بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الثَّامن والأربعون
*** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. الوجهُ السَّابعُ والعشرونَ في كسرِ الطَّاغوتِ الثَّاني وهوَ دعواهم أنَّهُ إذا تعارضَ العقلُ والنَّقلُ قُدِّمَ العقلُ، قالَ المُؤلِّفُ -غفرَ اللهُ لهُ ولشيخِنا وللحاضرينَ-:
أَنَّ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْعَقْلِ وَنُصُوصِ الْوَحْيِ لَا تَتَأَتَّى عَلَى قَوَاعِدِ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ بِالنُّبُوَّةِ حَقًّا، وَلَا عَلَى أُصُولِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُصَدِّقِينَ بِحَقِيقَةِ النُّبُوَّةِ، ولَيْسَتْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالنُّبُوَّةِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا تَتَأَتَّى هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ مِمَّنْ يُقِرُّ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى قَوَاعِدِ الْفَلْسَفَةِ وَيُجْرِيهَا عَلَى أَوْضَاعِهِمْ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِالنُّبُوَّةِ عِنْدَهُمْ، هوَ الِاعْتِرَافَ بِمَوْجُودٍ حَكيمٍ لَهُ طَالِعٌ يَقْتَضِي طَالِعُهُ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا.
– الشيخ: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، سبحان الله، يعني أن هذا الموقف.. يعني الدعوة أن العقل يعارض النقل وأنه إذا حصل ذلك قُدم العقل يقول: إن أصل هؤلاء هو التأثر بالنظريات الفلسفية، والفلاسفة عندهم يعني الإعجاب والاغترارُ بعقولهم، والإعجاب بعقولهم والاستخبار بمعارضة العقل هو من آثار، يعني تقديم العقل على النقل عند التعارض في نظرهم هذا منشؤه الكبر، منشؤه الكبر، فلهذا يذكر الله أن الكفار يصفهم بالتكبر ويقول في شأن النار: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾[الزمر:60]
فهؤلاء الذين يقدمون العقل على ما جاء به الرسول، هؤلاء حملهم على ذلك الكبر والاغترار والإعجاب بأنفسهم، والواجب التواضع لله حتى يكون العبد تابعاً، وهؤلاء يريدون أن يكونوا متبوعين.
– القارئ: قال: فَإِذَا أَخْبَرَ بِمَا لَا تُدْرِكُهُ عُقُولُهُمْ عَارَضُوا خَبَرَهُ بِعُقُولِهِمْ وَقَدَّمُوهَا عَلَى خَبَرِهِ.
فَهَؤُلَاءِ همُ الَّذِينَ عَارَضُوا بَيْنَ الْعَقْلِ وَنُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ، فَعَارَضُوا نصوص الْأَنْبِيَاءَ فِي بَابِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرَسلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ الْخَمْسِ بِعُقُولِهِمْ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى طَرِيقَةِ الرُّسُلِ، ثُمَّ سَرَتْ مُعَارَضَتُهُمْ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الرُّسُلِ، فَتَقَاسَمُوهَا تَقَاسُمَ الْوُرَّاثِ لِتَرِكَةِ مُوَرِّثِهِمْ، فَكُلُّ طَائِفَةٍ كَانَتْ نُصُوصُ الْوَحْيِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِمْ لَجَؤُوا إِلَى هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ الْإِيمَانَ بِالنُّبُوَّةِ، وَإِنْ تَنَاقَضَ الْقَائِلُ بِهِ فَغَايته أَنْ يُثْبِتَ كَوْنَ النَّبِيِّ رَسُولًا فِي الْعَمَلِيَّاتِ لَا فِي الْعِلْمِيَّاتِ، أَوْ فِي بَعْضِ الْعِلْمِيَّاتِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا دُونَ الْبَعْضِ، وَهَذَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ جَعَلَهُ رَسُولًا إِلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِهَذَا يَجْعَلُهُ رَسُولًا فِي الْعِلْمِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ، وَلَا يُعَارِضُ بَيْنَ خَبَرِهِ وَبَيْنَ الْعَقْلِ، وَإِنْ تَنَاقَضَ جَحْدُهُ عُمُومِ رِسَالَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، فَهَذَا جَحْدُ عُمُومِ رِسَالَتِهِ إِلَى الْمَدْعُوِّينَ، وَذَاكَ جَحْدُ عُمُومِ رِسَالَتِهِ فِي الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ الْمُخْبَرِ بِهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ فِي الْحَقِيقَةِ بِرِسَالَتِهِ، لَا هَذَا وَلَا هَذَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِهَذَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم– إِلَى هَؤُلَاءِ حَقًّا فَهُوَ رَسُولُهُ إِلَى الْآخَرِينَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ الْإِيمَانُ بِعُمُومِ رِسَالَتِهِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ– فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَأَنَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُوَ رَسُولُهُ فِي الْعِلْمِيَّاتِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُ.
– الشيخ: العلميات العقائد، لأنها يعني لأنها لا تقتضي عملاً مثل يعني ما هو إلا إيمان، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:1-3]، هذه مدلولها هو التوحيد العلمي، التوحيد العلمي، لكن قوله: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ[الكافرون:1-2] إلى آخر السورة تضمنت التوحيد العملي، عبادة التي يجب تخصيصها بالله وإفراد الله بها.
وجميع نصوص، النصوص الخبرية هي تتضمن المسائل العلمية، والنصوص الطلبية تتضمن المسائل العملية، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾[البقرة:43] وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ[النساء:2] وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾ [الإسراء:33] وَلَا تَقْرَبُوا[الإسراء:34]
كلها نصوص عملية، والنصوص الخبرية تفيد المسائل العلمية الاعتقادية.
– القارئ: قال: فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِهَذَا وَهَذَا.
الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: وَهُوَ أَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ الْعَقْلَ مِيزَانًا، وَوَضَعْتَ فِي كِفَّتَيْهِ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي يَنَالُهَا الْعَيَانُ، وَوَضَعْتَ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى الْأُمُورَ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَجَدْتَ تَرْجِيحَهُ لِهَذِهِ الْكِفَّةِ وَتَصْدِيقَهُ بِهَا فَوْقَ تَرْجِيحِهِ لِلَّتِي قَبْلَهَا، وَتَصْدِيقَهُ بِهَا أَقْوَى، وَلَوْلَا الْحِسُّ وَالْمُشَاهَدَةُ تمْنَعُهُ مِنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ لَأَنْكَرَهُ، وهَذِهِ دَعْوَى نَعْلَمُ أَنَّكَ تَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَدَّعِيهَا وَتَنْسُبُهُ إِلَى الْمُجَازَفَةِ وَقِلَّةِ التَّحْصِيلِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّ مُدَّعِيَهَا لَيَعْجَبُ مِنْ إِنْكَارِكَ لَهَا وَتَوَقُّفِكَ فِيهَا بَعْدَ الْبَيَانِ.
فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَنْسِبُ إِلَى الْعَقْلِ، حَيَوَاناً يَرَى
– الشيخ: كأنها "اُنْسُب"
– القارئ: أُنْسُبْ إِلَى الْعَقْلِ، حَيَوَاناً يَرَى ويسمعُ وَيُحِسُّ وَيَتَكَلَّمُ وَيَعْمَلُ، فَغَشِيَهُ أَمْرٌ أُلقي له كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ لَا رُوحَ فِيهَا.
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: فَغَشِيَهُ أَمْرٌ أُلقي له، وفي بعض النسخ: عليه.
كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ لَا رُوحَ فِيهَا، وَزَالَ إِحْسَاسُهُ وَإِدْرَاكُهُ، وَتَوَارَى عَنْهُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعَقْلُهُ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، فَأَدْرَكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنَ الْعُلُومِ الْعَجِيبَةِ وَالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَالَ حُضُورِ ذِهْنِهِ، وَاجْتِمَاعِ حَوَاسِّهِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ، وَعَلِمَ مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ وَلَا طَرِيقٌ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ.
وَانْسُبْ إِلَيْهِ أَيْضًا حَيَوَاناً خَرَجَ مِنْ إِحْلِيلِهِ مَجَّةَ مَاءٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَنْ حُصُولِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَالْمِخْطَةِ، فَامْتَزَجَتْ بِمِثْلِهَا فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَأَقَامَتْ هناكَ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ، فَانْقَلَبَتْ دَمًا قَدْ تَغَيرَ لَوْنُهَا وَشَكْلُهَا وَصِفَاتُهَا، فَأَقَامَتْ كَذَلِكَ مُدَّةً، ثُمَّ انْقَلَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قِطْعَةَ لَحْمٍ، فَأَقَامَتْ كَذَلِكَ مُدَّةً، ثُمَّ انْقَلَبَتْ عِظَامًا وَأَعْصَابًا وَعَرُوقًا وَأَظْفَارًا مُخْتَلِفَةَ الْأَشْكَالِ وَالْأَوْضَاعِ، وَهِيَ جَمَادٌ لَا إِحْسَاسَ لهَا، ثُمَّ عَادَتْ حَيَوَانًا يَتَحَرَّكُ وَيَتَغَذَّى وَيَتَقَلَّبُ، ثُمَّ أَقَامَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فِي مَكَانٍ لَا يَجِدُ فِيهِ مُتَنَفَسًا وَهُوَ دَاخِلُ أَوْعِيَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، ثُمَّ انْفَتَحَ لَهُ بَابٌ يَضِيقُ عَنْهُ مَسْلَكُ الذَّكَرِ لَا يَسْلُكُهُ إِلَّا بِضَغْطِهِ، فَوَسَّعَ لَهُ ذَلِكَ الْبَابُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ. وانسُب إِلَيْهِ أَيْضًا: بِقَدْرِ الْحَبَّةِ تُرْسِلُهُ فِي مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَعْظَمِ الْمُدُنِ فَيَأْكُلُ الْمَدِينَةَ وَكُلَّ مَنْ فِيهَا ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَأْكُلُهَا، وَهُوَ النَّارُ.
وَانْسُبْ إِلَيْهِ شَيْئًا بِقَدْرِ بَذْرِ الْخَشْخَاشِ يَحْمِلُهُ الْإِنْسَانُ بَيْنَ ثِيَابِهِ مُدَّةً فَيَنْقَلِبُ حَيَوَانًا يَتَغَذَّى بِوَرَقِ الشَّجَرِ بُرْهَةً، ثُمَّ إِنَّهُ يَبْنِي عَلَى نَفْسِهِ قِبَابًا مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ مِنْ أَبْيَضَ وَأَصْفَرَ وَأَحْمَرَ بِنَاءً مُحْكَمًا مُتْقناً، فَيُقِيمُ فِي ذَلِكَ الْبِنَاءِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ لَا يَتَغَذَّى بِشَيْءٍ الْبَتَّةَ، فَيَنْقَلِبُ فِي الْقُبَّةِ طَائِرًا لَهُ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُ بِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ دُودًا يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ فَيَفْتَحُ عَنْ نَفْسِهِ بَابَ الْقُبَّةَ، وَذَلِكَ دُودُ الْقَزِّ.
إِلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ، مِمَّا يُشَاهَدُ بِالْعَيَانِ، مِمَّا لَوْ حُكِيَ لِمَنْ لَمْ يَرَهُ لَعَجِبَ مِنْ عَقْلِ مَنْ حَكَاهُ لَهُ وَقَالَ: وَهَلْ يُصَدِّقُ بِهَذَا عَاقِلٌ، وَضَرُورَةُ الْعَقْلِ تَدْفَعُ هَذَا، وَأَقَامَ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ عَلَى اسْتِحَالَتِهِ فَقَالَ فِي النَّائِمِ مَثَلًا: الْقُوَى الْحَسَّاسَةُ أسَبَابُ الْإِدْرَاكِ لِلْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ وَآلَةٌ لَهَا، فَمَنْ لَا يُدْرِكِ الْأَشْيَاءَ مَعَ وُجُودِهَا وَاسْتِجْمَاعِهَا وَوُفُورِهَا، فَلِأَنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ عَدَمُ إِدْرَاكِهَا مَعَ عَدَمِهَا وَبُطْلَانِ أَفْعَالِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، وَهَذَا قِيَاسٌ أَنْتَ تَجِدُهُ أَقْوَى مِنَ الْأَقْيِسَةِ الَّتِي يُعَارَضُ بِهَا خَبَرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْحِسُّ وَالْعِيَانُ يَدْفَعُهُ، وَمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَوَارد الْأَدِلَّةِ وَتَرْتِيبِ مُقَدِّمَاتِهَا، وَلَهُ أَدْنَى بَيَانٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْظِمَ أَدِلَّةً عَقْلِيَّةً عَلَى اسْتِحَالَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ الْمَحْسُوسَةِ، وَتَكُونُ مُقَدِّمَاتُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ مِنْ جِنْسِ مُقَدِّمَاتِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُعَارَضُ بِهَا النُّصُوصُ أَوْ أَصَحُّ مِنْهَا.
وَأَنْسَب إِلَى الْعَقْلِ: وُجُودُ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَثُبُوتِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرْنَا الْيَسِيرَ مِنْهَا، وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ وَلَمْ يَخْطُرْ لَنَا بِبَالٍ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، تَجِدُ تَصْدِيقَ الْعَقْلِ بِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ تَصْدِيقِهِ بِهَذِا الْأُمُورِ، وَلَوْلَا الْمُشَاهَدَةُ لَكَذَّبَ بِهَا، فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبَ، كَيْفَ يَسْتَجِيزُ الْعَقْلُ تَكْذِيبَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ وَرَأَى وَعَايَنَ مَا لَوْلَا الْحِسُّ لَأَنْكَرَهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ؟ وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ مَنْ صَحَّ عَقْلُهُ وَإِيمَانُهُ: إِنَّ نِسْبَةَ الْعَقْلِ إِلَى الْوَحْيِ أَدَقُّ وأَقَلُّ بِكَثِيرٍ مِنْ نِسْبَةِ مَبَادِئِ التَّمْيِيزِ إِلَى الْعَقْلِ.
التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ.
– الشيخ: حسبك.. الله المستعان، أعد الفقرة الجملة الأخيرة حتى قال..
– القارئ: وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ مَنْ صَحَّ عَقْلُهُ وَإِيمَانُهُ: إِنَّ نِسْبَةَ الْعَقْلِ إِلَى الْوَحْيِ أَدَقُّ وأَقَلُّ بِكَثِيرٍ مِنْ نِسْبَةِ مَبَادِئِ التَّمْيِيزِ إِلَى الْعَقْلِ.
– الشيخ: يعني أن العقل في جانب الوحي صغير لا يقاومه، ولهذا العقل لا يستقل، ويدرك يدرك يعني الأمور الغيبية إدراكاً مجملاً، ولا يدركها تفصيلاً إلا من طريق الوحي، فالعقل يدرك مثلاً وجود الله، أن هذا العالم لابد أن يكون له صانع، لكن لا يدرك كل ما يستحقه يعني كل ما، أو لا يدرك كثيراً مما لله من الأسماء والصفات والأفعال.
وكذلك اليوم الآخر، العقل يدرك أنه لابد أن يكون للناس يوم يجزى فيه العاملون على أعمالهم، لكنه لا يدرك تفاصيل ذلك، والوحي هو الذي جاء بالتفصيل، جاء بالتفصيل وعرف العباد بربهم وباليوم الآخر وبحقوق الله عليهم، فالوحي هو النور ولهذا سمى الله وحيه نوراً، نور عظيم وصراط مستقيم.
فمن انقطعت صلته بالوحي كان في الظلمات، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ [الأنعام:122]
المسلم الذي هو على يعني هو في دينه على بصيرة هو كالذي يمشي في طريق مضاء، مضاء مستنير واضح، والمعرض عن الوحي أو المكذب بالوحي يعيش في ظلمات من جهله وكفره وإعراضه، والحمد لله على نعمة الإسلام فليتأمل.
وأهل الصراطِ المستقيمِ هم القلة، هم القليل في الخلق قديماً وحديثاً، فانظر إلى البشرية الآن تقدر بماذا من الأعداد، وأهل العلم في الطرق المستقيم قلة قليلة، نوح -عليه السلام- مكث ألف سنة يدعو الناس، يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وفي الأخير يقول الله: وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40]، وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ[هود:36].