الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(40) الاحتجاج بشهادة العقل وحده باطلة
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(40) الاحتجاج بشهادة العقل وحده باطلة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الأربعون

***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، والحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ سيَّدَنا ونبيَّنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ المؤلِّفُ -غفرَ اللهُ لنا وله-؛ الوجهُ الثالثُ والعشرونَ مِن أوجُهِ بيانِ بطلانِ دعوى تقديمِ العقلِ على النقلِ قالَ -رحمَه اللهُ-:
الوجهُ الثالثُ والعشرون: وهوَ أنَّ الأدلّةَ السمعيَّةَ، نوعٌ دلَّ بطريقِ التنبيهِ والإرشادِ على الدليلِ العقليِّ فهوَ عقليٌّ سمعيٌّ، ومِن هذا غالبُ أدلَّةِ النبوَّةِ والمعادِ والصّفاتِ والتوحيدِ، وما لا يقومُ التنبيهُ على الدليلِ العقليِّ منه فهوَ يسيرٌ جدَّاً، وإذا تدبَّرْتَ القرآنَ رأيتَ هذا أغلبَ النوعين عليه، وهذا النوعُ يمتنعُ أنْ يقومَ دليلٌ صحيحٌ على معارضتِهِ لاستلزامِهِ مدلولَهُ، وانتقالِ الذهنِ فيه من الدليلِ إلى المدلولِ ضروريٌّ، وهوَ أصلٌ للنوعِ الثاني الدالِّ بمُجرَّدِ الخبرِ، فالقَدْحُ في النوعين بالعقلِ مُمتنِعٌ بالضرورةِ. أمّا الأوّلُ فلما تقدّمَ، وأمَّا الثاني فلاستلزامِ القَدْحِ فيه القَدْحُ في العقلِ الّذي أثبتَهُ، وإذا بَطُلَ العقلُ الَّذي أثبتَ السمعَ، بَطُلَ ما عارضَهُ مِن العقلياتِ كما تقدَّمَ تقريرُهُ، يوضِّحُهُ الوجهُ الرابعُ والعشرون.

– الشيخ: المقصود إنَّ الأدلَّة الشرعيَّة من الآيات يعني هما نوعان، نوع فيه يعني إرشاد إلى دلالة العقل، فيكون هذا الدليل عقليٌّ شرعيٌّ، وهذا كثير في أدلّة البعث والنبوّة والتوحيد، والنوع الثاني الدلالة بمجرَّد الخبر، فإذا قلنا مثلاً قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ تُبۡعَثُونَ [المؤمنون: 16] هذا من أدلّة البعث، لكنّه سمعيٌّ محض خبر؛ لأنَّه دلَّ على البعث بمجرّد الخبر بس، والنوع الثاني متضمِّن لدلالة عقليّة.
اقرأ: إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ [فصلت: 39] فيها خبر عن البعث ولكن مع ذكر الدليل، إنّ الذي أحياها لمحيي الموتى، وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ [فصلت: 39] فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها، كيف يحيي الأرض بعد موتها، إنّ ذلك لمحيي الموتى، إذاً هذا يتضمّن الخبر عن وقوع البعث لكن مقرون بدليل عقليّ على إمكان وقدرة الله عليه، وهكذا أمر الرسول معنى قوله: إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ [يس: 3] هذا خبر عن رسالته محض خبر يدلّ على رسالته بمجرّد الإخبار، إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ، ومن الآيات المتضمِّنة للإرشاد إلى بعض الدليل العقليّ، مثل قوله تعالى: إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ [الحاقة: 40]، إلى قوله: تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ [الحاقة: 43] وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ٤٤ لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ [الحاقة:44-46].
فلو كان كذّاباً ما تركه الله يبتلي ويقتل المنتسبين إلى الشرائع، وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ٤٤ لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ ومثل قوله: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].

 
– القارئ: قالَ: ومِن هذا غالبُ أدلّةِ النبوّةِ والمعادِ والصفاتِ والتوحيدِ، هلْ الدليلُ العقليُّ دلَّ على الصفاتِ؟
– الشيخ: أي زين، في صفات عقليّة، الصفات فيها تقسيم صفات عقليّة وصفات سمعيّة محضة، فالعلم والقدرة والسمع والبصر والحياة هذه صفات عقلية يعني يدلّ عليها السمع والعقل جميعاً، لكن مثل الضحك والفرح أو الوجه واليدين صفات خبريّة، أو قل سمعيّة محضة، ولهذا مثل الأشاعرة في إثباتهم الصفات السبع يستدلّون عليها بالعقل، يستدلّون على الصفات السبع بالعقل، وأهل السُّنة يوافقون هذا الاستدلال صحيح استدلالهم على الصفات السبع بالعقل صحيح.
– طالب: منها الكلام؟

– الشيخ: أي نعم منها الكلام أجل؛ لأنَّ الكلام كمال، في عبارة شوفوها بالتدوينيّة، يقولون:
الفعل الحادث يدلّ على القدرة والتخصيص يدلّ على الإرادة والإحكام في الخلق يدلّ على وهذه الثلاث: القدرة والإرادة، العلم والقدرة والإرادة تستلزم الحياة، يقول: والحيّ لا بدّ أن يكون سميعاً بصيراً متكلّماً، أو أصمّ أعمى أبكم، والثاني مُمتنِع فوجب أن يكون سميعاً بصيراً متكلّماً.
 

– القارئ: قالَ الوجهُ الرابعُ والعشرون أنَّه ليسَ في القرآنِ صفةٌ إلّا وقد دلَّ العقلُ الصريحُ على إثباتِها لله تعالى، فقد تواطئَ عليها دليلُ العقلِ.
– الشيخ: هذا يعني الله أعلم في شيء منها فيه تأمُّل، يعني كلّ الصفات الّتي دلَّ عليها القرآن يعني تُعلَم بطريق العقل، هذا فيه نظر في كلامه -رحمه الله- هو كلام مجمل ما فصَّل، أمّا القدرة والسمع والبصر والكلام والحياة، بل قل والرحمة والمحبّة والغضب، يمكن فيها هذا الكلام، إثباتها بالسمع والعقل لكن في صفات جاءت في القرآن لكن ما يظهر أنّه قال هذه يدلّ عليها العقل لو لم يأتِ بها القران دلَّ عليها العقل.
– طالب: …

– الشيخ: لا خبريّة خبريّة، العلو العلو دليله العقل والسمع.
 

– القارئ: قالَ: أنَّهُ ليسَ في القرآنِ صفةٌ إلّا وقد دلَّ العقلُ الصريحُ على إثباتِها للهِ تعالى، فقدْ تواطئَ عليها دليلُ العقلِ والسمعِ، فلا يمكنُ أنْ يُعارضَ ثبوتَها دليلٌ صحيحٌ البتةَ، لا عقليٌّ ولا سمعيٌّ، بلْ إنْ كانَ المُعارِضُ سمعيّاً كانَ كذباً مُفترَى، أو ممّا أخطأَ المُعارِضُ بهِ في فهمِهِ، وإن ْكانَ عقليَّاً فهيَ شُبهةٌ خياليَّةٌ، واعلمْ أنَّ هذهِ دعوى عظيمةٌ ينكرُها كلُّ جهميٍّ ونافٍ وفيلسوفٍ، ويعرفُها مَن نوَّرَ اللهُ قلبَهُ بالإيمانِ، وباشرَ قلبُهُ معرفةَ الَّذي دعَتْ إليهِ الرُّسُلُ، وأقرَّتْ بهِ الفِطَرُ و شهدَتْ بهِ العقولُ الصحيحةُ المستقيمةُ، لا المنكوسةُ المركوسةُ، وقدْ نبَّهَ اللهُ سبحانَهُ في كتابِهِ على ذلكَ في غيرِ موضعٍ، وبيَّنَ أنَّ ما وصفَ بهِ نفسَهُ هوَ الكمالُ الَّذي لا يستحقُّهُ سِواهُ، فجاحدُهُ جاحدٌ لكمالِ الربِّ فإنَّهُ يُمدَحُ بكلِّ صفةٍ وصفَ بها نفسَهُ، وأثنى بها على نفسِهِ ومجَّدَ بها نفسَه وحَمِدَ بها نفسَهُ، فذكرَها سبحانَهُ على وجهِ المِدحةِ لهُ والتعظيمِ والتمجيدِ، وتعرَّفَ بها إلى عبادِهِ ليعرفوا كمالَهُ ومجدَهُ وعظمتَهُ وجمالَهُ، وكثيراً ما يذكرُها عندَ ذكرِ آلهتِهم الّتي عبدُوها مِن دونِه، فذكرَ سبحانَه مِن صفاتِه كمالَه وعلوَه على عرشِه، وتكلُّمَه وتكليمَه وإحاطةَ علمِه ونفوذَ مشيئتِه ما هوَ مُنتفٍ عن آلهتِهم، فيكونُ ذلكَ مِن أدلِّ دليلٍ على بطلانِ إلاهيتِها وفسادِ عبادتِها.
ويذكرُ ذلكَ عندَ دعوتِه عبادَه إلى ذكرِه وشكرِه وعبادتِه، فذكرَ لهم مِن أوصافِ كمالِه ونعوتِ جلالِه ما يجذبُ قلوبَهم إلى المبادرةِ إلى دعوتِه، والمسارعةِ الى طاعتِه، و يذكرُ صفاتَه لهم عندَ ترغيبِهم وترهيبِهم، لتعرفَ القلوبُ مَن تخافُه وترجوهُ، و يذكرُ صفاتَه أيضاً عندَ أحكامِه وأوامرِه ونواهيه، فقلَّ أنْ تجدَ آيةَ حُكمٍ مِن أحكامِ المكلَّفين، إلَّا وهيَ مُختتَمةٌ بصفةٍ مِن صفاتِه أو صفتين وقد يذكرُ الصفةَ في أوّلِ الآيةِ ووسطِها وآخرِها كقولِه تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]
فيذكرُ صفاتِه عندَ سؤالِ عبادِه لرسولِه -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- عنه، ويذكرُها عندَ سؤالِهم لهُ عن أحكامِها حتّى أنَّ الصلاةَ لا تنعقدُ إلّا بذكرِ أسمائِه وصفاتِه، فذِكرُ أسمائِه وصفاتِه.

– الشيخ: لا تنعقد الصلاة إلّا بذكر أسمائه وصفاته يعني الله أكبر.

– القارئ: فذِكرُ أسمائِه وصفاتِه روحُها وسرُّها، يصحبُها مِن أوَّلِها إلى آخرِها، وإنَّما أَمَرَ بإقامتِها ليُذكَرَ بأسمائِه وصفاتِه، وأمرَ عبادَهُ.
– الشيخ: سبحان الله الصلاة هاي [هذه] يعني ظاهر فيها التميُّز على بقية الشرائع، من جهة عموم وجوبها زماناً ومكاناً وفاعلاً عامّاً لجميع المكلّفين، الصلاة واجبة في كل زمان ما في، وفي جميع الأحوال، والذكر شامل لها من أوّلها لآخرها.
 

– القارئ: قالَ: وأمرَ عبادَهُ أنْ يسألوهُ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، ففتحَ لهم بابَ الدعاءِ رغباً ورهباً ليذكرَهُ الداعي بأسمائِهِ وصفاتِهِ فيتوسَّلُ إليهِ بها، و لهذا كانَ أفضلُ الدعاءِ ما توسَّلَ فيهِ الداعي إليهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ قالَ اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]
 وكانَ اسمُ اللهِ الأعظمُ في هاتين الآيتين: (آيةُ الكرسي وفاتحةُ آلِ عمرانَ) لاشتمالِهما على صفةِ الحياةِ المُصحِّحةِ لجميعِ الصفاتِ، وصفةِ القيوميَّةِ المُتضمِّنةِ لجميعِ الأفعالِ، ولهذا كانَتْ سيِّدةَ آيِ القرآنِ وأفضلِها، ولهذا كانَتْ سورةُ الإخلاصِ تَعدِلُ ثُلثَ القرآنِ؛ لأنَّها أخلصَتِ الإخبارَ عن الربِّ تعالى، وصفاتُه دونَ خلقِه وأحكامُه وثوابُه وعقابُه، وسمعَ النبيُّ -صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- رجلاً يدعو اللّهم إنَّي أسألُكَ بأنَّكَ أنتَ اللهُ الَّذي لا إله إلَّا أنتَ المنَّانُ  بديعُ السماواتِ والأرضِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ يا حيُّ يا قيّومُ .
وسمعَ آخرَ يدعو اللّهم إنَّي أسألُكَ بأنَّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللهُ الَّذي لا إله إلَّا أنتَ الأحدُ الصمدُ الَّذي لمْ يلدْ ولم يُولَدْ و لم يكنْ لهُ كفواً أحدٌ.
فقالَ لأحدِهما: لقدْ سألَ اللهَ باسمِهِ الأعظمِ، الَّذي إذا دُعِيَ بهِ أجابَ وإذا سُئِلَ بهِ أعطى وقالَ للآخرِ: سَلْ تُعطَ، وذلكَ لما تضمَّنَهُ هذا الدعاءُ مِن أسماءِ الربِّ وصفاتِهِ، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّه قالَ

– الشيخ: انتهى.. الكلام؟
– القارئ: نعم أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: خلك يكون في الحديث الصحيح.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة