الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الصلاة من زاد المستقنع/(46) “فصل” قوله الثاني حضور أربعين من أهل وجوبها

(46) “فصل” قوله الثاني حضور أربعين من أهل وجوبها

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: السّادس والأربعون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنِّفُ رحمهُ اللهُ:
(الثاني من شروط صحّة الجمعة: حضورُ أربعينَ مِنْ أهلِ وجوبِها)

– الشيخ: هذا هو الشرطُ الثاني من شروطِ صحّةِ الجمعةِ، والأولُ هو الوقتُ كما تقدم، ونبّهتُ على النكتةِ التي ذكرها الشيخُ، وهي الفرقُ بين القولِ بأنَّ دخولَ الوقتِ شرطٌ لوجوبِ الصلاةِ، فلا تجبُ صلاةُ الجمعةِ ولا صلاةُ الظهرِ ولا غيرُها إلَّا بدخولِ الوقتِ، ولكنَّه ليس شرطًا لصحّتها، فإنَّها تصحُّ ممَّن جمعَ الصلاةَ الأولى مع الثانية، أو جمعَ الثانيةَ للأولى، أو من نامَ عن صلاةِ فإنَّها تصحُّ في غيرِ الوقتِ، بخلافِ الجمعةِ فإنَّ دخولَ الوقتِ شرطٌ لوجوبِها، والوقتُ شرطٌ لصحّتها، ويوضِّحُه أنَّه لو خرجَ الوقتُ لم تُصلَّى جمعةً بل تُصلَّى ظهرًا.
الشرطُ الثاني: "حضورُ أربعينَ من أهلِ وجوبِها": نقولُ من أهلِ وجوبِها، تقدَّمَ ذكرُ شروطِ من تجبُ عليه الجمعةُ: كلُّ ذكرٍ، حرٍّ، مكلَّفٍ، مسلمٍ، مستوطنٍ، بينَه وبينَ المسجدِ قدْرَ فرسخٍ هذا ما تقدَّمَ.
يقولُ هنا: الشرطُ الثاني من شروطِ صحَّةِ الجمعةِ حضورُ أربعينَ من هذا النوعِ، ممّن توفّرتْ فيهم شروطُ الجمعةِ، شرط أن يكونَ هناك أربعونَ. ومفهومُ ذلك: لو أنَّه كان موجودٌ تسعةً وثلاثينَ لم تجبْ عليهم الجمعةُ، ولو أقاموها لم تصحَّ. واختصارًا للقولِ أنَّ كلَّ الأقوالِ التي قيلت في اعتبارِ العددِ في الجمعةِ كلَّها مرجوحةٌ ومنه هذا الرأي وإن كان عليه كثيرونَ، فإنَّه ليس له ذلك المستند الذي يجبُ التعويلُ عليه، منها الأثرُ الذي في السيرة: (أنَّ أولُ جمعةٍ جُمعتْ في المدينةِ كان عددُهم أربعين)، ولكن هذا لا يعني لو أنَّهم كانوا ثلاثينَ لم يقيموا جمعةً.
وحديثٌ آخرُ عن جابرٍ رضي اللهُ عنه وهو ضعيفٌ ذكرَهُ الحافظُ في بلوغِ المرامِ: (مضتِ السنّةُ في كلِّ أربعينَ جمعة)، ومع ذلك قال به كثيرونَ، وانظرْ ماذا يترتَّبُ على هذا، يعني من الصورةِ التي ذكروها قالوا أنَّ هذا شرطٌ لصحَّةِ الجمعةِ، يعني اشترطَ لصحّةِ الجمعةِ حضور أربعينَ في الخطبةِ والصلاةِ، فلو أقاموا الجمعةَ بأن كانوا أربعينَ ثمَّ قُدّرَ أنَّه ذهبَ منهم واحدٌ لسببٍ ما، كانتقاضِ وضوءٍ، لم تصحَّ، هذا من العجائبِ، أو لو كانوا قبل ذلك تسعًا وثلاثين كذلك، وهذا القولُ لا شكَّ أنَّه ضعيفٌ، وهناك أقوالٌ أخرى وهي مرجوحةٌ، وأرجحُ الأقوالِ: أنَّ شرطَ وجوبِ الجمعةِ وصحّتِها وجودُ ثلاثةٍ، وأقوى ما استُدلَّ به: (ما من ثلاثةٍ في قريةٍ لا يقيمونَ الصلاةَ إلَّا استحوذَ عليهم الشيطانُ)، أو كما جاءَ في الحديثِ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ وذكرَهُ الشيخُ محمدُ ابنُ عثيمينَ رحمهُم اللهُ جميعًا، والأقوالُ الأخرى كذلك: منها ما يشترطُ لصحّتِها وجودَ اثني عشرَ رجلًا أخذًا بحديثِ جابرٍ في القصةِ التي انصرفَ فيها بعضُ الصحابةِ والنبيُّ يخطبُ ولم يبقى منهم إلّا اثنا عشر، وهذا مبنيٌ على أمرٍ وقعَ اتفاقًا، فلو لم يبقى إلَّا عشرةٌ مثلًا من أين لنا أنَّها لا تصحُّ؟! فكلُّ الأقوالِ في الحقيقةِ أدلَّتُها لا تنهضُ لترجيحِ القولِ وتصحيحِه.
 
– القارئ: (الثالثُ: أن يكونُوا بقريةٍ مستوطنينَ)
– الشيخ: "أن يكونوا في قريةٍ مستوطنين": لا مسافرينَ، ولا مقيمينَ إقامةً عارضةً في هذا البلدِ، بل مستوطنينَ، وتضمَّنَ هذا شيئين: أن يكونوا في القريةِ لا في الصحراءِ، وأن يكونوا مُقيمينَ لا مسافرينَ، ولا مقيمينَ إقامةً عارضةً، ودليلُ هذا كلّه هو العملُ الذي كان في حياةِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وبعدَه، فما كانت الجمعةُ تُقامُ في البوادي ولا في الصحاري، وإنّما كانت تُقامُ في القرى والأمصارِ.
 
– القارئ: (وتصحُّ فيما قاربَ البنيانَ من الصحراءِ)
– الشيخ: إذا كان أهلُ قريةٍ مستوطنين وهم خمسونَ أو أربعونَ أو ثمانونَ، لكنَّهم أقاموا الجمعةَ في طرفِ البلدةِ في الصحراءَ لكن قريب، وأشبَه ما يكونُ بمُصلّى العيدِ الذي كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يخرجُ بالناسِ إليه، والجمعةُ والعيدُ بينهما تناسبٌ وتقاربٌ في الصفةِ وكثيرٍ من الأحكامِ، فيقولُ المؤلّفُ: تصحُّ في مكانٍ من الصحراءِ قريبٍ من القريةِ، فلو كانوا في صحراءَ بعيدةٍ أصبحَ حُكمُهم في حكمِ المسافرينَ أو حكمِ الباديةِ.
 
– القارئ: (فإن نقصُوا قبلَ إتمامِها: استأنفُوا ظهرًا)
– الشيخ: هذا وجوه لأصلِ الشرطِ الثاني، كانوا أربعينَ والإمامُ يخطبُ، وأُقيمتِ الصلاةُ وصلّوا، لكن قبلَ أن يُسلّمَ الإمامُ نقصوا واحدًا، استأنفوا ظُهرًا، والشيخُ محمّدٌ نبَّهَ: استأنفوا ظُهرًا إذا كان لا يمكنُ إقامتُها جمعةً، أمَّا إذا كانوا في الوقت فإنَّه يمكنُ أن يستأنفوا لعلَّ الذي ذهبَ يرجعُ، أو يأتي أحدٌ في مكانِه فيُقيمونَها جمعةً، فإن لم يمكنْ إقامتُها جمعةً لضيقِ الوقتِ استأنفوها ظُهرًا، وهذا تأكيدٌ لاشتراطِ العددِ، يعني المعتبرُ لوجوبِها ولصحّتِها ويجبُ أن يستمرَّ هذا الشرطُ إلى تمامِ الصلاةِ. وذكرَ الشيخُ محمّدٌ رأيًا آخرً واستحسَنَه وهو أنَّه إذا نقصَ العددُ قبلَ الصلاةِ فنعم، وإذا كان العددُ بعد أن شرعوا في الصلاةِ فإنَّها تصحُّ لأنَّهم دخلوها، وكلامُهم هذا يُشبهُ من دخلَ في الصلاةِ متيمّمًا ثمَّ حضرَ الماءُ فقيل: إنَّه تبطلُ الصلاةُ ويتوضَّأُ، وقيل: بل لا تبطلُ الصلاةُ، وهذا التفصيلُ كلُّه بناءً على اشتراطِ العددِ، أمَّا إذا صُرفَ النظرُ عنه فالحمدُ للهِ فهو التيسيرُ، ولا يُخشى عليهم من بطلانِ الصلاةِ.
 
– القارئ: (ومنْ أدركَ مع الإمامِ منها ركعةً أتمَّها جمعةً)
– الشيخ: وهذ صحيحٌ وهو داخلٌ في عمومِ قولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (من أدركَ ركعةً من الصلاةِ فقدَ أدركَ الصلاةَ)، وهذا في الحقيقةِ نصٌّ يشملُ إدراكَ الصلاةِ من حيثُ فضلِ الجماعةِ، فمن أدركَ ركعةً مع الإمامِ فقد أدركَ فضلَ الجماعةِ، ومن أدركَ مع الإمامِ في صلاةِ الجمعةِ ركعةً فقد أدركَ الجمعةَ، ومن أدركَ ركعةً قبلَ خروجِ الوقتِ فقد أدركَ الصلاةَ بالوقتِ كما يشهدُ له قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (من أدركَ ركعةً من الصبحِ قبلَ أن تطلعَ الشمسُ فقد أدركَ الصبحَ)، يعني أدركها في الوقتِ، أداءً، (ومن أدركَ ركعةً من العصرِ قبل  أن  تغربَ الشمسُ فقد أدركَ العصرَ)، فهذا تفصيلٌ للحديثِ العامّ.
وقد جاءَ في شأنِ صلاةِ الجمعةِ: (أنَّ من أدركَ ركعةً من الجمعةِ فليضفْ إليها أخرى فقد تمَّت صلاتُه) أو كما جاءَ في الحديثِ. ومعنى أن لو فاتتْه صلاةٌ لم يدركِ الإمامَ إلَّا بعد أن رفعَ رأسَهُ من الركعةِ الثانيةِ فهذا قد فاتتْه الجمعةُ فيُصليها ظهرًا، لكن هم يشترطونَ أن ينويَ، يعني دخلَ وقد رفعَ الإمامُ فالآن فاتتْه الجمعةُ، فإذا دخلَ معه بنيّةِ الجمعةِ صلَّاها نافلةً ثمَّ استأنفَ ظهرًا، أمَّا إذا نواها ظهرًا فلا إشكالَ، والقولُ الثاني أنَّه إذا نواها جمعةً يُتمّها ظهرًا، وهذا أقربُ واللهُ أعلمُ ليسرِ الإسلامِ.
 
– القارئ: (وإنْ أدرك أقلَ من ذلكَ: أتمّها ظهرًا إذا كانَ نوى الظهرَ)
– الشيخ: "وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرًا": بشرط وهو إن كان نواها ظهرًا، والقولُ الآخرُ ولعلَّه هو الصحيحُ: أنَّه يتمّها ظهرًا والحمدُ للهِ، وإن كان نواها في البدايةِ جمعةً قبلَ أن يتنبَّه، وقد يكونُ كما هي حالُ كثيرٍ من الناسِ يجهلُ الحكمَ فيُتمّها ظهرًا وتُجزئُ عنه إن شاءَ اللهُ.
 
– القارئ: (ويشترطُ تقدُّمُ خُطبتين)
– الشيخ: وهذا الشرطُ الرابعُ: وهو أن يتقدَّمَ الصلاةَ خطبتين، ومعناه إذا لم يكن هناك خطبتين لم تكن جمعةً، تصحُّ مثل صلاةِ الظهرِ جماعةً، وهذا مأخوذٌ من عملِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- المطّردِ وعملِ أصحابِه والمسلمين، فلا يُعرفُ أنَّهم صلّوا الجمعةَ بلا خطبةٍ، وقولُه تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، أوّلُ ذلك الخطبةُ، وهي واجبةٌ ليست سنةً، بخلافِ خطبةِ العيدِ فالمشهورُ أنَّها سنّةٌ ومستحبةٌ، وهي بعدها، خطبةُ العيدِ بعدَ الصلاةِ، أمَّا خطبةُ الجمعةِ فقبلَ الصلاةِ، فيجبُ السعيُ إليها وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] فهذا الشرطُ الرابعُ، وكما قلنا الشرطُ الأولُ: الوقتُ، والثاني: حضورُ أربعينَ، والثالثُ: أن يكونوا هؤلاء في قريةٍ ومستوطنين بها، والرابعُ: تقدُّمُ خطبتين.
 
– القارئ: (من شرطِ صحتِهما: حمدُ اللهِ تعالى، والصلاةُ على رسولهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وقراءةُ آيةٍ، والوصيةُ بتقوى الله عزَّ وجلَّ، وحضورُ العددِ المشترطِ)
– الشيخ: أمَّا حضورُ العددِ المشترطِ فقد تقدَّمتِ الإشارةُ إليه وهو أربعونَ، وهو شرطٌ لصحةِ الخطبةِ والصلاةِ، فلو خطبَ الإمامُ وهم أقلُّ من أربعينَ لم تصحَّ، فجَعَلَ العددَ شرطًا لصحّةِ الخطبةِ، فلو خطبَ وهم أقلُّ من أربعينَ ثمَّ أُتمّوا أربعينَ قبلَ شروعِه بالصلاةِ لم تصحَّ الصلاةُ، لعدمِ صحّةِ الخطبةِ، لم تصحَّ الخطبةُ فلم تصحَّ الصلاةُ، وهذه كلُّها أحكامٌ لم تُبنى على دليلٍ يشفي الصدرَ، ويصحُّ التعويلُ عليه.
ما تقدَّم خطبتان فأصلُه عملُ الرسولِ المطّردِ وعملُ أصحابِه والمسلمينَ، وأمَّا قولُه: "يُشترطُ لصحةِ الخطبتين أن يشتملَ على حمدِ اللهِ، والصلاةِ على رسولِه، وقراءةِ آيةٍ": وهذه الشروطُ أيضًا مأخوذةٌ من العملِ بالجملةِ، وكان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يفتتحُ خطبتَه بحمدِ اللهِ والثناءِ عليه وحثِّ الناسِ على العملِ بكتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه كما جاءَ في حديثِ جابرٍ: (أنَّه كان -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يخطبُ يومَ الجمعةِ فيحمدُ اللهَ، وكان إذا خطبَ احمرَّت عيناهُ وعَلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه حتى كأنَّه منذرُ جيشٍ يقولُ صبَّحكُم ومسَّاكُم، ويقولُ: إنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها..)
والمقصودُ من الخطبةِ هو التذكيرُ، فلا بدَّ أن تجتمعَ الخطبةُ على موعظةٍ، وأقلُّ ذلك أن يقولَ للناسِ: يا أيَّها الناسُ اتّقوا اللهَ، وهذا القدرُ الذي لا أقلَّ منه، فالخطبةُ يُطلبُ فيها أكثرُ من ذلك، وقراءةُ آيةٍ، وقد كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كثيرًا من الأحيانِ يخطبُ بسورةِ "ق" كان يقرأُها، واللهُ يقول: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ [ق:45]
لا يليقُ بالمسلمِ أن يخطبَ ويتكلَّمَ ثمَّ لا يتضمَّنُ كلامُه شيئًا من القرآنِ، وحتى الخطب الأخرى غير خطبةِ الجمعةِ ينبغي أن يعرّجَ فيها على شيءٍ من القرآنِ، القرآنَ هو الأصلُ في الوعظِ والتذكيرِ، والصلاةُ على رسولِ اللهِ، وقبلَها الحمدُ يذكرُ فيها حديثًا، أمَّا الحمدُ فلا بدَّ من الحمدِ، هديُ النبيِّ في جميعِ خطبِه أن يفتتحَ بحمدِ اللهِ، ولهذا نبَّهَ بعضُ أهلِ العلمِ على أنَّ الصحيحَ في خطبةِ العيدِ افتتاحُها بحمدِ اللهِ لا بالتكبيرِ خلافًا للمشهورِ من مذاهبِ  الفقهاءِ بل يفتتحُها بحمدِ اللهِ ثمَّ يأتي بما تيسَّرَ من التكبيرِ في أثناءها؛ لأنَّ يومَ العيدِ هو يومُ تكبيرٍ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، ويُصلّي على رسولِ اللهِ.
والمقصودُ: دخولُ هذا بين الشهادتينِ، الحمدُ للهِ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا الله وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، استقيموا على دينِ الإسلامِ، استقيموا على طاعتِه، احذروا معاصي الله، أصلحوا ذاتَ بينِكم، واستغفروا اللهَ إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ، وخيرُ الأمورِ أوسطُها، لا تبالغْ بالإيجازِ، ولا تبالغْ بالإطالةِ فتُمِلَّ الناسَ.
– مداخلةٌ: قال في الرَّوضِ: ولا بدّ في كلٍّ واحدةٍ من الخطبتين من هذه الأركان؟
– الشيخ: نعم هذا هو مضمونُ الخطبتين.
– مداخلةٌ: هل تصحُّ الجمعةُ باثنينِ فقط؟
– الشيخ: لا يبعدُ، وإن كان مرجحًا أنَّها ثلاثةٌ، للحديثِ الذي أشيرَ إليه: (ما من ثلاثةٍ في قريةٍ لا يقيمونَ الصلاةَ إلَّا استحوذَ عليهم الشيطانُ)، وهو جيّدٌ والحديثُ صحيحٌ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(الثاني: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِها)
قوله: "الثاني: حضورُ أربعينَ من أهلِ وجوبِها": يعني أنَّ الشرطَ الثاني لصحّةِ الجمعةِ حضورُ أربعينَ، والمرادُ: حضورُهم الخطبتين والصلاةَ.

– الشيخ: كما قلنا: أنَّ الشروطَ تتنوّعُ، يعني هناك شرطُ صحةٍ، وهناك شرطُ وجوبٍ، وشرطُ إجزاءٍ، كما تقدَّمَ ذلك في شروطِ الحجِّ، لكن هنا قالوا: شروط صحّةٍ، فالوقتُ قالوا: شرطُ صحّةٍ، ودخولُ الوقتِ كما سبقَ التنبيهُ: شرطٌ لوجوبِها، وأمَّا حضورُ العددِ المشترطِ فهو لوجوبِها وصحّتها، فثلاثين أو خمسًا وثلاثين لا تجبُ عليهم، فإذا حضرَ أربعون وجبتْ، ثمَّ إنَّ استمرَّ العددُ صحَّتْ، فإن لم يستمرَّ لم تصحَّ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وسبقَ بيانُ من هم أهلُ الوجوبِ، فلو حضرَ ثلاثونَ من أهلِ الوجوبِ الخطبةَ دونَ الصلاةِ لم تصحَّ، ولو حضروا الصلاةَ دون الخطبةِ لم تصحَّ الصلاةُ. وسبقَ بيانُ من هم أهلُ وجوبِها.
واستدلّوا على اشتراطِ الأربعينَ بما يلي:
1 ـ قال أحمدُ: (بعثّ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مصعبَ بن عميرٍ إلى أهلِ المدينةِ، فلما كان يومُ الجمعةِ جَمَّعَ بهم وكانوا أربعين، وكانت أولَ جمعةٍ جُمعت بالمدينةِ).
2 ـ قال جابرٌ: (مضتِ السُّنَّةُ أنَّ في كلِّ أربعينَ فما فوقَ جمعةٌ، وأضحى، وفطرًا)، لكنَّ هذا الحديثَ لا يصحُّ … ثمَّ يُقالُ: أنَّه ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ: (أنَّ الصحابةَ ـ رضي اللهُ عنهم ـ لما قَدِمَتِ العيرُ من الشامِ إلى المدينةِ وكانوا في شفقةٍ لقدومِها لشدَّةِ حاجتِهم انفضّوا إليها، والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يخطبُ، ولم يبقَ معه إلَّا اثنا عشرَ رجلًا ـ أقلَّ من الأربعين ـ وبقيَ مُقيمًا لصلاةِ الجمعةِ).
القولُ الثاني: أنَّه لا بدَّ من اثني عشرَ رجلًا من أهلِ الوجوبِ.
القولُ الثالثُ: أنَّه يشترطُ أربعةُ رجالٍ، [إمامٌ وثلاثةٌ يوجَّهُ إليهم الخطابُ]، وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لقولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، و"آمنوا": جمعٌ، وأقلُّ الجمعِ ثلاثةٌ، والإمامُ هو الذي يُسعى لخطبتِه. وأُجيبَ: بأنَّ الاستدلالَ ليس بصحيحٍ؛ لأنَّ قولَه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الجمعة:9] وإن كان جمعًا، فالمرادُ به الجنسُ، ولهذا يُؤمرُ بالحضورِ إلى الجمعةِ، ولو كان واحدًا.
القولُ الرابعُ: أنَّه يُشترطُ أن يكونوا ثلاثةً: خطيبٌ ومستمعانِ، واستدلّوا:
1 ـ أنَّ الثلاثةَ أقلُّ الجمعِ.
2 ـ أنَّه روى الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والنسائيُّ من حديثِ أبي الدرداء ـ رضي اللهُ عنه ـ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال:
(ما من ثلاثةٍ في قريةٍ لا تُقامُ فيهم الصلاةُ إلَّا استحوذَ عليهم الشيطانُ)، والصلاةُ عامَّةٌ تشملُ الجمعةَ وغيرَها، فإذا كانوا ثلاثةً في قريةٍ لا تُقامُ فيهم الصلاةُ، فإنَّ الشيطانَ قد استحوذَ عليهم، وهذا يدلُّ على وجوبِ صلاةِ الجمعةِ على الثلاثةِ، ولا يمكنُ أن نقولَ: تجبُ على الثلاثةُ، ثمَّ نقولُ: لا تصحُّ من الثلاثةِ؛ لأنَّ إيجابَها عليهم ثمَّ قولَنا: إنَّها غيُر صحيحةٍ تضادٌّ، معناه: أمرناهم بشيءٍ باطلٍ، والأمرُ بالشيءِ الباطلِ حرامٌ، هذا القولُ قويٌّ، وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ ـ رحمه الله ـ.
القولُ الخامسُ: أنَّ الجمعةَ تجبُ على اثنينِ فما فوق؛ لأنَّ الاثنين جماعةٌ فيحصلُ الاجتماعُ، ومن المعلومِ أنَّ صلاةَ الجماعةِ في غيرِ الجمعةِ تنعقدُ باثنين بالاتفاقِ، والجمعةُ كسائرِ الصلواتِ، فمن ادّعى خروجَها عن بقيةِ الصلواتِ، وأنَّ جماعتَها لا بدَّ فيها من ثلاثةٍ فعليه الدليلُ، وهذا مذهبُ أهلِ الظاهرِ، واختارَهُ الشوكانيُّ في شرحِ المنتقى، وهو قولٌ قويٌّ، لكن ما ذهبَ إليه شيخُ الإسلامِ أصحُّ؛ إذ لا بدَّ من جماعةٍ تستمعُ، وأقلُّها اثنان، والخطيبُ هو الثالثُ، وحديثُ أبي الدرداءَ يؤيّدُ ما قالَه الشيخُ.
القولُ السادسُ: أنَّ الجمعةَ تصحُّ حتى من واحدٍ؛ لأنَّ الجمعةَ فرضُ الوقتِ، فما الفرقُ بين الجماعةِ والواحدِ، كما أنَّ الظهرَ فرضُ الوقتِ ولا فرقَ بين الواحدِ والجماعةِ، ومن ادّعى شرطيةَ العددِ في الجمعةِ فعليه الدليلُ، ولكن هذا قولٌ شاذٌّ، وهناك أقوالٌ أخرى.
وأقربُ الأقوالِ إلى الصوابِ: أنَّها تنعقدُ بثلاثةٍ، وتجبُ عليهم، وعلى هذا فإذا كانت هذه القريةُ فيها مائةُ طالبٍ، وليس فيها من مواطنيها إلَّا ثلاثةٌ فتجبُ على الثلاثةِ بأنفسِهم، وعلى الآخرين بغيرِهم، وإذا كان فيها مواطنانِ ومائةُ مسافرٍ مقيمٍ لا تجبُ عليهم.
مسألةٌ: إذا حضرَ تسعةٌ وثلاثونَ، والإمامُ يرى أنَّ الواجبَ أربعونَ، والتسعةُ والثلاثونَ يرونَ أنَّ الواجبَ ثلاثةٌ فنقولُ: الإمامُ لا يُصلّي بهم، ويُصلّي واحدٌ من هؤلاءِ الذين لا يرونَ الأربعينَ، ثمَّ يلزمُ الإمامَ أن يُصلّي؛ لأنَّها أُقيمتْ صلاةُ الجمعةُ. وإذا كان بالعكسِ؛ الإمامُ لا يرى العددَ أربعين، والتسعةُ والثلاثون يرونَ العددَ أربعين فلا يُصلونَ جمعةً؛ لأنَّ التسعةَ والثلاثينَ يقولون: نحنُ لن نصلّي فيبقى واحدٌ، فلا تنعقدُ به الجمعةُ فيُصلّون ظهرًا.
الثالث: أَنْ يَكُونُوا بِقَرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ.
قوله: "الثالثُ أن يكونوا بقريةٍ مستوطنين": أي يُشترطُ لصحّةِ صلاةِ الجمعةِ أن يكونَ العددُ المشروطُ مستوطنين بقريةٍ، وهذا هو الشرطُ الثالثُ لصحّةِ صلاةِ الجمعةِ، فإن كانوا في خيامٍ كالباديةِ، فإنَّه لا جمعةَ عليهم، ولا تصحُّ منهم الجمعةُ.

– الشيخ: يقعُ من بعضِ الشبابِ وهذا غير مرّةٍ، يذهبونَ باستراحةٍ أو في نزهةٍ قريبةٍ، فيقيمونَ صلاةَ الجمعةِ، واحدٌ منهم يقومُ ويخطبُ ويُصلّي، فنأمُرُهم بالإعادةِ.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
ودليلُ هذا: أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يأمرِ البدوَ الذين حولَ المدينةِ بإقامةِ جمعةٍ؛ لأنَّهم ليسوا مستوطنين، فربّما يكونون هذا العامَ في هذا المكانِ، وفي العامِ الثاني أو الثالثِ في مكانٍ آخرَ؛ لأنَّهم يتبعونَ الربيعَ والعشبَ، والقريةُ في اللغةِ العربيةِ: تشملُ المدينةَ والمصرَ؛ لأنَّها مأخوذةٌ من الاجتماعِ.
وانظرْ إلى مكةَ أمَّ القرى سمَّاها اللهُ قريةً، قال اللهُ تعالى: وَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [محمد:13]، مع أنَّ اللهَ قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى:7]
– الشيخ:
اللهُ أكبرُ، هذه البلدةُ مع اتساعِ البلدانِ، صارتِ المدينةُ شكلها القديمُ بمساحِتها القديمةِ صارت قريةً بالمصطلحِ الحديثِ، لكنَّ القريةَ في اللغةِ العربيةِ لو كانوا ثلاثَ أبياتٍ أو أربعَ هي قريةٍ، لأنَّها مأخوذةٌ من القرءِ بمعنى الجمعِ، والآن المصطلحُ العاميُّ المدينةُ لا تُطلقُ إلّا على البلدِ الواسعِ، ومدينةُ الرسولِ اختصّتْ بهذا الاسمِ الدالِّ على  التحضّرِ والتمدُّنِ، طيبةُ وطَابة، ذُكرتْ بهذا الاسمِ في مواضعَ: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ [التوبة:101]، مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة:120]
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
والقريةُ في اللغةِ غيرُ المفهومِ في عُرفنا، فالمرادُ بالقريةِ: المدينةُ سواءٌ كانت صغيرةً أو كبيرةً.
وقولُه: "مستوطنين": أي لا بدَّ أن يكونوا مستوطنين، أي: متَّخذيها وطنًا، سواءٌ كانت وطنَهم الأولَ أم وطنَهم الثاني، فالمهاجرونَ من النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وأصحابِه اتّخذوا المدينةَ وطنًا ثانيًا.
وضدُّ المستوطنِ: المسافرُ والمقيمُ، فالمسافرُ: هو الذي على جناحِ سفرٍ مرَّ في البلدِ ليقضيَ حاجةً ويمشي، والمقيمُ: من أقامَ يومًا أو ثلاثةَ أيامٍ، أو خمسةَ أيامٍ، أو أكثرَ لشغلٍ ثمَّ يرجعُ، ومن أقامَ بقريةٍ وهو عازمٌ على السفرِ، فهل هو مقيمٌ أو مسافرٌ؟
الجوابُ: شيخُ الإسلامِ يرى أنَّه مسافرٌ، ويقول: ليسَ في الكتابِ ولا في السنةِ تقسيمُ الناسِ إلى مستوطنٍ ومقيمٍ ومسافرٍ، وليس فيهما إلَّا مسافرٌ ومستوطنٌ، والمستوطنُ: هو المقيمُ.

– الشيخ: بل إذا تأمَّلنا دلالاتِ الكلامِ نجدُ أنَّ كلَّ مستوطنٍ هو مقيمٌ، يُقالُ أنت مقيمٌ أم مسافرٌ؟ الذي سمّيناهُ مسافرًا ونزلَ في بلدٍ وأقامَ فيها أيامًا يقولُ: أخرجُ غدًا، أسافرُ غدًا، فالتقريبُ الذي لدى الفقهاءِ له وجهٌ، هو مسافرٌ لكنَّه مقيمٌ، وبعضُ الصورِ الإقامةُ تشبهُ الاستيطانَ مثل من يقيمُ شهورًا أو سنواتٍ، وإن كان ينوي الرجوعَ إلى بلدِهِ فهو مقيمٌ.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ)
قولُه: "ويشترطُ تقدمُ خطبتين": بضمِّ الخاءِ؛ لأنَّ الخِطبةَ بالكسرِ: خطبةُ النكاحِ: أي أن يخطبَ الرجلُ المرأةَ، والخُطبةُ بالضمُّ: خطبةُ الوعظِ، وما أشبهَ ذلكَ. أي: يُشترطُ لصحّةِ الجمعةِ أن يتقدَّمها خطبتانِ، وهذا هو الشرطُ الرابعُ، فإنَّ لم يتقدَّمها خطبتان لم تصحَّ، ولو تأخرتِ الخطبتانِ بعدَ الصلاةِ لم تصحَّ. والدليلُ على اشتراطِ تقدُّمِ الخطبتين ما يلي…

– الشيخ: "تقدُّم": الشيخُ يشرحُ بشكلٍ بديعٍ، يشترطُ فيها خطبتان، وأن يكونا قبلَ الصلاةِ، جمعهما في عبارةٍ واحدةٍ، "تقدُّمِ الخطبتين": ومفهومُ هذا: أنَّه إن لم يُخطبْ مع الجمعةِ لم تصحَّ، ولو تأخَّرتِ الخطبتانِ لم تصحَّ.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
1 ـ قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، فأمرَ بالسعي إلى ذكرِ اللهِ من حينِ النداءِ، وبالتواترِ القطعيّ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان إذا أذَّنَ المؤذنُ يومَ الجمعةِ خطبَ، إذًا: فالسعيُ إلى الخطبةِ واجبٌ، وما كان السعيُ إليه واجبًا فهو واجبٌ؛ لأنَّ السعيَ وسيلةٌ إلى إدراكِه وتحصيلِه، فإذا وجبتِ الوسيلةُ وجبتِ الغايةِ.
2 ـ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال:
(إذا قلتَ لصاحِبك: أنصتْ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ فقد لغوتَ)، وهذا يدلُّ على وجوبِ الاستماعِ إليهما، ووجوبُ الاستماعِ إليهما يدلُّ على وجوبِهما.
– الشيخ: وفي هذا ما هو أشدُّ: (الذي يتكلَّمُ في الجمعةِ والإمامُ يخطبُ فهو كمثلِ الحمارِ يحملُ أسفارًا)، ذمٌ شديدٌ.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
3 ـ مواظبةُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عليهما مواظبةٌ غيرُ منقطعةٍ، فلم يأتِ يومٌ من أيامِ الجمعةِ لم يخطبْ فيه النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وهذا الدوامُ المستمرُّ صيفًا وشتاءً، شدةً ورخاءً يدلًّ على وجوبِهما.
4 ـ أنَّه لو لم تجبْ لها خطبتان لكانت كغيرِها من الصلواتِ، ولا يستفيدُ الناسُ من التجمّعِ لها، ومن أهمِّ أغراضِ التجمّعِ لهذه الصلاةِ الموعظةُ وتذكيرُ الناسِ.
(مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللهِ، وَالصَّلاَةُ عَلَى رَسُولِهِ مُحمَّد -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-)
قولُه: "من شرطِ صحّتهما: حمدُ اللهِ، والصلاةُ على رسولِه محمّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-": أي أنَّ الخطبتينِ لهما شروطٌ لا تصحَّانِ بدونِها، ذكرَ منها المؤلفُ: "حمدَ اللهِ"، وهذا هو الشرطُ الأولُ بأن يُحمدَ اللهُ بأيِّ صيغةٍ، سواءٌ كانت الصيغةُ اسميةً أم فعليةً، أي: سواءٌ قال: الحمدُ للهِ، أو قال: أحمدُ اللهَ، أو قال: نحمدُ اللهَ، وسواءٌ كان الحمدُ في أولِ الخطبةِ، أم في آخرها، والأفضلُ أن يكونَ في أوّلِ الخطبةِ.
والدليلُ على اشتراطِ حمدِ اللهِ تعالى:
1 ـ قولُ النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ:
(كلُّ أمرٍ لا يُبدأ فيه بحمدِ اللهِ فهو أقطعُ)، والأقطعُ: الناقصُ البركةِ والخيرِ.
2 ـ حديثُ جابرٍ في صحيحِ مسلمٍ:
(كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا خطبَ حمدَ اللهَ وأثنى عليه)، وهذا استدلالٌ قد يُعارَضُ؛ لأنَّه مجردُ فعلٍ، والفعلُ المجردُ لا يدلُّ على الوجوبِ، لكن لا شكَّ أنَّه أفضلُ وأحسنُ.
 


 

 
الأسئلة:
س1: هل تصحُّ صلاةُ الجمعةِ من خطبةٍ واحدةٍ من غيرِ أن يجلسَ بينهما؟
ج: هذا خلافُ هديهِ عليه الصلاةُ والسلامُ، الرسولُ كان يخطبُ خطبتينِ، فمالكَ لا تخطبُ خطبتينِ؟!
…………………………………………
س2: ما حكمُ قولِ: جمعةٌ مباركةٌ؟
ج: الجمعةُ خيرُ الأيامِ، (خيرُ ما طلعتْ عليه الشمسُ يومُ الجمعةِ)، ثبتَ هذا عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فكيف لا يكونُ مباركًا، بل هو مباركٌ بلا شكَّ، لكن لا ينبغي الالتزامُ به عند اللقاءِ، لكن لو قالَه لا بأسَ به إن شاءَ اللهُ، لكن لا يأخذُ صفةَ السنيّةِ والفضيلةِ.
…………………………………………
س3: ما حكمُ الصلاةِ على الميتِ بعدَ دفنِه، وهل تُصلّى جماعةً أم فُرادى؟
ج: تُصلَّى كما يتفق، إذا صلّاها فردًا صحَّتْ، ولو جاء بعده جماعة وصلّوا فتصحُّ، لا نعلمُ أنَّ هناك فرقًا بينها وتفصيلًا.
…………………………………………
س4: هل للصلاةِ على الميتِ بعد دفنِه مدّةً ينتهي إليها؟
ج: المشهورُ عند أهلِ العلمِ شهرٌ؛ لأنَّه ثبتَ عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه صلَّى على ميّتٍ بعد شهرٍ، وكثيرٌ من أهلِ العلمِ يتقيّدُ بهذا، وفي ذلك خلافٌ.
…………………………………………
س5: هل تجوزُ الصلاةُ بكشفِ اليدِ، ليس كلّها، وإنّما مكشوفةُ قليلًا؟
ج: لا، يجبُ على المسلمةِ أن تُغطّيَ جميعَ بدنِها، لكن الكفانِ والوجهِ، إلَّا إذا كانت بحضرةِ رجالٍ، وإن لم تكن بحضرةِ رجالٍ فالأمرُ واسعٌ، المهم أنَّ عليها أنْ تُغطّي رأسَها، وأن يكونَ اللباسُ طويلًا بحيثُ يسترُ ظهورَ القدمينِ وهي قائمةٌ.
…………………………………………
– مداخلةٌ: هل تُدركُ الجماعةُ بركعةٍ كاملةٍ أم بجزءٍ من الصلاةِ؟
– الشيخ: لا، ركعة كاملة، لا تدرك كما يقولُ بعضُ الفقهاءِ بتكبيرةِ الإحرامِ، لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (من أدركَ ركعةً من الصلاةِ فقد أدركَ الصلاةَ).
– مداخلةٌ: خطبةُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بسورةِ "ق" هل تحملُ على قراءةِ السورةِ، أو أنَّه تقدَّمها الحمدُ، الصلاةُ على النبيّ، وهل يستعيذُ باللهِ؟
– الشيخ: مجموعُ الأدلةِ يقتضي أنَّه يبدأُ بحمدِ اللهِ ويُصلّي على رسولِه، ويقول أمَّا بعدُ، وإذا استعاذَ كما في خطبةِ الحاجةِ، وإذا اقتصرَ على الحمدِ للهِ نحمدُه ونستعينُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، أجزأَ.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله