الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(43) كذب من زعم أن السلف لا يدرون معاني ألفاظ الصفات
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(43) كذب من زعم أن السلف لا يدرون معاني ألفاظ الصفات

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الثَّالث والأربعون

***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ قالَ المُؤلِّفُ -غفرَ اللهُ لنا ولهُ-:
وَقَدْ فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْآيَاتِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْجَهْمِيَّةُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ وَقَالَ: إِنَّهُمْ تَأَوَّلُوهَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا.

– الشيخ: كتاب الإمام أحمد معروف مشهور: الردُّ على الجهميَّةِ والزنادقةِ فيما شكَّتْ فيه من مُتشابِهِ القرآنِ وتأوَّلتْهُ على غيرِ تأويلهِ، الله المستعان نعم رحمه الله.
 
– القارئ: وَقَالَ: إِنَّهُمْ تَأَوَّلُوهَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا، وَبُيِّنَ مَعْنَاهَا، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ وَعَلِمُوا الْمُرَادَ بِآيَاتِ الصِّفَاتِ كَمَا عَلِمُوا الْمُرَادَ مِنْ آيَاتِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا الْكَيْفِيَّةَ، كَمَا عَلِمُوا مَعَانِيَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَقِيقَةَ كُنْهِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ.
– الشيخ: الله أكبر الله أكبر نعلم معاني ما أخبرَ الله، نعلمُ معاني ما أخبرَ اللهُ به عن نفسه وما أخبر به عن اليوم الآخر، نعلم المعاني لكن لا نعلم الكُنْهَ والكيفيّةَ والحقيقة، فنعلم معنى النزول لكن لا نعلم كيفيته فلا نقول كيف ينزل أمّا النزول نعلمه أنّه دنوٌ من علوٍ، كذلك الاستواء نعلم معناه أنَّه علوٌّ على العرشِ واستقرار كما جاء تفسير ذلك عن السلف العلو والصعود لكن لا نعلم كيف هو على العرش.
ولهذا جمع الإمام مالك -رحمه الله- بكلماته الطريقة القويمة: الاستواء معلوم والكيف مجهول خلاص، الاستواء معلوم لغةً؛ لأنَّ الله خاطب عباده بلسان عربيٍّ مفهوم بلسان واضح يعلمون يعني كلّ من سمع من العرب {الرحمنُ على العرشِ استوى} يفهم معنى استوى، الاستواء معلوم لكنَّ الكيفَ غير معقولٍ لنا ولا معلومٍ.
– طالب: أحسن الله إليك السؤال عنه بدعة يا شيخ؟
– الشيخ: نعم، بعده.
 
– القارئ: قال: فَمَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، بِهَذَا الْمَعْنَى، فَهُوَ حَقٌّ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ..
– الشيخ: لا يعلمُ من قالَ إنَّ المتشابهَ لا يعلمُ تأويله إلَّا الله يريدُ لا يعلم كُنه حقائق كنهه وحقائق معانيه فهذا حقٌّ، أمَّا إذا أراد أنَّ المتشابه لا يعلم معناه إلا الله فهذا باطل، بل الآيات المتشابهات معانيها معلومة، ولهذا أمرنا الله بتدبُّر القرآن كلّه والشيء الذي لا يُعلم معناه لا يُتدبَّر ولا يؤمر بتدبُّره، شيء لا يُفهم معناه ليس له معنى مفهوم ماله معنى مفهوم لا معنى للأمر بتدبُّره، فالأمر بتدبُّر القرآن يدلُّ على أنَّ القرآن كلَّه يُمكن فهمه.
نعم كما يعني قرر ذلك وأوضحه وفصَّله شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه ومن ذلك ما في القاعدة الخامسة من العقيدة التدمريّة، القاعدة الخامسة تكلَّم على هذا المعنى في أوّلها وفي آخرها.
 
– القارئ: فَمَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، بِهَذَا الْمَعْنَى، فَهُوَ حَقٌّ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُهُ وَبَيَانُ الْمُرَادِ مِنْهُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ رحمه الله: عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رحمَهُ اللهُ-: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ مَا أَرَادَ بِهَا، إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ مَا أَرَادَ بِهَا وَقَالَ مَسْرُوقٌ -رحمه الله-: مَا نَسْأَلُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَعِلْمُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ عِلْمُنَا قَصُرَ عَنْهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلَّا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بَيَانُهَا
– الشيخ: أي بيان فسادها وبُطلانها.
– القارئ: وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مُعَارَضَةَ الْعَقْلِ لِلسَّمْعِ لَا بُدَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْلُكَ أَحَدَ هَذِهِ الْمَسَالِكِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاطِلَةِ، وأَسْلَمُهَا هَذَا الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ، وَقَدْ عَلِمْتَ بُطْلَانَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ أَقَلَّهَا بُطْلَانًا لِأَنَّهُ لا يَتَضَمَّنُ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَقُولُ: لَا أَفْهَمُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ شَيْئًا وَلَا أَعْرِفُ الْمُرَادَ بِهَا، وَأَصْحَابُ تِلْكَ الْمَسَالِكِ.
– الشيخ: ولكنَّه مذهبٌ باطلٌ هذا مسلكُ التفويضِ أو سمِّه التجهيلُ يعني هو ابن القيِّم يقول هذا أسلمُها ولكنّه باطل، لأنّ الدعوة أنَّ هذه النصوص لا معنى لها أو لا يُفهم منها شيء هذا طعنٌ في كلام الله الذي وصفه الله بأنّه هُدى وشفا وبيان وأحسن الحديث، أفيكون الكلام الذي لا معنى له بهذه الأوصاف؟! لا ماله معنى هذا ليس لا هدى ولا شفا ولا بيان.
 
– القارئ: وَأَصْحَابُ تِلْكَ الْمَسَالِكِ تَتَضَمَّنُ أَقْوَالُهُمْ تَكْذِيباً للَّهِ وَرَسُولِهِ أوِ الْإِخْبَارَ عَنِ النُّصُوصِ بِالْكَذِبِ.
الوجه السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُعَارِضِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِعَقْلِيَّاتِهِمُ الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ جَهْلِيَّاتٌ إِنَّمَا يَبْنُونَ أَمْرَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ مُشْتَبِهَةٍ مُجْمَلَةٍ تَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مُتَعَدِّدَةً، وَيَكُونُ مَا فِيهَا مِنَ الِاشْتِبَاهِ فِي الْمَعْنَى وَالْإِجْمَالِ فِي اللَّفْظِ يُوجِبُ تَناولَهَا بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ فِبمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ يُقْبَلُ ما لم يَحِط به علماً، مَا لَمْ يُحِطْ بِهَ ما لم يُحِط به علماً، ["من لم" نعم أحسن الله إليك] فِبمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا ما فِيهَا مِنَ الْبَاطِلِ لِأَجْلِ الِالْتِبَاسِ وَالِاشْتِبَاهِ.

– الشيخ: لا، "فلما فيها" اقرأ
– القارئ: قال: فبما فيها من الحقِّ
– الشيخ: فلما فيها من الحقّ
– القارئ: يُقبلْ
– الشيخ: يَقْبَلُ من يَقبَلُ من لم يُحِط بها عِلماً ما فيها من الباطل، يعني بسبب ما فيها من الحقّ من لم يُحِط بها عِلماً يقبل ما فيها من الباطل، أعدْ العبارة.
– القارئ: فبما فيها مِن الحقِّ
– الشيخ: "فلما" باللام؟
– القارئ: بالباء، أحسن الله إليك.
– الشيخ: ممكن سببيّة فبما فيها بسبب ما فيها.
– القارئ: فبِمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ يَقْبَلُ مَنْ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا مَا فِيهَا مِنَ الْبَاطِلِ
– الشيخ: يعني ما فيها هو مفعول.
 
– القارئ: فبِمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ يَقْبَلُ مَنْ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا مَا فِيهَا مِنَ الْبَاطِلِ لِأَجْلِ الِالْتِبَاسِ وَالِاشْتِبَاهِ، ثُمَّ يُعَارِضُونَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبَاطِلِ نُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ.
وَهَذَا مَنْشَأُ ضَلَالِ مَنْ ضَلَّ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَنَا، وَهُوَ مَنْشَأُ الْبِدَعِ كُلِّهَا، فَإِنَّ الْبِدَعَة لَوْ كَانَتْ بَاطِلًا مَحْضًا لَمَا قُبِلَتْ، وَلَبَادَرَ كُلُّ أَحَدٍ إِلَى رَدِّهَا وَإِنْكَارِهَا، وَلَوْ كَانَتْ حَقًّا مَحْضًا لَمْ تَكُنْ بِدْعَةً وَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلسُّنَّةِ، وَلَكِنَّهَا تَشْمَلُ عَلَى حقٍّ وباطلٍ، وَيَلْتَبِسُ فِيهَا الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ولا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:42]
فَنَهَى عَنْ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَلَبْسُهُ بِهِ: هوَ خَلْطُهُ بِهِ حَتَّى يَلْتَبِسَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمِنْهُ التلبِيسُ، وَهُوَ التَّدْلِيسُ وَالْغِشُّ الَّذِي بَاطِنُهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ، فَكَذَلِكَ الْحَقُّ إِذَا لُبِسَ بِالْبَاطِلِ يَكُونُ فَاعِلُهُ قَدْ أَظْهَرَ الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ وَتَكَلَّمَ بِلَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ، مَعْنًى صَحِيحٌ وَمَعْنًى بَاطِلٌ، فَيَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ، وَمُرَادُهُ الْبَاطِلُ، فَهَذَا مِنَ الْإِجْمَالِ فِي اللَّفْظِ.

– الشيخ: ولهذا كانَ طريقُ السلامةِ هو الاستفصال، من أتى بألفاظ أو تكلَّمَ بألفاظ مجملةَ لا يُرَدُّ قوله بإطلاق ولا يُقبَل بل الطريق هو الاستفصال، فإن بيَّن وأراد بما قال حقَّاً قبلنا ما أراد، وإن أراد باطلاً رددناه، وبيَّنا أنَّ هذا اللفظ لا يصلح استعماله لما فيه من الاشتباهِ والاحتمالِ.
ومن لم يسلكْ هذا الطريقَ أعني طريق الاستفصال فإنَّه يتعرَّضُ: إمَّا لردِّ الحقِّ أو لقبول الباطل، إن قَبِل ما قاله هذا المُغالِط أو الجاهل إن قَبِل أدَّى به الأمر إلى قبول ما فيه ما في كلامه من الباطل، وإن ردَّه أفضى به إلى ردِّ ما في كلامه من الحقِّ. فكان طريق السلامة من الوقوع في أحد الأمرين هو الاستفصال، نعم.
 
– القارئ: وَأَمَّا الِاشْتِبَاهُ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ لَهُ وَجْهَانِ، هُوَ حَقٌّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَبَاطِلٌ مِنَ الْآخَرِ، فَيُوهِمُ إِرَادَةَ الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَيَكُونُ غَرَضُهُ الْبَاطِلَ، فَأَصلُ ضَلَالِ بَنِي آدَمَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَالْمَعَانِي الْمُشتبهة، وَلَا سِيَمَا إِذَا صَادَفَتْ أَذْهَانًا سَقِيمَةً، فَكَيْفَ إِذَا انْضَافَتْ إِلَى ذَلِكَ هَوىً وَتَعَصُّبٌ؟ فَنَسْأَلُ اللَّهَ مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ أَنْ يُثَبِّتَ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِهِ.
– الشيخ: آمين اللهم ثبِّت قلوبنا على دينك.
– القارئ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَتْرَةً مِنَ الرُّسُلِ.
– الشيخ: في كُل زمانِ؟
– القارئ: فترةٍ
– الشيخ: نعم تمام
– القارئ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى، وَيُبَصِّرُونَ
– الشيخ: نعم، بنور الله
– القارئ: وَيُبَصِّرُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى.
– الشيخ: كِذا "بكتاب الله" ولَّا "بنور"؟
– القارئ: "بكتابِ" أحسنَ الله إليكم
– الشيخ: عندكم كذا؟
– الطلاب: نعم.
 
– القارئ: وَيُبَصِّرُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسٍ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ تَائِهٍ ضَالٍّ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ
– الشيخ: نسألُ اللهَ العافية.
– القارئ: يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ، وَأَطْلَقُوا عِنَانَ الْفِتْنَةِ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ، مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ، يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْكَلَامِ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتَنِ الْمُضِلِّينَ.
– الشيخ: هذه خطبةٌ جميلةٌ يستشهدُ بها شيخ الإسلام كثيراً ويذكرها وتبِعَه ابن القيِّم، لا إله إلَّا الله فيها تذكير بنعمة الله على عباده أنّه أنّه يهيِّئ للناس أسباب الهداية، فأرسل الرسل وأنزل الكتب في أوقات وفي متفاوتة، وهكذا في هذه الأمّة حيثُ لا نبيَّ بعد خاتمهم -صلَّى الله عليه وسلّم- يُظهِر الله في في أجيال الأمَّة من يدعون إلى الهدى ويُبَصِّرون بنور الله عن العمى، ويُحيون السُّنن ويردُّون على أهلِ البِدعِ، هذا مصداقٌ لقولِه تعالى: إنَّا نحن نزَّلنا الذكرَ وإنَّا لهُ لحافظون ويشهد له ما جاء في الحديث: (إنَّ اللهَ يبعثُ على رأسِ كُلِّ مئةِ سنةٍ مَن يُجدِّدُ لهذهِ الأمَّةِ أمرَ دينِها).
 
– القارئ: قالَ: وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ تَلَقَّاهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فقَدْ ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ فِي الْحَوَادِثِ وَالْبِدَعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ قال حَدَّثَنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ، ثِقَةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ، رَفَعَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضيَ اللهُ عنه- أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي امْتَنَّ عَلَى الْعِبَادِ بِأَنْ جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، يُحْيِوُنَ بِكِتَابِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى، كَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسٍ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَتَائِهٍ ضَالٍّ قَدْ هَدَوْهُ، بَذَلُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ دُونَ هَلَكَةِ الْعِبَادِ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ وما أقبَحَ أثَرَ الناسِ عليهمْ، وَمَا نَسِيَهُمْ رَبُّكَ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، جَعَلَ قَصَصَهُمْ هُدًى، وَأَخْبَرَ عَنْ حُسْنِ مَقَالَاتِهِمْ، فَلَا تَقْصُر عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ وَإِنْ أَصَابَتْهُمُ الْوَضِيعَةُ. انتهى.
فَالْمُتَشَابِهُ مَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ يَخْدَعُونَ بِهِ جُهَّالَ النَّاسِ، فلا إلهَ إلَّا اللهَ كَمْ قَدْ ضَلَّ بِذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ..

– الشيخ: كلّ هذه الطوائف يعني والفِرق الضالَّة من هذه الأمّة كلّها منشأ ضلالها هو الاشتباه تعلّقوا بالمتشابه، المُعطِّلة والمُشَبِّهة والقدريّة والجبريّة كلّهم والخوارج وكلّ الطوائف إنّما سبب ضلالهم هو التشابه والاشتباه في الألفاظ وفي المعاني، سبحان الله العظيم ولا ينجو من ذلك إلَّا أهل البصيرة، قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة، أولي الأبصار أولي الأبصار والبصائر، إنَّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار، ليس المراد يعني أهل العيون يعني الَّذين البصر الحسيّ بل المراد البصر المعنويّ بصر القلوب، أولي الألباب.
 
– القارئ: قالَ: وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِأَطهَرِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي حَقِيقَتُهُ إِثْبَاتُ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ تعالى وَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَضْدَادِهَا، فَاصْطَلَحَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى وَضْعِهِ للتعطيلِ المَحضِ، ثُمَّ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ فَخَدَعُوا بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ، وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ التَّوْحِيدَ هُوَ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ.
وَالتَّوْحِيدُ اسْمٌ لِسِتَّةِ مَعَانٍ..

– الشيخ: قف على هذا.. واعتبر ذلك من هنا.
– طالب: شيخ أحسن الله إليكم يقولون إن المفوِّضة أخبث الطوائف … عند الأسماء والصفات؟
– الشيخ: المهمّ كلّهم على ضلال.. لكن في جانب قضية أنَّه ينخدِعُ به من لم يعرف حقيقته صحيح.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة