الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(46) لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا لا نفيا
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(46) لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا لا نفيا

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: السَّادس والأربعون

***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ المؤلِّفُ -غفرَ اللهُ لنا ولهُ-:
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الْفِرْعَوْنِيُّ: لَوْ كَانَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ رَبٌّ أَوْ عَلَى الْعَرْشِ إِلَهٌ لَكَانَ مُرَكَّبًا.

– الشيخ: أعوذُ باللهِ.. الفرعونيّ هذه دائماً يعبِّرون بها عن الجهميّ، لأنَّ الجهميَّ ينفي علوَّ اللهِ، وفرعونُ ينفي وجودَهُ ويستخفُّ بموسى حينَ يقولُ: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى[غافر:36-37]
معناه أنَّه يكذب موسى في خبرِهِ عن اللهِ وأنَّه في السماءِ يكذِّبُه، فلهذا يعبِّرُ بعضُ أهلِ العلمِ كابنِ القيِّمِ عن الجهميِّ بالفرعونيِّ، أو الجهميّة الفرعونيّة، لأنَّهم أشبهُوا فرعونَ في التعطيلِ أشبهُوه في التعطيلِ.
ويذكرُ في هذهِ الجملةِ شُبهةً لهم، يعني من الشُّبهِ الأولى الَّتي تقدَّمتْ عندَما يقولون لو كانَ لو قامَتْ به الصفاتُ أو لو كانَ فوقَ العرشِ لكانَ جسماً، هذه شبهةٌ يعني مرَّتْ، والآن يأتي بذكرِ شبهةٍ أخرى يقولُ: لو كانَ فوقَ السمواتِ وفوقَ الأرضِ لكانَ لكانَ مركَّباً، وأهلُ العلمِ يناقشونهم في معنى التركيبِ، فلفظُ التركيبِ كلفظِ الجسمِ، لفظٌ مجملٌ محتملٌ لحقٍّ وباطلٍ، والطريقُ أن أنْ نبيِّنَ معانيَ التركيبِ ونقولُ: ما الَّذي تريدونَ؟ أيَّ معنىً تعنونَ؟ هو يريدُ نعم، يتكلَّمُ عن ذلك عن هذه الشبهِ.
 
– القارئ: قَالَ الْفِرْعَوْنِيُّ: لَوْ كَانَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ رَبٌّ أَوْ عَلَى الْعَرْشِ إِلَهٌ لَكَانَ مُرَكَّبًا، قِيلَ لَهُ: لَفْظُ الْمُرَكَّبِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي رَكَّبَهُ غَيْرُهُ فِي مَحَلِّهِ.
– الشيخ: فما يدلُّ عليهِ أنَّه مركبٌ اسمُ مفعولٍ، نعم ركَّبهُ غيرُهُ في محلِّه.
– القارئ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ[الانفطار: 8]
وَقَوْلُهُمْ: رَكَّبْتُ الْخَشَبَةَ وَالْبَابَ، أو مَا يُرَكَّبُ مِنْ أَخْلَاطٍ وَأَجْزَاءٍ بِحَيْثُ كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتفَرَّقَةً فَاجْتَمَعَتْ وَرُكِّبَت حَتَّى صَارَ شَيْئًا وَاحِدًا، كَقَوْلِهِمْ رَكَّبْتُ الدَّوَاءَ مِنْ كَذَا وَكَذَا.
وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ كَانَ مُرَكَّبًا هَذَا التَّرْكِيبَ الْمَعْهُودَ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، فَهُوَ كَذِبٌ وَفِرْيَةٌ وَبُهْتٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الشَّرْعِ وَعَلَى الْعَقْلِ.
وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ عَالِيًا عَلَى خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، فَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ.

– الشيخ: إنْ أردْتُم بالتركيبِ أنَّه يكونُ فوقَ المخلوقاتِ، هذا معناه، نعم، فلا مانعَ، نعم.
 
– القارئ: فَكَأَنَّكَ قُلْتَ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ، فَنَفَيْتَ الشَّيْءَ بِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ عنه وَقَلْبِهَا إِلَى عِبَارَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا شَأْنُكُمْ فِي أَكْثَرِ مَطَالِبِكُمْ.
وَإِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ: كَانَ مُرَكَّبًا أَنَّهُ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ وَصَفْتَهُ أَنْتَ بِصِفَاتٍ يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَهَلْ كَانَ عِنْدَكَ هَذَا تَرْكِيبًا؟
فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا لا يُقَالُ لِي، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ، وأَمَّا أَنَا فَلَا أُثْبِتُ لَهُ صِفَةً وَاحِدَةً فِرَارًا مِنَ التَّرْكِيبِ، قيلَ لكَ: العقلُ لم يدلَّ على نفي المعنى الّذي سمَّيْتَهُ أنتَ مُركَّباً، وَقَدْ دَلَّ الْوَحْيُ وَالْعَقْلُ وَالْفِطَر عَلَى ثُبُوتِهِ، أَفَتَنْفِيهِ لِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِكَ الْبَاطِلَةِ؟

– الشيخ: أفننفيه، الظاهر كذا.. نعم، يقول تنفيه؟
– القارئ: نعم هكذا أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: أي ماشي امشِ بعده.
 
– القارئ: أَفَتَنْفِيهِ لِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِكَ الْبَاطِلَةِ؟ فَإِنَّ التَّرْكِيبَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ خَمْسَةُ مَعَانٍ: تَرْكِيبُ الذَّاتِ مِنَ الْوُجُودِ وَالْمَاهِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ وُجُودَهَا زَائِدًا عَلَى مَاهِيَّتِهَا، فَإِذَا نَفَيْتَ هَذَا التَّرْكِيبَ جَعَلْتَهُ وُجُودًا مُطْلَقًا، إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَذْهَانِ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْأَعْيَانِ، الثَّانِي: تَرْكِيبُ الْمَاهِيَّةِ مِنَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، فَإِذَا نَفَيْتَ هَذَا التَّرْكِيبَ جَعَلْتَهُ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنْ كُلِّ وَصْفٍ، لَا يُبْصِرُ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يَعْلَمُ وَلَا يَقْدِرُ وَلَا يُرِيدُ وَلَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا مَشِيئَةَ وَلَا صْفَةَ أَصْلًا، وكُلُّ ذَاتٍ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أكمل مِنْ هَذِهِ الذَّاتِ، فَاسْتَفَدْتَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ كُفْرَكَ بِاللَّهِ وَجَحْدَكَ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، الثَّالِثُ: تَرْكِيبُ الْمَاهِيَّةِ الْجِسْمِيَّةِ مِنَ الْهَيُولَى وَالصُّورَةِ كَمَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ، الرَّابِعُ: تَرْكِيبُها مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، الْخَامِسُ: تَرْكِيبُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ أَجْزَاءٍ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَاجْتَمَعَتْ وَتَرَكَّبَتْ.
فَإِذا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ مُرَكَّبًا، كَمَا يَدَّعِيهِ الْفَلَاسِفَةُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ، قِيلَ لَكَ: جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَجْسَامَ الْمُحْدَثَةَ الْمَخْلُوقَةَ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً، لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، فَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ جِسْمٌ مَخْلُوقٌ ومُحَدَثٌ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حَقِّ خَالِقِ الْفَرْدِ وَالْمُرَكَّبِ

– الشيخ: خالقُ الفردِ والمركَّبِ، يعني اللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ، يعني المفردات والمركَّبات.

– القارئ: فَكَيْفَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حَقِّ خَالِقِ الْفَرْدِ وَالْمُرَكَّبِ، الَّذِي يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ وَيُفَرِّقُ الْمُجْتَمِعَ، وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ فَيُرَكِّبُهَا كَمَا يَشَاءُ؛ وَالْعَقْلُ إنمَّا دَلَّ عَلَى إِثْبَاتِ إِلَهٍ وَاحِدٍ وَرَبٍّ وَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّبَّ الْوَاحِدَ لَا اسْمَ لَهُ وَلَا صِفَةَ، وَلَا وَجْهَ، وَلَا يَدَيْنِ
– الشيخ: آمنْتُ باللهِ ورسولِهِ
– القارئ: وَلَا هُوَ فوقَ
– الشيخ: نسألُ الله العافية، هذا بلاءٌ أُصيبَتْ به الأمّةُ لكن: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42]، بلاءٌ، الصحابةُ كانُوا في عافيةٍ من هذهِ الأباطيلِ والأقاويلِ والقيلِ والقالِ، وجاءَتْ هذهِ البدعةُ وشيعَتْ ودخلَتْ على كثيرٍ من الناسِ، فاضطرَّ العلماءُ اضطرُّوا اضطرُّوا إلى الكلامِ والدفاعِ والمدافعةِ وذكرِ الحججِ العقليَّةِ والجدالِ، وإلَّا الأمرُ أوضحُ وأجلى من أن يحتاجَ إلى يعني براهينَ وإلى استدلالاتٍ وإلى حججٍ، سبحانَ اللهِ.
جاءَ الرسولُ إذا صدَّقْتُم الرسولَ قلْتُم: إنَّه رسولٌ والرسولُ لا يكذبُ، وقد أخبرَ عن اللهِ أنَّه كذا وأنَّه كذا أنّه، انتهى، وجبَ الإيمانُ والتصديقُ، والرسولُ يعني هو أصدقُ الناسِ، والرسولُ يعني قادرٌ على البيانِ بل هو أفصحُ الناسِ، وهو عالمٌ بما بما جاءَ به بل هو أعلمُ الناسِ وهو ناصحٌ للأمَّةِ لأمَّتِهِ، فمن يكونُ هكذا يجبُ التسليمُ لما أخبرَ به على ظاهرِه.
لكن لما سبحان الله دخلَتْ هذه الشُّبهاتُ على أولئكَ على كثيرين، وقد يعني اضطرُّوا لأنَّه ما يمكن لا يُقالُ إنَّ إنَّ هذه النصوصَ باطلةٌ، وكثيرٌ خلاص دخلوا في دائرةِ المكذِّبين المشركين الكافرين، لكن هم يؤمنون بالرسولِ، يؤمنون بأنَّ هذا القرآنَ، فلمَّا حصلَ التعارُضُ آثرُوا أو قدَّمُوا ما دلَّت عليه عقولُهم وما يزعمون أنَّه أدلَّةٌ عقليَّةٌ قدَّموها على الدلائلِ النقليَّة. فهذا هو مرتكزُ هذه الضلالةِ، أعوذُ باللهِ، الحمدُ للهِ الَّذي عافانا.
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قالَ: وَالْعَقْلُ إنمَّا دَلَّ عَلَى إِثْبَاتِ إِلَهٍ وَاحِدٍ وَرَبٍّ وَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ
– الشيخ: حقّ
– القارئ: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّبَّ الْوَاحِدَ لَا اسْمَ لَهُ وَلَا صِفَةَ، وَلَا وَجْهَ، وَلَا يَدَيْنِ، وَلَا هُوَ فَوْقَ خَلْقِهِ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ.
– الشيخ: معدومٌ هذا معدومٌ، الموصوفُ بهذهِ النعوتِ هذا معدومٌ، مثل الَّذين يقولون، يقولون: أنَّه لا داخلَ العالمِ ولا خارجَهُ ها؟! باللهِ هذا، لا يكونُ ما يُقالُ فيه أنَّه لا داخلَ العالمِ ولا خارجَ العالمِ هذا لا يصدقُ إلَّا على المعدومِ، لا وجودَ لهُ، فإذا قالُوا أنَّه موجودٌ ولا داخلَ العالمِ ولا خارجَهُ فإنَّك، هذا الكلامُ يتضمَّنُ أنَّه أيش؟ موجودٌ معدومٌ، وهذا من أفسدِ الأقوالِ نعم، موجودٌ معدومٌ! من يطيقُ تصوُّرَ هذا، هذا لا يُتصوَّرُ موجودٌ معدومٌ.
 
– القارئ: فَدَعْوَى ذَلِكَ عَلَى الْعَقْلِ كَذِبٌ صَرِيحٌ عليهِ كما هيَ كذبٌ صريحٌ عَلَى الْوَحْيِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: نُنَزِّهُهُ عَنِ الْجِهَةِ، إِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ جِهَةٍ وُجُودِيةٍ تُحِيطُ بِهِ وَتَحْوِيهِ وَتَحْصُرُهُ إِحَاطَةَ الظرفِ بِالْمَظْرُوفِ فَنَعَمْ، هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْبرُ وَأَعْلَى.
وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فَوْقَ عَرْشِهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْجِهَةِ أَمْرًا يُوجِبُ مُبَايَنَةَ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ وَعُلُوَّهُ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ فَنَفْيُكُمْ لِهَذَا الْمَعْنَى بَاطِلٌ، وَتَسْمِيَتُهُ جِهَةً اصْطِلَاحٌ مِنْكُمْ تَوَسَّلْتُمْ بِهِ إِلَى نَفْيِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ، فسَمَّيْتُمْ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ جِهَةً وَقُلْتُمْ: مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِهَاتِ، وَسَمَّيْتُمُ الْعَرْشَ حَيِّزًا وَقُلْتُمْ: لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ.
وَسَمَّيْتُمُ الصِّفَاتِ أَعْرَاضًا وَقُلْتُمْ: الرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ قِيَامِ الْأَعْرَاضِ بِهِ، وَسَمَّيْتُمْ حِكْمَتَهُ غَرَضًا وَقُلْتُمْ: مُنَزَّهٌ عَنِ الْأَغْرَاضِ، وَسَمَّيْتُمْ كَلَامَهُ بِمَشِيئَتِهِ، وَنُزُولَهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَمَجِيئَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَمَشِيئَتَهُ وَإِرَادَتَهُ الْمُقَارِنَةَ لِمُرَادِه وَإِدْرَاكَهُ الْمُقَارَنَةَ لِوُجُودِ الْمُدْرَكِ، وَغَضَبَهُ إِذَا عُصِيَ، وَرِضَاهُ إِذَا أُطِيعَ، وَفَرَحَهُ إِذَا تَابَ إِلَيْهِ الْعِبَادُ، وَنِدَاءَهُ لِمُوسَى حِينَ أَتَى الشَّجَرَةَ، وَنِدَاءَهُ لِلْأَبَوَيْنِ حِينَ أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ، وَنِدَاءَهُ لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَحَبَّتَهُ لِمَنْ كَانَ يَبْغَضُهُ حَالَ كُفْرِهِ ثُمَّ صَارَ يُحِبُّهُ بَعْدَ إِيمَانِهِ، وَرُبُوبِيَّتَهُ الَّتِي هُوَ كُلُّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ "حَوَادِثَ"، وقلْتُم.

– الشيخ: يعني هذا خلاصتُه يشيرُ إلى من ينفي قيامَ الأفعالِ قيام الأفعال، هذا مذهبٌ اتفقَتْ عليه الجهميَّةُ والمعتزلةُ والأشاعرةُ والكلَّابيَّةُ كلُّ هذهِ الطوائفِ، الجهميَّة ومن تبعَهم، كلُّهم يقولون: أنَّه تعالى لا تقومُ به الأفعالُ، يعني لا يقومُ بذاتِه شيءٌ بمشيئتِهِ، لأنَّ هذا لأنَّ ما يكونُ بالمشيئةِ هو حادثٌ، يقولون: واللهُ مُنزَّهٌ عن الحوادثِ، لو قامتْ به الحوادثُ لكانَ حادثاً، كما تقدَّمَ لأنَّ ما لا يخلو عن الحوادثِ فهو حادثٌ.
فينفون كلَّ هذهِ الصفاتِ الفعليَّةِ الَّتي ذكرَها الشيخُ، ينفونها عن اللهِ وينفونَ قيامَها باللهِ فراراً ممَّا سمَّوه حوادثَ أو حلولَ الحوادثِ، فإذا قالَ لهم قائلٌ: اللهُ منزَّهٌ عن حلولِ الحوادثِ، فهذا نقولُ له: هذا كلامٌ مجملٌ، مثل ما قلْنا في الجسمِ ومثل ما قلْنا في التركيبِ.
ما تريدُ بالحوادثِ؟ تريدُ الأفعالَ الاختياريَّةَ الَّتي تكونُ بمشيئتِه؟ لا واللهِ، هذا هذا ثابتٌ له سبحانه وتعالى أخبرَ به تعالى عن نفسِه وأخبرَ به أصدقُ الناسِ وأعرفُ الناسِ بربِّه.
 
– القارئ: وَقُلْتُمْ: هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ حُلُولِ الْحَوَادِثِ، وَحَقِيقَةُ هَذَا التَّنْزِيهِ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْوُجُودِ وَعَنِ الإلهيَّةِ وعن الرُّبُوبِيَّةِ وَعَنِ الْمُلْكِ وَعَنْ كَوْنِهِ فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ، بَلْ عَنِ الْحَيَاةِ وَالْقَيُّومَيَّةِ.
فَانْظُرْ مَاذَا تَحْتَ تَنْزِيهِ الْمُعَطِّلَةِ النُّفَاةِ بِقَوْلِهِمْ: لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا مُرَكَّبٍ، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ، وَلَا يُوَصَفُ بِالْأَبْعَاضِ، وَلَا يَفْعَلُ الْأَغْرَاضِ وَلَا تَحُلُّهُ الْحَوَادِثُ، وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ، وَلَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ: أَيْنَ، وَلَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ، كَيْفَ كَسَوْا حَقَائِقَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِخَلْقِهِ وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُ بِالْأَبْصَارِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ، هَذِهِ الْأَلْفَاظَ.
ثُمَّ تَوَسَّلُوا إِلَى نَفْيِهَا بِوَاسِطَتِهَا، وَكَفَّرُوا أو ضَلَّلُوا مَنْ أَثْبَتَهَا، وَاسْتَحَلُّوا مِنْهُ مَا لَمْ يَسْتَحِلُّوهُ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَإِلَيْهِ التَّحَاكُمُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ التَّخَاصُمُ.
نَحْنُ وَإِيَّاهُمْ نَمُوتُ وَلَا أَفْلَحَ يَوْمَ الْحِسَابِ مَنْ نَدِمَا.
فصلٌ.

– الشيخ: من ندمَا؟
– القارئ: نعم هكذا
– الشيخ: ولا أفلحَ يومَ الحسابِ من ندمَا، أي يعني ما يندمُ إلَّا المسيءُ، يريدُ كذا ولا أفلحَ من ندمَ، فقد اعترفَ بسوءِ عملِه فلا يفلحُ، إلى هنا يا أخي.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة