بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الخمسون
*** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، سيدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
– الشيخ: بأبي وأمِّي -صلى الله عليه وسلم-
– القارئ: قالَ المؤلِّفُ -رحمه الله تعالى- في سياقِ نقلِه عن الإمامِ الغزاليِّ في التهافتِ، قالَ:
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كُلُّ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّا نُسَمِّي ذَلِكَ الشَّيْءَ مَفْعُولًا، وَنُسَمِّي سَبَبَهُ فَاعلًا، وَلَا نُبَالِي كَانَ الْمُسَبِّبُ فَاعِلًا بِالطَّبْعِ أَوْ بِالْإِرَادَةِ.
– الشيخ: لا إله إلا الله، الفاعلُ المعقولُ هو الذي يَفعلُ بإرادةٍ، هذا هو الفاعل، أما المغناطيس الذي يَجذب الحديدَ إليه ليس بفاعلٍ، هذا يعني تأثيرٌ طَبَعِيٌّ.
والفلاسفةُ الملاحدةُ -ومن المنتسبين للإسلام ابن سينا- يقولونَ: إنَّ العالمَ صدرَ عن اللهِ صدورَ المعلولِ عن العِلَّةِ التامَّة، لم يكن بفعلٍ وإرادةٍ. ولكنه اخْترَعَ أنْ يُسمَّى الممكن: مفعولاً، يُسمَّى: مفعولاً، يُسمِّي: العلَّةَ التامَّةَ فاعلاً.
– القارئ: كَمَا أَنَّكُمْ لَا تُبَالُونَ إِنْه كَانَ فَاعِلًا بِآلَةٍ أَوْ بغَيْرِ آلَةٍ، بَلِ الْفِعْلُ جِنْسٌ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَقَعُ بِآلَةٍ وَإِلَى مَا يَقَعُ بِغَيْرِ آلَةٍ، وكَذَلِكَ هُوَ جِنْسٌ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَقَعُ بِالطَّبْعِ وَإِلَى مَا يَقَعُ بِالِاخْتِيَارِ، بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ قُلْنَا: فَعَلَ بِالطَّبْعِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا فِعْلٌ بِالطَّبْعِ ضِدًّا لِقَوْلِنَا فَعَلْ، وَلَا رَفْعًا وَلَا نَقْصًا لَهُ، بَلْ كان بَيَانًا لِنَوْعِ الْفِعْلِ، كَمَا إِذَا قُلْنَا: فَعَلَ مُبَاشِراً بِغَيْرِ آلَةٍ له، لَمْ يَكُنْ نَقْضًا، بَلْ تَنْوِيعًا وَبَيَانًا، وَإِذَا قُلْنَا: فعل بِالِاخْتِيَارِ لَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا، بَلْ كَانَ بَيَانًا لِنَوْعِ الْفِعْلِ، كَقَوْلِنَا: فَعَلَ بِآلَةٍ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُنَا: فَعَلَ يَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ وَكَانَتِ الْإِرَادَةُ ثَابِتَةً لِلْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فِعْلٌ لَكَانَ قَوْلُنَا: فَعَلَ بالطبع متناقضاً فِعْلٌ وَمَا فُعِلَ.
قُلْنَا: هَذِهِ التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ سَبَبٍ بِأَيِّ وجهٍ كَانَ فَاعِلًا، وَلَا كُلُّ سَبَبٍ مَفْعُولًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: الْجَمَادُ لَا فِعْلَ لَهُ وَإِنَّمَا الْفِعْلُ لِلْحَيَوَانِ، وَهَذِهِ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمَشْهُورَةِ الصَّادِقَةِ، فَإِنْ سُمِّيَ الْجَمَادُ فَاعِلًا فَبِالِاسْتِعَارَةِ كَمَا يُسَمَّى طَالِبًا مُرِيدًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، إذ يُقَالُ: الْحَجَرُ يَهْوِي؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الْمَرْكَزَ وَيَطْلُبُهُ، وَالطَّلَبُ وَالْإِرَادَةُ حَقِيقَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا مع العلم بالْمُرَادِ بالْمَطْلُوبِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا مِنَ الْحَيَوَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ قَوْلَنَا: فَعَلَ عَامٌّ وَيَنْقَسِمُ إِلَى مَا هُوَ بِالطَّبْعِ وَإِلَى مَا هُوَ بِالْإِرَادَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قَوْلُنَا: أَرَادَ عَامٌّ، وَيَنْقَسِمُ إِلَى مَنْ يُرِيدُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ، وَإِلَى مَنْ يُرِيدُ وَلَا يَعْلَمُ مَا يُرِيدُ، وَهُوَ فَاسِدٌ، إِذِ الْإِرَادَةُ تَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ يَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ بِالضَّرُورَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ قَوْلَنَا: فَعَلَ بِالطَّبْعِ لَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْأَوَّلِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَقْضٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ التَّنَاقُضُ وَلَا يَشْتَدُّ نُفُورُ الطَّبْعِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَنْ كَانَ سَبَبًا مُوجِبًا وَالْفَاعِلُ أَيْضًا سَبَبًا سُمِّيَ فِعْلًا مَجَازًا.
– الشيخ: لا، ما أدري، فاعلاً، أَعِدِ العبارة.
– القارئ: سُمِّيَ فِعْلًا مَجَازًا هذا في المختصر.
– الشيخ: ما يخالف أعد.
– القارئ: قال: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ قَوْلَنَا: فَعَلَ بِالطَّبْعِ لَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْأَوَّلِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَقْضٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ التَّنَاقُضُ وَلَا يَشْتَدُّ نُفُورُ الطَّبْعِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَنْ كَانَ سَبَبًا مُوجِبًا وَالْفَاعِلُ أَيْضًا سَبَبًا.
– طالب: … أحسن الله إليكم، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا بوجهٍ ما والفِعل أيضاً سببٌ سمِّي فعلاً مجازاً.
– الشيخ: فلما سُمِّي أيش؟ عندك؟
– طالب: قال: فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا بوجهٍ مَا، وهنا في المختصر قال: فإنَّه لما كان سبباً مُوجِباً، فيه (هناك) اختلاف.
– الشيخ: لا إله إلا الله، سبباً مُوجِباً، وعندك الثاني؟
– طالب: بوجهٍ ما
– الشيخ: سبباً بوجهٍ ما أيش بعده؟
– طالب: فإنه لـمّـَا كانَ سبباً بوجهٍ ما والفاعلُ أيضاً سببٌ سُمِّي فعلاً مجازاً، وفي نسخة: سُمِّي فَاعلاً مجازاً.
– الشيخ: فاعلاً عندك كذا هو هذا أحسن، الذي يظهر أنه سُمي فاعلاً، نعم فاعلاً.
– طالب: النسخة القديمة: فاعلاً. فإنه لمَّا كان سبباً موجباً والفاعل أيضاً سبباً سُمِّي فعلاً مجازاً.
– الشيخ: لا، فاعلاً فاعلاً، نعم.
– القارئ: قال: فَإِنَّهُ لَمَّا أَنْ كَانَ سَبَبًا مُوجِبًا وَالْفَاعِلُ أَيْضًا سَبَبًا سُمِّيَ فاعلاً مَجَازًا، وَإِذَا قَالَ: فَعَلَ بِالِاخْتِيَارِ فَهُوَ تكرير عَلَى التَّحْقِيقِ، كَقَوْلِهِ: أَرَادَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا أَرَادَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا تُصُوِّرَ أَنْ يُقَالَ: فَعَلَ وَهُوَ مَجَازٌ، وَيُقَالُ: فَعَلَ وَهُوَ حَقِيقَة لَنْ تَنْفُرَ النَّفْسُ عَنْ قَوْلِهِ: فَعَلَ بِالِاخْتِيَارِ، وَكَانَ مَعْنَاهُ فَعَلَ فِعلاً حَقِيقِيًّا لَا مَجَازِيًّا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ، وَنَظَرَ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ النَّظَرَ فِي الْقَلْبِ مَجَازًا، وَالْكَلَامُ فِي تَحْرِيكِ الرَّأْسِ وَالْيَدِ مَجَازًا، لَمْ يُسْتَقْبَحْ أَنْ يُقَالَ: قَالَ بِلِسَانِهِ وَنَظَرَ بِعَيْنِهِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ نَفْيَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ، فَهَذِهِ مَزَلَّةُ الْقَدَمِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَتَسْمِيَةُ الْفَاعِلِ فَاعِلًا إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنَ اللُّغَةِ، وَقَدَ ظَهَرَ فِي الْعَقْلِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّيْءِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَكُونُ مُرِيدًا وَإِلَى مَا لَا يَكُونُ، فَوَقَعَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ اسْمَ الْفعلِ عَلَى كِلَا الْقِسْمَيْنِ حَقِيقَةً أَمْ لَا، إِذِ الْعَرَبُ تَقُولُ: النَّارُ تَحْرِقُ، وَالثَّلْجُ يُبَرِّدُ، وَالسَّيْفُ يَقْطَعُ، وَالْخُبْزُ يُشْبِعُ، وَالْمَاءُ يُرْوِي، فقَوْلُنَا: يَقْطَعُ مَعْنَاهُ يَفْعَلُ الْقَطْعَ، وَقَوْلُنَا: تُحْرِقُ مَعْنَاهُ تفْعَلُ الْإِحْرَاقَ، فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ، فَأَنْتُمْ مُتَحَكِّمُونَ، قَالَ: وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ المجاز، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ الْحَقِيقِيُّ مَا يَكُونُ بِالْإِرَادَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا حَادِثًا تَوَقَّفَ حُصُولُهُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا إِرَادِيٌّ وَالْآخَرُ غَيْرُ إِرَادِيٍّ، أَضَافَ الْعَقْلُ الْفِعْلَ إِلَى الْإِرَادِيِّ، فَكَذَا اللُّغَةُ، فَإِنَّ مَنْ أَلْقَى إِنْسَانًا فِي نَارٍ فَمَاتَ يُقَالُ: هُوَ الْقَاتِلُ دُونَ النَّارِ، حَتَّى إِذَا قِيلَ: مَا قَتَلَهُ إِلَّا فُلَانٌ كَانَ صادقًا، وإن كَانَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُرِيدِ وَغَيْرِ الْمُرِيدِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا بِطَرِيقِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا وَالْآخَرِ مُسْتَعَارًا، فلمَ يُضافُ الْقَتْلَ إِلَى الْمُرِيدِ لُغَةً وَعُرْفًا وَعَقْلًا، مَعَ أَنَّ النَّارَ هِيَ الْعِلَّةُ الْقَرِيبَةُ فِي الْعَقْلِ، وَكَأنَ الْمُلْقِي لَمْ يَتَعَاطَ إِلَّا الْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْجَمْعُ بِالْإِرَادَةِ وَتَأْثِيرُ النَّارِ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ سُمِّيَ قَاتِلًا وَلَمْ تُسَمَّ النَّارُ قَاتِلَةً إِلَّا بِمَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفَاعِلَ مَنْ يُصْدِرُ الْفِعْلُ عَنْ إِرَادَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مُرِيدًا عِنْدَهُمْ وَلَا مُخْتَارًا لِلْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ صَانِعًا وَلَا فَاعِلًا إِلَّا مَجَازًا.
فَإِنْ قِيلَ: نَحْنُ نَعْنِي بِكَوْنِ اللَّهِ فَاعِلاً
– الشيخ: الله المستعان، الله المستعان، أقول: جدلٌ ما تحته طائلٌ، يعني: جدلٌ مبنيٌّ على التأصيلاتِ عندَهم، ولّا [وإلا] المعقولِ لغةً وعقلاً أنَّ الفعل ما يصدر عن مؤثِّرٍ إراديٍّ، مؤثّرٍ إراديٍّ، مؤثِّرٍ بلا إرادةٍ، أما مَن لا إرادةَ له فلا يُقال: أنه فاعلٌ أبداً، سمه: مؤثراً، سمه: سبباً، أما أنه فاعل!، أما تجوزاً صح، يقولونَ: فعلتْ به النارُ الأفاعيلَ، يعني أتلفتْهُ، فعلتْ، هي ما تفعلُ هي بإرادة، هي سببٌ. فالمؤثِّرُ أعمُّ، إذا قلنا: "هذا الشيءُ مؤثِّرٌ" أعمُّ مِن أنْ يكونَ فاعلاً أو سبباً، الله المستعان.
– القارئ: قال: فَإِنْ قِيلَ: نَحْنُ نَعْنِي بِكَوْنِ اللَّهِ فَاعِلًا أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ كُلِّ مَوجودٍ سِوَاهُ، وَأَنَّ الْعَالَمَ قَوَامُهُ بِهِ، وَلَوْلَا وُجُودُ الْبَارِي لَمَا تُصُوِّرَ وُجُودُ الْعَالَمِ، وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الْبَارِي لَانْعَدَمَ الْعَالَمُ كَمَا
– الشيخ: أيش أيش [ماذا]؟
– القارئ: وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الْبَارِي لَانْعَدَمَ الْعَالَمُ.
– الشيخ: لا، نسأل الله العافية، لا إله إلا الله، يَلزمُ من عَدمِ السببِ عَدمُ الـمُسَبِّبِ.
– القارئ: وَلَوْلَا وُجُودُ الْبَارِي لَمَا تُصُوِّرَ وُجُودُ الْعَالَمِ، وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الْبَارِي لَانْعَدَمَ الْعَالَمُ كَمَا لَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الشَّمْسِ لَانْعَدَمَ الضَّوْءُ، فَهَذَا مَا نَعْنِيهِ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا، فَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ يَأْبَى أَنْ يُسَمِّيَ هَذَا الْمَعْنَى فِعْلًا فَلَا مُشَاحَّةَ فِي الْأَسَامِي بَعْدَ ظُهُورِ الْمَعْنَى.
قُلْنَا: غَرَضُنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُسَمَّى فَعْلًا وَصُنْعًا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى بِالْفِعْلِ وَالصُّنْعُ مَا يَصْدُرُ عَنِ الْإِرَادَةِ حَقِيقَةً، وَقَدْ نَفَيْتُمْ حَقِيقَةَ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَنَطَقْتُمْ بِلَفْظِهِ تَجَمُّلًا بِالْإِسْلَامِ، وَلَا
– الشيخ: أكثر هذه المناقشاتِ مع ابنِ سينا، ابنُ سينا هو الذي ابتدعَ تسميةَ ما يَصدرُ عن العِلَّةِ مما هو ممكن يسمّي هذا الصدورَ: "فعلاً"، وهو في الحقيقةِ ليسَ فعلاً، هو صدور طَبَعِيٌّ، صدور طَبَعِيٌّ، وما يَصدر الشيء عنه طبيعةً أو طبعاً لا يُسمَّى هذا الصدورَ فعلاً، ولا من صَدَرَ عنه فاعلاً.
– القارئ: وَلَا يَتِمُّ الدِّينُ بِإِطْلَاقِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي، فَصَرِّحُوا بِأَنَّ اللَّهَ لَا فِعْلَ لَهُ حَتَّى يَتَّضِحَ أَنَّ مُعْتَقَدَكُمْ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُلْبِّسُوا بِقَوْلِكُمْ: إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ الْعَالَمِ، فَإِنَّ هَذِهِ لَفْظَةٌ أَطْلَقْتُمُوهَا وَنَفَيْتُمْ حَقِيقَتَهَا، وَمَقْصُودُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَشْفُ عَنْ هَذَا التَّلْبِيسِ فَقَطْ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ.
– الشيخ: هذا كله؟
– القارئ: هذا انتهى كلام الغزالي.
– الشيخ: ثم ساقَ الكلام بعدين؟
– القارئ: سيتكلم ابن القيم -رحمه الله-
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: قال: إِنَّ أُصُولَهُمُ الَّتِي عَارَضُوا بِهَا الْوَحْيَ تَنْفِي وُجُودَ الصَّانِعِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ صَانِعًا لِلْعَالَمِ، بَلْ تَجْعَلُهُ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ وَاجِبَ الوجود؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفُوهُ بِهَا صِفَاتُ مَعْدُومٍ مُمْتَنِعَ فِي الْعَقْلِ وَالْخَارِجِ، فَلا الْعَقْلُ يَتَصَوَّرُهُ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ الْمُمْتَنِعِ كَمَا تُفْرَضُ الْمُسْتَحِيلَاتُ، وَلَا يُمْكِنُ فِي الْخَارِجِ وَجُودُهُ، فَإِنَّ ذَاتًا هِيَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ لَا مَاهِيةَ لَهَا سِوَى الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْمُجَرَّدِ عَنْ كُلِّ مَاهِيَّةٍ، وَلَا صِفَةَ لَهَا الْبَتَّةَ، وَلَا فِيهَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَفْهُومِ، وَلَا هِيَ هَذَا الْعَالَمُ، وَلَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَا دَاخِلَةً فِيهِ، وَلَا خَارِجَةً عَنْهُ، وَلَا مُتَّصِلَةً بِهِ، وَلَا مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، وَلَا مُحَايَثَةً لَهُ ولا مباينةً، وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ، وَلَا تَرَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَرَى، وَلَا تُدْرِكُ شَيْئًا، وَلَا تُدْرِكُ هِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ، وَلَا مُتَحَرِّكَةً وَلَا سَاكِنَةً، وَلَا تُوصَفُ بِغَيْرِ السُّلُوبِ وَالْإِضَافَاتِ الْعَدَمِيَّةِ، وَلَا تُنْعَتُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ، هِيَ بِامْتِنَاعِ الْوُجُودِ أَحَقُّ مِنْهَا بِإِمْكَانِ الْوُجُودِ، فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهِ، وتكليف الْعَقْلِ الِاعْتِرَافَ بِوُجُودِ هَذِهِ الذَّاتِ وَوُجُوبِهَا كَتَكْلِيفِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الذَّاتِ
– الشيخ: هو جمعَ بين النقيضينِ؛ لأنَّ من يقول أنه -تعالى عن قولهم- أنه ذاتٌ مجردةٌ عن جميع الصفات هذا يتضمَّنُ عدمَه؛ لأنَّ وجودَ ذاتٍ مجردةٍ عن جميع الصفات لا يُتصوَّر وجودُها، فَسَلْبُهُ جميعَ الصفات يستلزمُ عدمَ هذه الذاتِ، ثم إذا قال هذا: "إنه موجودٌ بل واجبٌ" فقد جمع بين النقيضينِ، فكأنَّه قالَ: موجودٌ معدومٌ، أو قالَ: إنه موجودٌ واجبٌ ومعدومٌ، فقولُه يتضمَّنُ الجمعَ بين النقيضينِ وهو ممتنعٌ في العقل.
– القارئ: قال: وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الذَّاتِ لَا تَصْلُحُ لِفِعْلٍ وَلَا رُبُوبِيَّةٍ وَلَا إِلَهِيَّةٍ، فَأَيُّ ذَاتٍ فُرِضَتْ فِي الْوُجُودِ فَهِيَ أَكْمَلُ مِنْهَا، فَالَّذِي جَعَلُوهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ هُوَ أَعْظَمُ اسْتِحَالَةً مِنْ كُلِّ مَا يُقَدَّرُ مُسْتَحِيلًا، فَلَا يَكْثُرُ بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِمْ إِنْكَارُهُمْ لِصِفَاتِهِ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَلَا إِنْكَارُهُمْ لِكَلَامِهِ وَتَكْلِيمِهِ، فَضْلًا عَنِ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَنُزُولِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَمَجِيئِهِ، وَإِتْيَانِهِ، وَفَرَحِهِ، وَحُبِّهِ، وَغَضَبِهِ، وَرِضَاهُ، فَمَنْ هَدَمَ
– الشيخ: هذه كلُّها الصفاتِ الفعلية.
– القارئ: فَمَنْ هَدَمَ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ مِنْ أَصْلِهَا كَانَ عَلَيْهِ هَدْمُ السَّقْفِ وَالْجُدْرَانِ
– الشيخ: أيش؟
– طالب: هان
– الشيخ: تمام
– القارئ: فَمَنْ هَدَمَ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ مِنْ أَصْلِهَا..
– الشيخ: هانَ عليهِ هدمُ السَّقفِ
– القارئ: فَمَنْ هَدَمَ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ مِنْ أَصْلِهَا هانَ عليهِ هدمُ السَّقفِ والجدرانِ، [أحسن الله إليكم في نسختي]: فَمَنْ هَدَمَ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ مِنْ أَصْلِهَا كَانَ عَلَيْهِ هَدْمُ السَّقفِ والجدران أهونُ.
– الشيخ: خلاص هو
– القارئ: أي هكذا نفسه.
وَلِهَذَا كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْلَ بِالدَّهْرِ وَإِنْكَارَ الْخَالِقِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَوْلَهُمْ: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ[الجاثية:24] وَإِنَّمَا صَانَعُوا الْمُسْلِمِينَ بأَلْفَاظ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَاشْتَقَّ إِخْوَانُهُمُ الْجَهْمِيَّةُ النَّفْيَ وَالتَّعْطِيلَ مِنْ أُصُولِهِمْ، فَسَدُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِإِثْبَاتِ الْخَالِقِ وَتَوْحِيدِهِ بِمُشَارَكَاتِهِمْ لَهُمْ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ بَايَنُوهُمْ فِي بَعْضِ لَوَازِمِهِمْ، كَإِثْبَاتِهِمْ كَوْنَ الرَّبِّ تَعَالَى قَادِرًا مُرِيدًا فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ وَإِثْبَاتِهِمْ مَعَادَ الْأَبْدَانِ، وَالنُّبُوَّةَ، وَلَكِنْ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَا نَفَوْهُ نَفْيَ إِخْوَانِهِمُ الْمَلَاحِدَةِ، بَلِ اشْتَقُّوا مَذْهَبًا بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَسَلَكُوا طَرِيقًا بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ، لَا لِلْمَلَاحِدَةِ فِيهِ وَافَقُوا، وَلَا لِلرُّسُلِ اتَّبَعُوا.
وَلِهَذَا عَظُمَتْ بِهِمُ الْبَلِيَّةُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهِ، وَظُهُورِهِمْ فِي مَظْهَرٍ يَنْصُرُونَ بِهِ الْإِسْلَامَ، فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا، وَلَا لِأَعْدَائِهِ كَسَرُوا، فَمَرَّةً يَقُولُونَ: هِيَ أدلة لَفْظِيَّةٌ مَعْزُولَةٌ عَنْ إِفَادَةِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، وَمَرَّةً يَقُولُونَ: هِيَ مَجَازَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا عِنْدَ الْعَارِفِينَ، وَمَرَّةً يَقُولُونَ: لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْكِيمِهَا، وَالْالتِفَاتَ إِلَيْهَا، وَقَدْ عَارَضَهَا الْعَقْلُ وَقَوَاطِعُ الْبَرَاهِينِ، وَمَرَّةً يَقُولُونَ: أَخْبَارُ آحَادٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي يُطْلَبُ مِنْهَا الْيَقِينُ، فَأَرْضَيْتُمْ بِذَلِكَم إِخْوَانَكُمْ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ، فَهَذِهِ ثَمَرَةُ عُقُولِكُمْ وَحَاصِلُ مَعْقُولِكُمْ.
فَعَلَى عُقُولِكُمُ الْعَفَاءُ فَإِنَّكُمْ عَادَيْتُمُ الْمَعْقُولَ وَالْمَنْقُولَا
وَطَلَبْتُمُ أَمْرًا مُحَالًا، وَهُوَ إِدْ رَاكُ الْهُدَى لَا تَتْبَعُونَ رَسُولًا
وَزَعَمْتُمُ أَنَّ الْعُقُولَ كَفِيلَةٌ بِالْحَقِّ، أَيْنَ الْعَقْلُ كَانَ كَفِيلًا
وَهُوَ الَّذِي يَقْضِي فَيَنْقُضُ حُكْمَهُ عَقْلٌ، تَرَوْنَ كِلَيْهِمَا مَعْقُولًا
وَتَرَاهُ يَجْزِمُ بِالْقَضَاءِ وَبَعْدَ ذَا يَلْقَى لَدَيْهِ بَاطِلًا مَعْلُولًا
لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ دُونَ هِدَايَةٍ بِالْوَحْيِ تَأْصِيلًا وَلَا تَفْصِيلًا
كَالطَّرْفِ دُونَ النُّورِ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ حَتَّى تَرَاهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
وإِذَا الظَّلَامُ تَلَاطَمَتْ أَمْوَاجُهُ وَطَمِعْتَ بِالْإِبْصَارِ كُنْتَ مُحِيلًا
وَإِذَا النُّبُوَّةُ لَمْ يَنَلْكَ ضِيَاؤُهَا فَالْعَقْلُ لَا يَهْدِيكَ قَطُّ سَبِيلًا
نُورُ النُّبُوَّةِ مِثْلُ نُورِ الشَّمْسِ لِلْ عَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَاتَّخِذْهُ دَلِيلًا
طُرُقُ الْهُدَى مَسْدُودَةٌ إِلَّا عَلَى مَنْ أَمَّ هَذَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَا
فَإِذَا عَدَلْتَ عَنِ الطَّرِيقِ تَعَمُّدًا فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مَا أَرَدْتَ وُصُولًا
يَا طَالِبًا دَرْكَ الْهُدَى بِالْعَقْلِ دُو نَ النَّقْلِ، لَنْ تَلْقَى لِذَاكَ دَلِيلًا
كَمْ رَامَ قَبْلَكَ ذَاكَ مِنْ مُتَلَدِّدٍ حَيْرَانَ عَاشَ مَدَى الزَّمَانِ جَهُولًا
مَازَالَتِ الشُّبُهَاتُ تَغْزُو قَلْبَهُ حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلًا
فَتَرَاهُ بِالْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ وَالعَرْ ضي طُولَ زَمَانِهِ مَشْغُولًا
فَإِذَا أَتَاهُ الْوَحْيُ لَمْ يَأْذنْ لَهُ وَيَقُومُ بَيْنَ يَدَي عِدَاهُ مَثِيلًا
وَيَقُولُ تِلْكَ أَدِلَّةٌ لَفْظِيَّةٌ مَعْزُولَةٌ عَنْ أَنْ تَكُونَ دَلِيلًا
وَإِذَا تَمُرُّ عَلَيْهِ قَالَ اذْهَبِي نَحْوَ الْمُجَسِّمِ أَوْ خُذِي التَّأْوِيلَا
وَإِذَا أَبَتْ إِلَّا النُّزُولَ عَلَيْهِ كَا نَ لَهَا الْقِرَى التَّحْرِيفَ وَالتَّبْدِيلَا
فَيَحِلُّ بِالْأَعْدَاءِ مَا تَلْقَاهُ مِنْ كَيْدٍ يَكُونُ لِحَقِّهَا تَعْطِيلًا
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا بِعُمْيَانٍ خَلَوْا فِي ظُلْمَةٍ لَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا
فَتَصَادَمُوا بِأَكُفِّهِمْ وَعِصِيِّهِمْ ضَرْبًا يُدِيرُ رَحَى الْقِتَالِ طَوِيلًا
حَتَّى إِذَا مَلُّوا الْقِتَالَ رَأَيْتَهُمْ مَشْجُوجَاً أَوْ مَفْجُوجَاً أَوْ مَقْتُولًا
وَتَسَامَعَ الْعُمْيَانُ حَتَّى أَقْبَلُوا لِلصُّلْحِ فَازْدَادَ الصِّيَاحُ عَوِيلًا
– الشيخ: انتهى؟
– القارئ: نعم انتهى.
– الشيخ: حسبك، قصيدة طيبة… فيها معاني جليلة:
طُرُقُ الْهُدَى مَسْدُودَةٌ إِلَّا عَلَى مَنْ أَمَّ هَذَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَا
نُورُ النُّبُوَّةِ مِثْلُ نُورِ الشَّمْسِ لِلْ عَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَاتَّخِذْهُ دَلِيلا