بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: السَّادس والسَّبعون
*** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
فَصْلٌ: يُقَالُ: ذَاتُهُ سُبْحَانَهُ؛ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَابِلَةَ الْعُلُوِّ عَلَى الْعَالَمِ، أَوْ لَا تَكُونُ قَابِلَةً، فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً وَجَبَ وُجُودُ الْمقبُولِ لِأَنَّهُ صِفَةُ كَمَالٍ، وإلا لم يقبله؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا لِذَلِكَ هُوَ مِنْ لَوَازِمِهَا [أحسنَ اللهُ إليك، في نسخةٍ: "وإلَّا لم تقبلْهُ"]
– الشيخ: ما في تصويب؟
– القارئ: قالَ: "وإلَّا لم تقبلْه" في نسخة
– الشيخ: طيب من لَوَازِمِهَا، رح بس [يكفي]
– القارئ: وإلَّا لم يقبلْهُ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا لِذَلِكَ هُوَ مِنْ لَوَازِمِهَا، كَقَبُولِ الذَّاتِ لِلْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ والبصرِ، فَوَجودُ هَذَا لازمٌ لِلذَّاتِ ضَرُورَةً، وَلِأَنَّهَا إِذْ قَبِلَتْهُ فَلَوْ لَمْ تَتَّصِفْ بِهِ لَاتَّصَفَتْ بِضِدِّهِ، وَهُوَ نَقْصٌ يَتَعَالَى وَيَتَقَدَّسُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَابِلَةً لِلْعُلُوِّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَابِلُ الْعُلُوِّ أَكْمَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ عَالِيًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِيًا أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْعُلُوَّ وَمَا قَبِلَهُ وَكَانَ عَالِيًا أَكْمَلَ مِمَّنْ قَبِلَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِيًا، فَالْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ: أَدْنَاهَا مَا لَا يَقْبَلُ الْعُلُوَّ، وَأَعْلَاهَا مَا قَبِلَهُ
– الشيخ: يعني أدنى حالٍ: ما لا يقبلُ، يعني: عندَنا ما لا يقبلُ الكمالَ هذا هو … لا يقبلُ الاتِّصافَ بالكمالِ، والثَّاني يقبلُ ولكنَّه غيرُ موصوفٍ، يطبقُ هذا أوضح ما يكونُ بالعلم مثلاً، ما لا يقبلُ العلمَ هذا أنقصُ النَّاقصاتِ، ما يقبلُ العلمَ وليسَ بعالمٍ هذا أحسنُ منه، أحسن من الَّذي قبلَه، والثالثُ: ما يقبلُ العلمَ وهو متَّصفٌ به هذا هو الكمالُ، قابلٌ للكمالِ ومتَّصفٌ به، هذا المعنى وهذا التَّقسيمُ، الثلاثةُ يجري في كلِّ صفاتِ الكمالِ من علمٍ وقدرةٍ وسمعٍ وبصرٍ، ومن ذلك العلوّ، فالعلوُّ كمالٌ، فما لا يقبلُ العلوَّ أصلاً أنقصُها، وما يقبلُ وليسَ بعالٍ خيرٌ منه، وأكملُ الثَّلاثةِ أنْ يكونَ قابلاً والعلوُّ ثابتٌ له، والعلوُّ ثابتٌ، نعم الأقسامُ ثلاثةٌ.
– القارئ: فَالْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ: أَدْنَاهَا مَا لَا يَقْبَلُ الْعُلُوَّ، وَأَعْلَاهَا مَا قَبِلَهُ وَاتَّصَفَ بِهِ.
وَالَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ غَيْرِهِ وَلَا عَالِيًا عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَرَضًا مِنَ الْأَعْرَاضِ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ عَالِيًا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا عَدَمِيًّا لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ، وَإمَّا إِثْبَاتُ ذَاتٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا مُتَّصِفَةٍ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفِعْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَقْبَلُ أَنْ تَكُونَ عَالِيَةً عَلَى غَيْرِهَا، فَهَذَا بِإِمْكَانٍ تَصَوُّرُهُ قَبْلَ التَّصْدِيقِ بِوُجُودِهِ
– الشيخ: كأنَّ الأخيرة: "وَأَمَّا"، اقرأها: "وأمَّا ذاتٌ"، وَإمَّا إِثْبَاتُ ذَاتٍ.
– القارئ: وَأمَّا إِثْبَاتُ ذَاتٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا مُتَّصِفَةٍ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفِعْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَقْبَلُ أَنْ تَكُونَ عَالِيَةً عَلَى غَيْرِهَا، فَهَذَا بِإِمْكَانٍ تَصَوُّرُهُ قَبْلَ التَّصْدِيقِ بِوُجُودِهِ وَلَيْسَ مَعَ مَنِ ادَّعَى إِمْكَانَهُ إِلَّا الْكُلِّيَّاتِ والـمُجردات
– الشيخ: فَهَذَا بِإِمْكَانٍ تَصَوُّرُهُ قَبْلَ؟
– القارئ: فَهَذَا بِإِمْكَانٍ تَصَوُّرُهُ قَبْلَ التَّصْدِيقِ بِوُجُودِهِ [في الأصلِ أحسنَ اللهُ إليكم قال:] "وإمَّا إثباتُ ذاتٍ قائمةٍ بنفسِها متَّصفةٍ بالسَّمعِ والبصرِ والقدرةِ والحياةِ والإرادةِ والعلمِ والفعلِ ومعَ ذلكَ لا تقبلُ أنْ تكونَ عاليةً على غيرِها فهذا يُطالَبُ بإمكانِ تصوُّرِهِ
– الشيخ: خلاص: " يُطالَبُ" اقرأْها صحّ. صوِّب، صوِّب.
– القارئ: لم يثبتْها في المختصر
– الشيخ: لا، أثبتْها أنت، قل: "في الأصل كذا"، وهي صارَت واضحةً الآن، بإمكانِ الجار والمجرور متعلِّقٌ بـ "يُطالَبُ".
– القارئ: فهذا يُطالَبُ بِإِمْكَانٍ تَصَوُّرُهُ قَبْلَ التَّصْدِيقِ بِوُجُودِهِ وَلَيْسَ مَعَ مَنِ ادَّعَى إِمْكَانَهُ إِلَّا الْكُلِّيَّاتِ وَالْمُجَرَّدَاتِ، وَكِلَاهُمَا وُجُودُهُ ذِهْنِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَإِلَّا فَمَا لَهُ وُجُودٌ خَارِجِيٌّ، وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَهُ ذَاتٌ يَخْتَصُّ بِهَا عَنْ سَائِرِ الذَّوَاتِ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْحَيِّ الْفَعَّالِ لَا يُمْكِنُ إِلْحَاقُهُ بِالْكُلِّيَّاتِ وَالْمُجَرَّدَاتِ الَّتِي هِيَ خَيَالَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ لَا أُمُورٌ خَارِجِيَّةٌ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ بِأَنَّ وُجُودَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْمُجَرَّدَاتِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، الكلِّيَّاتُ المعاني المشتركة، والأشياءُ الأسماءُ العامَّة المطلقة يقولون: مثل إنسان مطلق وحيوان مطلق وجسم مطلق، هذه لا وجودَ لها إلَّا في الذِّهن، أمَّا الخارج فليس فيه إلَّا أشياء معيَّنة، أمَّا الشيءُ المشتركُ فليس في الخارجِ إنسان مطلق، بمعنى إنسان تشتركُ فيه جميع الأناسيّ، فهو يريدُ: "في الخارج" ، الأفرادُ الأشياء المعيَّنة، أمَّا المعنى الكليّ المشترك فهذا إنَّما يُوجَدُ في الذِّهنِ، وقسْ على هذا الإنسان والحيوان والجسم وسائر الأشياءِ، لا يريدُ "في الخارج" إلَّا ما هو معيَّنٌ.
– القارئ: قالَ: فصلٌ: الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ مُعْتَرِفُونَ بِوَصْفَهِ تَعَالَى بِعُلُوِّ الْقَهْرِ وَعُلُوِّ الْقَدْرِ.
– الشيخ: هذا يبينُ لنا أنَّ محلَّ النِّزاعِ، وتحرير محلِ النِّزاعِ بين أهل السُّنَّة وطوائف المتكلِّمين في باب العلوِّ إنَّه علوُّ الذَّاتِ، أمَّا علوُّ القدرِ وعلوُّ القهرِ فهم لا ينازعون فيه، يقرُّون بأنَّ اللهَ ذو قدرٍ وأنَّه أفضلُ من كلِّ شيءٍ وأنَّه إلى آخره، على ما في قولهم من العيبِ والتناقضِ فيقرُّون بعلوِّ القهر أنَّه القاهرُ لجميعِ الموجوداتِ، المالكُ لها، إنَّما النِّزاعُ في علوِّ الذَّاتِ.
– القارئ: الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ مُعْتَرِفُونَ بِوَصْفَهِ تَعَالَى
– الشيخ: الْجَهْمِيَّةُ ومن تبعهم، الْجَهْمِيَّةُ، المعطِّلة، المعتزلة، الأشاعرة، حتَّى الأشاعرةُ القولُ المعروفُ عنهم أنَّهم ما يثبتون العلوَّ للهِ تعالى، منهم من يقولُ: "أنَّه حالٌّ في كلِّ شيءٍ"، ومنهم من يقول -نعوذُ بالله- يقولُ: لا داخلَ العالمِ ولا خارجَه، هو موجودٌ، وليسَ هو بداخلِ العالمِ ولا خارجه" أمورٌ عجيبةٌ!
– القارئ: الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ مُعْتَرِفُونَ بِوَصْفَهِ تَعَالَى بِعُلُوِّ الْقَهْرِ وَعُلُوِّ الْقَدْرِ.
وَأَنَّ ذَلِكَ كَمَالٌ لَا نَقْصٌ، وَأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمَ ذَاتِهِ، فَيُقَالُ: مَا أَثْبَتُّمْ بِهِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ هُوَ بِعَيْنِهِ حُجَّةُ خُصُومِكُمْ عَلَيْكُمْ فِي إِثْبَاتِ عُلُوِّ الذَّاتِ لَهُ سُبْحَانَهُ
– الشيخ: مَن هم خصومُهم؟
– القارئ: أهلُ السُّنَّةِ
– الشيخ: نعم
– القارئ: هُوَ بِعَيْنِهِ حُجَّةُ خُصُومِكُمْ عَلَيْكُمْ فِي إِثْبَاتِ عُلُوِّ الذَّاتِ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَمَا نَفَيْتُمْ بِهِ عُلُوَّ الذَّاتِ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَنْفُوا بِهِ ذَيْنَكَ الْوَجْهَيْنِ مِنَ الْعُلُومِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ لَكُمْ وَلَا بُدَّ، إِمَّا أَنْ تُثْبِتُوا لَهُ سُبْحَانَهُ الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ جهة ذَاتًا وَقَهْرًا وَقَدْرًا
– الشيخ: وإمَّا أن تنفوا الجميعَ
– القارئ: وَإِمَّا أَنْ تَنْفُوا ذَلِكَ كُلَّهُ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا نَفَيْتُمْ عُلُوَّ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ بِنَاءً عَلَى لُزُومِ التَّجْسِيمِ، وَهُوَ لَازِمٌ فِيمَا أَثْبَتُّمُوهُ مِنْ وَجْهَيِ الْعُلُوِّ، فَإِنَّ الذَّاتَ الْقَاهِرَةَ لِغَيْرِهَا الَّتِي هِيَ أَعْلَى قَدْرًا مِنْ غَيْرِهَا، إِنْ لَمْ يُعْقَلْ كَوْنُهَا غَيْرَ جِسْمٍ لَزِمَكُمُ التَّجْسِيمَ، وَإِنْ عُقِلَ كَوْنُهَا غَيْرَ جِسْمٍ فَكَيْفَ لَا يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ الْعَالِيَةُ عَلَى سَائِرِ الذَّوَاتِ غَيْرَ جِسْمٍ؟ وَكَيْفَ لَزِمَ التَّجْسِيمُ مِنْ هَذَا الْعُلُوِّ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ الْعُلُوُّ؟
– الشيخ: اللهُ المستعانُ، أعوذُ بالله، الحمدُ للهِ الَّذي عافانا، الحمدُ لله الَّذي هدانا، ما جاءَت به الرُّسلُ هو الصِّراطُ المستقيمُ الموافقُ للفطرِ والعقولِ، الفطرُ السَّليمةُ والعقولُ المستقيمةُ، الحمدُ لله، وهؤلاء متحيِّرون ومضطربون ومتناقضون.
– القارئ: فَإِنْ قُلْتُمْ: لِأَنَّ هَذَا الْعُلُوَّ يَسْتَلْزِمُ تَمَيُّزَ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، قِيلَ لَكُمْ: فِي الذِّهْنِ أَوْ فِي الْخَارِجِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: فِي الْخَارِجِ، كَذَبْتُمْ وَافْتَرَيْتُمْ وَأَضْحَكْتُمْ عَلَيْكُمُ الْعُقَلَاءَ، وَإِنْ قُلْتُمْ: "فِي الذِّهْنِ"، فَهُوَ لِلْإِلْزَامِ لِكُلِّ مَنْ أَثْبَتَ لِلْعَالَمِ رَبًّا خَالِقًا، وَلَا خَلَاصَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِإِنْكَارِ وَجُودِهِ رَأْسًا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ لَمَّا أَوْرَدُوا عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْحُجَّةَ بِعَيْنِهَا فِي نَفْسِ الصِّفَاتِ أَجَبْتُمْ عَنْهَا بِأَنْ قُلْتُمْ: وَاللَّفْظُ لِلرَّازِيِّ فِي نِهَايَتِهِ، فَقَالَ: قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وُقُوعُ الْكَثْرَةِ فِي الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ مُمْكِنَةٌ قُلْنَا: إِنْ عَنَيْتُمْ بِهِ احْتِيَاجَ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ إِلَى سَبَبٍ خَارِجِيٍّ فَلَا يَلْزَمُ احْتِيَاجُ تِلْكَ الصِّفَاتِ إِلَى الذَّاتِ الْوَاجِبَةِ لِذَاتِهَا، وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِهِ تَوَقُّفَ الصِّفَاتِ فِي ثُبُوتِهَا عَلَى تِلْكَ الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ فذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ، فَأَيْنَ الْمُحَالُ؟
قَالَ: وَأَيْضًا فَعِنْدَكُمُ الْإِضَافَاتُ صِفَاتٌ وُجُودِيَّةٌ فِي الْخَارِجِ، فَيَلْزَمُكُمْ مَا أَلْزَمْتُمُونَا فِي الصِّفَاتِ فِي الصُّوَرِ الْمُرْتَسِمَةِ فِي ذَاتِهِ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ، قَالَ: وَمِمَّا يُحَقِّقُ فَسَادَ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِالْكُلِّيَّاتِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ حُصُولِ صُورَةٍ مُسَاوِيَةٍ لِلْمَعْلُومِ فِي الْعَالَمِ، وَقَالُوا: إِنَّ صُورَةَ الْمَعْلُومَاتِ مَوْجُودَةٌ فِي ذَاتِ اللَّهِ؛ حَتَّى ابْنَ سِينَا قَالَ: إِنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي الذَّاتِ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِ الذَّاتِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبًا لَهُ، كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْكِرَ الصِّفَاتِ؟
قَالَ: وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصِّفَاتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ؛ إلَّا أَنَّ الصِّفَاتِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الصِّفَاتِ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ، وَالْفَلَاسِفَةُ يَقُولُونَ: هَذِهِ الصُوَرُ العَقْلِيَّةُ عَوَارِضُ مُتَقَوِّمَةٌ بِالذَّاتِ، وَالَّذِي يُسَمِّيهِ الصِّفَاتِيُّ صِفَةً يُسَمِّيهِ الْفَلْسَفِيُّ عَارِضًا، وَالَّذِي يُسَمِّيهِ الصِّفَاتِيُّ قِيَامًا يُسَمِّيهِ الْفَيْلَسُوفُ قِوَامًا وَمُقَوِّمًا، وَلَا فَرْقَ إِلَّا فِي الْعِبَارَاتِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى" انتهى كلامه، هَذَا لَفْظُهُ.
– الشيخ: بعده أيش؟
– القارئ: انتهى كلامُ الرازيّ الآن.. الآن الكلام لابن القيِّم الآن يقولُ: هَذَا لَفْظُهُ.
فَيَقُولُ لَهُ مُثْبِتُو الْعُلُوِّ: هَلَّا قَنَعْتَ مِنَّا بِهَذَا الْجَوَابِ بِعَيْنِهِ حينَ قُلْتَ: يَلْزَمُ مِنْ عُلُوِّهِ أَنْ يَتَمَيَّزَ مِنْهُ شَيْءٌ عَن شَيْءٍ، وَيَلْزَمُ وُقُوعُ الْكَثْرَةِ فِي الْحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَتَكُونُ قَدْ وَافَقَتِ السَّمْعَ وَنُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ وَكُتُبَ اللَّهِ كُلَّهَا وَأَدِلَّةَ الْعُقُولِ وَالْفِطَرَ الصَّحِيحَةَ وَإِجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَاطِبَةً؟
فَصْلٌ:
هَذِهِ الْحُجَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ وَهِيَ الِاحْتِجَاجُ بِكَوْنِ الرَّبِّ قَائِمًا بِنَفْسِهِ على كَوْنِهِ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ، وَذَلِكَ مَلْزُومٌ لِكَوْنِهِ فَوْقَهُ عَالِيًا عَلَيْهِ بِالذَّاتِ، لَمَّا كَانَتْ حُجَّةً صَحِيحَةً لَا يُمْكِنُ مُدَافَعَتُهَا
– الشيخ: يطولُ، الظَّاهرُ
– القارئ: قليلٌ، أحسنَ اللهُ إليك
– الشيخ: قريبٌ؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: نعم، كمِّلْ
– القارئ: لَمَّا كَانَتْ حُجَّةً صَحِيحَةً لَا يُمْكِنُ مُدَافَعَتُهَا، وَكَانَتْ مِمَّا نَاظَرَ بِهَا الْكَرَّامِيَّةُ أَبَا إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيَّ، فرَّ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَى كَوْنِ الرَّبِّ قَائِمًا بِنَفْسِهِ بِالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ، وَقَالَ: "لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ غَنِيٌّ عنِ الْمَحَلِّ"، فَجَعَلَ قِيَامَهُ بِنَفْسِهِ وَصْفًا عَدَمِيًّا لَا ثُبُوتِيًّا، وَهَذَا لَازِمٌ لِسَائِرِ الْمُعَطِّلَةِ النُّفَاةِ لِعُلُوِّهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَائِمًا بِنَفْسِهِ أَبْلَغُ مِنْ كَوْنِهِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ قِيَامُ الْعَرَضِ بِغَيْرِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَدَمِيًّا بَلْ وُجُودِيًّا، فَقِيَامُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ أَحَقُّ أَلَّا يَكُونَ أَمْرًا عَدَمِيًّا بَلْ وُجُودِيًّا، وَإِذَا كَانَ قِيَامُ الْمَخْلُوقِ بِنَفْسِهِ صِفَةَ كَمَالٍ وَهُوَ مُفْتَقِرٌ بِالذَّاتِ إِلَى غَيْرِهِ
– الشيخ: قِيَامُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ أن يكون وجودُه لا يفتقرُ إلى موجودٍ آخرَ، فالعرضُ لا يقوم بنفسِه يفتقرُ إلى ما يقوم به، أمَّا مثل جسم فإنَّه يقومُ بنفسه، والأعراضُ معروفةٌ، مثل الألوانِ، ومثل الأفعالِ، المشي، والذهابِ والمجيء، هذه أعراضٌ، الأفعال أعراض، فلا يكون مشي إلا بماشٍ، ولا يكونُ فعلٌ إلَّا بفاعلٍ، فالأفعال أعراضٌ، والألوانُ أعراضٌ، والقائمُ بنفسِه أكملُ ممَّا يقوم بنفسِه، بل لا يقومُ ولا يوجدُ إلَّا بغيرِه.
– القارئ: وَإِذَا كَانَ قِيَامُ الْمَخْلُوقِ بِنَفْسِهِ صِفَةَ كَمَالٍ وَهُوَ مُفْتَقِرٌ بِالذَّاتِ إِلَى غَيْرِهِ
– الشيخ: مفتقرٌ إلى صانعِه، إلى خالقِه، وهو قائمٌ بنفسه، قائمٌ بنفسه، لا يعني أنَّه موجودٌ لنفسه وأنَّه لا… لا، القائمُ بنفسه مطلقاً هو اللهُ، وهذا مدلولُ اسمِه القيّومُ، فهو قائمٌ بنفسه غنيٌّ عن كلِّ ما سواه، في وجودِه وفي جميعِ صفاتِ كمالِه، قيّومٌ غنيٌّ عن كلِّ ما سواه، بل هو قائمٌ بغيره [لعلَّ الشيخَ أرادَ "غيرَ قائمٍ بغيرِه"] فلا قيامَ لشيءٍ إلَّا به، لا وجودَ لشيءٍ إلَّا به، ولا بقاءَ لشيءٍ إلَّا به.
– القارئ: وَإِذَا كَانَ قِيَامُ الْمَخْلُوقِ بِنَفْسِهِ صِفَةَ كَمَالٍ وَهُوَ مُفْتَقِرٌ بِالذَّاتِ إِلَى غَيْرِهِ فَقِيَامُ الْغَنِيِّ بِذَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَحَقُّ وَأَوْلَى.
انتهى كلامُه.
– الشيخ: بعده فصلٌ..
– القارئ: الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ صِفَةُ كَمَالٍ
– الشيخ: إلى آخرِه.