بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (نونيّة ابن القيم – الكافية الشَّافية)
الدرس: السّتون بعد المئة
*** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى الله وسلم وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وآلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ؛ فقالَ ابنُ القيمِ رحمَه اللهُ تعالى:
فصلٌ: في رغبةِ قائِلِها إلى مَنْ يقفُ عليها مِن أهلِ العلمِ والإيمانِ أنْ يتجرَّدَ للهِ ويحكمَ عليها بما يوجبُهُ الدليلُ والبرهانُ، فإنْ رأى حقًّا قَبِلَهُ وحَمِدَ اللهَ عليهِ، وإنْ رأى باطلاً عَرَّفَهُ وأرشدَ إليهِ.
الحاشية السفلية
↑1 | طلبُ المصنِّف مِن المعترضِ أن يحكمَ بالعدل على النّونيَّة - الشيخ: واضح مِن عنوانِ هذا الفصلِ ومقدمتِه أنه يطلبُ ممن اطَّلعَ عليها وَعَرَفَ ما تضمَّنَتْهُ هذه القصيدةُ العظيمةُ أنْ يحكمَ بِالعَدْلِ لا يَتحاملَ على صاحبِها، لأنه هو يتوقع أنَّ هناك مَن سيطعنونَ عليه فيها، وفعلاً بعضُ الأشاعرةِ حمَلوا على الشيخ قديمًا وحديثاً، حمَلوا عليه وطعَنوا عليه بهذهِ القصيدةِ. وهِيَ على اسمِها: "الشافيةُ الكافيةُ في الانتصارِ للفرقةِ الناجيةِ" فالخارجونَ عَن الفرقةِ الناجيةِ هذا يتعارضُ مع مذاهبِهم لا سيَّما أنه عرضَ لمذاهبِهم في فصولٍ كما تقدَّمَ، والواجبُ في الحكمِ على المقالاتِ وفي كلِّ ما يُحكَّم فيهِ الإنسانُ عليهِ أنْ يَعدِلَ ويتقيَ اللهَ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152]. - القارئ: قالَ رحمه الله تعالى: يَا أيُّهَا القاري لها اجلسْ مَجلسَ الـ ـحَكَمِ الأمينِ انْتَابَهُ الخَصْمَانِ - الشيخ: لها يعني: للنونيةِ للقصيدةِ. نعم يَا أيُّهَا القاري - القارئ: يَا أيُّهَا القارئ لها اجلسْ مَجلسَ الـ ـحَكَمِ الأمينِ انْتَابَهُ الخَصْمَانِ واحكُمْ هداكَ اللهُ حُكْمَاً يشهدُ الـ ـعقلُ الصريحُ بِه معَ القرآنِ واصبِرْ ولا تعجلْ بتكفيرِ الذي قدْ قالَها جهلاً بلا بُرهانِ - الشيخ: بتكفيرِ، كَفَّرُوهُ! واصبِرْ ولا تعجلْ. - القارئ: واصبِرْ ولا تعجلْ بتكفيرِ الذي قدْ قالَها جهلاً بلا بُرهانِ - الشيخ: قالَها جهلاً، الجهلُ اللي حَال مِن مَنْ؟ - القارئ: حالٌ مِن الـمُكفِّر. - الشيخ: إي، ولا تعجلْ بتكفيرِ الذي قالَها بتكفيرِهِ جهلاً بتكفيرِهِ جهلاً، بلا - طالب: قالُهُ ولّا قالَهَا؟ - الشيخ: قالَها القصيدة. عندكَ قالَه؟ - القارئ: نعم. - الشيخ: لا لا. - القارئ: وَاحْبِسْ لسانَكَ بُرهةً عَنْ كفرِهِ - الشيخ: وَاحْبِسْ لسانَكَ، لا تعجلْ يعني، بُرهةً، وقتاً مِن الزمان. - القارئ: وَاحْبِسْ لسانَكَ بُرهةً عَنْ كفرِهِ حتى تُعَارِضَهَا بِلا عُدْوانِ - الشيخ: حتى تعارِضَها معَ الأدلةِ العقليةِ والشرعيةِ. وَاحْبِسْ لسانَكَ - القارئ: وَاحْبِسْ لسانَكَ بُرهةً عَنْ كفرِهِ حتى تُعَارِضَهَا بِلا عُدْوانِ فإذا فعلتَ فعندَهُ أمثالُها فَنَزَالِ آخرُ دعوةِ الفرسانِ - الشيخ: آخر دعوةِ الفرسانِ الدعوةُ إلى المبارزةِ، نَزالِ يعني: انزلْ، فَنَزَالُ آخرِ دعوةِ الفرسانِ. الفرسانُ على ظهورِ خُيولِهم يتقاتلونَ، وفي آخرِ الأمرِ يدعو بعضُهم بعضَاً إلى المبارزةِ والنزولِ. أعد البيتين. - القارئ: وَاحْبِسْ لسانَكَ بُرهةً عَنْ كفرِهِ حتى تُعَارِضَهَا بِلا عُدْوانِ فإذا فعلتَ فعندَهُ أمثالُها فَنَزَالِ آخرُ دعوةِ الفرسانِ فالكفرُ ليسَ سِوى العِنادِ وَرَدِّ مَا جاءَ الرسولُ بِه لقولِ فلانِ فانظرْ لعلَّكَ هكذا دونَ الذي قَدْ قالَها فتفوزَ بالخسرانِ فالحقُّ شمسٌ والعيونُ نواظرٌ - الشيخ: فالحقُّ شمسٌ والعيونُ نواظرٌ. هذهِ طيّبة، حكمة. - القارئ: فالحقُّ شمسٌ والعيونُ نواظرٌ لا تختفي إلّا على العُمْيانِ والقلبُ يَعْمَى عَنْ هداهُ كمثلِ مَا تَعْمَى وأعظمَ هذهِ العَيْنَانِ - الشيخ: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ.. فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب [الحج:46] {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب}. |
---|---|
↑2 | الأصنافُ الأربعة الذين امتحنَ بهم النَّاظم وبيان حال العدو الأوَّل وهو المتعالم - القارئ: والقلبُ يَعْمَى عَنْ هداهُ كمثلِ مَا تَعْمَى وأعظمَ هذهِ العَيْنَانِ هذا وإنِّي بعدُ مُمْتَحَنٍ بأر بعةٍ وكلُّهم ذَوو أضْغَانِ - الشيخ: رحمه الله، ممتحن. - القارئ: فظٌّ غليظٌ جاهلٌ مُتَمَعْلِمٌ ضخمُ العمامةِ واسعُ الأَرْدَانِ - الشيخ: الله المستعان - القارئ: مُتَفَيْهِقٌ مُتَشَدِّقٌ مُتَضَلِّعٌ بالــــ جهلِ ذُو ضَلْعٍ مِن العِرفانِ - الشيخ: عندك تعليق "ضَلْع"؟ - القارئ: مَنْ تَضَلَّعَ امتلأَ شَبَعَاً وَرِيّاً حتى بلغَ الماءُ أضلاعَهُ.. والضَّلْعُ: الميلُ والعِوَجُ، يعني: ابتعادَهُم عَن العلمِ. - الشيخ: أيش تقول؟ - القارئ: لأنه قال: مُتَضَلِّعٌ بالــــ .. جهلِ ذُو ضلْعٍ مِن العِرفانِ يعني: تَضَلَّعَ بالجهلِ ومالَ عَن العلمِ. - الشيخ: وين العلم؟ تقول: مُتَضَلِّعٌ مِن العرفانِ. - القارئ: ... مُتَضَلِّعٌ بالــــ جهلِ ذُو ضَلْعٍ مِن العِرفانِ - الشيخ: ذُو ضَلْعٍ مِن العِرفانِ. طيّب. - القارئ: مُزْجَى البِضَاعَةِ في العلومِ وإنَّهُ زَاجٍ مِن الإيهامِ والهَذَيانِ يَشكو إلى اللهِ الحقوقَ تَظُلُّمَاً - الشيخ: تشكو - القارئ: يشكو أحسنَ الله إليك. - الشيخ: لا، تشكو - القارئ: تَشكو إلى اللهِ الحقوقُ تَظُلُّمَاً أحسنَ الله إليك، لأنَّه جعلَ "الحقوقَ" مفعول - الشيخ: لا، لا، تشكو. - القارئ: تَشكو إلى اللهِ الحقوقُ تَظُلُّمَاً مِن جهلِهِ كشكايةِ الأبدانِ مِن جاهلٍ مُتَطَبِّبٍ يُفتي الورى ويحيلُ ذاكَ على قَضَا الرحمانِ عَجَّتْ فروجُ الخلقِ ثمَّ دماؤُهم وحقوقُهم منْهُ إلى الدِّيانِ ما عندَهُ عِلْمٌ سِوى التكفيِر والتـ ـبديعِ والتضليلِ والبُهْتانِ فإذا تَيَقَّنَ أنَّهُ المغلوبُ عنـ ـدَ تقابُلِ الفُرسانِ في الميدانِ قالَ اشتكوهُ إلى القضاةِ فإنْ همُ حَكَمُوا وإلَّا اشكوهُ للسُّلطانِ قولوا لَه هذا يَحُلُّ الـمُلك بلْ هذا يريدُ الـمُلكَ مثلَ فلانِ - الشيخ: ما أشبهَ الليلة بالبارحةِ! ما أشبهَ الأحوالَ الحاضرُ بالماضي! - القارئ: فَاعْقِرْهُ مِن قبلِ اشتدادِ الأمرِ منـْ ـهُ بقوةِ الأتباعِ والأعوانِ وإذا دعاكُمْ للرسولْ وحُكمِهِ فادعوهُ للمعقولِ بالأذهانِ فإذا اجتمعتُمْ في المجالسِ فالغَطُوا والغَوا إذا ما احتجَّ بالقرآنِ واستنصِرُوا بمحاضرٍ وشهادةٍ قَدْ أُصْلِحَتْ بالرِّفْقِ والإتقانِ لا تَسْألُوا الشهداءَ كيفَ تحمَّلُوا وبأيِّ وقتٍ أو بأيِّ مكانِ وارفُوا شهادتَهم ومَشُّوا حالَها بل أصلحُوها غايةَ الإمكانِ وإذا هُمُ شهدُوا فزكُّوهُم ولا تَصْغَوا لقولِ الجارحِ الطَّعَانِ قولوا عدالةُ مثلِهِم قطيعةٌ لَسْنَا نعارضُها بقولِ فلانِ ثبتَتْ على الحُكَّامْ بلْ حكمُوا بِها فالطَّعنُ فيها غيرُ ذِي إمكانِ مَنْ جاءَ يَقْدَحُ فيهمُ فليتخذْ ظَهراً كمثلِ حجارةِ الصُّوانِ وإذا هوَ استعدادُهُم فجوابُكم أتردُّها بعداوةِ الدَّيَّانِ فصلٌ: في حالِ العدوِّ الثاني - الشيخ: بس [يكفي] اقرأ اللي قاله الهرَّاس على هذا الفصلِ -رحمهم الله- اللهُ المُستعان. - القارئ: قالَ الشيخُ محمد خليل الهَرَّاس -رحمه الله تعالى-: بعدَ أنْ فرغَ المؤلِّفُ مِن نَظْمِ هذهِ القصيدةِ الجامعةِ التي عالجَ فيها القضايا الإيمانيةِ ونصرَ مذهبَ السَّلَفِ بما لا يُحْصَى مِن البراهينِ العقليةِ والنَّقليةِ، ودَحْضِ مذاهبِ الـمُعَطِّلَةِ النُّفَاةِ، وَرَدَّ عليهِم بأدلةٍ حاسمةٍ قويةٍ، تَوَجَّه إلى مَن قرأهَا وتأمَّلَ أبياتَها أنْ يَنْصُبَ مِن نفسِه حَكَماً أميناً مُنَزَّهَاً مِن الهوى والتعصُّبِ، وأنْ يحكمَ لها أو عليها حُكماً قائماً على العقلِ الصريحِ الخالي مِن شوائبِ الوهمِ وعلى النصوصِ القرآنيةِ الواضحةِ. ثمَّ طلبَ إليهِ أنْ لا يتسرَّعَ في رَمْيِ قائلِها بالكفرِ حتى يقومَ بمعارضتِها معارضةً نزيهةً لا يَقصدُ بها إلا وجهَ الحقِّ في غيرِ ظلمٍ ولا عدوانٍ، فإنْ هو فعلَ ذلكَ -ولا أَخَالُهُ يفعلُ- فسيجدُ عندَهُ مِن أمثالِها مَا يهدمُ معارضتَهُ ويَفِلُّ غَرْبَها، - الشيخ: أيش؟ ... يَفُلُّ عندكم؟ ويَفُلُّ أيش؟ - القارئ: ويَفُلُّ غربَها - الشيخ: طيِّب، بس [لكن] ما وردت الكلمة في النَّظم! - القارئ: لا، لا، ما وردت. لأنَّهُ مُستعِدُّ لقراعِ الأبطالِ ومنازلتِهم في مضمارِ الحِجاجِ والجِدالِ، على أنَّه لا يستحقُّ أحدٌ اسمَ الكفرِ إلا إذا عاندَ الحقَّ ورَدَّ ما جاءَ بِه الرسولُ صلّى اللّه عليه وسلّم مِن أجلِ آراءِ الناسِ وأقوالِهم. فانظرْ إذاً أيُّها المتسرِّعُ بالتكفيرِ لعلَّكَ أنْ تكونَ أنتَ المتصِفَ بما يُوجِبُ الكفرَ دونَ قائلِها فترجعُ بالخيبةِ والخِذلانِ، فالحقُ في ظهورِه ووضوحِه كالشمسِ في رأدِ الضُّحى صَحواً ليسَ دونَها قَتَرٌ ولا سحابٌ، والعيونُ السليمةُ تراها وتنظرُ إليها فلا تَخفى إلا على العُميانِ، فكذلكَ بصيرةُ القلبِ في إدراكِها للحقِّ إذا كانتْ سليمةً غيرَ مدخولةٍ، ولكنَّها أحياناً تَعمى وتنطمِسُ مثلَ ما تَعمى العينانِ - الشيخ: وأعظم - القارئ: بلْ أشدُّ وأعظمُ، كما قالَ تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ولكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ فقولُه: "أعظم" عطفٌ على "مثلِ" وقولُه: "هذهِ العَينانِ" فاعلُ تَعمى. يذكرُ المؤلِّفُ في هذهِ الأبياتِ والتي بعدَها كيفَ امتحنَ بتألُّبِ الخصومِ والأعداءِ عليهِ وعلى شيخِهِ العظيمِ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَهما اللهُ، وكيفَ كانوا يُدبِّرونَ لهما المكايدَ ويَسْتَعْدُونَ عليهِما الشعوبَ والحكامَ فللهِ كمْ لَقِيَ هذانِ الامامانِ الجليلانِ مِن عداواتٍ وإِحَنٍ صنعَها الجهلُ والتعصبُ الأعمى مِن الفقهاءِ الجامدينَ وزنادقةِ المتكلمينَ والصوفيةِ المارقينِ، ومَن كانَ يسمعُ لهمْ مِن الأمراءِ والسلاطينَ وكثيرٌ غيرُ هؤلاءِ مِن العامةِ والدَّهماءِ الذين كانوا يدينونَ دينَ الخرافةِ مِن عبادةِ القبورِ والعكوفِ عليها وتأليهِ شيوخِ الصوفيةِ والخضوعِ لهمْ. فصبرا على ما امْتُحِنَا وثَبَتَا في وجهِ الباطلِ وتَحَمَّلَا الاضطهادَ والحبسَ حتى أقامَا حجةَ اللهِ في أرضِهِ، وتركَا مِن بعدِهما ثروةً علميةً، هي لبابُ العلمِ وخلاصةُ المعرفةِ وهي الإسلامُ نقيًّا مِن كلِّ شائبةٍ، فجزاهُما اللّهُ عَن كلِّ مَن انتفعَ بعلمِهما خيرَ ما يجزي بِهِ العلماءَ العاملينَ. يذكرُ المؤلِّفُ أنَّهُ امْتُحِنَ بأربعةِ أصنافٍ مِن الناسِ وكلُّهم ذَوو ضَغْنٍ وأحقادٍ عليهِ، أمَّا الأولُ فهو مِن ذلكَ النوعِ الذي يسترُ جهلَهُ بالكِبرِ والنَّفخةِ، ويتوارى وراءَ الثيابِ الواسعةِ الفضفاضةِ والكلماتِ الفخمةِ الطَّنَّانةِ، فهو كما يقولُ: فظٌّ غليظُ الطبعِ، جاهلٌ يتظاهرُ بالعلمِ، حَسَنُ المظهرِ والرَّواءِ، فهو ضخمُ العمامةِ واسعُ الأكمامِ مُتفيهق يتشدَّقُ بالكلامِ، وهو راسخٌ في الجهلِ، ومعَ ذلكَ مَن يراهُ يظنُّهُ مِن أهلِ المعرفةِ لِصَلَعِ رأسِهِ، أحسنَ الله إليك، الشارحُ شرحَ على نسخةٍ: "مُتَضَلِّعٌ ذو صَلَعٍ" - الشيخ: بدلَ ضَلع. أي، يقول أيش؟ - القارئ: ومعَ ذلكَ مَنْ يَرَاهُ يظنُّهُ مِنْ أهلِ المعرفةِ لِصَلَعِ رأسِهِ - الشيخ: لِصَلَعِ رأسِهِ، ذُو صَلْعَةٍ، طيّب تفضل. - القارئ: وهو قليلُ البضاعةِ في العلمِ، ولكنَّه ذو ثروةٍ هائلةٍ مِن الأوهامِ والخرافاتِ. وهو إذا كانَ قاضياً لا يعرفُ وجوهَ القضاءِ، فكمْ ضَيَّعَ مِن حقوقٍ، حتى أنَّ الحقوقَ لتشكو إلى اللهِ مُتظلِّمةً مِن جهلِه، كما تشكو الأبدانُ مِن طبيبٍ جاهلٍ لا يعرفُ كيفَ يُشَخِّصُ الداءَ لِيَصِفَ لَه الدواءَ المناسِبَ فهو يقتلُ الناسَ بجهلِهِ ويحملُ ذلكَ على القضاءِ والقدرِ. وكمْ ضَجَّتْ منه فروجُ الناسِ ودماؤُهُم وحقوقُهم التي ضَيَّعَها إلى اللهِ الـمَلِكِ الدَّيَّانِ. وقُصارى علمِه رَمْيُ خصومِه بأشنعِ التُّهمِ مِن التكفيرِ والتبديعِ والتضليلِ وبَهْتِهِم بالإثمِ والعدوانِ، فإذا دُعِيَ إلى المناظرةِ وأيقنَ أنه منهزمٌ مغلوبٌ لجأَ إلى حيلةِ العاجزِ الضعيفِ، وهي الجأرُ بالشكوى مرةً إلى القضاءِ ومرةً إلى السلطانِ، وهو يستعديْ عليه السلطانَ بأنَّ كلامَهُ هذا يثيرُ فتنةً تحلُّ عقدَ الـمُلْكِ، بلْ تُزيلُه، وأنَّ الواجبَ هو عَقْرُهُ والقضاءُ عليهِ قبلَ أنْ يجتمعَ عليهِ الناسُ ويكثرَ أتباعُهُ وأعوانُهُ. وهو يُوصِي مَنْ معَهُ ويرسمُ لهمْ الخُططَ، فيقولُ: إذا دعاكُم إلى الكتابِ والسنةِ، فادعوهُ إلى ما قالَ الغزاليُّ والرازيُّ وغيرُهما، وإذا اجتمعتُم معَه في مجلسٍ فشَوِّشُوا عليهِ حتى لا يُسمَعَ كلامُه، وإذا ما ساقَ حججَ القرآنِ فالغَوا فيها ورُدُّوهَا عليهِ بأنَّها ظواهرُ لفظيةٌ لا تفيدُ اليقينَ، ثمَّ استنصروا عليهِ بما حُرِّرَ ضدَّهُ مِن محاضرَ وبشهاداتِ الزورِ التي أُدِّيَتْ ضِدَّهُ بإحكامٍ وإتقانٍ، ولا تسألوا هؤلاءِ الشهودَ كيفَ تَحمَّلُوها ولا عَن وقتِ تحمُّلِها ومكانِه، بل أصلحُوا ما فيها مِن خللٍ وسووُّهَا تسويةً حتى تُقْبَلَ، وإذا هم شهِدوا عليهِ بالزورِ فزكُّوا شهادَتهُم ولا تلتفتُوا إلى قولِ مَن يجرحُهم أو يطعنُ فيهِم، وقولوا لَه أنَّ عدالتَهم قطعيةٌ قدْ حكمَ بها الحُكَّامُ وقَبِلَها القضاةُ، فالطعنُ فيها مستحيلٌ، ومَن أرادَ أنْ يقدحَ في عدالتِهم فليستندْ على ظهرٍ متينٍ. انتهى أحسنَ الله إليك. - الشيخ: أحسنتَ، جزاك الله خيراً. |