الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(138) فصل مواصلة الرد على النصارى بما قاله الحسن بن أيوب قوله “أن يسوع المسيح بكر الخلائق”

(138) فصل مواصلة الرد على النصارى بما قاله الحسن بن أيوب قوله “أن يسوع المسيح بكر الخلائق”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الثَّامن والثّلاثون بعد المئة

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسَلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الجوابِ الصَّحيحِ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ" يقولُ رحمَهُ اللهُ تعالى:

قَالَ: وَوَجَدْنَاكُمْ قَدْ ذَكَرْتُمْ فِي شَرِيعَةِ الْإِيمَانِ: أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ بِكْرُ الْخَلَائِقِ، فَإِنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ عَلَى نَحْوِ مَا يُسَمَّى أَوَّلُ وَلَدِ الرَّجُلِ وَكَبِيرُهُمْ فَجَائِزٌ، وَهُوَ مُحَقِّقٌ لِقَوْلِنَا فِي عُبُودِيَّتِهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ أَرَدْتُمْ بِذِكْرِ الْبِكْرِ أَنَّهُ أَوَّلُ قَدِيمٍ، فَلَسْنَا نَعْرِفُ لِلْبِكْرِ مَعْنًى فِي لُغَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ إِلَّا لِلْأَكْبَرِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَوَّلِ مِنَ الْوَلَدِ، وَبِكْرُ الْخَلَائِقِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْخَلَائِقِ.

كَمَا أَنَّ بِكْرَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جِنْسِهِمَا، وَبَاكُورَةُ الثِّمَارِ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَمَرَةٌ، وَلِأَنَّ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: بِكْرُ وَلَدِ آدَمَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَذَلِكَ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ بِكْرُ الْمَصْنُوعَاتِ لَيْسَ بِمَصْنُوعٍ، وَبِكْرُ الْمَخْلُوقَاتِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ: "يَا ابْنِي بِكْرِي" أَيْ: إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: "إِنَّهُ نَظَرَ بَنُو اللَّهِ إِلَى بَنَاتِ النَّاسِ فَشَغَفُوا بِهِنَّ". فَهَلْ يُوجِبُ لِآلِ إِسْرَائِيلَ إِلَهِيَّةً بِهَذَا الْقَوْلِ؟

قَالَ: وَقُلْتُمْ: إِنَّ الْمَسِيحَ وُلِدَ مِنْ أَبِيهِ قَبْلَ الْعَوَالِمِ وَلَيْسَ بِمَصْنُوعٍ، فَلَيْسَ يَخْلُو الْأَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوْلَدَ شَيْئًا مَوْجُودًا أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا فَإِنَّ الْأَبَ لَمْ يَلِدْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَادِثٌ، لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ كَمَا قُلْنَا.

قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ قَوْلَنَا فِي خَلْقِ الْمَسِيحِ: أَنَّ هَذَا الِاسْمَ إِنَّمَا وَقَعَ لَهُ، لِأَنَّهُ مُسِحَ لِلنُّبُوَّةِ وَالْخَيْرِ وَمَاسَحَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَدْ قَالَ دَاوُدُ فِي زَبُورِهِ قَوْلًا يَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ: "مِنْ أَجْلِ هَذَا الْبَرِّ مَسَحَكَ اللَّهُ إِلَهَكَ أَكْثَرَ مِمَّا مَسَحَ بِهِ نُظَرَاءَكَ" فَأَبَانَ دَاوُدُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَى الْمَسْحِ بِإِنْجِيلِهِ، وَأَنَّ مَاسِحَهُ اللَّهُ إِلَهُهُ، وَأَنَّهُ مُصْطَفًى مُكَرَّمٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى نُظَرَائِهِ، وَقَالَ دَاوُدُ أَيْضًا فِي مَزْمُورِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ يُخَاطِبُ اللَّهَ: "مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِكَ لَا يُغْلَبُ وَجْهُ مَسِيحِكَ. عَهِدَ الرَّبِّ لِدَاوُدَ بِالْحَقِّ، وَلَا يَرْجِعُ عَنْهُ" يَعْنِي بِمَسِيحِهِ نَفْسَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ مَسَحَهُ لِلنُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ، وَقَدْ قَالَ مِثْلَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ زَبُورِهِ، فَسَمَّى نَفْسَهُ مَسِيحَ اللَّهِ.

قَالَ: وَإِذَا نُظرَ فِي الْإِنْجِيلِ وَكُتُبِ بُولُسَ وَغَيْرِهِ مِمَنْ يَحْتَجُّ بِهِ النَّصَارَى، وُجِدَ نَحَوًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ آيَةٍ مِمَّا فِيهِ اسْمُ الْمَسِيحِ وَكُلُّهَا تَنْطِقُ بِعُبُودِيَّةِ الْمَسِيحِ، وَأَنَّهُ مَبْعُوثٌ مَرْبُوبٌ وَأَنَّ اللَّهَ اخْتَصَّهُ بِالْكَرَامَاتِ، مَا خَلَا آيَاتٍ يَسِيرَةٍ مُشْكَلَاتٍ قَدْ تَأَوَّلَهَا كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ وَضَعُوا الشَّرِيعَةَ بِاخْتِيَارِهِمْ عَلَى هَوَاهُمْ، فَأَخَذُوا بِذَلِكَ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ، وَتَرَكُوا الْمُعْظَمَ الَّذِي يَنْطِقُ بِعُبُودِيَّتِهِ، فَلَوْ كَانُوا قَصَدُوا الْحَقَّ لَرَدُّوا تِلْكَ الْمُشْكَلَاتِ الشَّاذَّةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي يُوجَدُ لَهَا مِنَ التَّأْوِيلِ خِلَافُ مَا يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى الْوَاضِحَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي قَدْ بَانَتْ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُقَاسَ الْجُزْءُ عَلَى الْكُلِّ، وَيُسْتَدَلَّ عَلَى مَا غَابَ بِمَا حَضَرَ، وَعَلَى مَا أُشْكِلَ بِمَا ظَهَرَ، فَمِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ الْمُشْكَلَاتِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ وَالْحُجَّةَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا تَأَوَّلُوهُ.

وَمِنْهَا مَا يَحْكُونَ عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَالَ: "أَنَا بِأَبِي"، وَقَدْ فَسَّرَ الْمَسِيحُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ذَلِكَ وَكَشَفَهُ. قَالَ "يُوحَنَّا" فِي إِنْجِيلِهِ: "إِنَّ الْمَسِيحَ تَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ فِي تَلَامِيذِهِ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّبُّ الْقُدُّوسُ احْفَظْهُمْ بِاسْمِكَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا شَيْئًا وَاحِدًا، كَمَا أَنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَكَمَا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ، وَكَذَلِكَ أُرْسِلُهُمْ أَنَا أَيْضًا". ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا أَيْضًا: "إِنِّي قَدْ مَنَحْتُهُمْ مِنَ الْمَجْدِ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي وَمَنَحْتَنِي لِيَكُونُوا أَيْضًا شَيْئًا وَاحِدًا، كَمَا أَنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَأَنَا بِهِمْ وَأَنْتَ بِي".

قَالَ: هُوَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ مَعِي وَأَنْتَ لِي، كَمَا أَنَا مَعَ تَلَامِيذِي وَلَهُمْ.

قُلْتُ: أَوْ أَرَادَ أَنَّكَ بِي هَدَيْتَ الْخَلْقَ وَعَلَّمْتَهُمْ وَأَنَا أَهْدِيهِمْ وَأُعَلِّمُهُمْ. وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تعالى بِرُسُلِهِ هَدَى عِبَادَهُ وَعَلَّمَهُمْ، وَالرُّسُلَ عَلَّمُوا الْغَائِبِينَ عَنْهُمْ بِالْحَاضِرِينَ الَّذِينَ بَلَّغُوا عَنْهُمْ، وَقَوْلُهُ: "لِيَكُونُوا شَيْئًا وَاحِدًا": أَرَادَ بِهِ اتِّفَاقَ صِدْقِهِمْ وَأَمْرِهِمْ وَمُرَادِهِمْ، وَهَذَا مُفَسَّرٌ، وَقَدْ قَالَ: لِيَكُونُوا هُمْ شَيْئًا وَاحِدًا، كَمَا أَنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَقَدْ طَلَبَ لَهُمْ مِثْلَ مَا حَصَلَ لَهُ وَلِرَبِّهِ.

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ: كَمَا أَنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، أَيْ: أَنَا مُوَافِقُكَ فِي أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ وَمَحَبَّتِكَ وَرِضَاكَ، لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ اتِّحَادَ ذَاتِهِ بِهِ، كَمَا لَمْ يُرِدْ أَنْ تَتَّحِدَ ذَوَاتُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ طَلَبَ لَهُمْ مِثْلَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ.

قَالَ: أَوْ يَكُونُ ذَهَبَ فِيهِ إِلَى مَعْنًى دَقِيقٍ لَا يَعْرِفْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ بَطُلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِهَذَا الْقَوْلِ تَأْوِيلُكُمْ مُمَازَجَتَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّاهُوتِ بِقَوْلِهِ فِي تَلَامِيذِهِ إنَّهُ بِهِمْ، كَمَا أَنَّ أَبَاهُ بِهِ، لِأَنَّهُ إِنْ تَأَوَّلَ مُتَأَوِّلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ ذَهَبَ فِي وَصْفِهِ أَنَّهُ بأَبِيهِ، وَأَنَّ أَبَاهُ بِهِ إِلَى مُشَارَكَتِهِ فِي اللَّاهُوتِ فَقَدْ قَالَ فِي تَلَامِذَتِهِ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ شُرَكَاءَ فِي الْمَحَلِّ، وَهَذَا مَا لَا يَكُونُ وَلَا يَجْتَرِئُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَحَدٌ.

قَالَ: وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ كِتَابُهَا وَدَعْوَتُهَا وَمَعْبُودُهَا وَاحِدٌ يَتَمَسَّكُونَ بِأَمْرِ الْمَسِيحِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتَلَامِذَتِهِ وَإِنْجِيِلِهِ وَسُنَّتِهِ وَشَرَائِعِهِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ أَشَدَّ الِاخْتِلَافِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ عَبْدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ إِلَهٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ وَلَدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ أُقْنُومٌ وَطَبِيعَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ أُقْنُومَانِ وَطَبِيعَتَانِ.

وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُكَفِّرُ صَاحِبَهُ وَيَقُولُ: إِنَّ الْحَقَّ فِي يَدِهِ، وَكُلُّهُمْ لَا يَأْتِي مِنَ الْكِتَابِ بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ يُثْبِتُ بِهَا دَعْوَاهُ، وَلَا مِنْ قِيَاسِهِ لِنَفْسِهِ وَتَأَوُّلِهُ بِمَا يَصِحُّ لَهُ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي دِينِهِ وَاعْتِقَادِهِ إِلَى مَا تَأَوَّلَهُ لَهُ الْمُتَأَوِّلُونَ، بِمَا يُخَالِفُ إِنْجِيلَهُمْ وَكُتُبَهُمْ بِالْهَوَى وَالْعِنَادِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَهُمْ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ عَلَى التَّأْوِيلِ وَلَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا مِنْ جِهَةِ مَا أَحْدَثُوا لِأَنْفُسِهِمْ، سُبْحَانَهُ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ.

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ: وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُجَجَ فِي بُطْلَانِ كُلِّ قَوْلٍ لَكُمْ مِمَّا عَقَدْتُمْ بِهِ شَرِيعَةَ إِيمَانِكُمْ، وَوَجَدْنَا قَوْمًا مِنْكُمْ إِذَا نُوظِرُوا فِي ذَلِكَ قَالُوا: قَدْ وَجَدْنَا أَكْثَرَ الْأَدْيَانِ يَخْتَلِفُ أَهْلُهَا فِيهَا، وَيَتَفَرَّقُونَ عَلَى مَقَالَاتٍ شَتَّى هُمْ عَلَيْهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّ الصَّوَابَ فِي يَدِهِ.

وَهَذَا أَيْضًا مِنْ سُوءِ الِاخْتِيَارِ، وَذَهَابِ الْقُلُوبِ عَنْ رُشْدِهَا وَانْصِرَافِهَا عَنْ سَبِيلِ حَقِّهَا.

فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ فِي عَقْدِ مَعْبُودِهِمْ، وَلَا شَكُّوا فِيهِ وَلَا تَفَرَّقُوا الْقَوْلَ فِيمَا اخْتَارُوهُ، إِلَّا أَهْلُ مِلَلِ النَّصْرَانِيَّةِ فَقَطْ.

وَسَائِرُ مَنْ سِوَاهُمْ إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي فُرُوعٍ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ وَشَرَائِعِهِ، مِثْلَ اخْتِلَافِ الْيَهُودِ فِي أَعْيَادِهِمْ وَسُنَنٍ لَهُمْ، وَمِثْلَ اخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقَدَرِ.

فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ دَفَعَهُ.

وَفِي تَفْضِيلِ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نُظَرَائِهِمْ بَعْدَ اتِّفَاقِ جَمَاعَتِهِمْ عَلَى إِلَهِهِمْ وَمَعْبُودِهِمْ وَخَالِقِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ تعالى إِلَهَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا وَلَدَ.

ثُمَّ اتِّفَاقُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَشُكُّونَ فِيهِ، وَعَلَى الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمُرْسَلِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.

فَإِذَا صَحَّ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ، كَانَ مَا سِوَاهَا خَلَلًا لَا يَقَعُ مَعَهُ كُفْرٌ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ دِينٌ.

وَالْبَلَاءُ الْعَظِيمُ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْبُودِ.

فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا لَمْ يَعْرِفُوا لَهُمْ إِلَهًا وَلَا دِينًا، ثُمَّ عُرِضَ عَلَيْهِمْ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ، لَوَجَبَ أَنْ يَتَوَقَّفُوا عَنْهُ، إِذْ كَانَ أَهْلُهُ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى شَيْءٍ فِيهِ.

وَدَلَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَقَالَاتِهِمْ وَمُبَايَنَتِهَا مَا فِي كُتُبِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِ.

فَأَمَّا قَوْلُنَا فِي بَابِ التَّوْحِيدِ، وَاعْتِرَافُنَا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيُنَا عَنْهُ الشُّرَكَاءَ وَالْأَنْدَادَ وَالْأَمْثَالَ وَالْأَوْلَادَ، فَهُوَ قَوْلٌ لَا يَشُكُّونَ فِي صِحَّتِهِ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ وَسَائِرِ الْمِلَلِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ بِالدَّهْرِ وَسَائِرِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُقِرُّ بِهِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ.

إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُتَابِعُنَا عَلَى تَحْدِيدِ التَّوْحِيدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ الْعِلَلَ فِيهِ، بِأَنْ يَقُولَ: ثَلَاثَةٌ تَرْجِعُ إِلَى وَاحِدٍ، وَصَنَمًا نَعْبُدُهُ إِجْلَالًا لِلَّهِ لِيُقَرِّبَنَا إِلَى رَبِّنَا وَرَبِّهِ، وَمُدَبِّرٌ لِلْأُمُورِ قَدِيمٌ لَا بُدَّ أَنْ نَعْتَرِفَ بِهِ خَالِقَهَا وَبَارِيِهَا.

وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُقِرٌّ بِقَوْلِنَا، وَذَاهِبٌ إِلَى مَذْهَبِنَا عَلَى الِاعْتِرَافِ بِاللَّهِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَذْهَبُ إِلَيْهَا، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ.

فَقَدْ صَحَّ عَقْدُنَا بِلَا شَكٍّ مِنْكُمْ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ فِيهِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ تَقُودُكُمُ الضَّرُورَةُ إِلَى الْإِقْرَارِ بِهِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَنَا عَلَيْهِ.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ وَيُدِيمَ لَنَا تَسْدِيدَهُ بِقُدْرَتِهِ، وَأَنْ يُحْيِيَنَا وَيُمِيتَنَا عَلَى الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ وَلَا جَاحِدِينَ وَلَا مُبَدِّلِينَ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ مُسْتَصْعَبٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ، وَهُوَ بِمَنْ خَافَهُ وَاتَّقَاهُ وَطَلَبَ مَا عِنْدَهُ وَلَمْ يُلْحِدْ فِي دِينِهِ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ. انتهى كلامُهُ.

– الشيخ : جزاه الله خيرًا، فيه تعقيبات؟

– القارئ : نعم قلْتُ، بعدَها، قلْتُ.

– الشيخ : زين حسبُكَ .

 

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة