بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: التّاسع والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ:
(ويُسنُّ أنْ يَغتسل وتَقَدَّمَ) – في نسخة ثانية: " (ويتقدَّم)
– الشيخ: الحمدُ لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، يذكر المصنّفُ الأمور المستحبّة لصلاة الجمعة، وفي يوم الجمعة يقول: "يُسنُّ": يعني يُستحبُّ، وغُسلُ الجمعةِ سنةٌ على قولِ المصنّفِ، وهذا مذهبُ أغلبِ أهلِ العلمِ، يقولون أنَّ غُسلَ الجمعةِ سُنّةٌ مستحبٌ وليس بواجبٍ، والقولُ الثاني أنَّه واجبٌ، وهو الراجحُ أو هو الصحيحُ، والأصلُ في ذلك ما ثبتَ عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه قال: (من أتى الجمعةَ فليغتسلْ)، فأمرَ بالغُسلِ، أي من أرادَ أن يأتيَ الجمعةَ فليغتسلْ، بل قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الحديثِ الصحيحِ: (غُسلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ محتلمٍ).
وللجمهورِ وجوهٌ من الاستدلالاتِ، أشهرُها حديثُ سَمرةَ، رواهُ الخمسةُ: (من توضَّأ يومَ الجمعةِ فبها ونعمت، ومن اغتسلَ فالغسلُ أفضلُ)، ومن وجوهِ الاستدلالِ ما ثبتَ (أنَّ عمرَ –رضي اللهُ عنه- كان يخطبُ فجاءَهُ عثمانُ متأخرًا، فأنكرَ عليه تأخُّرَهُ، فقال: ما زدت أن توضَّأتُ، فقال: والوضوء أيضًا)، يعني ولم تغتسلْ، وهذا الأثرُ (وقد علمت أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَ بالغٌسلِ يومَ الجمعةِ)، وهذا الأثرُ يُمكن أن يصلحَ دليلًا للوجوبِ وهو كذلك، ويُستدلُّ به على الاستحبابِ أنَّه ليس بواجبٍ أنَّ عثمان رضي اللهُ عنه وهو الخليفةُ الصالحُ أنَّه لم يغتسلْ وتركَه مستعجلًا لصلاةِ الجمعةِ، وعلى كلِّ حالٍ أدلّةُ الوجوبِ أقوى وأظهرُ واللهُ أعلمُ.
يقولُ المؤلّفُ: "وتقدم": يعني تقدَّمَ ذِكْرُ غسلِ الجمعةِ في أوّلِ الزادِ، فقد جاءت عبارةُ "أو غسلًا مسنونًا كغسلِ الجمعةِ".
– القارئ: (ويَتنظفَ)
– الشيخ: هذا من توابعِ الغسلِ، المقصودُ من الغسلِ هو التنظّفِ، يعني إذا دعتِ الحاجةُ، يعني ما يكتفي بإفاضةِ الماءِ على جسدِه، بل يُزيلُ عن نفسِهِ شعرَ الإبطِ، ويُقلّمُ الأظفارَ، ويحلقُ العانة، وهذا من كمالِ النظافةِ؛ لأنَّ هذا استعدادٌ لحضورِ الجُمَعِ، والرائحةُ الكريهةُ يتأذَّى بها الناسُ وتتأذَّى به الملائكةُ كما جاءَ في شأنِ آكلِ البصلِ والثومِ: (فليعتزلْ مسجدَنا فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى به بنو آدم).
– القارئ: (ويَتطيبَ ويَلبسَ أحسنَ ثيابهِ)
– الشيخ: كلُّ هذا سنَّةٌ، أي التنظُّفُ والتطيُّبُ ولبسُ الثيابِ الحسنةِ؛ لأنَّ يومَ الجمعةِ هو يومُ عيدٍ ويُناسبُه ذلك، وقد ندبَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلى ذلك، إلى التطيّبِ، وقد كان النبيُّ له لباسٌ يلبسُه للوفودِ ويومِ الجمعةِ، فينبغي لمن يحضرُ الجمعةَ أن يكونَ هكذا، ويتطيّب بما تيسَّرَ له من طيبٍ، وفي الحديث: (إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمال)، اللهُ تعالى يحبُّ من عبدِه أن يرى أثرَ نعمتِه عليه، لكن دونَ سرفٍ ولا خيلاءَ.
– القارئ: (ويُبَكّرَ إليها ماشيًا)
– الشيخ: يُسنُّ التبكيرُ لصلاةِ الجمعةِ، وقد جاءَ النصُّ في هذا وجاءَ ذِكرُ الفضلِ: (من غَسَّلَ واغتسلَ، وبكَّرَ وابتكرَ ومشى ولم يركبْ، ودنا من الإمامِ ثمَّ أنصتَ حتى يفرغَ الإمامُ من خطبتِه؛ غُفرَ له ما بينَه وبينَ الجمعةِ الأخرى)، فيُستحبُّ للإنسانِ أن يذهبَ إلى الجمعةِ ماشيًا؛ لأنَّ الخُطى تُكتبُ، أمَّا لو كان المسجدُ بعيدًا والمشيُ إليه فيه مشقَّةٌ كالحرِّ الشديدِ، فإنَّ تركَهُ للسنَّةِ يكونُ لسببٍ لا زُهدًا في الخيرِ والفضلِ.
وفي الحديثِ: (من جاءَ إليها في الساعةِ الأولى فكأنّما قرّبَ بدنةً، وفي الثانيةِ كأنَّما قرَّبَ بقرةً، وفي الساعةِ الثالثةِ كأنَّما قرَّبَ كبشًا، وفي الساعةِ الرابعةِ كأنَّما قرَّبَ دجاجةً، وفي الساعةِ الخامسةِ كأنَّما قرَّبَ بيضةً) وهو حديثٌ مشهورٌ، وهذه الساعات الظاهرُ أنَّها تبدأُ من ارتفاعِ الشمسِ، والفضلُ المذكورُ هو للتقدّمِ، وإلَّا ففضيلةُ الصلاةِ حاصلةٌ لكلِّ من يحضرُ صلاةَ الجمعةِ.
– القارئ: (ويدنو من الإمامِ)
– الشيخ: القربُ من الإمامِ في جميعِ الصلواتِ أفضلُ من التطرّفِ يمينًا أو شمالًا أو في الخلفِ، بعضُ الناسِ وإن جاءَ مبكرًا لصلاةِ الجماعةِ أو الجمعةِ يجلسُ ولو بعيدًا، والفرصةُ أمامَهُ ليأخذَ الفضلَ، لكن هذا ناشئٌ عن الجهلِ، وفي الحديثِ الصحيحِ: (لو يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ ثمَّ لم يجدوا إلَّا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، فهذا تعبيرٌ عظيمٌ في بيانِ فضلِ الصفِّ الأولِ، وفي الحديثِ: (لِيَلِيني منكم أولوا الاحلامِ والنُّهى)، وهذا إرشادٌ للتقدّمِ للقربِ من الإمامِ. وفي هذا المقامِ يُذكرُ الكلامُ في اليمينِ والشمالِ للصفِّ.
والقاعدةُ الصحيحةُ أنَّ الدنوَّ من الإمامِ أفضلُ، ولو كان عن يسارِهِ فإن استوى يمينُ الصفّ ويسارُهُ فاليمينُ أفضلُ، وإن كان اليسارُ أقربُ للإمامِ كان أفضلُ، فاليمينُ ليسَ أفضلُ مُطلقًا، هذا في الصفِّ الواحدِ، لكن لو كانَ في الصفِّ الثاني يكونُ أقربُ للإمامِ وفي الأوّلِ أبعدُ، فالصفُّ الأوّلُ أفضلُ وإن كان بعيدًا من الإمامِ، وهذا يقعُ كثيرًا، يجدُ الإنسانُ مكانًا في الصفّ الثاني فيذهبُ ليكونَ أقربَ للإمامِ ويتركُ الصفَّ الأوّلَ؛ وهذا غلطٌ، والصحيحُ أن يكونَ في الصفِّ الأوّلِ ولو كان بعيدًا، هو أفضلُ من الصفِّ الثاني وإن كان قريبًا.
– القارئ: (ويَقرأَ سورةَ الكهفِ في يومِها)
– الشيخ: وردَ في ذلك حديثٌ عند الترمذيّ وغيرِه: (أنَّه من قرأَها في يومِ الجمعةِ سطعَ له نورٌ من قدمِه إلى عنانِ السماءِ)، ووردَ في شأنِ سورةِ الكهفِ: (من قرأَ منها أو حفظَ منها عشرَ آياتٍ من أوّلها أو آخرها عَصَمَهُ اللهُ من الدّجالِ)، فلها فضلٌ، والمقصودُ أنَّ المصنَّفَ يقولُ: تُسنُّ قراءةُ سورةِ الكهفِ يومَ الجمعةِ.
– القارئ: (ويُكْثِرَ الدُّعاءَ)
– الشيخ: لأنَّ فيها ساعةَ الإجابةِ، لعلَّه يُصادفُ هذه الساعةَ.
– القارئ: (والصلاةَ على النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-)
– الشيخ: يُكثرُ من الصلاةِ على النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لقولِه: (إنَّ أعمالَكم معروضةٌ عليَّ فأكثروا عليَّ من الصلاةِ، قالوا: كيف تُعرضُ عليك يا رسول الله وقد أرمْتَ؟ قال: إنَّ اللهَ حرَّمَ على الأرضِ أن تأكلَ لحومَ الأنبياءِ).
– مداخلةٌ: كيفيةُ الصلاةِ على النبيّ؟
– الشيخ: مطلقةٌ، أرى أنَّه يُنوَّعُ؛ لأنَّ الحديثَ فيه: (أكثروا من الصلاةِ عليَّ)، أمَّا الصلاةُ الإبراهيميةُ فمحلُّها التشهّدُ، والذي يظهرُ لي إطلاقُ الصلاةِ عليه، ولم يتحرّى لي أنَّ الصحابةَ كانوا يُصلّونَ الصلاةَ الإبراهيميةَ عندَ ذكرِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، بل كانوا يقولون: قال رسولُ اللهُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.
– القارئ: (ولا يَتخطى رقابَ الناسِ)
– الشيخ: يعني يدخلُ متأخّرًا ويجدُ الصفوفَ قد اكتملتْ ثمَّ يُحاولُ أن يتقدَّمَ فيتخطّى رقابَهم، يعني يمشي من فوقِ أكتافِهم، وفي هذا إيذاءٌ لهم إذا كانوا متقاربين.
– القارئ: (إلَّا أنْ يكونَ إمامًا أو إلى فُرْجَةٍ)
– الشيخ: لأنَّ الإمامَ معذورٌ، وقديمًا كان يأتي من الخلفِ، أمَّا الآن فقد جُعِلَ للإمامِ بابٌ يدخلُ منه، فلا يحتاجُ إلى التخطّي، وكذلك الفرجةُ لا أجدُ أنَّها عذرٌ لتخطّي رقابَ الناسِ؛ لأنَّ هذه الفرجةَ يُمكنُ سدّها إذا قامَ الناسُ للصلاةِ.
– مداخلةٌ: إذا كان هناك فُرَجٌ كثيرةٌ والناسُ تخلّفوا في الخلفِ؟
– الشيخ: ممكن، إذا كان هناكَ فرجةٌ ظاهرةٌ فتستطيعُ الذهابَ إليها.
– القارئ: (وحَرُمَ أنْ يُقيمَ غيرَه فيجلسَ مكانَه)
– الشيخ: هذا عدوانٌ على حقِّ الشخصِ، فهذا فعلُ من له سلطةٌ وقوّةٌ، فيحرمُ أن يقيمَه ويجلسَ مكانَه، لا في المجالسِ العامّةِ ولا الخاصةِ، فضلًا عن المسجدِ، وهذا يحصلُ من بعضِ المتجبرينَ والمتكبرينَ، وما يدري هذا الجاهلُ أنَّه ظالمٌ بجلوسِه في هذا المكانِ، ويكونُ هذا المكانُ مغصوبًا؛ لأنَّ السابقَ هو أحقُّ به، وفي الصلاةِ في المكانِ المغصوبِ خلافٌ.
– القارئ: (إلا من قدَّمَ صاحبًا لهُ فجلسَ في موضعٍ يحفظُه لهُ)
– الشيخ: إلَّا من أتى بصديقٍ له أو صغيرٍ وقال له: تقدّمْ واجلسْ في الصفِّ الأولِ حتى آتي، وهو يذهبُ لشؤونِ دنياهُ، فإذا دخلَ الإمامُ جاءَ هذا للمكانِ وقامَ الوكيلُ وجلسَ في مكانِه، وهذا من العجائبِ من الطرفين؛ لأنَّ الذي تركَ المكانَ وذهبَ لم يأخذِ الأجرَ، وكذلك الوكيلُ الجالسُ في مكانِه لم يأخذِ الأجرَ؛ لأنَّه لم ينوِ التقدُّمَ، ففاتتْ فضيلةُ السَّبْقِ على الطرفين، ولو قيل بأنَّه يحرمُ أن يفعلَ هذا لكانَ له وجهٌ؛ لأنَّه يحجزُ المكانَ عن غيرِه.
– القارئ: (وحَرُمَ رفعُ مصلى مفروشٍ ما لم تحضُرِ الصلاةُ)
– الشيخ: يعني تأتي أنت وتجدُ مكانًا محجوزًا بسجادةٍ، يقولُ المصنّفُ أنَّه يحرمُ أن ترفعَ السجَّادةَ وتجلسَ مكانَها ما لم تحضرِ الصلاةُ، وهذا فيه تفصيلٌ، إن كان هذا الفراشُ لشخصٍ قامَ لعارضٍ وهو أحقُّ به إذا رجعَ فنعم، كالذي انتقضَ وضوئُه فوضعَ السجادةَ مكانَهُ وذهبَ، فذهابُه لعارضٍ، وهو أحقُّ به من غيرِهِ، فيحرمُ عليك أن ترفعَ ذلك وأنت تعلمُ، وإن كنت لا تعلمُ فليس من حقّكِ أن ترفعَ الفراشَ، أمَّا فراشٌ يضعُه ليحجزَ المكانَ فهذا الفراشُ ليس له حرمةٌ؛ لأنَّ وَضْعَ المصلّى في المكانِ عدوانٌ واغتصابٌ للمكانِ، إلّا أن يحصلَ بسببِ ذلك فتنةٌ فلا ترفعُ الفراشَ سدًّا لبابِ الشرِّ وبابِ الفتنةِ، أمَّا إذا أُمنَ هذا الجانبُ فليس عليكَ حرجٌ بأن ترفعه.
– القارئ: (ومن قامَ من موضعِه لعارضٍ لَحِقَه ثم عادَ إليه قريبًا فهو أحقُّ بهِ)
– الشيخ: هذا واضحٌ وهو تابعٌ لما قبلَه.
– القارئ: (ومن دخلَ والإمامُ يخطبُ: لم يجلسْ حتى يصلي ركعتين يُوجزُ فيهِمَا)
– الشيخ: نعم هذا لِمَا ثبتَ في الصحيحِ: (أنَّ رجلًا دخلَ والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يخطبُ، فقال: يا فلان صلّيتَ ركعتين؟ قال لا. قال: قمْ فصلّي ركعتين)، فإذا دخلَ رجلٌ المسجدَ والإمامُ يخطبُ لم يجلسْ حتى يُصلّي ركعتين.
– القارئ: (ولا يجوزُ الكلام ُوالإمامُ يخطبُ إلا لهُ أو لمنْ يكلمُه)
– الشيخ: لا يجوزُ الكلامُ والإمامُ يخطبُ إلَّا للإمامِ أو مَنْ يُكلّمُهُ، لِمَا ثبتَ في الصحيحِ: (إذا قُلْتَ لأخيكَ يومَ الجمعةِ أنصتْ فقد لغوتَ)، وقال في الحديثِ الآخرِ: (من تكلَّمَ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ فهو كمثلِ الحمارِ يحملُ أسفارًا)، فالكلامُ والإمامُ يخطبُ حرامٌ، إلَّا لمن يُكلِّمُ الإمامَ يسألُه، أو هو يُكلّمُ أحدًا، مثلُ الإمامِ يُنكرُ على أحدٍ لمنكرٍ فعلَهُ كالتخطّي مثلًا، كما جاءَ في الحديثِ: (أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رأى رجلًا يتخطَّى رقابَ الناسِ فقال اجلسْ، فقد آذيتَ)، أو المأمومُ حصلَ عندَهُ إشكالٌ فاستوقفَ الإمامَ، ويشهدُ له قصَّةُ الأعرابي (الذي دخلَ والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يخطبُ، فذكرَ له ما حصلَ للمسلمين من شدّةٍ: هلكتِ الأموالُ وانقطعتِ السبلُ فادعُ اللهَ يُغيثنا) مرتين.
– القارئ: (ويجوزُ قبلَ الخطبةِ وبعدَها)
– الشيخ: يجوزُ الكلامُ قبلَ الخطبةِ، دخلَ الإمامُ وصارَ ينتظرُ أذانَ المؤذّنِ، فيجوزُ الكلامُ في هذه اللحظاتِ، وإذا سكتَ الإمامُ بين الخطبتين، فيجوزُ الكلامُ قبلَ الخطبةِ وبعدَها.
– مداخلةٌ: أليس هناك فرقٌ بين من عرضَ له عارضٌ فوضعَ فراشًا في مكانِه، وبين من وضعَ الفراشَ فقط ليحجزَ المكانَ؟
– الشيخ: هناك قرائن، إذا كانتِ العادةُ أنَّ الناسَ يضعونَ فُرُشًا للصلاةِ عليها فهذا أمرٌ يُعرفُ.
– مداخلةٌ: قولُ الخطيبِ للمأمومين: صلّوا على الحبيبِ محمّدٍ في آخرِ الخطبةِ، وقولُه: قوموا إلى صلاتِكم يرحمُكُم الله؟
– الشيخ: كلُّ هذا ليسَ له أصلٌ، والأمرُ بالصلاةِ على النبيّ لا أعلمُ أنَّه وردَ، وكلُّ هذا أصبحَ عادةً، وتتابعَ عليها الناسُ ولا نعلمُ لها دليلًا، كقولِ الإمامِ أيضًا: اعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأَ فيه بنفسِه وثنّى بملائكةِ قُدسِه وثلّثَ بكم أيها المؤمنون من جِنِّه وإنسِه، وهذا كلّه ما نعلمُ عليه دليلًا.
– مداخلةٌ: إذا بَكَّرَ الإنسانُ في الذهابِ للجمعةِ فما هو أفضلُ ما ينشغلُ به؟
– الشيخ: ينشغلُ بالأنسبِ له.
– مداخلةٌ: من لا تجبُ عليه الجمعةُ كالنساءِ أو المريضِ هل يستحبُّ له الاغتسالُ، وقراءةُ سورةِ الكهفِ؟
– الشيخ: لا أبدًا، بالنسبةِ للغُسلِ هو مرتبطٌ بصلاةِ الجمعةِ، أمَّا سورةُ الكهفِ فهو عامٌّ.
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ)
قولُه: "وَحَرُمَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ": أي يحرمُ أن يقيمَ غيرَه من المكانِ الذي كان جالسًا فيه ويجلسَ مكانَه.
قولُه: "فيجلسَ مكانَه": هذا قيدٌ أغلبي؛ لأنَّ الغالبَ أنَّ الإنسانَ يُقيمُ غيرَه من أجلِ أن يجلسَ في مكانِه، ومع ذلك لو أقامَ غيرَه لا ليجلسَ في مكانِه فقال: قُم عن هذا ولم يجلسْ فيه كان حرامًا.
ودليلُ هذا:
1 ـ قولُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (من سبقَ إلى ما لم يسبقْ إليه مسلمٌ فهو أحقُّ به).
2 ـ نهيُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أن يقيمَ الرجلُ أخاهُ فيجلسَ مكانَه.
ففي الحديثِ الأولِ بيانُ الأحقيّةِ، وفي الحديثِ الثاني تحريمُ أن يقيمَ غيرَه فيجلسَ مكانَه.
3 ـ أنَّ ذلك يُحدثُ العداوةَ والبغضاءَ بين المصلين، وهذا يُنافي مقصودَ الجماعةِ، إذ إنَّ من المقصودِ من الجماعةِ هو الائتلافُ والمحبّةُ، فإذا أقامَ غيرَه، ولا سيَّما أمامَ الناسِ، فلا شكَّ أنَّ هذا يُؤذيه، ويجعلُ في قلبِه ضغينةً على هذا الرجلِ الذي أقامَه.
(إِلاَّ مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظهُ لَهُ)
قوله: "إِلاَّ مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظهُ لَهُ": أي إلَّا شخصًا قدَّمَ صاحبًا له في موضعٍ يحفظُه له، مثل: أن يقولَ لشخصٍ ما: يا فلان أنا عندي شغلٌ، ولا ينتهي إلَّا عند مجيءِ الإمامِ، فاذهبْ واجلسْ في مكانٍ لي في الصفِّ الأوّلِ، فإذا فعلَ وجلسَ في الصفِّ الأولِ فلهُ أن يُقيمَه؛ لأنَّ هذا الذي أُقيمَ وكيلٌ له ونائبٌ عنه. وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنَّ هذا العملَ جائزٌ، أي يجوزُ لشخصٍ أن يُنيبَ غيرَه ليجلسَ في مكانٍ فاضلٍ، ويبقى هذا المنيبُ حتى يفرغَ من حاجاتِه، ثمَّ يتقدمُ إلى المسجدِ.
وفي هذا نظرٌ لما يلي:
أولًا: أنَّ هذا النائبَ لم يتقدَّمْ لنفسِه، وربّما يراهُ أحدٌ فيظنُّه عَمِلَ عملًا صالحًا، وليس كذلك.
ثانيًا: أنَّ في هذا تحايلًا على حجزِ الأماكنِ الفاضلةِ لمن لم يتقدَّمْ، والأماكنُ الفاضلةُ أحقُّ الناسِ بها من سَبَقَ إليها. وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنَّه يحرمُ أن يقيمَ غيرَه، ولو كان صغيرًا.
القارئُ يقرأُ من الروضِ المربعِ:
(وحرمَ أن يقيمَ غيرَه) ولو عبدَه أو ولدَه الكبير (فيجلسَ مكانَه) لحديثِ ابنِ عمر: (أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نهى أن يُقيمَ الرجلَ أخاه من مقعدِه ويجلسَ فيه)، متفق عليه.
ولكن يقولُ: افسحوا، قالَه في التلخيصِ (إلّا) الصغير و (من قدَّمَ صاحبًا له، فجلسَ في موضعٍ يحفظُ له) وكذا لو جلسَ لحفظِه بدونِ إذنِه، قال في الشرحِ: لأنَّ النائبَ يقومُ باختيارِه لكن إن جلسَ في مكانِ الإمامِ أو طريقِ المارةِ أو استقبلَ المصلينَ في مكانٍ ضيّقٍ أُقيمَ، قالَهُ أبو المعالي.
وكرهَ إيثار غيرِه بمكانِه الفاضلِ لا قبولِه وليس لغيرِ المؤثِرِ سبْقَهُ
– مداخلةٌ: …
– الشيخ: الشيخُ قال: فيه نظرٌ، يعني لم يؤكّدِ الحكمَ، لكن كأنَّه يرجّحُ المنعَ والتحريمَ، وهو ظاهرٌ لأنَّ استنابة شخص في الجلوسِ في مكانٍ عندي لا يختلفُ عن وضعِ فراشٍ، بل لعلَّه أسوءُ كما ذكرَ الشيخُ؛ لأنَّ هذا الجالسَ يفهمُ أو يُوهمُ أنَّه متقدّمٌ ويطلبُ الفضيلةَ وليس كذلك، والأولُ يظنُّ أنَّه مدركٌ لفضيلةِ السَّبْقِ وليس كذلك، فكلٌ منهما لا يدركُ فضيلةَ السبقِ أبدًا.
– القارئُ يقرأ من الشرحِ الممتعِ:
والمذهبُ أنَّه يجوزُ أن يقيمَ الصغيرَ ويجلسَ مكانَه، ولكنَّ الصحيحَ أنَّه لا يجوزُ أن يُقيمَ الصغيرَ لما يلي:
أولًا: لعمومِ النهي: (لا يُقيمُ الرُّجلُ أخاهُ).
ثانيًا: لأنَّ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: (من سبقَ إلى ما لم يسبقْ إليه مسلمٌ فهو أحقُّ به).
وهذا الصبيُّ سابقٌ فلا يجوزُ لنا أن نهدرَ حقَّهُ، وأن نظلمَه ونقيمه. ودليلُ المذهبِ: قولُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (ليليني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى)، وهذا استنادٌ إلى غيرِ مُستندٍ؛ لأنَّ المرادَ بقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (ليليني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى) حثُّ أولي الأحلامِ والنهى أنْ يتقدَّموا، ولو قال: (لا يليني منكم إلَّا أولو الأحلامِ) لكان لنا الحقُّ أنْ نقيمَ الصغيرَ. ثمَّ نقولُ: إنَّ في إقامةِ الصغيرِ عن مكانِه مفسدةٌ عظيمةٌ بالنسبةِ للصغيرِ؛ إذ يبقى في قلبِه كراهةٌ للمسجدِ والتقدّمُ إليه، وكراهةٌ لمن أقامَه من مجلسِه أمامَ الناسِ، ولا سيَّما إذا كان له تمييزٌ كالسابعةِ والثامنةِ …
– الشيخ: إذا كان صغيرًا وعمرُه سنتين أو ثلاثًا ولا يُحسنُ الصلاةَ فلنا أنْ نُؤخِّرَه؛ لأنَّ وجودَه بمثابةِ الفرجةِ، أمَّا إن كان يُحسنُ الصلاةَ والطهارةَ وينضبطُ فلا ينبغي إقامتُه من مكانِه.
– مداخلةٌ: هل ينبغي اصطحابُ الطفلِ الذي عمرُه سنتين وثلاث؟
– الشيخ: لا، غلط، أنا أراهُ غلطًا.
– مداخلةٌ: في الرَّوضِ قال: في قولِه: (أكثروا عليَّ من الصلاةِ في يومِ الجمعةِ) رواهُ أبو داودَ، قال: وكذا ليلتها.
– الشيخ: يكفي أنَّه قال: "وكذا ليلتها"، وما هو بظاهرٍ؛ لأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فصلَ بين الليلةِ واليومِ: (لا تخصُّوا يومَ الجمعةِ بصيامٍ من بين الأيامِ، ولا تخصّوا ليلةَ الجمعةِ بقيامٍ من بين الليالي)، والليالي لها أحكامُها، فأيامُ العشرِ الأواخرِ ليس لها حكمُ الليالي، فلكلٍّ منهما أحكامٌ تخصُّها الأيامُ والليالي.
– مداخلةٌ: في الروضِ على كلامِهِ ويجوزُ الكلامُ قبلَ الخطبةِ وبعدَها، وله الصلاةُ على النبيّ إذا سمعَها من الخطيبِ، وتُسنُّ سرًا في الدعاءِ والتأمينِ عليه، وحمده خفيةً إذا عطسَ، وردُّ السلامِ، وتشميتُ العاطسِ؟
– الشيخ: كلُّ ما ذكرَ صحيحٌ إلَّا ردَّ السلامِ وقولَه للعاطسِ يرحمُكَ اللهُ؛ فلا، لأنَّ هذا كلامٌ، أمَّا الإشارةُ فشيءٌ آخرُ، ثمَّ أليس معاويةُ ابنُ الحكمِ عندما عطسَ شخصٌ فشمَّتَه فرماهُ الناسُ بأبصارِهم فأنكروا عليه.
– القارئُ يقرأ من الشرحِ الممتعِ:
(وَحَرُمَ رَفْعُ مُصَلًّى مَفْرُوشٍ مَا لَمْ تَحْضُرِ الصَّلاةُ)
قولُه: "وَحَرُمَ رَفْعُ مُصَلًّى مَفْرُوشٍ مَا لَمْ تَحْضُرِ الصَّلاةُ": يعني أنَّ رفعَ المصلّى الذي وضعَهُ صاحبُه ليًصلّي عليه ثمَّ انصرفَ حرامٌ، و "المصلّى": ما يُصلّى عليه، مثل: السجّادة. وصورةُ المسألةِ: رجلٌ وضعَ سجادتَه في الصفِّ، وخرجَ من المسجدِ فلا يجوزُ أن تَرفعَ هذا المصلّى. التعليلُ: أنَّ هذا المصلَّى نائبٌ عن صاحبِه، قائمٌ مقامَه، فكما أنَّكَ لا تُقيمُ الرجلَ من مكانِه فتجلسُ فيه، فكذلك لا ترفعُ مُصلّاه. ومُقتضى كلامِ المؤلّفِ أنَّه يجوزُ أن يضعَ المصلّى ويحجزَ المكانَ؛ لأنَّه لو كان وضعُ المصلّى وحجزُ المكانِ حرامًا لوجبَ رفعُ المصلّى وإنكارُ المنكرِ، فلمَّا جعلَ المؤلفُ للمُصلّى حُرمةً دلَّ ذلك على أنَّ وضعَه جائزٌ، وهذا هو المذهبُ. ولكنَّ الصحيحَ في هذه المسألةِ أنَّ الحجزَ والخروجَ من المسجدِ لا يجوزُ، وأنَّ للإنسانِ أن يرفعَ المصلَّى المفروشَ؛ لأنَّ القاعدةَ: "ما كان وضعُه بغيرِ حقٍّ فرفعُه حقٌّ"، لكن لو خِيفتِ المفسدةُ برفعِه من عداوةٍ أو بغضاءَ، أو ما أشبهَ ذلك، فلا يرفعُ لأنَّ "درءَ المفاسدِ أولى من جلبِ المصالحِ"، وإذا عَلِمَ اللهُ من نيّتِكَ أنَّه لولا هذا المصلّى المفروش لكنتُ في مكانَه، فإنَّ اللهَ قد يُثيبكَ ثوابَ المتقدّمين؛ لأنَّك إنَّما تركتَ هذا المكانَ المتقدِّمَ من أجلِ العذرِ.
وقولُه: "ما لم تحضرِ الصلاةُ": أي فإنْ حضرتِ الصلاةُ بإقامتِها فلنا رفعُه؛ لأنَّه في هذه الحالِ لا حرمةَ له، ولأنَّنا لو أبقيناهُ لكان في الصفِّ فرجة، وهذا خلافُ السنّةِ، لكن هل لنا أن نُصلّي عليه بدونِ رفعٍ؟
الجوابُ: ليس لنا أن نُصلّي عليه بدونِ رفعٍ؛ لأنَّ هذا مالُ غيرِنا، وليس لنا أن ننتفعَ بمالِ غيرِنا بدونِ إذنِه، ولكن نرفُعه.
– الشيخ: الذي يظهرُ لي أنَّ الأمرَ واسعٌ؛ لأنَّه في العادةِ لا يمانعُ من يملكُ السجادةَ أن يُصلّي عليها من في الصفّ، وليس على صاحبِها أيُّ حرجٍ، بل لعلَّه يحبُّ ذلك لينتفعَ من الأجرِ ما دامَ أنَّه تأخَّرَ.
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
مسألةٌ: يستثنى من القولِ الراجحِ من تحريمِ وضعِ المصلّى؛ ما إذا كان الإنسانُ في المسجدِ، فله أن يضعَ مُصلّى بالصفّ الأولِ، أو أيّ شيءٍ يدلُّ على الحجزِ، ثمَّ يذهبُ في أطرافِ المسجدِ لينامَ، أو لأجلِ أن يقرأَ قرآنًا، أو يراجعَ كتابًا؛ فهنا له الحقُّ لأنَّه ما زالَ في المسجدِ، لكن إذا اتصلتِ الصفوفُ لَزِمَهُ الرجوعُ إلى مكانِه؛ لئلّا يتخطَّى رقابَ الناسِ، وكذلك يُستثنى أيضًا ما ذكَرَهُ المؤلّف.
– مداخلةٌ: هل للمؤذّنِ أن يحجزَ مكانًا معينًا؟
– الشيخ: المؤذّنُ في الشرعِ ليس له مكانٌ، لكن جرى العرفُ على مكانِ المؤذّن، ومع هذا يجلسُ فيه بعضُ الناسِ ولا يمتنعُ منه، فلهذا يحتاجُ المؤذّنُ أن يضعَ له شيئًا.
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(وَمَنْ دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا)
قوله: "وَمَنْ دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ": "من": هذه شرطيةٌ، وجملةُ "والإمامُ يخطبُ": في موضعِ نصبٍ على الحالِ. قولٌه: "لم يجلسْ": أي بمكانِه. قولُه: "حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا"، والدليلُ على ذلك:
1 ـ قولُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلّي ركعتين)، وهذا عامٌّ.
2 ـ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (رأى رجلًا دخلَ المسجدَ فجلسَ، والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يخطبُ، فقال: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين)، وفي رواية: (وتجوَّز فيهما).
3 ـ قولُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (إذا جاءَ أحدُكم يومَ الجمعةِ، وقد خرجَ الإمامُ فليصلّ ركعتين وليتجوّزْ فيهما)، فالسنَّةُ في هذا ظاهرةٌ.
وقد استنبطَ بعضُ العلماءِ من هذا أنَّ تحيَّةَ المسجدِ واجبةٌ، ووجهُ الاستنباطِ أنَّ استماعَ الخطبةِ واجبٌ، والاشتغالُ بالصلاةِ يُوجبُ الانشغالَ عن استماعِ الخطبةِ، ولا يُشتغلُ عن واجبٍ إلّا بواجبٍ، وقد ذهبَ إلى هذا كثيرٌ من أهلِ العلمِ، ولكن بعدَ التأمّلِ في عِدَّةِ وقائعَ تبيَّنَ لنا أنَّها سنَّةٌ مؤكدةٌ، وليست بواجبةٍ، ويمكن الانفكاكُ عن القولِ بأنَّه ينشغلُ بأن يُقالَ: قد ينشغلُ، وقد يسمعُ بعضَ الشيءِ وهو يُصلّي، والإنسانُ يسمعُ وهو يُصلّي، ويفهمُ وهو يُصلّي؛ ولهذا كان الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُصلّي بالناسِ فإذا سمعَ بكاءَ الصبيّ تجوَّزَ في صلاتِه، وهذا دليلٌ على أنَّ المصلّي لا ينشغلُ انشغالًا كاملًا، فالذي ترجَّحَ عندي أخيرًا أنَّ تحيَّةَ المسجدِ سنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وليست بواجبةٍ.
وقال بعضُ العلماءِ: تُسنُّ تحيةُ المسجدِ لكلِّ داخلِ مسجدٍ إلّا المسجدَ الحرامَ، فإنَّ تحيَّتَه الطوافُ، ولكن هذا ليس على إطلاقِه، بل نقول: إلَّا المسجدَ الحرامَ، فإنَّ تحيَّتَه الطوافُ لمن دخلَ ليطوفَ، فإنَّه يستغنى بالطوافِ عن الركعتين.
– الشيخ: يستغني بالطوافِ وركعتي الطواف عن التحيّةِ، أمَّا الطوافُ وحدُه، لو أنَّ شخصًا دخلَ المسجدَ الحرامَ وطافَ يجلسُ؟ لا، بل يُصلّي ركعتي الطوافِ وتكفيه، أو يجمعُ بينهما بالنيّةِ.
– مداخلةٌ: …
– الشيخ: يمكن أن يُقالَ أنَّها أفضلُ باعتبارِ أنَّ المصلي يجمعُ، ومن المشهورِ أنَّ السلفَ كانوا يُكثرونَ من الصلاةِ حتى يخرجَ الإمامُ، فمن حيثُ الموازنةِ المطلقةِ نقول: أنَّ الصلاةَ أولى لأنَّها تجمعُ الأمرين، وفي الجوابِ الخاص نقولُ: اخترْ لنفسِكَ ما تجدُه أنشطُ لك وقلبُكَ فيه أقبلُ.
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
لأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لما دخلَ المسجدَ الحرامَ لطوافِ العمرةِ والحجِّ لم يصلّ ركعتين، أمَّا من دخلَ ليُصلّي، أو ليستمعَ إلى علمٍ أو ليقرأَ القرآنَ، أو ما أشبه ذلك فإنَّ المسجدَ الحرامَ كغيرِه من المساجدِ تحيتُه ركعتان؛ لعمومِ قولِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلّي ركعتين).
– مداخلةٌ: هل يُنكَرُ على من يجلسُ دونَ أن يُصلّي؟
– الشيخ: يُؤمرُ بطريقةٍ حسنةٍ، فإن كان جاهلًا أرشدناهُ، وتستعملُ معه الأسلوبَ الهادئ، ولا تُنكرْ عليه؛ لأنَّه إن كان مجتهدًا ردَّ عليك بأنَّه لا يرى جوازَ الصلاةِ.
– مداخلةٌ: … التحيةَ واجبةٌ، والشيخُ رجّحَ أنَّها سنةٌ؟
– الشيخ: واللهِ الأدلّةُ فيها قويةٌ، لكنَّ الشيخَ أشارَ أنَّ هناك وقائع، وأجملَ واختصرَ الكلامَ؛ لأنَّ هناك وقائعَ فيها تركُ الصلاةِ، وجاءَ الأمرُ وجاءَ النهيُ عن الجلوسِ وجاءَ الأمرُ بها، فالقولُ بالوجوبِ قويٌّ، وهو الظاهرُ.
الأسئلة:
س1: هل يجوزُ الشربُ بين الخطبتين للإمامِ والمأمومِ في الحرمِ وغيرِه؟
ج: نعم يجوز له ذلك.
………………………………….
س2: رجلٌ اعتادَ على حضورِ صلاةِ الفجرِ مبكّرًا، وخصَّصَ له مكانًا خلفَ الإمامِ، وهو يُصلّي مبكّرًا، فيجلسُ في المكانِ الذي اعتادَ عليه، لكن في بعضِ الأحيانِ يتأخَّرُ فلا يجلسُ في المكانِ الذي اعتادَ عليه، فيُزاحِمُ ويجلسُ، يقولُ: هل يُراعى كِبَرُ سِنِّهِ أم ننهاهُ؟
ج: هذا غلطٌ منه، لكن يُراعَى كِبَرُ سِنِّهِ تتطيبًا للقلوبِ والمودّةِ بينهم، ولعلَّ الذي يتسامحُ في هذا يكونُ مأجورًا.
………………………………….
س3: ما نصيحتُكم لطلابِ العلمِ وهم على مشارفِ الإجازةِ وموسمٍ من مواسمِ الطاعةِ وهو رمضانُ؟
ج: الاهتمامُ بحفظِ الوقتِ فيما ينفعُ من أنواعِ الخيرِ والفضائلِ، القاصرُ والمتعدي، القاصرُ: هي الأعمالُ التي تهمُّ الإنسانَ وليس لها علاقةٌ بالأخرين، والمتعدّي: هو العملُ الذي يتعدّى نفعُه للأخرينَ من العملِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، والدعوةِ إلى اللهِ، وإيصالِ الخيرِ إلى الآخرين مع كلِّ أحدٍ بحسبِه، ومن ذلك الاهتمامُ بالفضائلِ، فإنَّ الإعمالَ الفاضلةَ مراتبٌ، فقدِّمِ الأهمُّ، فينبغي للمسلمِ رعايةُ مراتبِ الأعمالِ وتقديمُ الأفضلِ على الفاضلِ، واحذرْ، وأُكرّرُ على مسألةِ تضييعِ الوقتِ فيما لا فائدةَ فيه، وفي الحديثِ: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصحّةُ والفراغُ)، وقوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]
والإنسانُ في خسارةٍ، فكلُّ ما خرجَ عن هذه الخصالِ الأربعِ فهو خسارةٌ وضياعٌ للإنسانِ، أيُّ ساعةٍ تقضيها فيما هو ليس بصالحٍ فهو خسارةٌ، ولو عقلنا هذا المعنى لكان لنا شأنٌ آخرُ.
………………………………….
س4: هل عشرُ دقائقَ أو ما يقاربُها كافيةٌ للخطبةِ من يومِ الجمعةِ إذا كانت شاملةً للآياتِ والبيانِ؟
ج: نعم، فيها الخيرُ والبركةُ، لمن ضبطَها وركَّزَ الكلامَ في الموضوعِ الذي يريدُ تنبيهَ الناسِ إليه.
………………………………….
س5: يزورني بعضُ الشبابِ الذين أعرفُهم بالخيرِ ومعهم من لا أعرفُ، ومظهرُه الصلاحُ، فنقرأُ أحاديث من كتابِ رياضِ الصالحين بالتناوبِ في كلِّ زيارةٍ، ويمكنُ أن يعضَنا أحدُهم بما فتحَ اللهُ عليه، ثمَّ يرفعونَ أيديهم للدعاءِ، ويقولون قبلَها فكّروا في هدايةِ بلدٍ محدَّدٍ، ثمَّ نختارُ البلدَ ونسمّيه ليكونَ أجرُكم عظيمًا، فيثبتونَ دقيقةَ تفكّرٍ، ثمَّ يبدأُ أحدُهم بالدعاءِ ونؤمّنُ خلفَه، فهل ما نفعلُه صوابًا؟
ج: لا، ليس بصوابٍ، هذه الطقوسُ وهذه الترتيباتُ وهذه القيودُ من لحظةِ تفكيرٍ ودعاءٍ ورفعٍ لليدِ؛ لا، تواصَوا بالدعاءِ وكفى. أمَّا القراءةُ في رياضِ الصالحين فنعم هي تعليمٌ، واحفظوا ما تيسَّرَ لكم من السنّةِ، وقراءةُ رياضِ الصالحين منافعُ عظيمةٌ؛ لأنَّ هذا الكتاب قد جمعَ من السنةِ قدرًا كبيرًا، واختارَ الأحاديثَ الحسنةَ والصحيحةَ في أنواعٍ من أبوابِ الخيرِ والأخلاقِ والفضائلِ، فهو كتابٌ عظيمٌ، وما ذكرتَ من رفعٍ للأيدي وهذه الترتيبات الأظهرُ أنَّها بدعةٌ، إلَّا إذا حصلَ أحيانًا فهو من جملةِ الدعاءِ، أمَّا قِفوا للتفكيرِ فلا، فكّروا بأنفسكم وفي خلقِ اللهِ كما قال اللهُ تعالى: ويَتَفَكَّرُونَ.
………………………………….
س6: هل يجوزُ للمرأةِ حِفظُ القرآن وقتَ العذرِ الشرعيّ؟
ج: نعم، نرجو أنَّه يجوزُ ذلك، لها أن تحفظَ لكن من غيرِ أن تمسَّ المصحفَ.