الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(77) فصل القيام بالنفس صفة كمال
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(77) فصل القيام بالنفس صفة كمال

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: السَّابع والسَّبعون

***    ***    ***

– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الإمامُ الحافظُ شمسُ الدِّينِ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى في كتابِهِ: (مختصَرُ الصَّواعقِ الـمُرسَلةِ على الجهميَّةِ والمعطِّلةِ) قالَ رحمَهُ اللهُ:
فَصْلٌ: الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ صِفَةُ كَمَالٍ، فَالْقَائِمُ بِنَفْسِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ
– الشيخ: "القائمُ بنفسِهِ" هذا مصطلحٌ يمكن نسمّيه: "منطقيّ"، الشَّيءُ الَّذي لا يفتقرُ إلى وجودِ شيءٍ يقومُ بهِ، وهذا يتَّضحُ بالمثالِ: الموجوداتُ الظَّاهرةُ المحسوسةُ قسمان: أجسامٌ، وأعراضٌ، فالجسمُ هو الشَّيءُ القائمُ بنفسِه، مثل: إنسان، مثل كذا الحيوان، مثل الجبال، الجبلُ قائمٌ بنفسه، الشجرُ، الشَّجرةُ قائمةٌ بنفسها.
والعرضُ لا يقومُ بنفسه بل لابدَّ من شيءٍ يقومُ به، مثل: الألوان، اللَّونُ عرَضٌ، الطَّعمُ عرضٌ، لا بدَّ يقوم بشيءٍ، والصِّفاتُ مثل الطولِ هذه الأشياءُ لا تقومُ بنفسها، وكذلك الأفعالُ نفسها، الفعلُ لا يقوم إلَّا بفاعلٍ، لا بدَّ من فاعلٍ يقومُ به، فالمشي لا بدَّ له من فاعلٍ، والكلامُ لابدَّ فيه من متكلِّمٍ، ما يوجدُ كلام قائم بنفسه، لا، الكلامُ لا يقومُ بنفسه، الكلامُ لابدَّ له من متكلِّمٍ، والقيامُ بالنَّفسِ كمالٌ، فالَّذي يقومُ بنفسه أكملُ من الَّذي لا يقومُ إلَّا بغيرِه، لا يقومُ بنفسِه.
 
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ: الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ صِفَةُ كَمَالٍ، فَالْقَائِمُ بِنَفْسِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ غِنَاهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ فَقِيَامُهُ بِنَفْسِهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةُ قَيُّومَيَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَالْقَيُّومُ: الْقَيُّومُ بِنَفَسِهِ الْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ، فَمَنْ أَنْكَرَ قِيَامَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ فَقَدْ أَنْكَرُ قومَيَّتِهِ
– الشيخ: عندك كأنَّك تقرأها قومَيَّتِهِ" كذا؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: قوميّة كذا؟ قَيُّومَيَّة
– القارئ: قَيُّومَيَّتِهِ
– الشيخ: إي، انتبهْ كأنَّك تقرأها بالواو
– القارئ: وَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَالْقَيُّومُ: الْقَيُّومُ بِنَفَسِهِ الْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ، فَمَنْ أَنْكَرَ قِيَامَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمَعْنَى الْمَعْقُولِ فَقَدْ أَنْكَرُ قَيُّومَيَّتِهِ وَأَثْبَتَ لَهُ قِيَامًا بِالنَّفْسِ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، بَلْ جَعَلَ قَيُّومِيَّتَهُ أَمْرًا عَدَمِيًّا لَا وَصْفًا ثُبُوتِيًّا، وَهِيَ عَدَمُ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَحَلِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مَحَلٍّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا تَعْنِي بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمَحَلِّ؟ أَتَعْنِي بِهِ الْأَمْرَ الْمَعْقُولَ مِنْ قِيَامِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ الَّذِي يُفَارِقُ بِهِ الْعَرَضَ الْقَائِمَ بِغَيْرِهِ، أَمْ تَعْنِي بِهِ أَمْرًا آخَرَ؟ فَإِذا عَنَيْتَ بِهِ الْأَوَّلَ فَهُوَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ، وَالدَّلِيلُ قَائِمٌ وَالْإِلْزَامُ صَحِيحٌ؛ وَإِذا عَنَيْتَ بِهِ أَمْرًا آخَرَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ عَدَمِيًّا والعدمُ لا شيءَ، كاسمِهِ فَتَعُودُ قَيُّومِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ إِلَى لَا شَيْءَ؟ وَإِنْ عَنَيْتَ بِهِ أَمْرًا وُجُودِيًّا غَيْرَ الْمَعْقُولِ الَّذِي تَعْقِلُهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيُنْظَرَ فِيهِ، هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْمُبَايَنَةُ أَمْ لَا؟
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ: فَصْلٌ: كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِوُجُود رَبٍّ لِلْعَالَمِ مُدَبِّرٍ لَهُ، لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ بِمُبَايَنَتِهِ لِخَلْقِهِ وَعُلُوِّهِ عَلَيْهِمْ، وَكُلُّ مَنْ أَنْكَرَ مُبَايَنَتَهُ وَعُلُوَّهُ لَزِمَهُ إِنْكَارُهُ وَتَعَطيلهُ، فَهَاتَانِ دَعْوَيَانِ فِي جَانِبِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ؛ أَمَّا الدَّعْوَى الْأُولَى فَإِنَّهُ أَوَّلًا أَقَرَّ بِالرَّبِّ، فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ لَهُ ذَاتًا وَمَاهِيَّةً مَخْصُوصَةً أَوْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَمْ يُقِرَّ بِالرَّبِّ، فَإِنَّ رَبًّا لَا ذَاتَ لَهُ وَلَا مَاهِيَّةَ لَهُ هُوَ وَالْعَدَمُ سَوَاءٌ

– الشيخ: بل هو عدمٌ، بل هو عدمٌ من العدمِ.
– القارئ: وَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ ذَاتًا مَخْصُوصَةً وَمَاهِيَّةً، فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ بِتَعْيِينِهَا أَوْ يَقُولَ إِنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: إِنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ خَيَالًا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُعَيَّنٌ
– الشيخ: "فِي الْخَارِجِ" دائمًا دائمًا إذا قالَ: الخارجُ، يعني: خارج الذِّهن، خارج الذِّهن، يعني الآن ما في الذِّهن، ما في ذهنِ الإنسان، شوف [انظر] فكِّرْ، ما في ذهنِك قد يكونُ موجودًا في الخارج، وقد يكون غيرَ موجودٍ، يعني فأنتَ إذا فكَّرَ إنسانٌ بأنَّه يفكِّرُ أنَّه صار صاحبَ مالٍ، وصارَ عنده أنواعُ الأموالِ، الآن هذه كلُّها في ذهنه، يتخيَّلُ أموالًا، قصورًا، ويتخيَّلُ عنده سيَّارات وكيت وكيت، هذه الموجودات موجودةٌ في ذهنه، لكن في الخارجِ موجودةٌ؟ موجودةٌ في الخارج؟ ما هي بموجودةٍ، موجودةٌ في ذهنه.
ومَن يفكِّرُ في أموالِه الموجودةِ يفكِّر أنَّه سيعمل كذا أنَّه سيسكنُ فيها، وهي موجودةٌ، تكون موجودةً في ذهنِه عند التَّفكيرِ، عندَ التَّفكيرِ، عند التَّفكير تكونُ موجودةً في ذهنه وهي موجودةٌ في الخارج، فما في الذِّهن قد يكونُ موجودًا في الخارج وقد لا يكون موجودًا في الخارج بل قد يكون ممتنعًا، قد يكون ممتنعًا يتخيَّلُ وجودَ شيءٍ، يقولون: يعني يفكِّرُ في بحرٍ، يقول: بحرٌ من الزِّئبقِ، هذا إذا فكَّرت فيه يكون موجودًا في ذهنك، لكن ليسَ له وجودٌ في الخارجِ، دائمًا "الخارج، في الخارج، موجودٌ في الخارج، غير موجودٍ في الخارجِ" هذا هو المرادُ، خارجَ الذِّهنِ يقصدون، لا إله إلَّا الله.
وقد يكونُ الشَّيءُ موجودًا في الخارج وليسَ هو في ذهنِك؛ لأنَّك لم تفكِّرْ فيه، فما دمتَ لم تفكِّر فيه، ولم يخطرْ ببالك فلم يكنْ في ذهنِك، غير موجودٍ في ذهنِك وهو موجودٌ، حقيقتُه موجودةٌ، غفلتُك عنه لا توجبُ عدمَه، لا..
 
– القارئ: لَا سِيَّمَا وَتِلْكَ الذَّاتُ أَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ كُلِّ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الشَّرِكَةِ فِيهَا وَأَنْ يُوجَدَ لَهَا نَظِيرٌ، فَتَعْيُّنُ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَاجِبٌ، وَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا كُلِّيَّةٌ، وَالْعَالَمُ الْمَشْهُودُ مُعَيَّنٌ لَا كُلِّيٌّ، لَزِمَ قَطْعًا مُبَايَنَةُ أَحَدِ الْمُتَعَيَّنَيْنِ لِلْآخَرِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُبَايِنْهُ لَمْ يُعْقَلْ تَمَيُّزُهُ عَنْهُ وَتَعَيُّنُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: "هُوَ يَتَعَيَّنُ بِكَوْنِهِ لَا دَاخِلًا فِيهِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ". قِيلَ: هَذَا -وَاللَّهِ- حَقِيقَةُ قَوْلِكُمْ، وَهُوَ عَيْنُ الْمُحَالِ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ مِنْكُمْ بِأَنَّهُ لَا ذَاتَ لَهُ وَلَا مَاهِيَّةَ تَخُصُّهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَاهِيَّةٌ يَخْتَصُّ بِهَا لَكَانَ تَعَيُّنُهَا لِمَاهِيَّتِهِ وَذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، وَأَنْتُمْ إِنَّمَا جَعَلْتُمْ تَعَيُّنَهُ بِأَمْرٍ عَدَمِيٍّ مَحْضٍ وَنَفْيٍ صِرْفٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ، وَهَذَا التَّعْيِينُ لَا يَقْتَضِي وُجُودَهُ مِمَّا بِهِ يَصِحُّ عَلَى الْعَدَمِ الْمَحْضِ، وَأَيْضًا فَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا يُعِينُ الْمُتَعَيَّنِ، إِثْبَات

– الشيخ: لَا يُعَيِّنُ
– القارئ: وَأَيْضًا فَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا يُعَيِّنُ الْمُتَعَيَّن
– الشيخ: ما أدري والله.
– القارئ: أو "لا يُعيْنُ المتعيّن"؟
– الشيخ: لا لا، لَا يُعَيِّنُ
– القارئ: لَا يُعَيِّنُ الْمُتَعَيَّنِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا يُعَيِّنُهُ ذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ وَصِفَاتُهُ، فَلَزِمَ قَطْعًا مِنْ إِثْبَاتِ
– الشيخ: يُعَيِّنُهُ ولَّا تُعيِّنه؟
– القارئ: يُعَيِّنُهُ
– طالب: في الأصل: "وإنَّما تعيينُه ذاتُه".
– الشيخ: ذاته أيش؟ اقرأ أنتَ يا محمَّد
– طالب: في الأصلِ: "وإمَّا تعيينُه ذاتَه المخصوصةَ وصفاتَه فلزمَ قطعًا من إثباتِ ذاتِه
– الشيخ: لا، تُعيِّنُهُ.. تُعيِّنُهُ بالتاء بالتاء، تُعيِّنُهُ ذاته وصفاته
– القارئ: وَإِنَّمَا تُعيِّنُهُ ذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ وَصِفَاتُهُ، فَلَزِمَ قَطْعًا مِنْ إِثْبَاتِ ذَاتِهِ تَعَيُّنُ تِلْكَ الذَّاتِ؛ وَمِنْ تَعَيُّنِهَا مُبَايَنَتُهَا لِلْمَخْلُوقَاتِ، وَمِنَ الْمُبَايَنَةِ العُلُوُّ عَلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَصَحَّ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَبِالنَّقْلِ وَالْفِطْرَةِ، وَلَزِمَ مِنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى صِحَّةُ الدَّعْوَى الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَمْكَنَ مُبَايَنَتُهُ لِلْعَالَمِ وَعُلُوُّهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إِمْكَانُ رُبُوبِيَّتِهِ وَكَوْنُهُ إِلَهًا لِلْعَالَمِ.
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فَصْلٌ: ثَبَتَ بِالْعقلِ إِمْكَانُ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى

– الشيخ: سبحانَ اللهِ العظيمِ
– القارئ: وَبِالشَّرْعِ وُقُوعُهَا فِي الْآخِرَةِ
– الشيخ: يعني: الرُّؤية -رؤيةُ المؤمنين لربِّهم- ممكنةٌ في العقل، ممكنةٌ، العقلُ يقتضي إمكانَها، ليستْ مستحيلةً بل هي ممكنةٌ، لكن هل يدلُّ العقلُ على وقوع الرُّؤية وحصول الرُّؤية؟ لا، العقلُ ليس فيه ذلك، فدلَّ العقلُ على إمكانِ الرُّؤيةِ ودلَّ الشَّرعُ على وقوعها بالفعلِ، لما جاءَ بالأخبارِ بأنَّ العبادَ يرون اللهَ، بأنَّ المؤمنين يرونَ ربَّهم.
 
– القارئ: ثَبَتَ بِالْعقلِ إِمْكَانُ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى، وَبِالشَّرْعِ وُقُوعُهَا فِي الْآخِرَةِ، فَاتَّفَقَ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ عَلَى إِمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَوُقُوعِهَا، فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِمَوْجُودٍ، وَمَا كَانَ أَكْمَلُ وُجُودًا كَانَ أَحَقَّ أَنْ يُرَى، فَالْبَارِي سُبْحَانَهُ أَحَقُّ أَنْ يُرَى مَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّ وُجُودَهُ أَكْمَلُ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ سِوَاهُ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّ تَعَذُّرَ الرُّؤْيَةِ إِمَّا لِخَفَاءِ الْمَرْئِيِّ، وَإِمَّا لِآفَةٍ وَضَعْفٍ فِي الرَّائِي؛ وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ أَشْهَرُ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَتْ رُؤْيَتُهُ فِي الدُّنْيَا لِضَعْفِ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِ

– الشيخ: لا إله إلَّا الله، ولأنَّ اللهَ لم يُرد ذلك، ولأنَّ اللهَ لم يردْ ذلك، لو أرادَ -سبحانه وتعالى- أنْ يُريَ موسى نفسَه لأمكنَ، إذ لا يمتنعُ على قدرتِه شيءٌ.
 
– القارئ: فَإِذَا كَانَ الرَّائِي فِي دَارِ الْبَقَاءِ كَانَتْ قُوَّةُ الْبَصَرِ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ لِأَنَّهَا دَائِمَةٌ، فَقَوِيَتْ عَلَى رُؤْيَتِهِ تَعَالَى، وَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى، فَالرُّؤْيَةُ الْمَعْقُولَةُ لَهُ عِنْدَ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ وَتُرْكِهِمْ وَسَائِرِ طَوَائِفِهِمْ، أَنْ يَكُونَ الْمَرْئِيُّ مُقَابِلًا لِلرَّائِي مُوَاجِهًا لَهُ بَائِنًا عَنْهُ، لَا تَعْقِلُ الْأُمَمُ رُؤْيَةً غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتِ الرُّؤْيَةُ مُسْتَلْزِمَةً لِمُوَاجَهَةِ الرَّائِي وَمُبَايَنَةِ الْمَرْئِيِّ لَزِمَ ضَرُورَةَ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا لَهُ مَنْ فَوْقَهُ أَوْ مِنْ تَحْتِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ خَلْفِهِ أَوْ أَمَامَهُ، وَقَدْ دَلَّ النَّقْلُ الصَّرِيحُ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فَوْقِهِمْ، لَا مِنْ تَحْتِهِمْ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ قَرَأَ: سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58] ثُمَّ يَتَوَارَى عَنْهُمْ وَتَبْقَى رَحْمَتُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ)
فَلَا يَجْتَمِعُ لِلْإِقْرَارِ بِالرُّؤْيَةِ وَإِنْكَارِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُبَايَنَةِ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الْجَهْمِيَّةَ الْمَغُولَ تُنْكِرُ عُلُوَّهُ عَلَى خَلْقِهِ وَرُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ؛ وَمَخَانِيثُهُمْ
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: قالَ: من يقولُ بقولهم ممَّن ينتسبُ إلى الأشعريَّة
– الشيخ: هذا تعليقٌ؟
– القارئ: نعم، تعليقٌ بسيطٌ.
وَمَخَانِيثُهُمْ يُقِرُّونَ بِالرُّؤْيَةِ وَيُنْكِرُونَ الْعُلُوَّ، وَقَدْ ضَحِكَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْقَائِلِينَ
– الشيخ: يعني: هؤلاء دائمًا.. الأشاعرةُ، مذهبُ الأشاعرةِ ملفَّقٌ، يلفِّقونه بينَ شيءٍ من مذهبِ أهل السُّنَّة وشيءٍ من مذهبِ المعطِّلة، لا إله إلَّا الله، ففي الكلامِ: قالوا: اللهُ يتكلَّمُ، وقالوا: للهِ كلامٌ، لكن كلامه، ليس بــ…، لا تتعلَّقُ به المشيئةُ، كلامُه معنىً وأصواتٌ مسموعةٌ، وما أشبه ذلك، فإثباتُهم للكلام ليس اثباتًا معقولًا ومطابقًا لدلالة الشرعِ، وهكذا في الرُّؤيةِ: قالوا: إنَّه تعالى يُرى خلافًا للمعتزلة، لكن قالوا: يُرى لا في جهةٍ؛ لأنَّ من مذهبِ الأشاعرةِ نفي العلوِّ، ولهذا قالُوا: إنَّه يُرى لا في جهةٍ، "لا في جهةٍ" معناه: أنَّه لا يُرى، فوق ولا يمين ولا شمال، فضلًا عن تحت، سبحان الله.
 
– القارئ: وَمَخَانِيثُهُمْ يُقِرُّونَ بِالرُّؤْيَةِ وَيُنْكِرُونَ الْعُلُوَّ، وَقَدْ ضَحِكَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ مُوَاجَهَةِ الْمَرْئِيِّ وَمُبَايَنَتِهِ، وَهَذَا رَدٌّ لِمَا هُوَ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ.
قَالَ الْمُنْكِرُونَ: الْإِنْسَانُ يَرَى صُورَتَهُ فِي

– الشيخ: إلى آخره، قَالَ الْمُنْكِرُونَ، اتركْهم بس [فقط].
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة