بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: التَّاسع والأربعون
*** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، سيدِنا ونبيِّنا محمَّد وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. قال المؤلِّفُ -رحمَه الله- في سياقِ ردِّه على مَن قالَ: إذا تعارضَ العقلُ والنقلُ: قُدِّمَ العقلُ. قالَ -رحمَه اللهُ-:
الوجهُ التاسعُ والعشرونَ: إنَّ هؤلاءِ المعارضينَ بينَ العقلِ والوحيِ لا يمكنُهم إثباتُ الصانعِ بلْ يلزمُ مِن قولِهم نفيُه بالكليةِ.
– الشيخ: "إثباتُ الصانِع" هذا التعبير دارجٌ عن المتكلمين، يعبرون عن الخالق بالصانعِ، ولا بأس به، يعني الصانع هو الله "صُنْعَ اللَّهِ" صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88] فيقولونَ: إثباتُ الصانع أو وجودُ الصانع، يُعبِّرون عن الله بالصانع؛ لأنَّه صانع الوجود، وخالق الوجود.
– القارئ: إنَّ هؤلاءِ المعارضينَ بينَ العقلِ والوحيِ لا يمكنُهم إثباتُ الصانعِ بلْ يلزمُ مِن قولِهم نفيُه بالكليةِ لزوماً بَيِّنَاً، ولا أنَّ العالَم مخلوقٌ له، ولا يمكنُهم إقامةُ دليلٍ على استحالةِ إلهينِ، ولا إقامةُ دليلٍ واحدٍ على استحالةِ كونِ الصانعِ جسماً..
– الشيخ: لأنَّ أكثر المتكلمين يقولونَ: إنَّ الله ليس بجسمٍ، ويستحيل أن يكونَ جسماً، فيصرِّحون بالنَّفي: ليس بكذا، وليس بكذا، وليس بجسمٍ.
أما أهل السنة فيرون أنَّ هذا من الألفاظ المجمَلَةِ التي لم يَرِدْ لها ذِكر في الكتاب والسنة، فلا يقولون: الله جسمٌ، ولا يقولون: إن الله ليس بجسمٍ، وذلك لأمرين؛ الأول: أنه لفظٌ محتمِلٌ، يحتمل حقاً وباطلاً؛ لأنَّ له معان. والشيء الثاني: أنه لم يَرِد في الكتاب ولا في السنة إثباتُ الجسم، ولا نفيُ الجسم، إذن فيجب الإمساكُ، فلا نقول.
ومن قال لنا: اللهُ جسم، نقول: ما تريد بالجسم؟ وإذا فَسَّرَ كلامَه أمكن أن نحكمَ عليه، ومن قال لنا: الله ليس بجسمٍ، قلنا له: ما تريدُ يلفظ الجسم؟ فبحسبِ التفسير يتأتَّى الحكمُ على المقالة.
– القارئ: ولا إقامةُ دليلٍ واحدٍ على استحالةِ كونِ الصانعِ جسماً ولا إثباتِ كونِه عالماً ولا قادراً ولا ربَّاً، ونقتصرُ من هذه الجملةِ على بيانِ عجزِهم عن إثباتِ وجودِه -سبحانه وتعالى- فضلاً عن تنزيهِه عن صفاتِ كمالِه، فنقولُ: المعارضونَ بين العقلِ والوحيِ في الأصلِ همُ الزنادقةُ المنكرونَ للنُّبواتِ.
– الشيخ: هذا الأصل، هم الزنادقة، ولكن تسرَّبَ ذلك إلى طوائفَ من المسليمن الذين نسمِّيهم: "المتكلمين"
– القارئ: المعارضونَ بين العقلِ والوحيِ في الأصلِ همُ الزنادقةُ المنكرونَ للنُّبواتِ وحدوثِ العالَم ِوالمعادِ، ووافقتْهم في هذا الأصلِ الجهميةُ المعطلَةُ لصفاتِ الربِّ تعالى وأفعالِه..
– الشيخ: ووافقتْهم الجهميةُ، يظهر في هذا الأصل الذي هو المعارضةُ بين العقلِ والوحيِ.
– القارئ: والطائفتانِ لمْ تثبتْ للعالَم صانعًا البتَّة، فإنَّ الصانعَ الذي أثبتُوه وجودُه مستحيلٌ فضلاً عن كونِه واجبَ الوجودِ قديماً..
– الشيخ: آمنا بالله، آمنا بالله وبرسل الله وبكتب الله، "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"
يعني وجود الربِّ، وجودُ واجبٍ، واجب، أو تقول: هو واجبُ الوجود، واجبٌ في العقل، لأن حكم العقل ثلاثة، الأحكام: الجواز، أو نسميه: الإمكان، والامتناع، والوجوب، فالأشياء في حكم العقل إما: جائزٌ أو واجبٌ أو ممتنعٌ.
فوجود الربِّ -تعالى- حكمُه في العقل: واجبٌ، وواجبُ الوجودِ هو: الذي لا يجوزُ عليه الحدوث ولا العدم، لا يجوز عليه الحدوث، يعني لا يجوز أن يكون مُحدَثاً؛ لأنَّ الـمُحدَث سابقُه العدم، فلا يجوز عليه الحدوث ولا العدم.
وهؤلاء الملاحدةُ كلامُهم في الربِّ -تعالى- يستلزم امتناعَه فضلاً عن وجودِه، فضلاً عن الإمكان فضلاً عن الوجوب. نعم أعد السطور هذه.
– القارئ: قال: ووافقتْهم في هذا الأصلِ الجهميةُ المعطِلةُ لصفاتِ الربِّ وأفعالِه، والطائفتانِ لمْ تثبتْ للعالَم صانعًا البتَّة، فإنَّ الصانعَ الذي أثبتُوه وجودُه مستحيلٌ فضلاً عن كونِه واجبَ الوجودِ قديماً.
– الشيخ: يعني الجهمية أثبتوا للعالَم صانعاً، أثبتوا له صانعاً، لكن قالوا: إنه مجرّدٌ عن جميع الصفات، طيّب: المجرد عن جميع الصفات، ما حكمُه في العقل؟
– القارئ: معدوم
– الشيخ: ممتنعٌ! ممتنع أن يوجد شيءٌ مجرّد عن جميع الصفات! وجودُ ذاتٍ مجردةٍ عن جميع الصفاتِ هذا ممتنعٌ، يمتنع وجود ذات مجردةٍ في الخارج، مجردةٍ عن جميع الصفات، فالصانعُ أو الخالق الذي أثبتُوه هو ممتنعُ الوجودِ.
– القارئ: فإنَّ الصانعَ الذي أثبتُوه وجودُه مستحيلٌ فضلاً عن كونِه واجبَ الوجودِ
– الشيخ: مستحيل، يعني: معنى قولنا: ممتنع.
– القارئ: فإنَّ الصانعَ الذي أثبتُوه وجودُه مستحيلٌ فضلاً عن كونِه واجبَ الوجودِ قديماً.
أما زنادقةُ الفلاسفةِ فإنَّهم أثبتُوا للعالَم صانعاً لفظاً لا معنىً، ثم لبَّسوا على الناسِ وقالوا: إنَّ العالَم صُنْعَهُ وفِعْلَهُ وخَلْقُهُ وهو في الحقيقة عندَهم غيرُ مصنوعٍ ولا مخلوقٍ ولا مفعولٍ، ولا يمكن على أصلِهم أنْ يكونَ العالَم مخلوقاً ولا مفعولاً.
قال أبو حامد وذلكَ لثلاثةِ أوجهٍ..
– الشيخ: أبو حامد الغزالي عنده كتاب اسمه "تهافتُ الفلاسفةِ"، ردَّ عليهم، ولكنه وقع في بعض أغلاطِهم؛ لهذا ردَّ عليه ابن رشد، يعني أصاب في أشياء.
– القارئ: قالَ أبو حامدٍ وذلكَ لثلاثةِ أوجهٍ:
وجهٌ في الفاعل، ووجهٌ في الفعل، ووجهٌ في نسبةٍ مشتركةٍ بين الفعلِ والفاعلِ، أمَّا الذي في الفاعلِ فهو أنَّه لا بدَّ أنْ يكونَ مريداً مختاراً عالماً بما يريدُه حينَ يكونُ فاعلاً لما يريدُه
– طالب: في النسخة عن الأصل: "حتى يكون"
– الشيخ: شي يقول عندك؟
– طالب: حتى يكونَ فاعلاً لما يريدُه.
– الشيخ: قل العبارة أشوف الموازنة كيف تصير؟
– القارئ: قال: وذلكَ لثلاثةِ أوجهٍ:
– الشيخ: الأول في الفاعل، نعم
– القارئ: أمَّا الذي في الفاعلِ فهو أنَّه لا بدَّ أنْ يكونَ مريداً مختاراً عالماً..
– الشيخ: وأنت أيش عندك؟ هو يقول: لا بدَّ أنْ يكونَ مريداً
– القارئ: حتى الآن متوافقين
– الشيخ: زين
– القارئ: فهوَ أنَّه لا بدَّ أنْ يكونَ مريداً مختاراً عالماً بما يريدُه حينَ يكونُ فاعلاً لما يريدُه، وفي الأصل: حتّى يكونَ فاعلاً لما يريدُهُ..
– الشيخ: يعني حين وحتى؟
– القارئ: نعم
– طالب: قال: ما أثبتُّه من التهافت
– الشيخ: حتى عندك
– طالب: أي نعم، حتى
– الشيخ: أي "حتى" زين أحسن، أعد العبارة
– القارئ: أمَّا الذي في الفاعلِ فهو أنَّه لا بدَّ أنْ يكونَ مريداً مختاراً عالماً بما يريدُه
– الشيخ: عالماً بما يريدُه، ماشي إلى هنا، شوي شوي
– القارئ: حتّى يكونَ فاعلاً لما يريدُهُ
– الشيخ: حتى يكون، نعم الصواب "حتى"، يظهر "حتى"، هذا الذي صوَّبه المحقق؟
– طالب: نعم
– الشيخ: صوَّب "حتى"؟
– طالب: نعم
– الشيخ: أي، جيد، جيد
– القارئ: واللهُ تعالى عندَهم ليسَ مريداً بلْ صنعة له أصلاً
– الشيخ: هذا كلّه من كلام الغزالي؟
– القارئ: نعم، واللهُ تعالى عندَهم ليسَ مريداً بلْ لا صنعةَ له أصلاً [وفي التهافت قال: لا صفة]
– الشيخ: كأنَّ هذا أجود
– القارئ: لا صفة؟
– الشيخ: إي، كأنَّها هذا أجود، لا صفة له أصلاً، نعم، جيد، صفة، لا صفة له أصل.
– القارئ: واللهُ -تعالى- عندَهم ليسَ مريداً بلْ لا صفةَ له أصلاً وما يصدرُ عنه فيلزمُ لزوماً ضرورياً. والثاني: أنَّ العالَمَ قديمٌ عندَهم والفعلُ هو الحادِث.
والثالث: أنَّ اللهَ -تعالى- عندَهم واحدٌ من كلِّ وجهٍ، والواحدُ لا يصدرُ عنه -عندَهم- إلا واحدٌ، والعالَم مركبٌ من مختلفاتٍ فكيفَ يصدرُ عنه؟
قالَ: وَلْنُحَقِّقْ وجهَ كلِّ واحدٍ مِن هذهِ الوجوهِ الثلاثةِ معَ حالِهِمْ..
– الشيخ: أي قل: والمحقق
– القارئ: قال: وَلْنُحَقِّقْ
– الشيخ: هاه، وَلْنُحَقِّقْ، وَلْنُحَقِّقْ، أفهمها والمحقِّق، وَلْنُحَقِّقْ، هذا يسمى فعل أمر، والآن نُحَقِّقْ، وَلْنُحَقِّقْ، نعم وَلْنُحَقِّقْ هذهِ الوجوه.
– القارئ: قال: وَلْنُحَقِّقْ وجهَ كلِّ واحدٍ مِن هذهِ الوجوهِ الثلاثةِ معَ حالِهِمْ في دفعِه، فنقولُ: الفاعلُ عبارةٌ عمَّنْ يصدرُ عنْه الفعلُ مع الإرادةِ للفعلِ
– الشيخ: الفاعل هو من يفعل، العبارة ذي، أي هذا، مالنا شغل كلامه، الفاعل: من يصدرُ عنه الفعل مع الإرادة، هذا هو الفاعل الذي يصدرُ منه الفعل بإرادةٍ واختيارٍ، مع الإرادة.
– القارئ: الفاعلُ عبارةٌ عمَّنْ يصدرُ عنْه الفعلُ مع الإرادةِ للفعلِ على سبيلِ الاختيارِ معَ العلمِ بالمرادِ، وعندَهم..
– الشيخ: هذا تطبيقٌ للمعاني السابقة أن يكون عالماً مريداً، عالماً مريداً، الصفات المتقدمة.
– القارئ: وعندَهم أنَّ العالَم معَ اللهِ كالمعلولِ مع العلَّةِ يلزمُ لزوماً ضرورياً
– الشيخ: هذا كلام الفلاسفة الذي.. يقولون: أنَّ العالم صدر عن الأول، فما يسمون الصانع إلا تجوُّزاً، ويسمونها العلَّة الأولى، فالعالَم صدر عن العلَّةِ الأولى صدورَ المعلولِ عن العلَّة التامةِ، العلةُ التامةُ التي تستلزم معلولها، إذن فصدورُه عنها لا بإرادةٍ ولا فعلٍ، لا بإرادة ولا فعل ولا تدبيرٍ، يعني يمكن يشبهونه بصدور الشُّعاع عن الشمس، صدور الضوء والشعاع عن الشمس، صادر صدور المعلول عن العلةِ، ليس بإرادة ولا اختيار.
– القارئ: وعندَهم أنَّ العالَم معَ اللهِ كالمعلولِ مع العلَّةِ يلزمُ لزوماً ضرورياً لا يُتصوَّرُ من اللهِ -تعالى- دفعُه كلزومِ الظلِّ للشخصِ والنورِ للشمسِ، وليسَ هذا من الفعلِ في شيءٍ بلْ مَنْ قالَ: إنَّ السراجَ يفعلُ الضوءَ والشخصُ يفعلُ الظلَّ فقدْ جاوزَ وتوسَّعَ في التجوُّزِ توسعاً خارجاً عن الحدِّ..
– الشيخ: فقد أيش [ماذا]؟
– القارئ: عندي قال: فقد جاوزَ، وفي الأصل: فقد تجاوز، تجوَّزَ.
– الشيخ: فقد تجوَّز، فقد تجوَّز، من المجاز.
– القارئ: فقدْ تجوَّز وتوسَّعَ في التجوُّزِ توسعاً خارجاً عن الحدِّ واستعارَ اللَّفظَ واكتفى بوقوعِ المشاركةِ بينَ المستعارِ لَه والمستعارِ عنْه في وصفٍ واحدٍ وهوَ أنَّ الفاعلَ سببٌ على الجملةِ والسراجُ سببٌ للضوءِ والشمسُ سببٌ للنورِ، والفاعلُ لمْ يسمَّ فاعلاً صانعاً بمجرَّدِ كونِه سبباً بلْ بكونِه سبباً على وجهِ الإرادةِ والاختيارِ، حتى لو قالَ قائلٌ: الجدارُ ليسَ بفاعلٍ، والحجرُ ليسَ بفاعلٍ، والجمادُ ليسَ بفاعلٍ، وإنَّما الفعلُ للحيوانِ لمْ ينكَرْ ذلكَ ولمْ يكنْ قولُهُ كذباً.
وللحَجَرِ فِعْلٌ عندَهُم وهوَ الهَوْيُ إلى السُّفْلِ والميلُ إلى المركزِ كما أنَّ للنَّارِ فعلاً وهو التسخينُ وللحائطِ فعلاً وهو الميلُ إلى المركزِ ووقوعِ الظلِّ؛ لأنَّ ذلكَ صادرٌ عنْهُ وهذا محالٌ.
قال: فإنْ قيلَ كلُّ موجودٍ ليسَ بواجبٍ..
– الشيخ: قف على هذا، هذا كله
– القارئ: من التهافت
– الشيخ: إي، طوَّل رحمه الله، قف على هذا
– طالب: سينقل صفحات
– القارئ: ينقل عشر صفحات
– الشيخ: إي، خل، نطلعُ على التهافت بالواسطة، واسطة ابن القيم.