الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(70) تابع توحيد الجهمية والفلاسفة مناقض لتوحيد الرسل< وجاء آخرون فراموا إثبات
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(70) تابع توحيد الجهمية والفلاسفة مناقض لتوحيد الرسل< وجاء آخرون فراموا إثبات

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: السَّبعون

***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ. قالَ الإمامُ ابنُ القيمِ رحمَهُ اللهُ تعالى:
وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَامُوا إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَمُوَافَقَتَهُمْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَتَجَشَّمُوا أَمْرًا مُمْتَنِعًا وَاشْتَقُّوا طَرِيقَةً لا يُمْكِنْهُمُ الْوَفَاءُ بِهَا، فَجَاءُوا بِطَرِيقة بَيِّنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَمْ يُوَافِقوا فِيهَا الْمُعَطِّلَةُ النُّفَاةُ، وَلَمْ يَسْلُكُوا فِيهَا مَسْلَكَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ بِذَلِكَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، وَيَصِلُونَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ إِلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام، وَصَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُحِبُّ النَّظَرَ وَالْبَحْثَ وَالْمَعْقُولَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ أَصَّلُوا تَأْصِيلًا مُسْتَلْزِمًا لِبُطْلَانِ التَّفْصِيلِ، ثُمَّ فَصَّلُوا تَفْصِيلًا دلَّ عَلَى بُطْلَانِ الْأَصْلِ فَصَارُوا حَائرينَ بَيْنَ التَّأْصِيلِ وَالتَّفْصِيلِ، وَصَارَ مَنْ طَرَدَ مِنْهُمْ هَذَا الْأَصْلَ خَارِجًا عَنِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنْ لَمْ يَطْرُدْهُ مُتَنَاقِضًا مُضْطَرِبَ الْأَقْوَالِ، وَقَدْ سَلَكَ النَّاسُ فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ طُرُقًا مُتَعَدِّدَةً سَهْلَةً قَريبةً مُوْصِلَةً إِلَى الْمَقْصُودِ، لَمْ يَتَعَرَّضُوا فِيهَا لِطَرِيقِ هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: وَإِنَّمَا سَلَكَ الْمُتَكَلِّمُونَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَعْرَاضِ مَذْهَبَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَخَذُوهُ عَنْهُمْ، وَفِي الْأَعْرَاضِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهَا وَلَا يُثْبِتُهَا رَأْسًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَوَاهِرِ فِي أَنَّهَا قَائِمَةٌ بِأنفسِهَا كَالْجَوَاهِرِ.

– الشيخ: الجواهرُ هذه مصطلحٌ عندَ المناطقةِ والمتكلمينَ يُريدونَ بها يقولونَ: الجوهرُ الفردُ: هو الجزءُ الذي لا يتجزَّأُ، وهو شيءٌ قائمٌ بنفسِهِ، والجسمُ: ما تَركَّبَ من اثنينِ فأكثر، والعَرَضُ: ما لا يَقومُ بنفسِهِ، مثل الألوانِ والطعومِ والأفعالِ أعراضٌ لا تقومُ بنفسِها لا بدَّ أنْ تقومَ بالأجسامِ أو بالجواهرِ كما يقولون. فالأفعالُ لا تقومُ إلا بفاعِلين، إلا بفاعلٍ، الفعلُ لا يقومُ إلا بفاعلٍ، ليس هناك فعلٌ..، هل هناكَ مشيٌ قائمٌ بنفسِه؟ لا، ما في [لا يوجد] مشي إلا بماشي، ولا في ضربٌ إلا بضاربٍ، ما في [لا يوجد] ضربٌ قائمٌ بنفسِهِ، وعلى هذا فَقِسْ. فالأفعالُ من جملةِ الأعراضِ ومنها الألوانُ والطعومُ أعراضٌ، فعندَهم الجسمُ: هو ما قامَ بنفسِهِ، أو ما تركَّبَ مِن جوهرين فأكثر، وهو قائمٌ بنفسِه، والعَرَضُ ما لا يقومُ بنفسِه، استدلُّوا على حدوثِ الأجسامِ بقيامِ الأعراضِ وقالوا: "إنَّ الجسمَ لا يَخلو عن الأعراضِ، وهي حادثةٌ، وما لا يخلو عن الحوادثِ فهو حادثٌ".
– القارئ: في بدايةِ الكلامِ لـما قال: "وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَامُوا إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ". يتكلم عن الأشاعرة هنا أحسنَ الله إليكم؟
– الشيخ: ما هو بواضح بمرة، كأنَّها، قل العبارة مرةً أخرى أولها.
 
– القارئ: قال: وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَامُوا إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَمُوَافَقَتَهُمْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَتَجَشَّمُوا أَمْرًا مُمْتَنِعًا وَاشْتَقُّوا طَرِيقَةً لَمْ يُمْكِنْهُمُ الْوَفَاءُ بِهَا، فَجَاءُوا بِطَرِيقة بَيِّنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَمْ يُوَافِقوا فِيهَا الْمُعَطِّلَةُ النُّفَاةُ، وَلَمْ يَسْلُكُوا فِيهَا مَسْلَكَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ
– الشيخ: يعني لعلَّ هذا ينطبقُ على مثلِ الأشاعرةِ والكُلَّابيَّةِ فهم كلُّهم ينتسبونَ للسُّنةِ في مُقابلِ المعتزلةِ، ولكنَّهم وافقوا الـمُعتزلةَ في كثيرٍ مِن مسائلِ هذا الشأنِ، فالمعروفُ مِن مذهبِ الأشاعرةِ أنَّهم لا يُثبتونَ إلا سبعاً مِن الصفاتِ، ولا يثبتونَ قيامَ الأفعالِ به سبحانه حتى الكلامُ -كما تعلمونَ- حتى الكلامُ يقولونَ: إنَّ كلامَ اللهِ معنىً نفسيٌّ لا تتعلَّقُ به المشيئةُ فهو معنىً نفسيٌّ قديمٌ، فهم في الحقيقةِ يَدَّعونَ إثباتَ الكلامِ وهم لم يُثبتُوا الكلامَ المعقولَ، الكلامُ المعقولُ هو الذي يكونُ بمشيئةِ المتكلمِ، واللهُ تعالى كما يقولونَ الله تعالى يتكلَّمُ إذا شاءَ بما شاءَ كيفَ شاءَ. نعم ارجع إلى خطك.
– طالب: هو قال: فَرَامُوا إثباتُ الصفاتِ والأفعالِ
– الشيخ: ما هو ببين كلّهم يدَّعون، يمكن ينطبقُ على الـمُفوضةِ لأنَّهم يدَّعونَ الإثباتَ، لكن في الحقيقةِ ليسُوا مُثبتينَ الصفاتِ، الـمُفوضة يُثْبِتُونَها لفظاً.
 
– القارئ: قال: قُلْتُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِكُمُونِهَا وَظُهُورِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ بَقَائِهَا
– الشيخ: الأعراضُ كأنَّها، كأنه يريد الأعراضُ بِكُمُونِهَا وَظُهُورِهَا.
 
– القارئ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِكُمُونِهَا وَظُهُورِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ بَقَائِهَا
– الشيخ: "بعَدَمِ بَقَائِهَا" كما قالت الذي يقول: " العَرَض لا يبقى زمانَيْنِ، بلْ العَرَضُ ذا هو دائماً في تبدُّلٍ، العَرَضُ، يتبدَّلُ في كلِّ لحظةٍ لا يبقى زمانَيْنِ" وهذه أشياءُ يعرفونها: "بطفرةِ النظَّامِ" وهي نظريةٌ لا حقيقةَ لها.
 
– القارئ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِكُمُونِهَا وَظُهُورِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ بَقَائِهَا، ثُمَّ سَلَكَ طُرُقًا فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ مِنْهَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَحْوَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَبْدَئِهِ إِلَى غَايَتِهِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِأَحْوَالِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَجْرَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ –أي: الخطابي-: وَالِاسْتِدْلَالُ بِطَرِيقِ الْأَعْرَاضِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ هَذِهِ الشُّبَهِ، وَطَرِيقُنَا الَّذِي سَلَكْنَاهُ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ سَلِيمٌ مِنْ هَذِهِ الرِّيَبِ.
– الشيخ: الاستدلالُ بالمخلوقِ على الخالقِ هذا هو الطريقُ، الاستدلالُ بالمخلوقِ على الخالقِ هذا هو الطريق، خَلْقُ الإنسانِ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ [الذاريات:21]، فهذا طريقٌ معقولٌ، فالمخلوقُ يستلزمُ وجودَ الخالقِ ويستلزمُ ربوبيتَهُ وإلهيتَهُ. فالخالقُ لهذه العوالمِ هو المستحقُّ للعبادةِ وهو ربُّ كلِّ شيءٍ سبحانه وتعالى.
 
– القارئ: قَالَ: وَقَدْ سَلَكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي هَذِهِ الطّريقِ الِاسْتِدْلَالَ بِمُقَدِّمَاتِ النُّبُوَّةِ وَمُعْجِزَاتِ الرِّسَالَةِ الَّتِي دَلَائِلُهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْحِسِّ لِمَنْ شَاهَدَهَا، وَمِنْ طَرِيقِ اسْتِفَاضَةِ الْخَبَرِ لِمَنْ غَابَ عَنْهَا، فَلَمَّا ثَبَتَتِ النُّبُوَّةُ صَارَتْ أَصْلًا فِي وُجُوبِ قَبُولِ مَا دَعَا إِلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهَذَا النَّوْعُ مُقْنِعٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَنْ لَمْ يَتَّسِعْ فَهْمُهُ لِإِدْرَاكِ وُجُوهِ الْأَدِلَّةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مَعَانِي تَعَلُّقِ الْأَدِلَّةِ بِمَدْلُولَاتِهَا، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.
قُلْتُ: وَهَذِهِ الطَّرِيقُ مِنْ أَقْوَى الطُّرُقِ وَأَصَحِّهَا وَأَدَلِّهَا عَلَى الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ

– الشيخ: طريقُ الاستدلالِ بحالِ الإنسانِ، وحالِ الحيوانِ، وهذهِ المخلوقاتِ.
 
– القارئ: وَهَذِهِ الطَّرِيقُ مِنْ أَقْوَى الطُّرُقِ وَأَصَحِّهَا وَأَدَلِّهَا عَلَى الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَارْتِبَاطُ أَدِلَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِمَدْلُولَاتِهَا أَقْوَى مِنِ ارْتِبَاطِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيةِ الصَّرِيحَةِ بِمَدْلُولَاتِهَا، فَإِنَّهَا جَمَعَتْ بَيْنَ دَلَالَةِ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَدَلَالَتُهَا ضَرُورِيَّةٌ بِنَفْسِهَا، وَلِهَذَا يُسَمِّيهَا اللَّهُ تَعَالَى آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، وَلَيْسَ فِي طُرُقِ الْأَدِلَّةِ أَوْثَقُ وَلَا أَقْوَى مِنْهَا، فانْقِلَابَ عَصًا تُقِلُّهَا الْيَدُ ثُعْبَانًا عَظِيمًا يَبْتَلِعُ مَا يَمُرُّ بِهِ ثُمَّ يَعُودُ عَصًا كَمَا كَانَتْ مِنْ أَدَلٍّ دَلِيلٍ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ، وَحَيَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَعِلْمِهِ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ، وَعَلَى رِسَالَةِ الرَّسُولِ، وَعَلَى الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، فَكُلُّ قَوَاعِدِ الدِّينِ فِي هَذِهِ الْعَصَا، وَكَذَلِكَ الْيَدُ، وَفَلْقُ الْبَحْرِ طُرُقًا، وَالْمَاءُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا كَالْحِيطَانِ، وَنَتْقُ الْجَبَلِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَرَفْعُهُ عَلَى قَدْرِ الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ، وَضَرْبُ حَجَرٍ مُرَبَّعٍ بِعَصًا فَتَسِيلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا تَكْفِي أُمَّةً
– الشيخ: هذه كلّها الآياتُ التي جَرَتْ في تسعِ آياتٍ، في تسعِ آياتٍ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الإسراء:101] لا إله إلا الله.
 
– القارئ: وَضَرْبُ حَجَرٍ مُرَبَّعٍ بِعَصًا فَتَسِيلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا تَكْفِي أُمَّةً عَظِيمَةً.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ كَإِخْرَاجِ نَاقَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ صَخْرَةٍ تَمَخَّضَتْ بِهَا ثُمَّ انْصَدَعَتْ عَنْهَا وَالنَّاسُ حَوْلَهَا يَنْظُرُونَ، وَكَذَلِكَ تَصْوِيرُ طَائِرٍ مَنْ طِينٍ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ النَّبِيُّ، فَيَنْقَلِبُ طَائِرًا ذَا لَحْمٍ وَدَمٍ وَرِيشٍ وَأَجْنِحَةٍ يَطِيرُ بِمَشْهَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ إِيمَاءُ الرَّسُولِ إِلَى الْقَمَرِ فَيَنْشَقُّ نِصْفَيْنِ بِحَيْثُ يَرَاهُ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ فيُخْبِرُ بِهِ كَمَا رَآهُ الْحَاضِرُونَ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ من أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَصِدْقِ رُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهَذِهِ مِنْ طُرُقِ الْقُرْآنِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا عِبَادَهُ وَدَلَّهُمْ بِهَا، كَمَا دَلَّهُمْ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَطَرِ وَالسَّحَابِ وَالْحَوَادِثِ الَّتِي فِي الْجَوِّ وَأَحْوَالِ الْمَعْلُوماتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ

– طالب: "العُلْويَّات".
– الشيخ: "العُلْويَّات" صح، أجود.
– القارئ: وَأَحْوَالِ الْعُلْوِيَّاتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ
– الشيخ: لا إله إلا الله، نعوذُ باللهِ مِن الغفلةِ يا إخوان، نعوذُ باللهِ من الغفلةِ، قفْ معَ نفسِكَ تدَّبَرْ، هلَ أنتَ خلقتَ نفسَكَ؟ أبواكَ خلقَاكَ؟ خلقتَ نفسَكَ هذا مُمتنعٌ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] أبواكَ خلقاكَ؟ أبداً، سبحان الله! هذا الإنسانٌ بما رُكِّبَ فيه مِن آياتٍ عظيمةٍ أصلُهُ جُزءٌ مِن ذلكَ الماءِ، جُزءٌ من ذلكَ الماءِ الذي يُرَاقُ في الرَّحِمِ، سبحان الله مِن نطفةٍ! لا إله إلا الله، قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:17-21] لا إله إلا الله.
– القارئ: قال: وَأَحْوَالِ الْعُلْوِيَّاتِ
– الشيخ: "قالَ" هذي ولَّا.. أنتَ تقول: "قال"؟
– القارئ: أنا أقول أحسنَ الله إليك.
– الشيخ: لا، لا تقول: "قال".. اقرأ بس، لأنه إذا قلتَ قالَ نفهمُها أنَّها حكايةٌ، ابنُ القيمِ يقولُ: "قالَ"، مثل ما نقل عن الخطابي..
 
– القارئ: وَأَحْوَالِ الْعُلْوِيَّاتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَأَحْوَالِ النُّطْفَةِ وَتَقَلُّبِهَا طَبَقًا بَعْدَ طَبَقٍ، حَتَّى صَارَتْ إِنْسَانًا سَمِيعًا حَيًّا مُتَكَلِّمًا عَالِمًا قَادِرًا يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْعَجِيبَةَ وَيَعْلَمُ الْعُلُومَ الْعَظِيمَةَ، فَكُلُّ طَرِيقٍ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ أَصَحُّ وَأَقْرَبُ وَأَوْصَلُ مِنْ طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ، الَّتِي لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ فِيهَا مِنَ التَّطْوِيلِ وَالتَّعْقِيدِ وَالتَّعْسِيرِ مَا يَـمـْنَعُ الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ وَالرَّحْمَةَ الرَّبَّانِيَّةَ، أَنْ يَدُلَّ بِهَا عِبَادَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى صِدْقِ رُسُلِهِ وَعَلَى الْيَوْمِ الْآخِرِ، فَأَيْنَ هَذِهِ الطَّرِيقُ الْعَسِرَةُ الْبَاطِلَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِتَعْطِيلِ الرَّبِّ عَنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَكَلَامِهِ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَسَائِرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طُرُقِ الْقُرْآنِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ هَذِهِ الطَّرِيقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكُلُّ طَرِيقٍ مِنْهَا كَافِيَةٌ شَافِيَةٌ هَادِيَةٌ.
هَذَا: وَإِنَّ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ له نُورًا أَعْظَمُ آيَةٍ وَدَلِيلٍ عَلَى هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ أَقْوَى وَلَا أَظْهَرُ وَلَا أَصَحُّ دَلَالَةً مِنْهُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَأَدِلَّتُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ لِلْبَصَرِ لَا يَلْحَقُهَا إِشْكَالٌ، وَلَا يُغَيِّرُ فِي وَجْهِ دَلَالَتِهَا إِجْمَالٌ، وَلَا يُعَارِضُهَا تَجْوِيزٌ وَاحْتِمَالٌ، تَلِجُ الْأَسْمَاعَ بِلَا اسْتِئْذَانٍ، وَتَحُلُّ مِنَ الْعقُولِ مَحَلَّ الْمَاءِ الزُّلَالِ وَمِنَ الصَّادِي الظَّمْآنِ، لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَقْدَحَ فِيهَا قَدْحًا يُوقِعُ فِي اللَّبْسِ، إِلَّا إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْدَحَ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ عَجِيبِ شَأْنِهَا أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الْمَدْلُولَ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا وَتُنَبِّهُ عَلَى جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ تَنْبِيهًا لَطِيفًا، وَهَذَا الْأَمْرُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ وَفَتَحَ عَينَ قَلْبِهِ لِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ، فَلَا تَعْجَبْ مِنْ مُنْكِرٍ أَوْ مُعْتَرِضٍ أَوْ مُعَارِضٍ.
وَقُلْ لِلْعُيُونِ الْعُمْيِ لِلشَّمْسِ أَعَيْنٌ ** سِوَاكَ تَرَاهَا فِي مَغِيبٍ وَمَطْلَعِ
وَسَامِحْ نُفُوسًا أَطْفَأَ اللَّهُ نُورَهَا   **   بِأَهْوَائِهَا لَا تَسْتَفِيقُ وَلَا تَعِي
فَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى اللَّهِ أَصَحُّ مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا كِتَابُهُ؟ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم:10]

– الشيخ: الكلامُ متواصل.
– القارئ: سينتهي الآن.
– طالب: باقي شيء قليل ويبدأ الوجه الرابع والأربعين.
– الشيخ: طيب قلْ.
– القارئ: وَقَوْلِهِ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] وَمَا يُحْصَى مِنَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ.
– الشيخ: "وما لا يُحْصَى".
– القارئ: بدون "لا" أحسنَ الله إليك؟
– الشيخ: لا، لا.
– القارئ: وَمَا لا يُحْصَى مِنَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ.
– الشيخ: أحسنتَ، جزاك الله خيراً، بارك الله بك، يا ربِّ هُدَاك، اللهمَّ اهدنا لِمَا اختُلِفَ.. نعم يا محمد.
– طالب: ذكر "قد يَكمُن فيها الدِّين" لما ذكر الآيات.
– الشيخ: ما أدري أيش تقول؟
– طالب: قال "قد يَكمُنُ فيها الدِّين" وذكر آيات موسى وقال: "قد يَكمُنُ فيها الدِّين".
– الشيخ: آياتُ موسى أيش قال فيه؟
– طالب: "فَكُلُّ قَوَاعِدِ الدِّينِ فِي هَذِهِ الْعَصَا، وَكَذَلِكَ الْيَدُ"
– الشيخ: يعني قواعدُ الدينِ التوحيدُ للهِ، هذه الآياتُ دالَّةٌ على توحيدِ اللهِ ربوبيتِهِ وإلهيتِهِ ودالَّةٌ على صدقِ مَن جاء بها وهو الرسولُ، فهذا أصلُ الدينِ، أصلُ الدينِ مدارُهُ على الإيمانِ باللهِ والإيمانِ بالرسولِ، فهذه الآياتُ مُتضمِّنَةٌ لأصولِ الدينِ الحقِّ، لعلَّ هذا ..
 
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة