الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(52) فصل مذهب أهل الكلام في الصفات

(52) فصل مذهب أهل الكلام في الصفات

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الثَّاني والخمسون

***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ المؤلِّفُ -غفرَ اللهُ لنا ولهُ-:
وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ فَلَمَّا رَأَوْا بُطْلَانَ هَذِهِ الطَّرِيقِ عَدَلُوا عَنْهَا إِلَى طَرِيقِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ وَتَرَكُّبِهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ، وَأَنَّهَا قَابِلَةٌ لِلْحَوَادِثِ، وَمَا يَقْبَلُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ، فَالْأَجْسَامُ كُلُّهَا حَادِثَةٌ

– الشيخ: العبارةُ المشهورةُ في مثلِ هذا السياقِ ما لا يخلو عن الحوادثِ "ما لا يخلو عن الحوادثِ فهو حادثٌ" هذا هو المشهورُ في صيغتِهم، يقول إيش؟ وما يقبلُ الحوادثَ فهو حادثٌ.
 
– القارئ: وَمَا يَقْبَلُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ
– الشيخ: ما في عندكم الأصل
– طالب: نفس العبارة
– القارئ: فَالْأَجْسَامُ كُلُّهَا حَادِثَةٌ، فَإِذَنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُحْدِثٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ، فَبَنَوُا الْعِلْمَ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى حُدُوثِهَا بِأَنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، ثُمَّ قَالُوا: إِنَّ تِلْكَ أَعْرَاضٌ، وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ، وَمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، وَاحْتَاجُوا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ إِلَى إِثْبَاتِ الْأَعْرَاضِ أَوَّلًا، ثُمَّ إِثْبَاتِ لُزُومِهَا لِلْجِسْمِ ثَانِيًا، ثُمَّ إِبْطَالِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا ثَالِثًا، ثُمَّ إِلْزَامِ بُطْلَانِ حَوَادِثَ لَا نِهَايَةَ لَهَا رَابِعًا عِنْدَ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، وَإِلْزَامُ الْفَرْقِ عِنْدَ فَرِيقٍ آخَرَ، ثُمَّ إِثْبَاتُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ خَامِسًا، ثُمَّ إِلْزَامُ كَوْنِ الْعَرْضِ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ سَادِسًا، فَيَلْزَمُ حُدُوثُهُ وَالْجِسْمُ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَمَا لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، ثُمَّ إِثْبَاتُ تماثل الأجسام سابعًا، فيصحُّ على بعضِها ما يصحُّ على جميعِها فعلمُهم بإثباتِ الخالقِ سبحانَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ السَّبْعَةِ فَلَزِمَهُمْ مِنْ سُلُوكِ هَذِهِ الطَّرِيقِ إِنْكَارُ كَوْنِ الرَّبِّ فَاعِلًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ سَمَّوْهُ فَاعِلًا بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ فِعْلٌ، وَفَاعِلٌ بِلَا فِعْلٍ كَقَائِمٍ بِلَا قِيَامٍ، وَضَارِبٍ بِلَا ضَرْبٍ
– الشيخ: هذا هو معنى نفي الأفعالِ الاختياريَّةِ، لا يقومُ به فعلٌ اختياريٌّ؛ لأنَّ الفعلَ الاختياريَّ حادثٌ وما.. عن الحادثِ فهو حادثٌ، فعندَهم قيامُ الأفعالِ الاختياريَّة به يستلزمُ أن يكونَ اللهُ محدثاً، أو يلزمُ أن يكونَ اللهُ حادثًا، سبحانَ اللهِ عمَّا يقولُ الظالمون والجاهلون علوَّاً كبيراً! ولهذا نفى الجهميَّةُ أوَّلاً ثمَّ المعتزلةُ ثمَّ من تبعَهم من الطوائفِ كالأشاعرةِ والكلَّابيَّةِ والسالميَّةِ فإنَّهم ينفون قيامَ الأفعالِ الاختياريَّة به حتَّى قالوا: إنَّ كلامَ اللهِ معنىً نفسيٌّ كلُّه؛ فرارًا من أنْ يقومَ به ما هو حادثٌ، قالوا: إنَّ كلامَ اللهِ معنىً نفسيٌّ قديمٌ، كلمةُ قديمٍ تقابلُ الشيءَ الحادثَ، وأهلُ السُّنَّةِ يقولون: إنَّه تعالى فعَّالٌ لما يريدُ كما أخبرَ عن نفسِه، يفعلُ، يجيءُ، ينزلُ، استوى عن العرشِ، يغضبُ، يرضى، يتكلَّمُ إذا شاءَ بما شاءَ كيفَ شاءَ.
 
– القارئ: فَلَزِمَهُمْ مِنْ سُلُوكِ هَذِهِ الطَّرِيقِ إِنْكَارُ كَوْنِ الرَّبِّ فَاعِلًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ سَمَّوْهُ فَاعِلًا بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ فِعْلٌ، وَفَاعِلٌ بِلَا فِعْلٍ كَقَائِمٍ بِلَا قِيَامٍ، وَضَارِبٍ بِلَا ضَرْبٍ، وَعَالِمٍ بِلَا عِلْمٍ.
وَضَمَّ الْجَهْمِيَّةُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ صِفَةٌ لَكَانَ جِسْمًا

– الشيخ: هذا تطوُّرٌ، الأشاعرةُ وما أشبهَهم ينفون الأفعالَ الاختياريَّةَ لكنَّ الجهميَّةَ زادوا قالوا: لو قامَتْ به صفاتُ زيادةٍ عن الأفعالِ، لو قامَ به علمٌ أو قدرةٌ أو حياةٌ، لو قامَ به شيءٌ من هذه الصفات لكانَ مُحدثًا. أعد العبارة وزادتْ.
 
– القارئ: وَضَمَّ الْجَهْمِيَّةُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ صِفَةٌ لَكَانَ جِسْمًا، وَلَوْ كَانَ جِسْمًا لَكَانَ حَادِثًا، فَيَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ إِنْكَارُ ذَاتِهِ، فَعَطَّلُوا صِفَاتَهُ وَأَفْعَالَهُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي أَثْبَتُوا بِهَا وُجُودَهُ، فَكَانَتْ أَبْلَغَ الطُّرُقِ فِي تَعْطِيلِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَعَنْ هَذَا الطَّرِيقِ أَنْكَرُوا عُلُوَّهُ عَلَى عَرْشِهِ
– الشيخ: الحمدُ، خالفوا المعقولَ والمنقولَ، ووقعوا في أمرٍ مريجٍ في أمرٍ مريجٍ، اضطرابٌ وحيرةٌ وتخبُّطٌ.
 
– القارئ: فَكَانَتْ أَبْلَغَ الطُّرُقِ فِي تَعْطِيلِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَعَنْ هَذَا الطَّرِيقِ أَنْكَرُوا عُلُوَّهُ عَلَى عَرْشِهِ، وَتَكَلُّمَهُ بِالْقُرْآنِ وَتَكْلِيمَهُ لِمُوسَى، وَرُؤْيَتَهُ بِالْأَبْصَارِ فِي الْآخِرَةِ، وَنُزُولَهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، وَمَجِيئَهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ
– الشيخ: لأنَّ كلَّ هذه أفعالٌ..
– القارئ: وَغَضَبَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ مِثْلَهُ بَعْدَهُ، وَجَمِيعَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ وَصْفٍ ذَاتِيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ، فَأَنْكَرُوا وَجْهَهُ الْأَعْلَى، وَأَنْكَرُوا أَنَّ لَهُ يَدَيْنِ، وَأَنَّ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَحَيَاةً
– الشيخ: هذا كلُّه عن الجهميِّةِ.
– القارئ: وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ حَقِيقَةً، وَإِنْ سُمِّيَ فَاعِلًا فَلَمْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ لِفِعْلٍ قَامَ بِهِ، بَلْ فِعْلُهُ هُوَ عَيْنُ مَفْعُولِهِ.
وَكَذَلِكَ الطَّرِيقُ الَّتِي سَلَكُوهَا فِي إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ لَمْ يُثْبِتُوا بهَا نُبُوَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُمْ بَنَوْهَا عَلَى مُجَرَّدِ طَرِيقِ الْعَادَةِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَحَارُوا فِي الْفَرْقِ فَلَمْ يَأْتُوا فِيهِ بِمَا يُثْلَجُ لَهُ الصُّدُورُ، مَعَ أَنَّ النُّبُوَّةَ الَّتِي أَثْبَتُوهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى وَصْفٍ وَجُودِيٍّ بَلْ هِيَ تَعَلُّقُ الْخِطَابِ الْأَزَلِيِّ بِالنَّبِيِّ

– الشيخ: الأزليِّ، هذا على مذهبِ الأشاعرةِ بقولهم إنَّ كلامَ اللهِ قديمٌ، تعلُّقُ الخطابِ الأزليِّ، نعم، تعلُّقُ، أعد.
 
– القارئ: بَلْ هِيَ تَعَلُّقُ الْخِطَابِ الْأَزَلِيِّ بِالنَّبِيِّ، وَالتَّعَلُّقُ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ، فَعَادَتِ النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ إِلَى أَمْرٍ عَدَمِيٍّ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى صِفَةٍ ثُبُوتَيَّةٍ قَائِمَةٍ بِالنَّبِيِّ
– الشيخ: اللَّهم صلِّ وسلِّمْ، هذه مناقضةٌ للحسِّ والعقلِ سبحانَ اللهِ! النبوَّةُ تتضمَّنُ العلمَ بما علَّمَ اللهُ به النبيَّ وهو وصفٌ وجوديٌّ، وترجعُ إلى أهليةٍ لهذا الاختيارِ، واللهُ تعالى ما اصطفى النبيَّ لوحيه إلَّا لأنَّه ليسَ كغيرِه من الناسِ. اللهُ يضعُ فضلَه في حكمتِه بموجبِ علمِه ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:70] اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124] ليسَ كلُّ إنسانٍ مؤهلاً لأنْ يكونَ نبيَّاً، فلا يكونُ هناك فرقٌ بين محمَّدٍ بن عبد اللهِ -صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ- وأبو جهلٍ.
 
– القارئ:
وَأَيْضًا فَحَقِيقَةُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ إِنْبَاءُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَأَمْرُهُ بتَبْلِيغَ كَلَامِهِ إِلَى عِبَادِهِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ
– الشيخ: نسألُ اللهَ العافيةَ، وأيضًا والنبوة
– القارئ: وَأَيْضًا فَحَقِيقَةُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ إِنْبَاءُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَأَمْرُهُ بتَبْلِيغَ كَلَامِهِ إِلَى عِبَادِهِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ.
وَأَمَّا الْيَوْمُ الْآخِرُ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ بَنَوْهُ عَلَى إِثْبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وقَالُوا

– الشيخ: قفْ على هذا، اليوم الآخر.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة