بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: الخامس والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ في تتمَّةِ كلامِه على بابِ صلاةِ الجمعةِ:
(ولا تجبُ على مسافرٍ سفرَ قصرٍ، ولا عبدٍ ولا امرأةٍ)
– الشيخ: تقدَّمَ هذا من الشروطِ أن يكونَ مستوطنًا، وأن يكونَ ذكرًا، حرًا، وهذا تنصيصٌ على المحترزاتِ، فخرجَ بالذّكرِ المرأةُ؛ فلا تجبُ على المرأةِ، وخرجَ من المستوطنِ المسافرُ أو المقيمُ غيرَ المستوطنِ، وخرجّ بالحرِّ العبدُ، وهؤلاءِ لا تجبُ عليهم الجمعةُ، فالمرأةُ بالإجماعِ وكذلك المسافرُ لا تجبُ عليه الجمعةُ، إلَّا بغيرِه، إذا كان مقيمًا في بلدٍ ونُوديَ للجمعةِ وكان قريبًا فإنّها تجبُ عليه بغيرِه، وأمَّا العبدُ ففيها خلافٌ، والمذهبُ أنَّها لا تجبُ عليه، والقولُ الآخرُ قويٌّ لعمومِ قولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9] والعبدُ معروفٌ أنَّه ليس كالحرِّ، ويظهرُ ذلك في مثلِ الحجِّ، فالحجُّ لا يجبُ عليه، وهو ليس كغيرِه من الناسِ هو له شَبَهٌ بالأموالِ لأنَّه يُباعُ ويُشترى ويتصرفُ به ولا يملكُ.
– القارئ: (ومَنْ حضرَها منهمْ أجزأَتْهُ، ولم تنعقدْ بهِ، ولم يصحَّ أن يؤمَّ فيها)
– الشيخ: ومن حضرَها من هؤلاءِ كالمسافرِ، حضرَ الجمعةَ أجزأتْه، يعني تُجزي عن صلاةِ الظهرِ، من حضرَها وصلَّى الجمعةَ مع الناسِ أجزأتْه عن صلاةِ الظهرِ، المرأةُ والعبدُ والمسافرُ.
يقول: "ولم تنعقدْ به": أي لا يعتدُّ به في شرطِ وجوبِها وهو عددُ الأربعين كما سيأتي، فلا يحتسبُ، فلو كانوا تسعةً وثلاثينَ من أهلِ وجوبِها، يعني رجالًا مستوطنين أحرارًا، وانضمَّ إليهم مسافرٌ، فإنَّه لا تجبُ عليهم الجمعةُ حينئذٍ، لأنَّهم لم يستوفوا الشرطَ وهو الأربعين، فوجودُ المسافرِ هنا لا يُعتدُّ به، وهذا معنى قولِه "أجزأتْه ولم تنعقدْ به".
"ولم يصحَّ أن يؤمَّ فيها": هذا المسافرُ الذي فرضناهُ موجودًا، يعني نفترضُ أنَّه أُقيمتْ صلاةُ الجمعةِ وهم أربعونَ، والشروطُ مستوفيةٌ وتامّةٌ، لكنَّهم احتاجوا إلى خطيبٍ وهذا المسافرُ طالبُ علمٍ، فيقولُ أنَّه لا يصحُّ أن يؤمَّ فيها، وظاهرُ كلامِهم أنَّه يصحُّ أن يخطبَ بهم لكن لا يصحُّ أن يؤمَّ بهم، وعندي هذا احتمالٌ. فإذا كان الشرطُ عندَهم أن يتولى الخطبةَ والصلاةَ واحدٌ فعلى هذا لو صلَّى بهم هذا المسافرُ تُجزئه، ولا يُعتدُّ به في العددِ، ولا يصحُّ أن يؤمَّ فيها لا خطبةً ولا صلاةً؛ لأنَّه ليس من أهلِ وجوبِها، فإن قالوا له تقدَّمَ، قال لهم: لا أنا مسافرٌ. والصحيحُ: أنَّها تصحُّ، يصحُّ أن يخطبَ بهم ويصحُّ أن يُصلّي بهم؛ لأنَّه لا دليلَ على هذا الارتباطِ.
– مداخلةٌ: يقولُ الحجاوي: ولا يشترطُ لهما الطهارةُ، ولا أن يتولّاهما من يتولّى الصلاةَ.
– الشيخ: هذا له معنى آخر، يعني الكلامُ الذي عندك يعني يصحُّ أن يخطبَ واحدٌ لكن من أهلِ وجوبِها لاحظ، ويُصلّي آخرُ من أهلِ وجوبِها.
– القارئ: (ومن سقطتْ عنهُ لعذرٍ: وجبتْ عليهِ، وانعقدتْ بهِ)
– الشيخ: يعني من سقطتْ عنه لعذرٍ وهو من أهلِ الوجوبِ، كمن سقطتْ عنه لمرضٍ أو سببٍ آخر كالخوفِ، ثمَّ حضرَ، يعني حملَ على نفسِهِ وتكلَّفَ وحضرَ الجمعةَ، فإنَّه إذا حضرَ للمسجدِ زالَ المانعُ، الآن المعنى الذي من أجلِه سقطتْ عنه مشقّةُ الحضورِ، والآن هو حضرَ بأن تحمَّلَ المشقَّةَ وحَضَرَ، وجبتْ عليه إذا حضرَ وانعقدتْ به، فنعتبرُها في رجلٍ مريضٍ نعلمُ أنَّه لا يجبُ عليه حضورُ الجمعةِ، لكنَّ شروطَ الوجوبِ متوافرةٌ فيه يعني ذكرٌ وحرٌّ ومستوطنٌ، لكنَّها سقطتْ عنه لعذرِ المرضِ، فهو من أهلِ وجوبِها، فإذا تحمَّلَ المشقَّةَ وحضرَ وجبتْ عليه؛ لأنَّ المعنى الذي من أجلِهِ عُذِرَ زالَ، أو لم يزلْ لكنَّه حضرَ فتجبُ عليه وتنعقدُ به ويُعتدُّ به في عددِ الجمعةِ، ويَصلحُ أن يكونَ إمامًا وخطيبًا.
– القارئ: (ومَنْ صلى الظهرَ ممنْ عليهِ حضورُ الجمعةِ قبلَ صلاةِ الإمامِ لم تصحَّ)
– الشيخ: "ومن صلَّى الظهرَ": ممّن يجبُ عليه شهودُ الجمعةِ قبلَ صلاةِ الإمامِ لم تصحَّ له ظهرًا؛ لأنَّه مُطالبٌ بحضورِ صلاةِ الجمعةِ، فما فعلَه هو غيرُ مأمورٍ به، تركَ المأمورَ به وفعلَ غيرَ المأمورِ؛ فلا تصحُّ منه الظهرَ ويكونُ عاصيًا في تخلُّفِهِ، لكن لعلَّه إن صلَّى خطئًا يظنُّ أنَّه قد صلَّى فإنَّه يُعذَرُ بذلك ويجبُ عليه السعيُ للجمعةِ إذا كان يغلبُ على ظنِّهِ أنَّه سوفَ يُدركُها، أمَّا لو تعمَّدَ ذلك بأن لا يشهدَ صلاةَ الجمعةِ وصلَّى الظهرَ فنقولُ له: لم تصحَّ منه الظهرَ وعليه التوبةُ؛ لأنَّه تعمَّدَ تركَ الواجبِ، فيجبُ عليه إن كانوا لم يُصلُّوا الجمعةَ أن يسعى إلى المسجدِ، فإن قُدِّرَ أنَّه صلَّى الظهرَ وتعمَّدَ تركَ الجمعةِ فيُصلّي الظهرَ بعد ذلك وعليه التوبةُ لتركِه الجمعةَ.
وقولُه: "ممّن عليه حضورُ الجمعةِ": خرجَ بذلك المريضُ، فإنَّنا نلاحظُ أنَّه لم يقلْ: من صلَّى الظهرَ ممَّن تجبُ عليه الجمعةُ، لا، ولكن قال: ممن عليه حضورها، فلو صلَّى المريضُ الظهرَ لغلبةِ ظنِّهِ أنَّه لا يستطيعُ الذهابَ للجمعةِ فنقولُ له أنَّ صلاتَه صحيحةٌ؛ لأنَّه لا يجبُ عليه حضورُ الجمعةِ للعذرِ وهو المرضُ، فعبارةُ المؤلّفِ دقيقةٌ، فيقولُ: "من صلَّى الظهرَ ممَّن عليه حضورُ الجمعةِ لم تصحَّ قبل الإمامِ".
– القارئ: (وتصحُّ ممنْ لا تجبُ عليهِ)
– الشيخ: "وتصحُّ ممَّنْ لا تجبُ عليه": كالمرأةِ، المرأةُ لا تجبُ عليها الجمعةُ، فتصحُّ منها الصلاةُ، وهذا ممَّا تَسألُ عنه النساءُ، فيصحُّ أن يُصلّينَ الظهرَ قبل أن يُصلّي الناسُ الجمعةَ، وكذلك المعذورُ كالمريضِ كما تقدَّمَ فيصحُّ له أن يُصلّي الظهرَ قبل أن يُصلّي الناسُ الجمعةَ؛ لأنَّه لا يجبُ عليه حضورُها للعذرِ.
– القارئ: (والأفضلُ حتى يُصلِيَ الإمامُ)
– الشيخ: "والأفضلُ حتّى يُصلّي الإمامُ": اللهُ أعلمُ، ليسَ بظاهرٍ، قالوا أنَّه يُحتملُ أن يزولَ العذرُ، وهذا قد يُتصوّرُ من مريضٍ أنَّه قد يُشفى ويزولُ عنه العذرُ فيبادرُ ويحضرُ الصلاةَ، أمَّا المرأةُ فلا يُتصوّرُ فيها كما نبَّه على ذلك الشيخُ عندكم، وهذا الكلامُ فيمن لا تجبُ عليه الجمعةُ، الأفضلُ له بعد صلاةِ الإمامِ، والأظهرُ هو الجوازُ والصِحَّةُ.
– مداخلةٌ: بعضُ الأئمّةِ يخطبونَ قبلَ دخولِ الوقتِ؟
– الشيخ: الأفضلُ فيمن لا يجبُ عليه حضورُ الجمعةِ الأفضلُ أن ينتظرَ، إذا كان الإمامُ يتقدَّمُ ولو فرغَ من صلاةِ الجمعةِ فلا يجوزُ للمعذورِ أن يُصلّي الظهرَ؛ لأنَّ الرخصةَ في التقدّمِ قبلَ الزوالِ مختصّةٌ بالجمعةِ، فمن لا تجبُ عليه الجمعةُ أي لا يجبُ عليه حضورُها؛ إذا صلَّى الإمامُ قبلَ الزوالِ فلا يجوزُ لمن لا يجبُ عليه حضورُها أن يُصلّي قبلَ الإمامِ؛ لأنَّه حينئذٍ يُصلّي قبلَ الوقتِ ولو كان معذورًا، فيجبُ أن ينتظرَ حتى تزولَ الشمسُ كما سيأتي الكلامُ عن الوقتِ.
– القارئ: (ولا يجوزُ لمن تلزَمُهُ السفرُ في يومِها بعدَ الزوالِ)
– الشيخ: أي لا يجوزُ لمن تجبُ عليه الجمعةُ، لا يباحُ له السفرُ بعد الزوالِ؛ لأنَّه قد دخلَ وقتُها بالإجماعِ، على القولِ بأنَّ وقتَها هو وقتُ صلاةِ الظهِر، والمفهومُ: أنَّه يجوزُ له أن يُسافرَ قبلَ الزوالِ، ولكن قال بعضُ أهلِ العلمِ أنَّه يُكرَهُ له ذلك؛ لأنَّ فيه تفريطٌ بوقتِ صلاةِ الجمعةِ وتهاونٌ، ونبَّهَ الشيخُ محمّدٌ عندَكم أنَّ الصحيحَ أنَّ المنعَ والتحريمَ يتعلَّقُ بالنداءِ، فنقولُ لمن تجبُ عليه الجمعةُ: لا يجوزُ السفرُ بعدَ النداءِ؛ لقولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]
وهذا يُتصوّرُ فيما إذا كان الإمامُ يتأخَّرُ، ولم يُنادي للجمعةِ إلَّا بعد، يعني كما لو آثروا الإبرادَ وتأخَّروا في صلاةِ الجمعةِ وتأخَّر النداءُ، وحينئذٍ يجوزُ له السفرُ قبلَ النداءِ، إنَّما يحرمُ عليه السفرُ بعد النداءِ لصلاةِ الجمعةِ، فالمؤلّفُ على المذهبِ أناطَ المنعَ بالزّوالِ، فيحرمُ على من تلزمُه الجمعةُ أن يسافرَ بعد الزوالِ. والقولُ الآخرُ أنَّه يحرمُ السفرُ بعد النداءِ؛ طبعًا والمقصودُ هو النداءُ الثاني، أمَّا النداءُ الأولُ فقد سنَّه عثمانُ رضي اللهُ عنه باجتهادِه فلا يترتَّبُ عليه حكمٌ.
– القارئ: شروطُ صِحَّةِ صلاةِ الجمعةِ
(يُشترطُ لصحتِها شروطٌ ليسَ منها إذنُ الإمامِ)
– الشيخ: الشروطُ: جمعُ شرطٍ، وهو ما يتوقَّفُ عليه الأمرُ فيلزمُ من عدمِه العدمُ، ولا يلزمُ من وجودِه وجودٌ ولا عدمٌ. والواجباتُ لها شروطٌ يعني دلَّت عليها أدلّةٌ شرعيةٌ؛ فالصلاةُ لها شروطٌ لوجوبِها وصِحّتِها، ولكنَّ الشروطَ منها ما هو شرطُ وجوبٍ ومنها ما هو شرطُ صِحَّةٍ ومنها ما هو شرطُ إجزاءٍ، وهذا مُطبَّقٌ في شروطِ الحجِّ، فشروطُ الحجِّ مثلًا: العقلُ والبلوغُ والإسلامُ والحريّةُ والاستطاعةُ، فنقولُ: البلوغُ شرطُ وجوبٍ، والعقلُ شرطُ وجوبٍ وصحّةٍ، أي لا يجبُ ولا يصحُّ من المجنونِ، والحريةُ: من جنسِ البلوغِ فهي شرطُ وجوبٍ وليس شرطَ صِحَّةٍ، فلو حجَّ العبدُ صحَّ منه الحجُّ لكن هل يُجزئه؟ لا، فالحريةُ شرطُ وجوبٍ لا شرطَ صِحَّةٍ؛ إذًا هي شرطُ وجوبٍ وإجزاءٍ وكذلك البلوغُ، يعني الحجُّ من الصغيرِ لا يُجزئُ.
نعودُ إلى شروطِنا هنا، يقول: "يُشترطُ لصحَّتِها": يظهرُ المعنى يُشترطُ لصحّتها بعدَ وجوبِها، لكنَّ شروطَ الوجوبِ هي الشروطُ المتقدمةُ ومنها الذكوريّةُ والحريةُ وغيرُها، والظاهرُ أنَّ هذه الشروطَ التي ذكرَها كأنَّه يريدُ اشترطوا لصحّتِها، هذه الشروطُ في الحقيقةِ بعضُها يعني نقولُ: الوقتُ، والوقتُ شرطٌ لوجوبٍها وهو شرطٌ لصحّتها. والشيخُ عندكم نبَّهَ إلى الوقتِ ودخولِ الوقتِ، فدخولُ الوقتِ شرطٌ لوجوبِها؛ فلا تجبُ إلَّا بدخولِ الوقتِ، ولا تصحًّ إلَّا بالوقتِ، فلا تصحُّ بعد خروجِ وقتِها بخلافِ الظهرِ، فالوقتُ ُشرطٌ لصحّتِها، ودخولُ الوقتِ شرطٌ لوجوبِها كسائرِ الصلواتِ فإنَّها لا تجبُ إلَّا بعدَ دخولِ الوقتِ، وهنا آثرَ القولَ بالصحّةِ؛ لأنَّ الجمعةَ لا تصحًّ بعد خروجِ وقتِها.
ثمَّ قال المؤلّفُ: "يُشترطُ لصحتَّها شروطٌ ليسَ منها إذنُ الإمامِ": وهذه كأنَّها جملةٌ معترضةٌ بين ذكرِ اعتبارِ الشروطِ وتفصيلِها، إذنْ ليس منها إذنُ الإمامِ، وسيذكرُ هذه الشروطَ لكن قال: "ليس منها إذنُ الإمامِ" احترازًا؛ لأنَّ إذنَ الإمامِ ليس من هذه الشروطِ التي أجملَها بقولِه: "يُشترطُ لصحّتها شروطٌ ليس منها إذنُ الإمامِ"، فكان يُحتملُ أن يقولَ: "منها إذنُ الإمامِ"، فاحترزَ من ذلكَ وقال ليسَ من شروطِها إذنُ الإمامِ، والموجبُ لهذا الاحترازِ أنَّه قد قيلَ بذلك، قيل أنَّه يُشترطُ لصحّتِها إذنُ الإمامِ، فلو أقامَ أهلُ البلدِ الجمعةَ بِلا استئذانِ وليّ الأمرِ لم تصحَّ، وقد نبَّهَ الشيخُ إلى أنَّ هذا فيه نظرٌ، يعني القولُ باعتبارِ شرطِ إذنِ الإمامِ كما قال المؤلّفُ: ليسَ بشرطٍ، ليس منها إذنُ الإمامِ، إلَّا في تعدّدِ الجمعةِ في البلدةِ الواحدةِ فيُمكنُ أن يَتوجَّهَ القولُ باعتبارِ إذنِ الإمامِ دفعًا للنزاعِ، ودفعًا للتساهلِ لإقامةِ الجمعةِ في مواضعَ لغيرِ حاجةٍ، وسيأتي أنَّه يحرمُ إقامةُ الجمعةِ في البلدِ الواحدِ إلَّا لحاجةٍ، فإنَّه لم تكن الجمعةُ تتعدَّدُ في عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، لم تكن الجمعةُ تقامُ إلَّا في مسجدِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.
– القارئ: (أحدُها الوقتُ: وأولُهُ أولُ وقتِ صلاةِ العيدِ، وآخرُهُ آخرُ وقتِ صلاةِ الظهرِ)
– الشيخ: هذا تحديدًا الوقتُ عندهم، وقتُ صلاةِ الجمعةِ على المذهبِ أوّلُ وقتِ صلاةِ العيدِ؛ وهو ارتفاعُ الشمسِ قيدَ رُمحٍ، ويستمرُّ إلى آخرِ وقتِ الظهرِ إذا صارَ ظِلُّ الشيءِ مثلَه انتهى وقتُ الظهرِ، وبه ينتهي وقتُ صلاةِ الجمعةِ، هذا هو المذهبُ، والظاهرُ أنَّه من المفرداتِ، وأمَّا الجمهورُ فإنَّ وقتَ صلاةِ الجمعةِ هو وقتُ صلاةِ الظهرِ، فصلاةُ الجمعةِ هي صلاةُ بدلٍ عن الظهرِ فمن حضرَها أجزأتْه، وأمَّا القولُ بأنَّ وقتَها يبدأُ من ارتفاعِ الشمسِ فليسَ له مستندٌ يصحُّ التعويلُ عليه ولا سيّما أنَّ ما استدلوا به لا يفيدُ، قد يفيدُ التبكيرُ إلى صلاةِ الجمعةِ، الصلاةُ قبيلَ الزوالِ كالأحاديثِ التي استدلّوا بها على التبكيرِ للذهابِ إلى صلاةِ الجمعةِ وأنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان ينصرفُ وليسَ للحيطانِ ظِلٌّ يستظلُّ به ويخرجونَ وهم يتتبّعونَ الفي، والأثرُ الذي فيه أنّ َأبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ كانوا يُصلّونَ في نصفِ النهارِ أو قبلَ نصفِ النهارِ، ولعلَّ من استدلالاتِهم إجزاءُ صلاةِ العيدِ عن صلاةِ الجمعةِ، ولكن ليسَ فيها إجزاءٌ، فيها الرخصةُ لمن حضرَ صلاةَ العيدِ ألَّا يحضرَ صلاةَ الجمعةِ وليسَ فيه إسقاطُ صلاةِ الجمعةِ.
– القارئ: (فإنْ خرجَ وقتُها قبلَ التحريمةِ صلوا ظهرًا، وإلّا جمعةً)
– الشيخ: إن خرجَ وقتُها قبلَ تكبيرةِ الإحرامِ صلّوا ظهرًا؛ لأنَّها بهذا تفوتُ، مفهومُها أنَّها تُدركُ بالتكبيرةِ، فإذا كبّروا لصلاةِ الجمعةِ قبلَ خروجِ الوقتِ يعني صحَّت لهم جمعةٌ، فإن لم يُدرِكوا تكبيرةً للوقتِ بل خرجَ الوقتُ قبلَ تكبيرةِ الإحرامِ فاتتِ الجمعةُ وصلّوا ظهرًا. وهذه قاعدةٌ مطّردةٌ في المذهبِ؛ وهو أنَّ الوقتَ والصلاةَ في صلاةِ الجماعةِ والجمعةِ تُدرَكُ بتكبيرةِ الإحرامِ، فمن كبَّرَ قبلَ سلامِ الإمامِ أدرَكَ الجماعةَ، إلَّا صلاةَ الجمعةِ فإنَّها لا تُدركُ إلَّا بإدراكِ ركعةٍ، يعني الفردُ المسبوقُ إذا لم يُدرِكْ من الجمعةِ ركعةً فإنَّها تفوتُه صلاةُ الجمعةِ، ولو أدركَ تكبيرةَ الإحرامِ فهذه خارجةٌ عن هذه القاعدةِ؛ وهو إدراكُ الصلاةِ بتكبيرةِ الإحرامِ.
فالوقتُ عندَهم يُدركُ بتكبيرةِ الإحرامِ، والجماعةُ تُدركُ بتكبيرِة الإحرامِ، أمَّا الجمعةُ فلا تدركُ إلَّا بإدراكِ ركعةٍ، وهنا قالوا: إنَّ الجمعةَ من حيثُ الإجزاءِ تُدركُ بالوقتِ بتكبيرةِ الإحرامِ فإذا خرجَ الوقتُ قبلَ تكبيرةِ الإحرامِ فاتتِ الجمعةُ، فإن كبّروا تكبيرةَ الإحرامِ قبل خروجِ الوقتِ صلّوا جمعةً، وهذه من الأمورِ التي فيها دقّةٌ وندرةٌ جدًا، نادرةٌ أنَّهم يُؤخرونَ الجمعةَ ثمَّ يُكبرونَ تكبيرةَ الإحرامِ قبلَ خروجِ وقتِها بهذه الدِّقةِ ما هي إلَّا افتراضيَّةٌ مع تطبيقِ التأصيلِ الذي عندهم.
– مداخلةٌ: أحسنَ اللهُ إليكم، أوَّلُ الوقتِ على المذهبِ وهو ارتفاعُ الشمسِ قدرَ رمحٍ، هل يُعرفُ أحدٌ من المسلمين صلّاها في هذا الوقت؟
– الشيخ: قلت لك أنَّ هذا قولًا غريبًا.
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(أَحَدُهَا: الوَقْتُ وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلاَةِ العِيدِ وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ صَلاَةِ الظُّهْرِ)
قولُه: (أحدُها الوقتُ): هذا هو الشرطُ الأولُ، وبدأَ به المؤلّفُ لأنَّ الوقتَ آكدُ شروطِ الصلاةِ، سواءٌ هنا أو في أوقاتِ الصلواتِ الخمسِ، ولهذا إذا دخلَ الوقتُ يُصلّي الإنسانُ على حسبِ حالِه، ولو تركَ ما لا يقدرُ عليه من الشروطِ والأركانِ، فلو دخلَ الوقتُ والإنسانُ عارٍ ليس عنده ما يسترُ عورتَه، أو ليس عندَه ماءٌ ولا ترابٌ، أو لا يستطيعُ أن يتطهّرَ، أو لا يستطيعُ القيامَ، أو لا يستطيعُ التوجُّهَ إلى القبلةِ، أو ببدنِه نجاسةٌ لا يستطيعُ غسلَها، فلا نقولُ: انتظرْ حتى تتحقَّقَ الشروطُ، بل يُصلّي إذا خافَ فوتَ الوقتِ على حسبِ الحالِ.
– الشيخ: يعني هذه الأعذارُ إن كان يتوقعُ زوالَها نعم ينتظرُ، والتيممُ ما يشترطُ له أن ينتظرَ إلى آخرِ الوقتِ، بل إذا دخلَ الوقتُ ولا ماءَ عندَه فإنَّه يُباحُ له التيمّمُ: (فأيَّما رجلٌ أدركتْهُ الصلاةُ فليُصلّي)، وهذا الإذنُ المطلقُ يقتضي أنَّه يُصلّي ولا ينتظرُ آخرَ الوقتِ، وفي قصّةِ الرجلين (الذين صلّيا تيمَّما وصلّيا ثمَّ حضرَ الماءُ فأعادَ أحدُهم الصلاةَ والآخرُ لم يُعِد، فقال للذي لم يُعِد: أصبتَ السُّنَّةَ)، وقد تيمَّمَ وصلَّى في أوّلِ الوقتِ أو في أثنائِه، فعُلمَ أنَّهم قد صلّوا في وقتٍ موسَّعٍ.
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
والمؤلّفُ قال هنا: (أحدُها الوقتُ)، وفي شروطِ الصلاةِ قال: (دخولُ الوقتِ)، فهل هذا اختلافُ تعبيرٍ لا يختلفُ به الحكمُ، أو اختلافُ تعبيرٍ يختلفُ به الحكمُ؟
الجوابُ: الثاني، أي: أنَّه اختلافُ حكمٍ؛ لأنَّ الشرطَ السابقَ في شروطِ الصلاةِ هو: دخولُ الوقتِ، فتصحُّ الصلاةُ ولو بعد وقتِها، أمَّا هنا فلا تصحُّ الصلاةُ إلَّا في وقتِها، فلو خرجَ الوقتُ ولم يصل ولو لعذرٍ كالنسيانِ والنومِ، فإنَّه لا يُصلّي الجمعةَ، بل يُصلّي ظهرًا، والصلاةُ قبلَ الوقتِ في الجمعةِ وغيرِها لا تصحُّ.
– الشيخ: صلاةُ الجمعةِ جماعيةٌ، وليست من شأنِ الواحدِ، أمَّا الواحدُ إذا نامَ أو نسيَ وصلَّى الناسُ الجمعةَ فاتتْه ولزمَهُ فرضُ الوقتِ وهو صلاةُ الظهرِ، وفي الحقيقةِ تنبيهُ الشيخِ على الفرقِ بين دخولِ الوقتِ وبين قولِهم الوقتُ يدلُّ على فقهه لمقاصدِ الفقهاءِ في عباراتِهم، وفي الحقيقةِ هو فرقٌ دقيقٌ فصلاةُ الجمعةِ شرطُها الوقتُ، ومعنى هذا أنَّها لا تصحُّ قبلَ الوقتِ ولا تصحُّ بعد الوقتِ، أمَّا سائرُ الصلواتِ فشرطُها دخولُ الوقتِ؛ فتجبُ في دخولِ الوقتِ، ولكن ليس الوقتُ شرطًا لصحّتِها بل تصحُّ ولو بعد الوقتِ كحالِ الناسي والنائمِ، فهذا فرقٌ لطيفٌ.
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
لأنَّه في غيرِ الجمعةِ نقولُ: لم يدخلِ الوقتُ، وفي الجمعةِ نقولُ: ليست في الوقتِ، والصلاةُ بعد خروجِ الوقتِ في غيرِ الجمعةِ صحيحةٌ إمَّا مطلقًا، وإمَّا لعذرٍ على القولِ الراجحِ، وصلاةُ الجمعةِ بعد الوقتِ لا تصحُّ مطلقًا. والدليلُ على اشتراطِ الوقتِ: الإِجماعُ على أنَّها لا تصحُّ إلَّا فيه، فلا تصحُّ قبلَه ولا بعدَه.
قولُه: (وأوّلُه أولُ وقتِ صلاةِ العيدِ): هذه إحالةٌ على مُعدمٍ؛ لأنَّ طالبَ العلمِ الذي ابتدأَ الكتابَ، ومشى عليه لم يعرفْ وقتَ صلاةِ العيدِ، فبابُ صلاةِ العيدينِ بعدَ صلاةِ الجمعةِ، فإذًا تكونُ الإِحالةُ على مُعدَمٍ. وإن قلنا: إنَّ بابَ العباداتِ يُعتبرُ شيئًا واحدًا فالإحالةُ على مليءٍ؛ لأنَّ أوَّلَ العباداتِ وآخرَها واحدٌ. وعلى كلِّ حالٍ فالذي ينبغي لمن يُؤلّفُ ألَّا يُحيلَ إلَّا على شيءٍ معلومٍ سابقٍ، فلا يُحيلُ على شيءٍ لم يأتِ بعدُ. وعلى كلِّ حالٍ أوّلُ وقتِ صلاةِ الجمعةِ بعدَ ارتفاعِ الشمسِ قيدَ رُمحٍ أي: قدرَ رمحٍ، والرمحُ: حوالي متر، فلنا أن نُصليها من حين أن ترتفعَ الشمسُ قدرَ رمحٍ. ولو قال قائلٌ: لماذا خُصَّ الوقتُ بما بعدَ ارتفاعِ الشمسِ قيدَ رمحٍ، ولم يكن من حينِ طلوعِ الشمسِ؟ فالجوابُ: لأنَّ الشمسَ كما أخبرَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهو الصادقُ المصدوقُ: (تطلعُ بين قرني شيطانٍ ـ أي: الشيطانُ يُقارنُها حقيقةً ـ فإذا رآها المشركونَ سجدوا) …
قولُه: (وآخرُهُ آخرُ وقتِ صلاةِ الظهرِ): أي آخرُ وقتِ صلاةِ الجمعةِ آخرُ وقتِ صلاةِ الظهرِ، وذلك إذا كان ظلُّ الشيءِ كطولِه بعدَ فيءِ الزوالِ، وعلامةُ ذلك: أنَّ الشمسَ إذا طلعت يكونُ لكلِّ شاخصٍ أي: لكلِّ شيءٍ قائمٍ ـ ظلٌّ من جهةِ المغربِ، ثمَّ لا يزالُ هذا الظلُّ ينقصُ شيئًا فشيئًا، كلَّما ارتفعتِ الشمسُ نقصَ إلى أن يقفَ …. فحديثُ أبي هريرةَ: (من اغتسلَ، ثمَّ راحَ في الساعةِ الأولى، ثمَّ قال: في الثانيةِ، ثمَّ قال: في الثالثةِ، ثمَّ قال: في الرابعةِ، ثمَّ الخامسةِ) يدلُّ على أنَّ هناك فُسحةً طويلةً بين طلوعِ الشمسِ ووقتِ الصلاةِ، وعليه فالدليلُ على ابتداءِ وقتِ صلاةِ الجمعةِ أثرُ عبدِ اللهِ بن سيدان ـ رحمهُ اللهُ ـ قال: (شهدتُّ الجمعةَ مع أبي بكرٍ فكانت خطبتُه وصلاتُه قبلَ نصفِ النهارِ، ثمَّ شهدتُّها مع عمرَ فكانت خطبتُه وصلاتُه إلى أن أقول: قد انتصفَ النهارُ، ثمَّ شهدتُّها مع عثمانَ فكانت خطبتُه وصلاتُه إلى أن أقول: قد زالَ النهارُ، فما رأيت أحدًا عابَ ذلك ولا أنكرَه) رواهُ الدارقطني، وأحمدُ واحتجَّ به. ولكنَّ هذا الحديثَ لا يستقيمُ الاستدلالُ به على أنَّ وقتَ صلاةِ الجمعةِ يكونُ من ارتفاعِ الشمسِ قيدَ رمحٍ لما يلي:
أولًا: الأثرُ ضعيفٌ كما قالَه النوويُّ وغيرُه.
ثانيًا: لو صحَّ هذا الأثرُ فليس فيه دليلٌ على دخولِ وقتِ الجمعةِ بارتفاعِ الشمسِ قيدَ رمحٍ؛ لأنَّ قولَه: (كانت خطبتُه وصلاتُه قبلَ نصفِ النهارِ)، يدلُّ على أنَّها قريبةٌ من النصفِ وهو الزوالُ، ولو كانت في أولِ النهارِ لقالَ: كانت صلاتُه وخطبتُه في أوّلِ النهارِ، فهناك فرقٌ بين أن يُقالَ: قبلَ النصفِ وأن يُقالَ: من أوّلِ النهارِ؛ لأنَّ قبلَ النصفِ يعني أنَّها قريبةٌ؛ ولهذا قال: (ثمَّ شهدتُها مع عمرَ فكانت خطبتُه وصلاتُه إلى أن أقولَ: قد انتصفَ النهارُ ثمَّ شهدتُها مع عثمانَ فكانت خطبتُه وصلاتُه إلى أن أقول: قد زالَ النهارُ)، وهذا يدلُّ على أنَّ صلاةَ أبي بكرٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ كانت قريبةً من الزوالِ، والقولُ بأنَّ صلاةَ الجمعةِ تصحُّ قبلَ الزوالِ هو المذهبُ، وهو من المفرداتِ.
– الشيخ: وكانت تُصلّى الجمعةُ في هذه البلادِ في بعضِ الجوامعِ قبل الزوالِ، لكنَّهم لا يُبكّرونَ بها إلى هذه الدرجةِ يعني الضّحى، لا، قبيلَ الزوالِ يعني كأنَّه يُشبِهُ ما جاءَ في هذا الأثرِ، ولكن الآنَ العملُ جارٍ على القولِ الصحيحِ، فلا يدخلُ الإمامُ إلَّا بعدَ الزوالِ.
– مداخلةٌ: لو دخلَ قبلَ الزوالِ هل يُنكرُ عليه؟
– الشيخ: إذا كان يُصلّي قبلَ يُنكرُ عليه، أمَّا أمرُ الخطبةِ عندي أيسرُ، يعني لو دخلَ وخطبَ، ولكن ما شرعَ في الصلاةِ، وهذا قد يحصلُ لمن يطوّل الخطبةَ، إذا كان يطوّلُ الخطبةَ نقولُ له: لو تتقدَّمَ قليلًا، وتَقدُّمُ الخطبةِ قبلَ الزوالِ عندي أمرُها أيسرُ، أمَّا أنَّه يَشرعُ في الخطبةِ والصلاةِ قبل الزوالِ فهذا خلافُ مُقتضى الدليلِ واللهُ تعالى أعلمُ.
– مداخلةٌ: ولو صلّى قبلَ الزوالِ؟
– الشيخ: نقولُ فيها مثل أيِّ مسألةٍ وقعَ فيها الخلافُ، الذين صلّوا بناءً على اعتقادِ اجتهادٍ لهم ما نووه، لكن مثلًا أنت تعتقدُ أنَّه ما يجوزُ التقدُّمُ في صلاةِ الجمعةِ على الزوالِ فلا تُصلّي معهم.
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
القولُ الثاني: أنَّها لا تصحُّ إلَّا بعدَ الزوالِ، وهذا مذهبُ الأئمةِ الثلاثةِ.
القولُ الثالثُ: أنَّها تصحُّ في الساعةِ السادسةِ قبلَ الزوالِ بساعةٍ استنادًا إلى حديثِ أبي هريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ: (من راحَ في الأولى، ثمَّ الثانية، ثمَّ الثالثة، ثمَّ الرابعة، ثمَّ الخامسة، فإذا خرجَ الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يستمعونَ الذكرَ)، فيكونُ حضورُ الإمامِ على مُقتضى حديثِ أبي هريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ في الساعةِ السادسةِ، ولهذا رجَّحَ الموفّقُ ـ رحمهُ اللهُ ـ في المغني ـ وهو من أكابرِ أصحابِ الإمامِ أحمدَ ـ أنَّها لا تصحُّ قبلَ السادسةِ.
– الشيخ: لكن هذا عندي فيه إشكالٌ؛ لأنَّ الساعةَ آتيةٌ، المذكورةُ في الحديثِ ما هي مقدرةٌ بالساعةِ التي نعرفُها المقدّرةِ بالستينَ دقيقة، يعني الساعةُ الأولى والثانية والثالثة يعني يمكن يكونُ بتجزئةِ الوقتِ وهذا ليسَ بواضحٍ، التجزئةُ تحتاجُ إلى وقتٍ، يعني مثلًا ترتفعُ الشمسُ في كذا، ومتى تزولُ الشمسُ، نقول بعد طلوعِ الشمسِ، يعني الذهابُ إلى الجمعةِ متى؟ الجمهورُ أنَّ الذهابَ إلى الجمعةِ يكونُ من طلوعِ الشمسِ أو من ارتفاعِ الشمسِ، ومن أهلِ العلمِ من يرى أنَّ الساعاتَ الخمسَ والستَّ كلَّها بعدَ الزوالِ، يعني كلُّ ساعةٍ تُقدَّرُ بدقائقَ، لكنِ الأظهرُ واللهُ تعالى أعلمُ أنَّ الساعةَ الأولى والثانية تكونُ من طلوعِ النهارِ، من طلوعِ الشمسِ، فالساعةُ السادسةُ ليست بيّنة المقدارِ، فالصوابُ أو على الاحتياطِ أنَّها لا تُصلَّى إلَّا بعدَ الزوالِ، وصلاةُ الجمعةِ بدلٌ عن الظهرِ، ووقتُها وقتُ الظهرِ ابتداءً وانتهاءً.
– مداخلةٌ: كيفيةُ الاستدلالِ على أنَّ السادسةَ قبلَ الزوالِ؟
– الشيخ: يعني بعدَ ظهورِ الساعاتِ ممكنٌ، يعني مثلًا الآن الشمسُ تطلعُ في الساعةِ السادسةِ في هذا الوقتِ، وتزولُ الشمسُ متى؟ قسِّمِ الوقتَ إلى ستةِ أجزاءٍ، ولهذا قال في نفسِ الحديثِ: (ثمَّ إذا خرجَ الإمامُ جاءتِ الملائكةُ يستمعونَ الذّكرَ)، أي معناها لا يكتبونَ بعد السادسةِ، ودخولُ الإمامِ بعد السادسةِ.
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
ولا في أولِ النهارِ كما ذهبَ إليه كثيرٌ من الأصحابِ، ومنهم الخِرقيُّ، وهذا القولُ هو الراجحُ أنَّها لا تصحُّ في أوَّلِ النهارِ، إنَّما تصحُّ في السادسةِ، والأفضلُ على القولِ بأنَّها تصحُّ في السادسةِ، أن تكونَ بعدَ الزوالِ وفاقًا لأكثرِ العلماءِ.
– مداخلةٌ: ذكرَ في الروضِ يا شيخ: والأفضلُ تأخيرُ الظهرِ حتى يُصلّي الإمامُ الجمعةَ، وحضورُها لمن اختُلفَ في وجوبِها عليه كعبدٍ أفضلُ، ونُدبَ تصدقٌ بدينارٍ أو نصفِه لتاركِها بلا عذرٍ، هل هذا الكلامُ عليه دليلٌ وهو التصدُّقُ بدينارٍ؟
– الشيخ: لا، ليس عليه دليلٌ.
– مداخلةٌ: ذكروا فيح حديثًا، ولا أحفظه.
– الشيخ: راجعِ الحديثَ، ولا أظنّه يصحُّ؛ لأنَّه لو كان من الأحاديثِ التي يعتدُّ بها لذكرَهُ أهلُ العلمِ ونبّهوا عليه.
– مداخلة: ثبتَ عن الإمامِ أحمد أنَّ أولَ الوقتِ كوقتِ العيدِ، حديث أنس…
– الشيخ: غايةُ الأمرِ أنَّه يُقالُ: يُبكّر بصلاةِ الجمعةِ، يعني قولُ الموفّقِ أنَّها لا تصحُّ قبلَ السادسةِ يعني فيه مقاربةٌ للأحاديثِ التي فيها إشعارٌ مثل حديثِ سلمةَ ابنِ الأكوعِ وغيرِه (أنَّهم كانوا ينصرفونَ من الصلاةِ وليس للحيطانِ ظِلٌّ يستظلُّ به)، يعني بعد الخطبةِ والصلاةِ ومع ذلك ليسَ للحيطانِ ظِلٌّ، يعني كأنَّه يؤخذُ منه جوازُ التبكيرِ لصلاةِ الجمعةِ عندَ الزوالِ أو قُبيلَ الزوالِ، لكن مع هذا الاشتباهِ فلا ينبغي تقديمُها قبلَ الزوالِ.
– مداخلةٌ: في تعليقٍ للشيخِ صالح البليهي بالنسبةِ للمسافرِ والعبدِ، "ولم يصحَّ أن يؤمَّ فيها"، قال: وقولُه "لم يصحَّ أن يؤمَّ فيها": وقال الأئمةُ الثلاثةُ يجوزُ أن يكونَ العبدُ والمسافرُ إمامًا فيها، إلَّا أنَّ مالكًا استثنى العبدَ فقال: لا تجوزُ إمامتُه فيها.
– الشيخ: والصحيحُ جوازُها، أي جوازُ إمامتِه.
الأسئلة:
س1: مؤذنٌ كلَّما انتهى من أذانِه وقفَ يدعو، فهل فعلُه هذا مشروعٌ؟
ج: ليس بمشروعٍ، يدعو من غيرِ التزامٍ؛ لأنَّه كغيرِه ليس له خصوصيةٌ أي المؤذنُ، (لا يُرَدُّ الدعاءُ بين الأذانِ والإقامةِ)، لكن كونُه يقفُ ما معنى هذا، يذهبُ ويُصلّي ويدعو.
……………………………………
س2: ما الحكمُ فيما إذا ذهبتُ إلى دكانٍ لأشتريَ سلعةً، فطلبَ مني النقودَ، ثمَّ أرسلَ من يأتي بها من عندِ غيرِه، هل يدخلُ في بيعِ ما ليسَ عنده؟
ج: هذا هو الظاهرُ واللهُ أعلمُ، أنَّه باعَ ما ليس عنده، لكن إذا كان واقفًا سيحصلُ القبضُ والتسليمُ أو ما يُشبهُ تجديدَ العقدِ في نفسِه، لكنَّ الإشكالَ أنَّه قال: هاتِ الثمنَ وأتني في الوقتِ الفلاني، ثمَّ ذهبَ ليشتريها، فهذا ما كان يفعلُه حكيمُ ابنُ حِزامٍ لما سألَ الرسولَ أنَّه يأتيه طالبُ السلعِ ولا تكونُ عندي فأبيعها ثمَّ أذهبُ وأُحضرُها له، أو كما قال رضي اللهُ عنه، فقال له النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (لا تبعْ ما ليس عندك)، فكان يبيعُ ثمَّ يذهبُ ويشتري السلعَ.
……………………………………
س3: ما حكمُ وضعِ المجسّماتِ في محلاتِ البيعِ النسائيةِ، ليعرضَ عليها الفساتين، عِلمًا أنّها بدونِ رأسٍ؟
ج: لا يجوزُ؛ لأنَّها مثالٌ للمرأةِ بزيّها وشكلِها، هذه صورةُ امرأةٍ بلا رأسٍ، وصورتُها فتنةٌ، وهم يفعلون هذا لإظهارِ هيئةِ هذا اللباسِ وشكلِ هذا اللباسِ؛ فلهاذا لا يجوزُ لأنَّه مثيرٌ. لماذا يجعلونَ هذا الزّيَّ؟ ليبيّنوا فتنةَ هذا اللباس، ومدى تأثيرِ هذا اللباسِ على المرأةِ، وهناك عند الكفرةِ وأشباهِهم وصُنَّاعِ الأزياءِ عندهم عارضاتُ الأزياءِ، يُلبسونَها هذه الثياب ليُرى مدى حُسنِه وجمالِه وهيئةِ لباسهنَّ له، وهؤلاءِ استبدلوا هذا بالشكلِ، يبرزُ ما في هذا اللباسِ من الجاذبيةِ والحُسنِ.
……………………………………
س4: ما صحَّةُ حديثِ صورةِ الرأسِ وأنَّه إذا قُطِعَ الرأسُ فلا صورةَ؟
ج: هذا حديثٌ صحيحٌ، أمَّا البقيةُ لا رأسٌ فلا صورة، لكنَّ الصورةَ الرأسُ، ولمّا امتنعَ جبريلُ من دخولِ بيتِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لوجودِ تمثالٍ فيه أمرَهُ بقطعِ الرأسِ فقط، ومنعنا للشكلِ الذي يفعلُه عارضوا الأزياءِ الملابسِ النسائيةِ ليسَ من أجلِ الصورةِ، بل من أجلِ ما فيه من الإثارةِ؛ لأنَّ صورةَ المرأةِ فتنةٌ في عجيزتِها وقَدِّها وهَيئتِها.
……………………………………
س5: أنا منذُ وقتٍ طويلٍ وأنا أشعرُ بتقصيري في حقِّ اللهِ وما أوجبَ علينا، وأشعرُ بالغفلةِ عن ذكرِ اللهِ، وأحاولُ جهدي على القيامِ بذلك على الوجهِ الأكملِ، وان أكونَ من الذاكرينَ الخاشعينَ، ولكن تمرُّ الأيامُ ولم أَنَلْ مُرادي ما سببُ ذلك؟ وما الطريقُ الذي يُقرّبني من اللهِ، مع العلمِ أنّي أحبُّ اللهَ ورسولَه وأحبُّ لقاءَ اللهِ وأُحسنُ الظنَّ به؟
ج: الحمدُ للهِ، أنت تذكرُ ما نرجو اللهَ أن يُعامِلكَ بلطفِه وتوفيقِه وهدايتِه، فاحمدِ اللهَ، ولتبقى على هذا الشعورِ مع المجاهدةِ، واللهُ تعالى يقولُ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، ونسألُ اللهَ أن يُوفّقكَ للجهادِ وأن يُمدّكَ بِهُداهُ إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٍ، وانظرْ إلى أحوالِكَ الأخرى فأنت أعلمُ بالمثبّطاتِ والمؤثّراتِ، والإنسانُ يتدبَّرُ حالَهُ ويرى العواملَ التي تُسبِّبُ له بالفتورِ والتقصيرِ والعواملِ التي تُؤثّرُ عليه، فلكلٍّ من الأمرين أسبابٌ، ونسألُ اللهَ أن يُوفّقنا وإيّاكَ.