الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(72) الأصل الذي قاد إلى القول بالتعطيل

(72) الأصل الذي قاد إلى القول بالتعطيل

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الثَّاني والسَّبعون

***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، قالَ الـمُؤلِّفُ غفرَ اللهُ لنا ولَه:
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي قَادَهُمْ إِلَى التَّعْطِيلِ، وَاعْتِقَادِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْوَحْيِ وَالْعَقْلِ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَنْشَأُ ضَلَالِ بَنِي آدَمَ، وَهُوَ الْفِرَارُ مِنْ تَعَدُّدِ صِفَاتِ الْوَاحِدِ وَتَكَثُّرِ أَسْمَائِهِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَاتِهِ، وَقِيَامِ الْأُمُورِ الْمُتَجَدِّدَةِ بِهِ، وَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ، بَلْ هُوَ الْحَقُّ الذي لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ رَبًّا وَإِلَهًا وَخَالِقًا إِلَّا بِهِ، وَنَفْيُهُ

– الشيخ: نعم، اللهُ تعالى له أسماء ولَه صفاتٌ كثيرة، كما أخبر بذلك عَن نفسِه في كتابِه، وأخبرَ عنه به رسولُه، لكن هؤلاء المعطِّلة أدخلَ الشيطانُ عليهم شبهةً، وهي بالنسبة للمتكلِّمين دخلَت عليهم من الفلاسفة، وهي أنَّ تَعَدُّدَ الصفاتِ يَستلزمُ ما يسمونَهُ: بــ "التركيب"، يكون وهو أنَّ الله في ذاتِه مُركَّب، وهذا يُنافي التوحيد، التوحيدُ -عندهم مثلاً-: هو اعتقادُ أنَّ الله لا تقومُ به أيُّ صفة، فهو ذاتٌ مجردةٌ عن جميعِ الصفاتِ، وبهذا يتحقَّقُ التوحيدُ عندَهم، ولهذا يُسَمُّونَ نفيَ الصفاتِ توحيداً، ومِن أصولِ المعتزلةِ: التوحيدُ، ويُضَمِّنُونَهُ نفيَ الصفاتِ. فهذا أصلُ ضلالِ بني آدم في هذا البابِ، في هذا الباب، أعني بابَ الأسماءِ والصفاتِ.
 
– القارئ: وَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ                         
– الشيخ: يعني: التعددُ في الأسماء والصفات ليسَ بمحذورٍ، بل هو المعقول.
– القارئ: وَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ، بَلْ هُوَ الْحَقُّ الذي لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ رَبًّا وَإِلَهًا وَخَالِقًا إِلَّا بِهِ، وَنَفْيُهُ جَحْدٌ لِلصَّانِعِ بِالْكُلِّيةِ
– الشيخ: يعني: جَحْدُ أسمائِهِ وصفاتِهِ يَستلزمُ جَحْدَ الخالِق.
يقولُ ابن تيمية في العقيدة: "وَيُعَطِّلُونَ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ تَعْطِيلًا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الذَّاتِ". ووجهُه: أنَّ نفيَ جميعَ الصفاتِ يَستلزم نفيَ الشيء، نفيُ جميعِ الصفاتِ عن الشيءِ يَستلزمُ نفيَ ذاتِ الشيءِ وحقيقتِهِ، وضربُوا لذلكَ مثلاً، الإمامُ أحمد ضربَ له مثلاً في كتابِه: "الردُّ على الجهميةِ" قالَ: لو قالَ قائلٌ: أنا أثبتُ نخلةً ليسَ فيها.. ولا عشبٌ ولا جِذعٌ ولا فَرعٌ ولا ولا ولا وعدَّدَ، هل يكون مُثبتاً للنخلة؟ هذه خلاص أصبحَتْ عَدَماً، فنفيُ جميعِ الصفاتِ يَستلزمُ نفي الذاتِ، ولهذا مذهبُ الـمُعَطلة ولهذا قيلَ إنَّ الـمُعَطِّلَ يَعبدُ عَدَماً، الـمُعَطِّلُ يَعبدُ عَدَماً؛ لأنَّ مَن انتفَتْ عنه جميعُ الصفاتِ لا وجودَ له.
 
– القارئ: وَهَذَا الْقَدْرُ اللَّازِمِ لِجَمِيعِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ وَعُلُومِهِمْ، حَتَّى لِمَنْ أَنْكَرَ الصَّانِعَ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنْكَرَهُ رَأْسًا، فَإِنَّهُ يُضْطَرُّ إِلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ، وَإِنْ قَامَ عِنْدَهُ أَلْفُ شُبْهَةٍ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِالصَّانِعِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَى أَنْ يُقِرَّ كَوْنَهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا مُرِيدًا حَكِيمًا فَعَّالًا، وَمَعَ إِقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَقَدِ اضْطُرَّ إِلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ صِفَاتِ الْوَاحِدِ، وَتَكَثُّرِ أَسْمَائِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَلَوْ تَكَثَّرَتْ ما تكثّرتْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَكَثُّرِهَا وَتَعَدُّدِهَا مَحْذُورٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَنْفِيهَا جملةً وَلَا أُثْبِتُ تَعَدُّدَهَا بِوَجْهٍ قِيلَ لَهُ: فَهُوَ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتُ أَوْ غَيْرُهَا؟ فَإِنْ قَالَ: غَيْرُهَا

– الشيخ: "فهو"؟ كذا عندك "فهو"؟
– القارئ: نعم.
– الشيخ: كأنَّ فيها استفهام يعني، فيُقالُ له: "أهو هذه الموجوداتُ؟" "أفهو" يعني ممكن كذا، "أفهو هذه الموجودات أو غيرها؟"
 
– القارئ: قِيلَ لَهُ: أفَهُوَ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتُ أَوْ غَيْرُهَا؟ فَإِنْ قَالَ: غَيْرُهَا قِيلَ: هُوَ خَالِقُهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: هُوَ خَالِقُهَا قِيلَ لَهُ: قَبْلُ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا عَالِمٌ بِهَا مُرِيدٌ لَهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ، اضْطُرَّ إِلَى تكثّر صِفَاتِهِ وتعددها
– الشيخ: خلاص أقرَّ يعني، أقرَّ بأنه موصوفٌ بالعلمِ والقدرةِ والإرادةِ.
 
– القارئ: وَإِنْ نَفَى ذَلِكَ كَانَ جَاحِدًا لِلصَّانِعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ الدَّهْرِيَّةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ مَا قَالَتِ الرُّسُلُ لِأُمَمِهِمْ: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [إبراهيم:10]
– الشيخ: الأصل الأصل عندكم؟ أصلُ الكتابِ موجود؟
– القارئ: غير موجود اليوم.
– الشيخ: عجيبة! لأنَّ كأنَّ هذا الموضعَ فيه بعضُ الإشكالاتِ، لا حول ولا قوة إلا بالله. 
 
– القارئ: وَهَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ هُوَ أَظْهَرُ لِلْعُقُولِ مِنْ إِقْرَارِهَا بِهِ وَبِرُبُوبِيَّتِهِ.
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الْأَذْهَانِ شَيْءٌ   **   إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ
وإِنْ قَالَ: أَنَا أُثْبِتُهُ مَوْجُودًا وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا صِفَةَ لَهُ قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ مَوْجُودٍ -عَلَى قَوْلِكَ- أَكْمَلُ مِنْهُ، وَضُلَّالُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ الْأَصْنَامِ أَعْرَفُ بِهِ مِنْكَ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ مِنْكَ، وَأَمَّا فِرَارُكَ مِنْ قِيَامِ الْأُمُورِ الْمُتَّجِدَةِ بِهِ فَفَرَرْتَ مِنْ أَمْرٍ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ إِلَهًا وَرَبًّا وَخَالِقًا إِلَّا بِهِ، وَلَا يتقدّر كَوْنُهُ صَانِعًا لِهَذَا الْعَالَمِ مَعَ نَفْيِهِ أَبَدًا; وَهُوَ لَازِمٌ لِجَمِيعِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْأَرْضِ، حَتَّى الْفَلَاسِفَةَ الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ الْخَلْقِ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ عُقَلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ: إِنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ كَوْنُهُ رَبَّاً للْعَالَمِينَ إِلَّا بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ، قَالَ: وَالْإِجْلَالُ مِنْ هَذَا الْإِجْلَالِ وَاجِبٌ، وَالتَّنْزِيهُ مِنْ هَذَا التَّنْزِيهِ مُتَعَيَّنٌ

– الشيخ: في [هل يوجد] تعليق عليه؟
– القارئ: لم يعلِّق بشيء
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَقُومُ عَلَيْهَا قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَسَمْعِيٍّ، وَالْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ وَالنُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ، وَإِنْكَارُه لِمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ أَنَّهُمْ جَاءُوا بِهِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ تَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا، فَأَدِلَّتُهَا تَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دَلِيلٍ، فَأَوَّلُ سُورَةٍ من الْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ سُورَةُ أُمِّ الْكِتَابِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2] يَدُلُّ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحْمَدُ عَلَى أَفْعَالِهِ كَمَا حَمَدَ نَفْسَهُ عليها فِي كِتَابِهِ

– الشيخ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض [الأنعام:1]، حَمِدَ نفسَه على خلقِه السموات والأرض، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1]، الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ [فاطر:1].
 
– القارئ: فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحْمَدُ عَلَى أَفْعَالِهِ كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَحَمِدَهُ عَلَيْهَا رُسُلُهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ عِبَادِهِ، فَمَنْ لَا فِعْلَ لَهُ الْبَتَّةَ كَيْفَ يُحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالْأَفْعَالُ هِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحَمْدِ، وَلِهَذَا تَجِدُهُ مَقْرُونًا بِهَا كَقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام:1]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا [الأعراف:43]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1]
الثَّانِي: قَوْلُهُ تعالى: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وَرُبُوبِيَّتُهُ لِلْعَالَمِ تَتَضَمَّنُ تَصَرُّفَهُ فِيهِ وَتَدْبِيرَهُ لَهُ ونفاذَ أَمْرِ كُلِّ وَقْتٍ فِيهِ، وَكَوْنُهُ مَعَهُ كُلَّ سَاعَةٍ فِي شَأْنٍ: يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، وَيَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيُصَرِّفُ الْأُمُورَ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ إِنْكَارٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَمُلْكِهِ.
الثَّالِثُ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] هُوَ الَّذِي يَرْحَمُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَاحِمًا قَبْلَ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وَالْمَلِكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيمَا هُوَ مَلِكٌ عَلَيْهِ وَمَالِكٌ لَهُ، وَمَنْ لَا لَهُ تَصَرُّفَ

– الشيخ: يعني: "مَن ليسَ لَهُ تصرفٌ" أحسن مِنْ "لا"، لا، لا.
– القارئ: في نسخة: "ومَنْ لا تصرُّفَ لَه"
– الشيخ: صح، هذهِ أحسن، "ومَنْ لا تصرُّفَ لَه" جيد.
 
– القارئ: وَمَنْ لَا تَصَرُّفَ لَهُ وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ الْبَتَّةَ لَا يُعْقَلُ لَهُ ثُبُوتُ مُلْكٍ.
الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] فَهَذَا سُؤَالٌ لفعلِ يَفْعَلُهُ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَهِيَ الْهِدَايَةُ الَّتِي هِيَ فِعْلُهُ.
السَّادِسُ: قَوْلُهُ: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] وَفِعْلُهُ الْقَائِمُ بِهِ وَهُوَ الْإِنْعَامُ، فَلَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ فِعْلُ الْإِنْعَامِ لَمْ يَكُنْ لِلنِّعْمَةِ وُجُودٌ الْبَتَّةَ.
السَّابِعُ: قَوْلُهُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] وَهُمُ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا أَوَجَدَهُمْ وَقَامَ بِهِمْ سَبَبُ الْغَضَبِ، إِذِ الْغَضَبُ عَلَى الْمَعْدُومِ مُحَالٌ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] إلى آخرها قالَ اللهُ تعالى: هذا لِعَبدِي ولِعَبدِي ما سألَ).
فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا.
فَتَأَمَّلْ أَدِلَّةَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَجِدْهَا فَوْقَ عَدِّ الْعَادِّينَ، حَتَّى إِنَّكَ تَجِدُ فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى اخْتِصَارِ لَفْظِهَا عِدَّةَ أَدِلَّةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عِدَّةُ أَدِلَّةٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ} وَهَذَا أَمْرُ التَّكْوِينِ الَّذِي لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَمْرُ الْمُكَوَّنِ بَلْ يَتعْقَّبُهُ، الثَّانِي: إِذَا أَرَادَ شَيْئًا وَ{إِذَا} تَخْلُصُ الْفِعْلُ لِلِاسْتِقْبَالِ

– الشيخ: "تُخلِّصُ"، "تُخلِّصُ الفعلَ للاستقبالِ"
– القارئ: وإذا تُخَلِّصُ الفِعلَ للاستقبالِ، الثَّالِثِ: أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَأَنْ تُخَلِّصُ الْمُضَارِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ، الرَّابِعِ: أَنْ يَقُولَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ إِمَّا لِلْحَالِ وإما لِلِاسْتِقْبَالِ، الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: كُنْ وَهُمَا حَرْفَانِ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ويتعقبُهُ الثَّانِي، السَّادِسُ: قَوْلُهُ: فَيَكُونُ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عَقِبَ قَوْلِهِ: كُنْ سَوَاءٌ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143] فَهُوَ سُبْحَانُهُ إِنَّمَا كَلَّمَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَادَيْنَاهُ [مريم:52] وقولُهُ: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ [القصص:62] وَقَوْلُهُ: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ [الأعراف:22] فَالنِّدَاءُ إِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَقَوْلُهُ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة:210] وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً [الإسراء:16] فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107] يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185] يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء:28] وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:27] وَنُرِيدُ أَنْ نَـمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:6،5] وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:4] قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29] وَهَذَا عِنْدَ النُّفَاةِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلِ الشُّئُونُ لِلْمَفْعُولَاتِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَهُ شَأْنٌ وَاحِدٌ قَدِيمٌ، فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَأَضْعَافُ أَضْعَافِهَا مِمَّا يَشْهَدُ بِها صَرِيحَ الْعَقْلِ، فَإِنْكَارُ ذَلِكَ وَإِنْكَارُ تَكَثُّرِ الصِّفَاتِ وَتُعَدُّدِ الْأَسْمَاءِ هُوَ أَفْسَدُ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَفْتَحُ بَاب

– الشيخ: هو؟
– القارئ: هُوَ أَفْسَدَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَفْتَح بَابٍ الْمُعَارَضَةِ.
– طالب: "أفسدُ للعقل"
– الشيخ: "أفسدُ" أحسن، "أفسدُ" جيد.. لعل أفعلُ تفضيل، أعدِ الجملةَ ونشوف.
– القارئ: وَتُعَدُّدِ الْأَسْمَاءِ هُوَ أَفْسَدُ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ
– الشيخ: لا
– طالب: "للعقلِ"
– الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما أدري أيش، أيش العبارة؟
– القارئ: فَإِنْكَارُ ذَلِكَ وَإِنْكَارُ تَكَثُّرِ الصِّفَاتِ وَتُعَدُّدِ الْأَسْمَاءِ [هُوَ أَفْسَدُ أو أفسدَ] الْعَقْل وَالنَّقْل وَفْتَحُ بَابٍ لِلْمُعَارَضَةِ.
– الشيخ: لا لا، "أفسد" أيش؟، "أفسدَ العقلَ" نعم.
– القارئ: أَفْسَدَ الْعَقْل وَالنَّقْل وَفْتَحُ بَابٍ لِلْمُعَارَضَةِ.
– الشيخ: كذا كذا صح، أَفْسَدَ صح، نعم فصل؟
– القارئ: الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ
– الشيخ: حسبُك، نعم.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة