الرئيسية/شروحات الكتب/مختصر الصواعق المرسلة/(79) نفي الشبيه ليس في نفسه مدح

(79) نفي الشبيه ليس في نفسه مدح

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (مُـختصر الصَّواعقِ الـمُرسلة على الجهميَّة والـمُعطِّلة) للموصلي
الدّرس: التَّاسع والسَّبعون

***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ المؤلِّفُ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
الْوَجْهُ الْخَمْسُونَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُعَارِضِينَ بَيْنَ الْوَحْيِ وَالْعَقْلِ إِنَّمَا يُدلون بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ

– الشيخ: يُدلون؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: يعني: يحتجُّون
– القارئ: إِنَّمَا يُدلون بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَيَجْعَلُونَهُ جُنَّةً لِتَعْطِيلِهِمْ، فَأَنْكَرُوا عُلُوَّهُ وَكَلَامَهُ وَتَكْلِيمَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى آلَ ذَلِكَ بِبَعْضِهِمْ إِلَى نَفْيِ ذَاتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ خَشْيَةَ التَّشْبِيهِ، وَقَالُوا: هُوَ وُجُودٌ مَحْضٌ لَا مَاهِيَّةَ لَهُ، وَنَفَى آخَرُونَ وُجُودَهُ بِالْكُلِّيَّةِ خَشْيَةَ التَّشْبِيهِ، وَقَالُوا: يَلْزَمُنا فِي الْوُجُودِ مَا يَلْزَمُ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ وَالْكَلَامِ وَالْعُلُوِّ، فَنَحْنُ نَسُدُّ الْبَابَ بِالْكُلِّيَّةِ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ فِي هَذَا قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ نَافِعَةٌ جِدًّا وهِيَ: أَنَّ نَفْيَ الشَّبِيهِ وَالْمِثْلِ وَالنَّظِيرِ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ صِفَةُ مَدْحٍ وَلَا كَمَالٍ، وَلَا يُمْدَحُ بِهِ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ

– الشيخ: يعني: هذا كأنَّه راجعٌ إلى قاعدةٍ وهي أنَّ النَّفي المحضَ لا مدحَ فيه، وإنَّما يكون النَّفي مدحًا إذا تضمَّنَ ثبوتًا، فنفي الشَّبيه ليسَ هو في ذاته هو مدحًا إلَّا إذا تضمَّنَ، يعني ليسَ له شبيهٌ في صفات الكمالِ، يعني لكماله واجتماعِ صفاتِ الكمالِ فيه لم يكنْ له شبيهٌ، وإلَّا فيمكن أن يقالَ: هذا الشَّيءُ لا شبيهَ له، وهو معدومٌ، المعدومُ يمكن أنْ يُوصَفَ بالنَّفي المحض، المعدوم، وسيشرحُ هذا.
 
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ: وهِيَ: أَنَّ نَفْيَ الشَّبِيهِ وَالْمِثْلِ وَالنَّظِيرِ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ صِفَةُ مَدْحٍ وَلَا كَمَالٍ، وَلَا يُمْدَحُ بِهِ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ، فَإِنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ الَّذِي هُوَ أَخَسُّ الْمَعْلُومَاتِ وَأَنْقَصُهَا يُنْفَى عَنِ الشَّبَهِ وَالْمِثْلِ وَالنَّظِيرِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَمَالًا وَلَا مَدْحًا، إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَ كَوْنَ مَنْ نُفِيَ عَنْهُ ذَلِكَ قَدِ اخْتَصَّ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ بِأوصافٍ بَايَنَ بِهَا غَيْرَهُ، وَخَرَجَ بِهَا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَظِيرٌ أَوْ مِثْلٌ، فَهُوَ لِتَفَرُّدِهِ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ صَحَّ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الشَّبَهَ وَالْمَثِيلَ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا عِلْمَ وَلَا كَلَامَ وَلَا فِعْلَ: لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلَا شَبَهٌ وَلَا نَظِيرٌ، إِلَّا فِي بَابِ الذَّمِّ وَالْعَيْبِ، هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ فِطَرُ النَّاسِ وَعُقُولُهُمْ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَمَا قالَ شاعرُ القومِ:
لَيْسَ كَمِثْلِ الْفَتَى زُهَيْرٌ ** خُلْقٌ يُسَاوِيهِ فِي الْفَضَائِلِ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
فَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إِلَّا مُمَلَّكًا ** أَبُو أَمُّهُ حَيٌّ أَخُوهُ يُقَارِبُهُ
أَيْ فَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ حَيٌّ يُقَارِبُهُ إِلَّا مُمَلَّكًا هُوَ أَخُوهُ، فَعَكَسَ الْمُعَطِّلَةُ الْمَعْنَى فَجَعَلُوا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] جُنَّةٌ

– الشيخ: يعني الآية الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] جعلوها جُنَّةً لهم وحجَّةً لهم.

– القارئ: فَعَكَسَ الْمُعَطِّلَةُ الْمَعْنَى فَجَعَلُوا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] جُنَّةً يَتَتَرَّسُونَ بِهَا لِنَفْيِ عُلُوِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ وَتَكْلِيمِهِ لِرُسُلِهِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ كَمَالِهِ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ كُلَّ سَلْبٍ وَنَفْيٍ لَا يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتًا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِهِ، لِأَنَّهُ عَدَمٌ مَحْضٌ وَنَفْيٌ صِرْفٌ لَا يَقْتَضِي مَدْحًا وَلَا كَمَالًا، وَلِهَذَا كَانَ تَسْبِيُحُهُ وَتَقْدِيسُهُ مُسْتَلْزِمًا لِعَظَمَتِهِ وَمُتَضَمِّنًا لِصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَإِلَّا فَالْمَدْحُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ كَلَا مَدْحٍ

– الشيخ: اللهُ المستعانُ، ولهذا يقالُ في كلِّ نفيٍ وصفَ اللهُ به فإنَّه متضمِّنٌ لكمالٍ، فنفي الظُّلم عنه يتضمَّنُ كمالَ العدلِ، ونفي الغفلةِ يتضمَّنُ كمالَ العلم، ونفي الضَّلالِ والنِّسيانِ كذلك، ونفي السِّنَةِ والنَّومِ يتضمَّن كمالَ الحياة، وهكذا وهكذا، كلُّ نفيٍ وردَ في صفاتِ اللهِ فإنَّه متضمِّنٌ لإثبات كمالٍ، لابدَّ من ذلكَ.
 
– القارئ: وَلِهَذَا كَانَ عَدَمُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ مَدْحًا وَكَمَالًا فِي حَقِّهِ لِتَضَمُّنِهِ أَوِ اسْتِلْزَامِهِ كَمَالَ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ، وَنَفْيُ اللُّغُوبِ عَنْهُ كَمَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَنَفْيُ النِّسْيَانِ عَنْهُ كَمَالٌ لِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ عِلْمِهِ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ عُزُوبِ الشَيْءِ عَنْهُ وَنَفْيُ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ كَمَالٌ لِتَضَمُّنِهِ كَمَالَ غِنَاهُ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ الْكُفْءِ وَالسَّمِيِّ وَالْمَثْلِ عَنْهُ كَمَالٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ ثُبُوتَ جَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ لَهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَاسْتِحَالَةِ مُشَارِكٍ لَهُ فِيهَا.
فَالَّذِينَ يَصِفُونَهُ بِالسُّلُوبِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ لَمْ يَعْرِفُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي عَرَفَتْهُ بِهِ الرُّسُلُ وَعَرَّفُوهُ بِهِ إِلَى الْخَلْقِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يُحْمَدُ بِهِ وَتُعْرَفُ بِهِ عَظَمَتُهُ وَجَلَالُهُ، وَإِنَّمَا عَرَفُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَقُودُهُمْ إِلَى تَعْطِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ بِهِ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِمُ الْحَقَّ، وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ عَظَمَةً إِلَّا مَا تَخَيَّلُوهُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ السُّلُوبِ وَالنَّفْيِ الَّذِي لَا عَظَمَةَ فِيهِ وَلَا مَدْحَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا، بَلْ مَا أَثْبَتُوهُ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ ذَاتِهِ رَأْسًا.
وَأَمَّا الصِّفَاتِيَّةُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ وَيَجْحَدُونَ بَعْضًا

– الشيخ: الصِّفَاتِيَّةُ هذا لقبٌ لمن يثبتُ بعضَ الصِّفات كالأشاعرةِ والكُلَّابيَّة يُعرَفون ويُعرَّفون بالصِّفَاتِيَّةُ؛ لأنَّهم يثبتون الصِّفاتِ في الجملة.
 
– القارئ: وَأَمَّا الصِّفَاتِيَّةُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ وَيَجْحَدُونَ بَعْضًا، فَإِذَا أَثْبَتُوا عِلْمًا، وَقُدْرَةً وَإِرَادَةً، وَغَيْرَهَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ إِثْبَاتُ ذَاتٍ تَقُومُ بها بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَتَتَمَيَّزُ بِحَقِيقَتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا: سَوَاءٌ سَمَّوْهُ قَدْرًا أَوْ لَمْ يُسَمُّوهُ، فَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا ذَاتًا مُتَمَيِّزَةً بِحَقِيقَتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا كَانُوا قَدْ أَثْبَتُوا صِفَاتٍ بِلَا ذَاتٍ كَمَا أَثْبَتَ إِخْوَانُهُمْ ذَاتًا بِغَيْرِ صِفَاتٍ، وَأَثْبَتُوا أَسْمَاءً بِلَا مَعَانٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعُقُولِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ ذَاتٍ مُحَقَّقَةٍ لَهَا الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَإِلَّا فَأَسْمَاءٌ فَارِغَةٌ لَا مَعْنَى لَهَا لَا تُوصَفُ بِحُسْنٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا أَحْسَنَ مِنْ غَيْرِهَا
– الشيخ: هذا فيه إشارةٌ إلى الرَّدِّ على المعتزلة الَّذينَ يثبتونَ الأسماءَ ويقولون: إنَّها أعلامٌ محضةٌ والعلمُ المحضُ هو الاسمُ الَّذي يدلُّ على مسمَّاه لكن لا يدلُّ على وصفٍ، لا يدلُّ على وصفٍ، إنسانٌ سمَّاه أبوه "حافظ"، وهو مسكين لا يحفظُ شيئًا البتَّة، ما باسمه حافظٌ؟ اسمه حافظٌ لكن ما يحفظُ شيئًا، إذًا الحافظُ عَلَمٌ فقط، عَلَمٌ محضٌ، العَلَمُ المحضُ هو الَّذي لا يدلُّ على صفةٍ.
 
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ: يُوَضِّحُهُ: الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَرَنَ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى عُلُوِّهِ وَعَظَمَتِهِ فِي آخِرِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَفِي سُورَةِ الشُّورَى، وَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ، وَفِي سُورَةِ سَبَأٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23] فَفِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ ذَكَرَ الْحَيَاةَ الَّتِي هِيَ أَصْلُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَذَكَرَ مَعَهَا قَيُّومِيَّتَهُ الْمُقْتَضِيَةَ لِدَوَامِهِ وَبَقَائِهِ، وَانْتِفَاءِ الْآفَاتِ جَمِيعِهَا عَنْهُ مِنَ النَّوْمِ وَالسِّنَةِ وَالْعَجْزِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَمَالَ مُلْكِهِ، ثُمَّ عَقَبَهُ بِذِكْرِ وَحْدَانِيَّتِهِ فِي مُلْكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سَعَةَ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْخَلْقِ إِلَى عِلْمِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بَعْدَ مَشِيئَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَعْلَمُوهُ، ثُمَّ ذَكَرَ سَعَةَ كُرْسِيِّهِ مُنَبِّهًا بِهِ عَلَى سَعَتِهِ -سُبْحَانَهُ- وَعَظْمَتِهِ وَعُلُوِّهِ، وَذَلِكَ تَوْطِئَةٌ بَيْنَ يَدَيْ عُلُوِّهِ وَعَظَمَتِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ كَمَالِ اقْتِدَارِهِ وَحِفْظِهِ لِلْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، مِنْ غَيْرِ اكْتِرَاثٍ وَلَا مَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ، ثُمَّ خَتَمَ الْآيَةَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى عُلُوِّ ذَاتِهِ وَعَظَمَتِهِ فِي نَفْسِهِ.
وَقَالَ فِي سُورَةِ طَهَ: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110] وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تفسير الضَّمِيرِ فِي (بِهِ) فَقِيلَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، أَيْ: وَلَا يُحِيطُونَ بِاللَّهِ عِلْمًا، وَقِيلَ هُوَ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [طه:110] فَعَلَى الأوَّلِ يرجعُ إلى العالِمِ، وعلى الثَّانِي يَرْجِعُ إِلَى الْمَعْلُومِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُحِيطُوا بِبَعْضِ مَعْلُومَاتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمْ، فَأنْ لَا يُحِيطُونَ عِلْمًا بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
كَذَلِكَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255] يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [طه:110] وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا مَا شَاءَ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُصْدَرُ مُضَافًا إِلَى الْفَاعِلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ إِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ اتِّصَافَهُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ، وَمَوَاضِعِ ذَلِكَ كَانَ تَكْرِيرًا، فَإِنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا أَبْلَغُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِمَا لَا يُفْهَمُ إِلَّا بِالكُلْفَةٍ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: إِنَّ عُلُوَّهُ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ أَعْظَمَ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ وَأَفْضَلَ مِنْهَا، فَهَذَا هَضْمٌ عَظِيمٌ لِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُذْكَرَ وَيُخْبَرَ بِهِ عَنْهُ إِلَّا فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ لِمَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّأَلُّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59] وَقَوْلِ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39] فَهَذَا السِّيَاقُ يُقَالُ فِي مِثْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِمَّا سِوَاهُ، وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يُذْكَرَ مَالِكُ الْكَائِنَاتِ وَيُقَالُ مَعَ ذَلِكَ إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَعْظَمُ مِنْ مَصْنُوعَاتِهِ، فَهَذَا يُنَزَّهُ عَنْهُ كَلَامُهُ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَثَلَ السَّوْءِ فِي كَلَامِهِ، وَيَجْعَلُونَ ظَاهِرَهُ كُفْرًا تَارَةً، وَضَلَالَةً أُخْرَى، وَتَارَةً تَجْسِيمًا وَتَشْبِيهًا، وَيَقُولُونَ فِيهِ مَا لَا يَرْضَى أَحَدُهم أَنْ يَقُولَهُ فِي كَلَامِهِ.
فَصْلٌ

– الشيخ: حسبُك.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة