بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: السَّابع والأربعون
*** *** ***
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف -غفر الله لنا وله-:
فصل: ومن ذلك لفظ "العدل" جعلته القدرية اسما لإنكار قدرة الرب على أفعال العباد وخلقه لها ومشيئته، فجعلوا إخراجها عن قدرته ومشيئته هو العدل، وجعل سلفهم.
– الشيخ: لا إله إلا الله، يعبر عن ذلك بنفي القدر، نفوا القدر لتحقيق العدل بزعمهم، والقدر يشمل الإقرار بعموم مشيئة الله وعموم الخلق وعموم القدرة، فهم نفوا القدر بما نفوه من ذلك، فإن الإيمان بالقدر يشمل يعني أمورا وأصولا، يشمل الإيمان بعلم الله السابق وبكتابة المقادير وعموم المشيئة وعموم الخلق، هذه مراتب الإيمان بالقدر.
– القارئ: فجعلوا إخراجها عن قدرته ومشيئته هو العدل، وجعل سلفهم إخراجها عن تقدم علمه وكتابته من العدل.
– الشيخ: إنهم طائفتان، القدرية طائفتان: غلاة ومقتصدون أو متوسطون، وغلاتهم هم القدماء، الغلاة هم قدماء القدرية، نفوا علم الله بما سيكون، ونفوا كتابته للمقادير، فنفوا القدر بمراتبه الأربع، نفوا مراتب القدر الأربع، علمه وكتابته ومشيئته وخلقه كلها، فالقدرية أولهم وآخرهم وغلاتهم ومتوسطوهم يتفقون على نفي عموم الخلق وعموم المشيئة، نعم وسلفهم.
– القارئ: وجعل سلفهم إخراجها عن تقدم علمه وكتابته من العدل، وسموا أنفسهم بالعدلية، وعمدوا إلى إثبات عموم قدرته على كل شيء من الأعيان والأفعال وخلقه لكل شيء وشمول مشيئته، فسموه جبرا، ثم.
– الشيخ: هذول [هؤلاء] الآخرون الفريق الثاني من القدرية، من اسم القدرية يطلق على الغلاة في إثبات القدر وهم الجبرية، وعلى نفاة القدر، ولكن إطلاقه على القدرية النفاة هو الأغلب، فإذا أطلق اسم القدرية فالغالب أنه يرى أنه يراد به النفاة، نفاة القدر الذين يعني عرفنا مذهبهم.
ويقابلهم يقابل القدرية النفاة القدرية الجبرية، الذين يعني يقولون بعموم المشيئة وعموم الخلق ولكنهم ينفون أفعال العباد، ينفون أن تكون أفعال العباد أن يكون العباد فاعلين، أو أن يكون للعباد فعل ولهم مشيئة واختيار لا، يعني فهما على طرفي نقيض، الجبرية والقدرية على طرفي نقيض، كالمعطلة النفاة والمشبهة.
– القارئ: فسموه جبرا، ثم نفوا هذا المعنى الصحيح وعبروا عنه بهذا الاسم المنكر، ثم سموا أنفسهم أهل العدل وسموا من أثبت
– الشيخ: سموا أنفسهم أهل العدل، نعم.
– القارئ: وسموا من أثبت صفات الرب وأثبت قدره وقضاءه أهل التشبيه والجبر. وكذلك قول الرافضة سموا
– الشيخ: سموا، يعني القدرية النفاة هم الذين يسمون أهل السنة جبرية، يسمونهم أهل الجبر، ويجعلونهم في، يسلكونهم في طائفة الجبرية.
– القارئ: وكذلك قول الرافضة سموا موالاة الصحابة –رضي الله عنهم– نصبا، ومعاداتهم موالاة لأهل بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم–، وكذلك المرجئة.
– الشيخ: المهم أنهم الرافضة يسمون من أحب أبا بكر وعمر يسمونه ناصبيا لأنه عندهم تأصيل، يقولون من والى أبا بكر -مثلا- فقد أبغض عليا، ومن أبغض عليا فهو ناصبي، يقول أهل العلم: نعم المقدمة الثانية صحيحة، المقدمة الثانية من أبغض عليا فهو ناصبي هذا صحيح، لكن الشأن في المقدمة الأولى، فالمقدمة الأولى باطلة، يعني قولهم من أحب أبا بكر يعني من أحب أبا بكر وعمر وخيار الصحابة فقد أبغض عليا، هذا ممنوع، بل أهل السنة وأهل الاستقامة يحبون الجميع، يحبون أبا بكر وعمر وغيرهم، ويحبون عليا.
فالرافضة يجعلون حب الصحابة أو حب –مثلا- أبي بكر هذا يستلزم بغض علي، وبغض علي نصب، فمن يحب أبا بكر وعمر فهو ناصبي، هذه النتيجة، فمن يحب أبا بكر فهو ناصبي، ويبنونه على المقدمتين وعلمنا أن إحداهما باطلة والأخرى صحيحة، من أبغض عليا فهو ناصبي، لكن فإذا بطلت مقدمة إحدى مقدمتي الدليل بطل الدليل، إذا بطلت إحدى مقدمتي الدليل بطل الدليل.
– القارئ: وكذلك المرجئة سموا من قال في الإيمان بقول الصحابة والتابعين –رضي الله عنهم– واستثنى فيه فقال: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى شكاكا.
وهذا شأن كل مبطل ومبتدع، يلقب الحق وأهله بالألقاب الشنيعة المنفرة، فإذا أطلقوا لفظ الجسم صوروا في ذهن السامع خشبة من الخشب الكثيف، أو بدنا له حامل يحمله، وإذا قالوا: مركبا صوروا في ذهنه أجزاء كانت متفرقة.
– الشيخ: رجع لأول الكلام، يعني انتقل عن الكلام القدري ورجع إلى المعطلة، الذين يقولون يسمون أهل السنة مجسمة، ويزعمون أن إثبات الصفات يستلزم التجسيم، يستلزم أن الله جسم، أعد العبارة هذه.
– القارئ: قال: وهذا شأن كل مبطل ومبتدع، يلقب الحق وأهله بالألقاب الشنيعة المنفرة
– الشيخ: هذا إجمال لما سبق ثم يعود إلى بعض ما سبق، وهو ترتيب المعطلة لأهل السنة مجسمة، بناء على أن إثبات الصفات –زعموا- أنه تجسيم.
– القارئ: فإذا أطلقوا لفظ الجسم صوروا في ذهن السامع خشبة من الخشب الكثيف، أو بدنا له حامل يحمله، وإذا قالوا: مركبا صوروا في ذهنه أجزاء كانت متفرقة فركبها مركب، وهذا حقيقة المركب لغة وعرفا، وإذا قالوا: يلزم أن تحله الحوادث صوروا في ذهنه ذاتا تنزل بها الأعراض النازلة بالمخلوقين كما مثل النبي –صلى الله عليه وسلم– لابن آدم أمله وأجله والأعراض إلى جانبه إن أخطأه هذا أصابه هذا.
وإذا قالوا يقولون بالحيز والجهة صوروا في الذهن موجودا محصورا بالأحياز، وإذا قالوا لزم الجبر صوروا في الذهن قادرا ظالما يجبر الخلق على ما لا يريدون ويعاقبهم على ما لا يفعلون، وإذا قالوا: حشوية، صوروا في ذهن السامع أنهم حشوا في الدين ما ليس منه، فتنفر القلوب من هذه الألقاب. ولو ذكروا حقيقة قولهم لما قبلت القلوب السليمة والفطر المستقيمة سواه.
– الشيخ: لا إله إلا الله، يعني حقيقة قول أهل السنة، لو ذكروا حقيقة قولهم لما قبلت الفطر والعقول غيره.
– القارئ: ولو ذكروا حقيقة قولهم لما قبلت القلوب السليمة والفطر المستقيمة سواه، فكيف يترك الحق لأسماء سموها هم وسلفهم ما أنزل الله بها من سلطان، وألقاب وضعوها هم من تلقاء أنفسهم لم يأت بها سنة ولا قرآن، وشبهات قذفت بها قلوب ما استنارت بنور الوحي ولا خالطتها بشاشة الإيمان، وخيالات هي بتخيلات الممرورين وأصحاب الهوس أشبه منها بقضايا العقل والبرهان، ووهميات نسبتها إلى العقل الصحيح كنسبة السراب إلى الأبصار في القيعان، وألفاظ مجملة ومعان مشتبهة قد لبس فيها الحق بالباطل فصار ذا خفاء وكتمان.
فدعونا من هذه الدعاوى الباطلة التي لا تفيد إلا إتعاب الإنسان، وكثرة الهذيان وحاكمونا إلى الوحي والميزان، لا إلى منطق يونان، ولا إلى قول فلان ورأي فلان، فهذا كتاب الله ليس فوق بيانه مرتبة في البيان، وهذه سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم– مطابقة له أعظم من مطابقة البنان للبنان، وهذه أقوال أعقل الأمم بعده والتابعين لهم بإحسان، لا يختلف منهم في هذا الباب اثنان، ولا يوجد عنهم فيه قولان متنافيان، بل قد تتابعوا كلهم على إثبات الصفات وعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وإثبات تكلمه وتكليمه وسائر ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله –صلى الله عليه وسلم–، كتتابع الأسنان، وقالوا للأمة: هذا عهد نبينا إلينا وهو عهدنا إليكم وإلى من بعدكم إلى آخر الزمان، وهذا هو الذي نادى به المنادي وأذن على رؤوس الملأ في السر والإعلان، فحي على الصلاة وراء هذا الإمام يا أهل الإيمان، وحي على الفلاح بمتابعته يا أهل القرآن، والصلاة خير من النوم في ظلمة ليل الشكوك والإفك والكفران، فلا تصح القدوة بمن أقر على نفسه وصدقه المؤمنون بأنه تائه في بيداء الآراء والمذاهب حيران، وأنه لم يصل إلى اليقين بشيء منها، لا هو ولا من قبله على تطاول الأزمان، وإن غاية ما وصلوا إليه الشك والتشكيك ولقلقة اللسان.
فالحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخصهم بكمال العقول وصحة الفطر ونور البرهان، وجعلهم هداة مهتدين، مستبصرين متبصرين، أئمة للمتقين يهدون بأمره، ويبصرون بنوره، ويدعون إلى داره، ويجادلون كل مفتن فتان، فحي على خير العمل بمتابعة المبعوث بالفرقان، وتحكيمه وتلقي حكمه بالتسليم والقبول والإذعان، ومقابلة ما خالف حكمه بالإنكار والرد والهوان، ومطاعنة المعارضين له بعقولهم بالسيف والسنان، وإلا فبالقلم واللسان. فالعقول السليمة والفطر المستقيمة لنصوص الوحي يسجدان، ويصدقان بما شهدت به ولا يكذبان، ويقران أن لها عليهما أعظم السلطان، وأنهما إن خرجا عنها غلبا ولا ينتصران، والله المستعان، وعليه التكلان.
– الشيخ: انتهى؟
– القارئ: نعم.
– الشيخ: حسبك.. فصل؟
– القارئ: السابع والعشرون، الوجه السابع والعشرون، رجع له بعدما قطع
– الشيخ: السابع والعشرون، قل طرفا
– القارئ: قال: الوجه السابع والعشرون: أن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي لا تتأتى على قواعد المسلمين المؤمنين بالنبوة حقا.
– الشيخ: إلى هنا بس [يكفي].