الرئيسية/فتاوى/حكم التعبير بخدمة الخالق في عبادة العبد لربه
share

حكم التعبير بخدمة الخالق في عبادة العبد لربه

السؤال :

في تعريف بعض العلماء للاعتكاف قالوا: "قطعُ العلائقِ عن الخلائق للاشتغال بخدمة الخالق"  [1] ، فهل يصحُّ التَّعبير "بخدمة الخالق" مع أنَّ الخالق غني عن خلقه ؟ 

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1   لطائف المعارف لابن رجب (ص191)، وحاشية الروض لابن قاسم (3/472).

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على نبيّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد:
فلا أعلم أنَّ عبارة "خدمة الخالق" جاءت عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا عن أحد مِن أصحابه، ولا عن أهل الصَّدر الأول، وإنَّما الذي ورد في النّصوص والآثار هو لفظ العبادة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ [البقرة:21]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ [الحج:77]، فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، لكن ورد لفظ الخدمة في كلام بعض المتأخّرين مِن أهل السُّنَّة، ممن لهم تأثّر في كلامهم بعبارات الصّوفيَّة
[1] .
وبالموازنة بين لفظ العبادة ولفظ الخدمة: يتبيَّن أنَّ العبادة هي المتضمّنة للمعنى اللائق بالله تعالى مِن الحبّ والذّلِّ ؛ فإن مدار العبادة عليهما، قال ابن القيم رحمه الله: 

وعبادةُ الرَّحمنِ غايةُ حُبِّه    معْ ذُلِّ عابدِهِ هما قُطْبانِ [2]

والله يوصَفُ بأنه يُحِبُّ ويُحَبُّ [3] ، كما قال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54].
وأما الخدمة: فحقيقتها القيام بحوائج المخدوم، كما يقوم العبد بخدمة سيّده، وذلك بقضاء حوائجه ؛ لأنَّ المخلوق يحتاج إلى مَن يعينه، ويقضي حوائجه، إمّا لعجزه وإما لشرفه.  
فتبيَّن بهذا أنَّه لا ينبغي إطلاق لفظ "الخدمة" في معاملة العبد لربَّه ؛ فالله تعالى غني عن عباده، وأما قول الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم:
(مَن لم يدَعْ قولَ الزّورِ والعملَ به، فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدعَ طعامَهُ وشرابَهُ) [4] فهو محمولٌ على أنَّه تعالى لا يريد ذلك مِن العبد ؛ فالله ليس به حاجة إلى صيام أحد، تقيًّا كان أو غير تقيٍّ، ولا إلى غير الصّيام من العبادات، لكنَّه تعالى يحبُّ ذلك، ولذا أمر عبادَه بعبادته.
وما ذُكِر في السؤال مِن تعريف الاعتكاف عن بعض المتأخّرين، وهو قولهم: "قطعُ العلائق عن الخلائقِ للاتصال بخدمة الخالق"، فهذا ورد في كلام ابن رجب في "لطائف المعارف"
[5] ، وتابعه عليه بعض المصنِّفين ممَّن جاء بعده، وأما غير ابن رجب من المصنِّفين في الفقه من أهل المذاهب الأربعة فلم يذكروا هذا التعريف -فيما علمتُ-، بل قالوا في تعريف الاعتكاف: إنّه لزوم مسجد لطاعة الله تعالى. أو نحو ذلك مِن القول [6] ، والله أعلم.

أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في الثاني عشر من ذي القعدة 1439هـ

 

 

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 –  ينظر: صيد الخاطر لابن الجوزي (ص341).
2   النونية مع شرح ابن عيسى (1/253).
3 ينظر: قاعدة في المحبة ضمن "جامع الرسائل" (2/193-401)، ومجموع الفتاوى (1/478) و(8/142)، (10/697)، وشرح الأصبهانية (ص39)، ومنهاج السنة (5/388-412)، والاستقامة (2/102)، والنبوات (1/338)، وتوضيح مقاصد العقيدة الواسطية لشيخنا (63-65).
4   أخرجه البخاري (1903) من حديث أبي هريرة.
5 (ص191).
6 –  ينظر: المغني لابن قدامة (4/455)، والمجموع شرح المهذب للنووي (6/474)، وحاشية ابن عابدين على الدر المختار للحصكفي (2/440)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب (2/454).