الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(75) فصل يقال هل للرب ماهية متميزة عن سائر الماهيات
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(75) فصل يقال هل للرب ماهية متميزة عن سائر الماهيات

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: الخامس والسَّبعون

***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
فصلٌ: يُقَالُ: هَلْ لِلرَّبِّ مَاهِيَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الْمَاهِيَّاتِ يَخْتَصُّ بِهَا لِذَاتِهِ، أَمْ تَقُولُونَ: لَا مَاهِيَّةَ لَهُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي كَانَ هَذَا إِنْكَارًا لَهُ وَجُحُودًا

– الشيخ: أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، يُعبِّرون عنه بمصطلحٍ منطقيٍّ أو فلسفيٍّ أو، ماهيَّة، يقولونَ: الماهيَّةُ هي ما يُجابُ به عن قولِ القائلِ: "ما هو؟"، فإنْ قلْت: "ما هوَ؟" فمعناه أنَّكَ تسألُ عن حقيقةِ الشَّيء عن ماهيَّتِه، فماهيَّة مأخوذةٌ من "ما هوَ؟" "ما هو كذا؟" ذكرتَ شيئاً فتقولُ: "ما هو؟".
وماهيَّةُ الشيءِ حقيقتُه، وماهيَّاتُ الأشياء منها الماهيَّةُ الخارجيَّةُ وهي حقيقةُ الشيءِ الموجود في الخارج، وفيه الماهيَّة الذهنيَّة، فالماهيَّةُ الذهنيَّةُ هي صورةُ الشَّيء الَّذي في الذهن، وهي جانبٌ علميٌّ وليس كلُّ ما كانت له ماهيَّةٌ في الذهنِ يكون متحقِّقاً في الخارج؛ لأنَّه قد ما يتخيَّله الإنسانُ من أشياء قد تكون موجودةً في الخارج وقد لا تكونُ، لكن كلُّ موجودٍ في الخارج فله ماهيَّةٌ في الخارج، كلُّ موجودٍ في الخارجِ له ماهيَّةٌ في الخارجِ وهي حقيقتُه الخارجيَّةُ، فهذا السُّؤالُ يقال للمعطِّلة من أجلِ إفحامِهم، يعني هل تقولون أنَّ للهِ ماهيَّةً؟ ولّا تقولون: "ليسَ للهِ ماهيَّةٌ"؟ فإنْ قلْتم ليسَ له ماهيَّةٌ، فهذا الجحدُ الصريحُ والكفرُ والإلحادُ والجحد لوجودِ، جحدٌ لوجودِه، فجحدُ الماهيَّة جحدُ الوجود، جحدُ الماهيَّة يعني جحدُ الوجودِ.
 
– القارئ: يُقَالُ: هَلْ لِلرَّبِّ مَاهِيَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الْمَاهِيَّاتِ يَخْتَصُّ بِهَا لِذَاتِهِ، أَمْ تَقُولُونَ لَا مَاهِيَّةَ لَهُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي كَانَ هَذَا إِنْكَارًا لَهُ وَجُحُودًا، وجَعْلَهُ وُجُودًا مُطْلَقًا لَا مَاهِيَّةَ لَهُ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ لَهُ ذَاتٌ مَخْصُوصَةٌ وَمَاهِيَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الذَّوَاتِ وَالْمَاهِيَّاتِ، قِيلَ لَكُمْ: فَمَاهِيَّتُهُ وَذَاتُهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بَلْ ذَاهِبَةٌ فِي الْأَبْعَادِ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ أَمْ مُتَنَاهِيَةٌ؟

– الشيخ: هذا سؤالٌ، ليس إخباراً، هذا أيضاً سؤالٌ ثانٍ: إذا قلْتم: إنَّ له ماهيَّةً متميزةً عن سائرِ الماهيَّاتِ فهل ماهيَّتُه سارية في كلِّ الجهاتِ؟ أم ماهيَّتُه متناهيةٌ متميِّزةٌ؟ هذا السؤالُ، أعد السؤال.
 
– القارئ: قِيلَ لَكُمْ: فَمَاهِيَّتُهُ وَذَاتُهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بَلْ ذَاهِبَةٌ فِي الْإبْعَادِ
– الشيخ: "فِي الْأَبْعَادِ"، "فِي الْأَبْعَادِ"، عندك "إبعاد"؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: لا، أَبْعَادِ
– طالب: في الأصلِ: "الْأَبْعَادِ"
– الشيخ: لا، خلاص هو أَبْعَادِ، البعد. البعدُ يميناً وشمالاً وفوقَ وتحتَ وإلى آخره، الأبعاد.
– القارئ: قِيلَ لَكُمْ: فَمَاهِيَّتُهُ وَذَاتُهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بَلْ ذَاهِبَةٌ
– الشيخ: يعني فيها أفماهيَّته؟ أماهيَّته؟ يعني هذا المعنى، أسلوبُ استفهامٍ، أماهيَّته ساريةٌ ذاهبةٌ في الأبعاد؟
– القارئ: قِيلَ لَكُمْ: فَمَاهِيَّتُهُ وَذَاتُهُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ بَلْ ذَاهِبَةٌ فِي الْأَبْعَادِ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ أَمْ مُتَنَاهِيَةٌ؟
– الشيخ: أعوذ باللهِ
– القارئ: فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ لَزِمَ مِنْهُ مُحَالَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي بَطَلَ قولُكم ولزمَ إثباتُ الْمُبَايَنَةِ وَالْجِهَةِ، وَهَذَا لَا مَحِيدَ عَنْهُ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا نَقُولُ لَهُ مَاهِيَّةٌ وَلَا لَيْسَتْ لَهُ مَاهِيَّةٌ قِيلَ

– الشيخ: هذا رجع للسؤالِ الأوَّلِ "إن قُلْتُمْ: لَا نَقُولُ لا كذا ولا كذا"
– القارئ: وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا نَقُولُ لَهُ مَاهِيَّةٌ وَلَا لَيْسَتْ لَهُ مَاهِيَّةٌ قِيلَ: لَا يَلِيقُ بِالْعُقُولِ الْمُخَالَفَةُ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إِلَّا هَذَا الْمُحَالُ وَالْبَاطِلُ
– الشيخ: لا، "لا يليقُ"؟
– القارئ: لَا يَلِيقُ بِالْعُقُولِ الْمُخَالَفَةُ لِمَا جَاءَتْ بِهِ
– الشيخ: "الْمُخَالِفَةِ"، "لَا يَلِيقُ بِالْعُقُولِ الْمُخَالِفَةِ"
– القارئ: لَا يَلِيقُ بِالْعُقُولِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إِلَّا هَذَا الْمُحَالُ وَالْبَاطِلُ
– الشيخ: يقولُ: إذا قلْتم: لا نقولُ: "له ماهيَّةٌ"، ولا ليسَ له ماهيَّةٌ" فيقالُ: هذا هو اللَّائقُ بعقولِكم، هذا المعنى، هذا هو اللَّائقُ بعقولِكم الْمُخَالِفَةِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فالعقولُ الْمُخَالِفَةُ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ لا يليقُ بها إلَّا الباطلُ المناقضُ للعقولِ الصَّحيحةُ.
 
– القارئ: قِيلَ: لَا يَلِيقُ بِالْعُقُولِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إِلَّا هَذَا الْمُحَالُ وَالْبَاطِلُ، وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ لَهُ ذَاتٌ مَخْصُوصَةٌ وَمَاهِيَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الْمَاهِيَّاتِ وَلَا نقول: أنَّها متناهيةٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ وَاحِدًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ
– الشيخ: آمنتُ باللهِ ورسلِه.
– القارئ: قِيلَ: التَّناهي وعدمُ التَّناهي يَتَقَابَلَانِ تَقَابُلَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ، وَالسَّبْقِ وَالْمُقَارَنَةِ
– الشيخ: وَالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ"، يعني: ليسَ هناك ثالثٌ، لا قديمٌ ولا مُحدَثٌ، بل الشيءُ إمَّا أن يكون قديماً وإمَّا محدثاً، أمَّا لا قديمٌ ولا محدَثٌ هذا لا يُعقَلُ.
 
– القارئ: كَمَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ، وَالسَّبْقِ وَالْمُقَارَنَةِ
– الشيخ: إي، يعني هل اللهُ سابقٌ للموجودات أم هو مقارنٌ للموجودات؟ فلا يمكن أن يقالَ: أن لا هوَ سابقٌ ولا مقارنٌ. هذا أيضاً من سلبِ النقيضين، لا بدَّ إمَّا أن يكونَ مقارناً أو سابقاً.
 
– القارئ: وَالْقِيَامِ بِالنَّفْسِ وَالْقِيَامِ بِالْغَيْرِ
– الشيخ: كذلك القيامُ، الشَّيء إمَّا قائمٌ بنفسه، وإمَّا قائمٌ بغيرِه ولا واسطةَ، ولا واسطةَ فيقالُ: إنَّ هناكَ شيئاً لا هو قائمٌ بنفسِه ولا قائمٌ بغيره، ما في، لا بدَّ من واحدٍ من هذه المتقابلاتِ، يعني على سَنَنِ الوجودِ والعدمِ والقدمِ والحدوثِ، إلى آخره.
 
– القارئ: وَتَقْدِيرُ قِسْمٍ آخَرَ لَا يَقْبَلُ وَاحِدًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ تَقْدِيرٌ ذِهْنِيٌّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ كَمَا يَفْرِضُ سَائِرَ الْمُحَالَاتِ
– الشيخ: كَمَا يَفْرِضُ شيئاً لا موجوداً ولا معدوماً، الذهنُ يفرض أشياءً مستحيلةً يفرض فرضاً، لكن لا حقيقةَ له، تقديرٌ.
 
– القارئ: وَتَقْدِيرُ قِسْمٍ آخَرَ لَا يَقْبَلُ وَاحِدًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ تَقْدِيرٌ ذِهْنِيٌّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ كَمَا يَفْرِضُ سَائِرَ الْمُحَالَاتِ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ وَلَا إِمْكَانَهُ.
ألا ترى أنَّ قائلاً لو قَالَ: التَّقْسِيمُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْلُومَ إِمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ، وإِمَّا قَدِيمٌ حَادِثٌ، وَإِمَّا لَا قَدِيمٌ وَلَا حَادِثٌ، كَانَ التَّقْسِيمُ ذِهْنِيًّا لَا خَارِجِيًّا، وَإِنَّ سَلْبَ النَّقِيضينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْإِحَالَةِ كَإِثْبَاتِ النَّقِيضَيْنِ.

– الشيخ: هذا يعني سَلْبُ النَّقِيضينِ كَإِثْبَاتِ النَّقِيضَيْنِ طبَّق هذا على موجودٍ معدومٍ، هذا إثباتُ نقيضين، لا موجودٌ ولا معدومٌ، سَلْبُ النَّقِيضينِ، وقلْ مثل ذلكَ في المتقابلاتِ الأخرى، فسَلْبُ النَّقِيضينِ كَجمعِ النَّقِيضَيْنِ كلاهما من الممتنعِ.
– القارئ: أحسنَ الله إليكم شيخنا: ما هيَ المتناهيةُ وغيرُ المتناهيةِ؟ لما قالَ: " لَا نَقُولُ: إنَّها مُتناهِيةٌ وَلَا غيرُ مُتناهِيةٍ"
– الشيخ: ذاتُ الرَّبِّ سبحانَ الله عمَّا يقولُ الجاهلون، ذاتُ الرَّبِّ الكلام، الكلام فيها، هو شوف الكلام من أوَّله يعني: إذا قالُوا: "للهِ ماهيَّةٌ". يُقالُ: هل تقولون إنَّها متناهيةٌ أو غيرُ متناهيةٍ؟ أو هي ذاهبةٌ في الأبعادِ إلى ما لا نهايةَ؟ يعني ذاتُ الرَّبِّ ذاهبةٌ في الأبعاد، ذاهبةٌ في الأبعاد يعني أنَّ ذاتَه ذاهبةٌ في الموجودات وذاهبةٌ فوق وذاهبةٌ في جميع الأبعادِ كما علمنا في معنى الأبعادِ.
والحقُّ أنَّه تعالى أنَّ ذاتَه، أنَّه تعالى قائمٌ بنفسه وموجودٌ فوقَ سمواته على عرشِه، ولا يُقالُ: "إنَّه تعالى أنَّ ذاتَه ساريةٌ في كلِّ مكانٍ وفي كلِّ النواحي وفي كلِّ الأبعاد". سبحان الله تعالى وبحمدِه، بل هو تعالى قائمٌ بنفسه وله وجودٌ متميِّزٌ عن سائرِ الموجودات وهو فوقَ سمواته على عرشِه سبحانه وتعالى.
 
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ: فَصْلٌ: يُقَالُ: ذَاتُهُ سُبْحَانَهُ؛ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَابِلَةَ الْعُلُوِّ عَلَى الْعَالَمِ، أَوْ لَا تَكُونُ قَابِلَةً، فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً
– الشيخ: خلَّك، قفْ على هذا بس [فقط].. يعني كلُّ هذا، كلُّ الدّق هذا والترتيبات يتَّصلُ بمسألة العلوِّ -علوّ اللهِ على خلقِه، هي قضيَّةٌ، عندك مسألةُ الأسماءِ والصِّفاتِ فيها قضايا مخصوصةٌ للناس فيها كلامٌ كثيرٌ، مثل مسألةِ الكلامِ ومسألةِ العلوِّ والاستواءِ، يعني هذا من بينِ سائرِ الصِّفاتِ للنَّاس فيها مذاهبُ وأقاويل وشبهاتٌ واحتجاجاتٌ، فيه في بحث في مسألة الأسماءِ والصِّفات وفرق الناس فيها على سبيلِ العموم، يعني من الناسِ من يثبتُ كذا…، من الجهميَّةِ ينفون كلَّ شيءٍ الأسماء والصفات، والمعتزلة كذلك، لكن في مسائل لهم فيها خوضٌ خاصٌّ، ولها استدلالاتٌ خاصَّةٌ ولهذا صنَّفَ أهلُ العلمِ في مسألة الكلام وفي مسألةِ العلوِّ مصنَّفاتٍ، ابنُ القيِّمِ صنَّف كتابَ: "اجتماعِ الجيوشِ الإسلاميَّةِ في غزو المعطِّلةِ والجهميَّةِ" ولكن مقصودُه الأوَّلُ تقريرُ أو ذكرُ أدلَّةِ إثباتِ الاستواءِ؛ استواءُ اللهِ على عرشِه وعلوِّه على خلقِه.
 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة