ: والله تعليق ابن تيمية على هذا واعتبارُهُ لهذا الكلام ما هو، يعني: نقلَ هذهِ الأخبار ومَرَّرَهَا كأنَّهُ، لم يُعلِّقْ عليها بشيءٍ، بل هو مُقرِّر لها، كأنه يسوقها مُقررٌ، حقًا إنه كلامُ اللهِ وصوتُهُ، لكنَّه كَلَّمَ موسى بما يُطيق، وإلَّا فاللهُ تعالى كلامُهُ إذا تَكَلَّمَ بالوحيٍ أخذتِ السمواتُ منه رَجْفَة، رِعْدَة، وكذلكَ جاءَ في الحديثِ الصحيح: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ) فيَصعقونَ لذلكَ لِسَمَاعِ كلامِ اللهِ، واللهُ تعالى قادرٌ على أنْ يُكلِّمَ مَنْ شاءَ كيفَ شاءَ، يُكلِّمُ جبريلَ، ويُرسلُهُ بالوحي كمَا يشاءُ سبحانه وتعالى إلى مَنْ شاءَ، ويُكلِّمُ الناسَ يومَ القيامةِ، يُكلِّمُ الرسلَ: يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:109] لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.
كلامُ ابن كثير هذا في… أحاله على؟
– القارئالمجلدُ الأول خمسمائة وتسعة وثمانون
– الشيخ: أي على سورةِ الأعرافِ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي [الأعراف:143]
– طالب: كلام ابن تيمية ألا يمكن اعتباره عدم اقرار بما يقولونه، بل محاججةً لهم بما يؤمنون به؟
– الشيخ: أقول: يمكن أنه حاور، تقصدُ أنَّه حاورَ النَّصارى أو تكلَّمَ وهذا خطابٌ مع النَّصارى وهم يُقرُّونَ بهذا، هذا قصدك؟
– طالب: نعم
– الشيخ: إي يعني. أقول: هذا نوعُ اعتذارٍ عَن الشيخِ، الله أعلم.
– طالب: [….]
– الشيخ: إي، وهل كلُّ ما في التوراةِ يصير.. التوراةُ ما ندري عنها.
 
– القارئ: الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ الْجِنِّيَّ إِذَا حَلَّ فِي الْإِنْسِيِّ كَمَا يَحِلُّ فِي الْمَصْرُوعِ وَيَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ، فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ الْكَلَامُ، وَيَعْرِفُ الْحَاضِرُونَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ الْإِنْسِيِّ مَعَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْإِنْسِيِّ، وَحَرَكَةِ أَعْضَائِهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ الصَّوْتَ حَصَلَ بِحَرَكَةِ بَدَنِ الْإِنْسِيِّ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا خَالَفَ بِهِ الْمَعْهُودَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِيِّ، وَالْإِنْسَانُ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الْجِنِّيُّ يَغِيبُ عَنْهُ عَقْلُهُ وَلَا يَشْعُرُ بِمَا تَكَلَّمَ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِهِ، فَرَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَوْ حَلَّ فِي بَشَرٍ وَاتَّحَدَ بِهِ وَتَكَلَّمَ بِكَلَامِهِ، وَكَانَ الْكَلَامُ الْمَسْمُوعُ كَلَامَ الله الْمَسْمُوعَ مِنْهُ، لَكَانَ يَظْهَرُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَعْهُودِ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِيِّ مَا هُوَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ
– الشيخ: سبحان الله العظيم! يعني ما نحتاجُ إلى التقديرِ، هذا النوعُ مِن الشيخِ يعني مِن بابِ الـمُبالَغِةِ في إلجاءِ النَّصارى، وتَكذيبِهم افتراضٌ، أقول: افتراضٌ، لكن الأمرَ كأنَّهُ مُسْتَغْنٍ عن هذا، لو حَلَّ بالإنْسِيِّ لكانَ الكلامَ مُتغيراً والصوت.
 
– القارئ: وَكَانَ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْإِنْسِيِّ غَايَةَ التَّغَيُّرِ، فَإِنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا تَجَلَّى لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا،
– الشيخ: ما صَعِقَ، موسى ما صَعِقَ بمجرَّدِ الكلامِ، موسى ما صَعِقَ مِن سماع ِكلامِ اللهِ، إنَّما صَعِقَ لما رأى الجبلَ صارَ دَكَّاً فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقًا إذا موسى صَعِقَ بسبب ماذا؟ بسببِ ما رأى من حالِ الجبلِ، أمَّا في تكليمِ اللهِ له وخطابِه لَهُ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف:143] معَ كلِّ هذا ما صَعِقَ.
 
– القارئ: فَإِذَا كَانَ الْبَدَنُ الْإِنْسِيُّ لَا يَثْبُتُ لِتَجَلِّيهِ لِلْجَبَلِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ لِحُلُولِهِ فِيهِ وَتَكَلُّمِهِ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِي الْبَدَنِ؟
وَقَدْ كَانَ الْوَحْيُ وَالْمَلَائِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي بَاطِنِهِمْ يَظْهَرُ التَّغَيُّرُ فِي أَبْدَانِهِمْ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ ثَقُلَ حَتَّى يَبْرُكَ بِهِ الْبَعِيرُ، وَإِنْ كَانَ فَخِذُهُ عَلَى أَحَدٍ ثَقُلَ حَتَّى كَادَ يَرُضُّهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ " أَنْ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: «يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ قَالَ:
(أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ). قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا".
– الشيخ: اللهم صلِّ عليه وسلم.
– القارئ: وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ الله مَقَتَ الْآدَمِيِّينَ، لِمَا وَقَرَ فِي سَمْعِهِ مِنْ كَلَامِ الله، وَكَانَ النُّورُ يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى كَانَ يَتَبَرْقَعُ،
– الشيخ:
كلُّ هذا ما نَدري مِن أين جابه؟ [من أين أتى به؟] "وَكَانَ النُّورُ يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى كَانَ يَتَبَرْقَعُ"، مِن أجلِ يسترُ النور، ما في تعليق؟
القارئ: لا ما في شيء ما في تعليق.
وَالْمَسِيحُ عِنْدَ النَّصَارَى قَدِ اتَّحَدَ بِهِ اللَّاهُوتُ مِنْ حِينِ عَلِقَتْ بِهِ مَرْيَمُ
– الشيخ:
"مِنْ حِينِ عَلِقَتْ بِهِ مَرْيَمُ"، يعني: حلَّ اللَّاهوتُ فيهِ وهو في بطنِ أمِّهِ، أو اتَّحدَ بِه وهو في بطنِ أُمِّه، اللهمَّ لكَ الحمدُ، الحمدُ لله الذي هدانا للإسلامِ، الحمدُ للهِ، كلُّها أقاويلٌ، خَيَالاتٌ، سبحانَ الله!
 
– القارئ: وَلَمْ يَزَلْ مُتَّحِدًا بِهِ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِهَا، يَعْظُمُ اتِّحَادُهُ بِهِ كُلَّمَا كَبِرَ، ثُمَّ كَذَلِكَ كَانَ مُتَّحِدًا بِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ إِلَى أَنْ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَعَدَ عَنْ يَمِينِ أَبِيهِ وَهُوَ مُتَّحِدٌ بِهِ عِنْدَهُمْ، وَاللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ جَمِيعًا، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بَدَنُ الْمَسِيْحِ تَغَيُّرًا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَلَا ظَهَرَ مِنَ الْأَنْوَارِ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، بَلْ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَسِيْحَ عليه السلام قَبْلَ أَنْ يُعَمِّدَهُ "يُوحَنَّا" وَيَرَى شِبْهَ الْحَمَامَةِ نَازِلًا عَلَيْهِ، لَمْ يُظْهِرِ الْآيَاتِ، بَلْ كَانَ كَآحَادِ النَّاسِ، وَأَوَّلُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ قَلْبُ الْمَاءِ خَمْرًا.
– الشيخ: هذه كلُّها خَرَابيط [ترَّهات]، اللهم لكَ الحمد.
– القارئ: وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمُجَرَّدِ مَا سَمِعَ الْكَلَامَ ظَهَرَ عَلَيْهِ النُّورُ، وَأَيْنَ سَمْعُ الْكَلَامِ
– الشيخ: هذا الذي نحتاج إلى دليلٍ، من أين هذا الكلام؟ أقول: مِن جنسِ ما قبلَهُ الظاهر. ما ندري، الله أعلم، ما ندري الله أعلم، يعني هذا مِن حينِ سمعَ كلامَ اللهِ، في أيِّ نداءٍ؟ النداء الأول؟ أو في النداء الآخر؟ النداء الأول ما فيه، ولابد أن موسى عليه السلام بعدَ هذا اللقاءِ معَ ربِّهِ وسماعِهِ لكلامِهِ، وما حصلَ مِن آيةِ العصا واليد، الله أعلم، نفترضُ نحن نقول: إنه رجعَ إلى أهلِهِ، إلى زوجتِهِ، [….] أنه سيعودُ إليها، ويبعدُ أنْ يُقالَ أنه ذهبَ ومضى إلى مِصرَ؛ لتبليغِ الرسالةِ ونَسِيَ الزوجة، الأصلُ أنه رجعَ إلى أهلِهِ ثمَّ مضى إلى مهمتِهِ.
 
– القارئ: وَأَيْنَ سَمِعَ الْكَلَامَ منِ الِاتِّحَادُ بِهِ؟
– الشيخ: إي سمعَ، مِن الاتحادِ، يعني: أثرُ الاتحادِ أعظمُ وأعظمُ إذا كانَ أثر للسَّمْع، سَمِعَ الْكَلَامَ فكيفَ بالاتحاد.
 
– القارئ: وَمُوسَى لَمَّا سَمِعَ الْكَلَامَ وَكَلَّمَهُ الله مِنَ الشَّجَرَةِ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ وَظَهَرَ لَهُ مِنْ آيَاتِ الله وَعَظَمَتِهِ مَا يُنَاسِبُ تَكْلِيمَ الله عَزَّ وَجَلَّ.
وَالرَّبُّ دَائِمًا عِنْدَ النَّصَارَى مُتَّحِدٌ بِبَدَنِ الْمَسِيحِ، وَلَمْ يُظْهِرْ مِنْ آيَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعَظْمَةِ إِلَّا مَا يُظْهِرُ أَكْثَرَ مِنْهُ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ.

– الشيخ: إلى هنا يا أخي، تفضل.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :