الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الصلاة من زاد المستقنع/(52) “باب صلاة الكسوف” قوله تسن جماعة وفرادى

(52) “باب صلاة الكسوف” قوله تسن جماعة وفرادى

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: الثّاني والخمسون

 ***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى: [بابُ صلاةِ الكسوفِ]
(تُسنُّ جماعةً وفرادى إذا كَسَفَ أحدُ النيّرينِ)

– الشيخ: الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، تقدَّمَ الكلامُ على معنى الكسوفِ والخسوفِ، وأنَّهما يكونان في الشمسِ والقمرِ، فيُقالُ: كسفتِ الشمسُ وكسفَ القمرُ، ويُقالُ: خسفتِ الشمسُ وخسفَ القمرُ، كما في القرآنِ، لكنَّ الخسوفَ أخصُّ بالقمرِ، والكسوفَ أخصُّ بالشمسِ، فتقولُ: كسفتِ الشمسُ، وخسفَ القمرُ، ويجوزُ العكسُ، وقد جاءَ في الحديثِ: (إنَّ الشمسَ والقمرَ لا ينكسفان)، فأضافَ الكسوفَ إليهما جميعًا، وجاءَ في الحديثِ: (خَسفتِ الشمسُ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-)
والمشهورُ عند أهلِ العلمِ أنَّ الخسوفَ والكسوفَ لم يحدثْ على عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلَّا مرةً واحدةً. وتقدّمتِ الإشارةُ أنَّ الشمسَ والقمرَ آيتان من آياتِ اللهِ: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [فصلت:37]، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12]، فهما آيتانِ ونِعمتانِ، وفيهما من المصالحِ ما لا يحيطُ به إلَّا الله، ومن الفوائدِ التي نصَّ القرآنُ عليها: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [الإسراء:12]، وهذه مصلحةٌ عظيمةٌ وهي معرفةُ الزمانِ، فالزمانُ لا يُدركُ بالحسِّ ولكن يُدرَكُ بالعلاماتِ والآياتِ.
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ [إبراهيم:33]، يعني مستمرين في حركتِهما، طلوعًا وغروبًا. ويُفسّرُ الفقهاءُ الخسوفَ والكسوفَ بذهابِ ضوءِ أحدِ النيّرين، والنيّرانِ هما الشمسُ والقمرُ، والمرادُ: ذهابُ ضوئِهما عن الأبصارِ، وحقيقةُ الخسوفُ والكسوفُ، الضوءُ الشمسيُّ باقٍ في جرمِها لكن إذا تقابلَ الشمسُ والقمرُ وصارَ في طريقِها وانعكسَ ظِلُّه على الأرضِ وحجبَ ضوءَ الشمسِ، هكذا يقولُ العلماءُ والأصلُ الفلكيُّ وعلماءُ الشريعةِ لا يمنعونَ ذلك بل يرونَه صحيحًا في الجملةِ، وخسوفُ القمرِ يكونُ بانعكاسِ ظلِّ الأرضِ على القمرِ بحيث إذا حصلَ التقابلُ بين الشمسِ والقمرِ وذلك لا يكون إلَّا في وسطِ الشهرِ فإنَّه كذلك، تحجبُ الأرضُ ضوءَ الشمسِ أن ينعكسَ على جرمِ القمرِ فيحدثُ الخسوفُ كُليًا أو جزئيًا، وكلُّ ذلك بتقديرِ العزيزِ العليمِ. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ*وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:38-39]
كذلك قال المؤلفُ: "تُسنُّ جماعةً وفرادى"، وقد تقدَّمتِ الإشارةُ إلى هذا، وأنَّ هذا هو مذهبُ جمهورِ أهلِ العلمِ؛ بأنَّ صلاةَ الكسوفِ سُنّةٌ، يعني ليست واجبةً. والقولُ الآخرُ أنَّها واجبةٌ؛ لأمرِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بذلك: (فإذا رأيتمْ ذلك فصلّوا وادعوا وتصدّقوا).
واختارَ الشيخُ محمدُ ابنُ عثيمينَ عندكم في الشرحِ بأنَّه إذا قيلَ بوجوبِها فيتوجَّهُ أنَّها فرضُ كفايةٍ، وفي الحقيقةِ الدليلُ مُطلقٌ؛ "فصلّوا": خطابٌ مطلقٌ للجميعِ، فلا ينبغي تعمّدُ تركِها، وتُصلَّى جماعةً وفُرادى في القرى والأمصارِ وفي الصحراءِ، ويُصليها المقيمُ والمسافرُ، بخلافِ صلاةِ الجمعةِ وصلاةِ العيدِ كما تقدَّمَ، فإنَّ شرطَها الاستيطانُ، أمَّا صلاةُ الكسوفِ في ذاتِ سببٍ، يقتضي صلاتها في أيِّ مكانٍ كان.
والرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لَمَّا حدثَ الكسوفُ قامَ فَزِعًا ثمَّ أمرَ مناديًا بالصلاةِ جامعة، ثمَّ صلَّى تلك الصلاةَ المتميزةَ الفريدةَ، ليست كغيرِها من الصلواتِ، ركعتين بأربعِ رُكوعاتٍ، وأربعِ سجداتٍ، فهي تتميّزُ بطولِها وبتعدّدِ الركوعِ في الركعةِ الواحدةِ. وهي من ذواتِ الأسبابِ؛ أي تُفعَلُ حتى في وقتِ النهي، لو كسفتِ الشمسُ بعد العصرِ فإنَّها تُصلَّى وكذلك بالنسبةِ للقمرِ.
 
– القارئ: (ركعتينِ، يقرأُ في الأولى جهرًا بعدَ الفاتحةِ سورةً طويلةً، ثم يركعُ طويلًا، ثم يرفعُ ويُسّمعُ ويحمدُ، ثم يقرأُ الفاتحة َوسورةً طويلةً دونَ الأولى، ثم يركعُ فيطيلُ وهو دونَ الأولِ ثم يرفعُ، ثم يسجدُ سجدتينِ طويلتين، ثم يصلي الثانيةَ كالأولى لكنْ دونَها في كلِّ ما يفعلُ)
– الشيخ: هذه هي صفةُ صلاةِ الكسوفِ، ذكرَها المؤلفُ بهذه الطريقةِ، وهي مأخوذةٌ من حديثين صحيحين وهما: حديثُ عائشةَ وحديثُ ابنَ عباسٍ، وقد تضمَّنَ الحديثان صفةَ صلاةِ الكسوفِ، وأنَّها ركعتان فقط، وأنَّ كلَّ ركعةٍ فيها ركوعانِ وسجدتانِ، وأنَّه يجهرُ فيها بالقراءةِ. وفي الجهرِ فيها بالقراءةِ خلافٌ، والصحيحُ أنّ السنَّةَ فيها الجهرُ، وبعضُهم قال: إنَّ السنَّةَ إسرارٌ؛ لأنَّ ابنَ عباسٍ قال: (قامَ قيامًا طويلًا نحوًا من سورةِ البقرةِ)، فكأنَّه لم يسمعْ قراءةً، لكنِ الأرجحُ أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان يجهرُ بالقراءةِ، وهذا هو المناسبُ، فإنَّ سنَّتَه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الصلواتِ الجامعةِ كصلاةِ العيدِ وصلاةِ الجمعةِ أنَّه كان يجهرُ؛ لأنَّ هذا الجمعَ يُناسبُه الجهرُ، ولا يبقى الناسُ مع هذا الطولِ يُفكّرونَ.
وصفتُها بعد أن يُناديَ المنادي يتقدَّمُ الإمامُ ويُصلّي، فيقرأُ سورةَ الفاتحةِ، ثمَّ يقرأُ سورةً طويلةً، قال ابنُ عباسٍ: (نحوًا من سورةِ البقرةِ)، ثمَّ يرفعُ، ويقومُ قيامًا طويلًا دونَ القيامِ الأولِ، يعني يقرأُ الفاتحةَ وسورةً بعدها، ثمَّ يركعُ ركوعًا طويلًا وهو دونَ الركوعِ الأولِ. الآن قامَ قيامين، وقرأَ في كلٍّ من القيامين وركعَ ركوعين، ثمَّ يسجدُ السجدتين وبذلك تتمُّ الركعةُ الأولى، وقد تضمَّنتْ قراءتين يعني قيامين وركوعين وسجدتين، ثمَّ قامَ بعدَ الركعةِ الأولى قيامًا طويلًا وهو دونَ القيامِ الأوّلِ.
وقولُه "الأول": في كلِّ هذه الكلماتِ يظهرُ أنَّه الذي قبلَه لا أنَّه القيامُ الأولُ مُطلقًا أو الركوعُ الأولُ مُطلقًا، بل الذي قبلَه، كأنَّه قال: ثمَّ ركعَ ركوعًا طويلًا دونَ الركوعِ الذي قبلَه، دونَ القيامِ الذي قبلَه، فهذه هي صفةُ صلاةِ الكسوفِ، وهذا الذي صحَّ فيه الأحاديثُ، وفيها تدرّجٌ وهذه هي سنَّةُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، حتى في الفرائضِ يُطيلُ في الركعةِ الأولى، ولهذا جاءتْ صلاةُ الكسوفِ لها شبهٌ بسنّته -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الفريضةِ، فيُطيلُ الركعةَ الأولى بقيامِها وركوعِها وسجودِها، ثمَّ يُصلّي الركعةَ الثانيةَ وتبدأُ بالركوعِ الثالثِ، يقومُ قيامًا طويلًا يقرأُ فيها الفاتحةَ وسورةً، وهي دونَ القيامِ الذي قبلَه، ويركعُ ركوعًا طويلًا كذلك، ويقومُ قيامًا طويلًا وهو دونَ القيامِ الأوَّلِ، فيُصلّي الركعةَ الثانيةَ كالأولى يعني بقيامين وركوعين وسجدتين ولكنّها دونَ الركعةِ الأولى في كلِّ ذلكَ.
– مداخلةٌ: ولا يُطيلُ الجلوسَ بين السجدتين؟
– الشيخ: هذا لم يردْ فيه شيءٌ، لم يردِ التقديرُ في الجلوسِ بين السجدتين، ولهذا لم يذكرِ ابنُ عباسٍ عن هذا شيئًا، فليسَ في حديثِ ابنِ عباسٍ أنَّه ذكرَ مقاديرَ الجلسةِ بين السجدتين.
 
– القارئ: (ثمَّ يتشهدُ ويُسلّمُ)
– الشيخ: ثمَّ يتشهدُ ويُسلِّمُ، وهذه هي صفةُ صلاةِ الكسوفِ، وعلى طالبِ العلمِ أن يستحضرَ ذلك؛ لأنَّه يمكنُ في مرّةٍ من المراتِ وهو عند جماعةٍ فيكسفُ القمرُ أو تكسفُ الشمسُ فيحتاجونَ لمن يُصلّي بهم، فإذا لم تكن هذه الصفةُ في بالِه فقد يُصابُ بتشويشٍ ويرتبكُ.
 
– القارئ: (فإنْ تجلى الكسوفُ فيها أتمَّها خفيفةً)
– الشيخ: فإنْ تجلّى الكسوفُ، أي ذهبَ واتّضحتِ الشمسُ أو القمرُ، وهو في الصلاةِ فإنَّه يُتمُّ ما بقيَ عليه خفيفةً؛ لأنَّ السببَ المقتضي للصلاةِ انتهى، فهو الآن يُصلّي بلا سببٍ، لكن لا يكونُ التخفيفُ مُفرطًا، بل يُخفّفها نسبيًا وللهِ الحمدُ.
 
– القارئ: (وإنْ غابتِ الشمسُ كاسفةً، أو طَلَعَتْ والقمرٌ خاسفٌ، أو كانتْ آيةٌ غيرَ الزلزلةِ، لم يُصَلّ)
– الشيخ: "إن غابتِ الشمسُ كاسفةً": أي حدثَ الكسوفُ قبلَ الغروبِ بعشرِ دقائقَ مثلًا أو ربعِ ساعةٍ، ثمَّ أذَّنَ المؤذّنُ للصلاةِ والناسُ تتحضّرُ للصلاةِ غربتِ الشمسُ، الآن غربتْ كاسفةً فلا نُصلّي؛ لأنَّ صلاتَنا مرتبطةٌ بالكسوفِ، وكما يقولُ الفقهاءُ: سلطانُها بالنهارِ، والآنَ لا سلطانَ لها علينا.
"أو طلعتْ والقمرُ خاسفٌ": لم يُصلّوا؛ لأنَّ القمرَ سُلطانُه في الليلِ، والانتفاعُ به بالليلِ، فلا سلطانَ له علينا بالنهارِ، فهما آيتانِ: الشمسُ آيةُ النهارِ، والقمرُ آيةُ الليلِ: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الإسراء:12]، مضيئةً، اللهُ فرَّقَ بين الشمسِ والقمرِ، فالشمسُ ضياءٌ، والقمرُ نورٌ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا [يونس:5]، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا [نوح:16]
والمقررُ عند علماءِ الهيئةِ وأهلِ العلمِ يُقرّونَ بذلك؛ أنَّ نورَ القمرِ يأتي من انعكاسِ ضوءِ الشمسِ عليه، فنحنُ نقولُ: ضياءُ الشمسِ، ونقولُ: نورُ القمرِ، فيمكنُ أن يُقالَ أنَّ كلَّ ضوءٍ نورٌ، وليسَ كلَّ نورٍ ضوءٌ، فالضوءُ يختصُّ بأن تكونَ له حرارةٌ.
"أو كانت آيةٌ غيرَ الزلزلةِ لم يصل": يعني حصلتْ آيةٌ، والآيةُ: هي الأمرُ الذي يقعُ على خلافِ العادةِ في هذه المخلوقاتِ السماويةِ أو الأرضيةِ كالزلزلةِ وكالريحِ العاتيةِ والطّوفانِ، ومعنى هذا أنَّ الزلزلةَ يُصلّى لها، أمَّا سائرُ الآياتِ فلا، فالمذكوراتُ لا يُصلَّى لها، وفي هذا خلافٌ، السنَّةُ دلَّتْ على مشروعيةِ الصلاةِ لكسوفِ الشمسِ والقمرِ هذا مُجمعٌ عليه، وتبقى الآياتُ الكونيةُ الأخرى كالريحِ العاصفةِ الشديدةِ والزلزلةِ والطّوفانِ، فهذه قيلَ: يُصلّى لكلِّ آيةٍ، وقيل: لا يُصلّى إلّا للزلزلةِ كما هنا، وقيل: لا يُصلّى لشيءٍ، وقد رُويَ عن بعضِ الصحابةِ صلاةٌ للزلزلةِ، وهي عمدةُ الفقهاءِ هنا، والأظهرُ واللهُ أعلمُ مشروعيةُ الصلاةِ في كلِّ ذلك؛ لأنَّ المقصودَ كشفُ الشدّةِ، والصلاةُ توجُّهٌ إلى اللهِ، إمَّا بالدعاءِ أو الصلاةِ.
 
– القارئ: (وإنْ أتى في كلِّ ركعةٍ بثلاثِ ركوعاتٍ، أو أربعٍ، أو خمسٍ جازَ)
– الشيخ: يقولُ: إن أتى الإمامُ أو المصلّي في كلِّ ركعةٍ من الركعتين بثلاثِ ركوعاتٍ؛ أي الزائدُ واحدٌ، أو أربعٍ فالزائدُ اثنان، أو خمسٍ فالزائدُ ثلاثٌ، فيكونُ إن جاءَ بثلاثةٍ صارتْ ستَّةً، وإن جاءَ بأربعٍ صارت ثمانيةً، وإن جاءَ بخمسٍ صارتْ عشرةَ ركوعاتٍ، يقولُ: "جازَ": وكلمةُ جازَ عندَهم في الحقيقةِ دقّةٌ؛ لأنَّه ليس فيها سنّةً ظاهرةً، جاءَ في رواياتٍ من أهلِ العلمِ من يُثبتُها ويذهبُ هذا المذهبَ وهو أنَّ الركوعاتِ تكونُ ثلاثاً وأربعًا وخمسًا في كلِّ ركعةٍ، ومنهم من يعتبرُها شاذّةً، جاءَ في حديثٍ عن جابرٍ وأُبي وغيرِهما، لكنَّ المعتمدَ هو حديثُ عائشةَ في الصحيحينِ وحديثُ ابنَ عباسٍ في الصحيحينِ كذلك، وقد تطابقَ دلاتُهما على أنَّ في كلِّ ركعةٍ ركوعين وسجدتين وهذا هو المعتمدُ. هو قال "جاز": يعني لم يقلْ أنَّها سنَّةٌ أو أفضلُ، يعني ليس بمحرَّمٍ، لكن من سألَنا فإنَّنا نقولُ: السنَّةُ الثابتةُ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إنَّما صلَّى ركعتين في كلِّ ركعةٍ ركوعان وسجدتين.
هناكَ بعضُ المسائلِ، يختلفونَ في مسألةِ الركوعِ الثاني، يعني من فاتَه الركوعُ الأوّلُ وأدركَ الركوعَ الثاني، فهل يكونُ مدركًا للركعةِ؟ في هذا خلافٌ، والمشهورُ والذي عليه الأكثرُ أنَّ الركنَ هو الركوعُ الأوّلُ، فمن فاتَه الركوعُ الأولُ فاتته الركعةُ، ويقولُ في المغني: يُحتملُ أن يكونَ مدركًا، ولاسيّما إن قلنا أنَّ صلاةَ الكسوفِ كما هو مذهبُ الحنفيةِ أنَّها ركعتان كسائرِ النوافلِ، يعني ركوعٌ وسجدتان، ركوعٌ وسجدتان، وعندي في الحقيقةِ ليسَ ببعيدٍ وإن كانتِ الفتوى في اللجنةِ ومن قبل على هذا الرأي؛ وهو أنَّ الركنَ هو الركوعُ الأوّلُ، ومن فاتَهُ الركوعُ الأوّلُ فاتته الركعةُ، فيُصلّي ما بقيَ، ثمَّ يأتي بالركعةِ بركوعين وسجدتين؛ لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (ما أدركتم فصلّوا، وما فاتَكم فأتمّوا)، فالركوعُ الثاني أصبحَ كالسجدةِ، يعني من لم يدركِ الركوعَ الثاني من الركعةِ الأولى، أو الثاني من الركعةِ الأخيرةِ لم يُدركِ الركعةَ، كمن أدركَ السجودَ، من أدركَ السجودَ هل يُعتدُّ به؟ لا، فالركعةُ إنّما تُدرَكُ بالركوعِ، لكن إذا قلنا بالإِجزاءِ وأنَّه يكونُ مدركًا؛ فإنَّه في حقِّه فريضةً، وهذا المسبوقُ لأنَّه هو المقوّمُ للركعةِ، وبالنسبةِ للإمامِ سنّة؛ لأنّهم هم يقولون أَّن الركوعَ الثاني سنّةٌ وليسَ بركنٍ، والركنُ هو الركوعُ الأوّلُ، فمن الممكنِ أن تختلفَ النيّةُ فالمسبوقُ يركعُ مع الإمامِ الركوعَ الثاني فهو للإمامِ سنّةٌ وللمسبوقِ ركنٌ، وهذا له عندي وجهٌ واللهُ أعلمُ.
– مداخلةٌ: لو كان الوقتُ ضيّقًا بالنسبةِ لصلاةِ الفريضةِ؟
– الشيخ: إن كان الوقتُ ضّيقًا تُؤدَّى الفريضةُ، وإن كانَ الوقتُ مُتسعًا فتُصلَّى صلاةُ الكسوفِ والحمدُ للهِ.
 
– القارئ:
[بابُ صلاةِ الاستسقاءِ]

– الشيخ: صلاةُ الكسوفِ الغايةُ منها كشفُ المكروبِ، وصلاةُ الاستسقاءِ فيها الرغبةُ، ويقولون: صلاةُ الكسوفِ صلاةُ رهبةٍ، وصلاةُ الاستسقاءِ صلاةُ رغبةٍ. والاستسقاءُ استفعالٌ من السقي وهو السُّقيا، وهو طلبُ السُّقيا، والسينُ والتاءُ في اللغةِ العربيةِ على الغالبِ تكونُ للطلبِ، كالاستغفارِ وهو طلبُ المغفرةِ، ومثلُ: أستجيرُ باللهِ: وهو طلبُ الجوارِ. وأصلُ الاستسقاءِ في القرآنِ في قصّةِ بني إسرائيلَ مع موسى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا [الأعراف:160]، وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا [البقرة:60]
ولَمّا أجدبتِ الأرضُ وهلكتِ المواشي في عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- (جاءَ أعرابيٌّ ودخلَ المسجدَ والنبيُّ يخطبُ يومَ الجمعةِ فقال: يا رسولَ اللهِ، هلكتِ الأموالُ، وانقطعتِ السُّبُلُ، وجاعَ العيالُ، فالرسولُ بادرَ ورفعَ يديه وتضرَّعَ ودعا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، يقولُ أنسٌ: وما نرى في السماءِ قَزَعةً، يقول: فنشأت سحابةٌ مثل التُّرسِ، فانبسطتْ وانتشرتْ ونزلَ المطرُ، ولم نرى الشمسَ سبتًا، حتى جاءَ الأعرابيُّ أو غيرُه من ذلك البابِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، هلكتِ الأموالُ، وانقطعتِ السُّبُلُ فادعُ اللهَ أن يرفَعه عنّا)
فالاستسقاءُ مشروعٌ، وهو سنَّةٌ من سننِ الأنبياءِ، وهو في الحقيقةِ طلبُ السُّقيا من ربِّ العالمين، الذي هو على كلِّ شيءٍ قديرٍ، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28]، وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف:57]
وإضافةُ الصلاةِ إلى الاستسقاءِ كأنها من إضافةِ الشيءِ إلى سببه أو إلى مقصودِه، فالغايةُ من الصلاةِ هو الاستسقاءُ، لكن في الكسوفِ إضافةُ الصلاةِ إلى الكسوفِ من إضافةِ الشيءِ إلى سببِه، الكسوفُ سببٌ لمشروعيةِ الصلاةِ، والاستسقاءُ غايةٌ للصلاةِ.
 
– القارئ: (إذا أجدبتِ الأرضُ، وقحطَ المطرُ، صلَّوهَا جماعةً وفرادى)
– الشيخ: كذلك، انظرْ إلى التعبيرِ "صلّوهَا"، لم يتكلَّمْ عن حُكمِها سنَّةٌ أم واجبٌ، عباراتٌ لا بدَّ أنَّها دقيقةٌ.
"إذا أجدبتِ الأرضُ": أي يبستْ، وذهبتِ الخضرةُ وذهبَ النباتُ، أي صارتْ جرداءَ.
"وقحطَ المطرُ": يعني انقطعَ، وهما متلازمان، إذا قحطَ المطرُ أجدبتِ الأرضُ، فَييبسَ العودُ، وهذه سنَّةُ اللهِ، وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45]
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس:24]
"جماعةً وفرادى": سواءٌ أكانوا مقيمينَ أم مسافرين. والاستسقاءُ يكونُ معه صلاةٌ ويكونُ بلا صلاةٍ، وكلُّ هذا وقعَ من النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؛ استسقى بدونِ صلاةٍ مخصوصةٍ للاستسقاءِ، كما في قصةِ دعائِه على المنبرِ، واستسقى في مرّةٍ أو مراتٍ يعني صلاةً يقصدُها ويخرجُ إليها، وهي تُشبّه بصلاةِ العيدِ، خرجَ عليه الصلاةُ والسلامُ إلى المصلّى حين سألَه الناسُ أن يستسقيَ لهم، فصلَّى صلاةً تُشبِهُ صلاةَ العيدِ في مُصلّى العيدِ.
 
– القارئ: (وصفتُها في موضعِها، وأحكامُها كعيدٍ)
– الشيخ: هذه خلاصةٌ باختصار، أي مثل صلاةِ العيدِ، يعني هي ركعتان يجهرُ بهما بالقراءةِ، ويكبرُ بتكبيراتِ الزوائدِ ست وخمس، كما في صلاةِ العيدِ، يعني معناه أنَّه أحالنا إلى ما تقدَّمَ في صلاةِ العيدِ.
 
– القارئ: (وإذا أرادَ الإمامُ الخروجَ لها وعظَ الناسَ وأمرَهُم بالتوبةِ من المعاصي، والخروجِ من المظالمِ، وتركِ التشاحنِ، والصيامِ، والصدقةِ)
– الشيخ: المقصودُ إذا أجدبتِ الأرضُ، وقحطَ المطرُ، وأرادَ الإمامُ أن يقيمَ صلاةَ الاستسقاءِ، فإنَّه قبلَ خروجِه لصلاةِ الاستسقاءِ يَعظُهم ويُذكّرُهم بما هو سببٌ للغوثِ، ومن أعظمِ أسبابِ الجدبِ والابتلاءِ بالقحطِ الذنوبُ والظلمُ ومنعُ الزكاةِ، ويُذكّرُهم بما يُعينُهم على الدعاءِ المستجابِ والتوبةِ للهِ من المعاصي، حتى إذا حضروا للصلاةِ فإذا هم على هيئةٍ يعني أحرى بأن يُستجابَ دعائُهم؛ لأنَّ من أعظمِ موانعِ الاستجابةِ أكلُ الحرامِ وسائرُ الذنوبِ.
أما المقدمةُ الأولى: الأمرُ فيها ظاهرٌ، فهو مطلبٌ عامٌّ يعني تركُ المظالمِ والخروجُ منها، والتوبةُ من المعاصي، وتركُ التشاحنِ، هذا كلُّه مطلبٌ عامٌّ، أي: يُطلبُ في كلِّ وقتٍ، وهو مناسبٌ، أمَّا الصيامُ فعندي شيءٌ فيه من التوقّفِ، الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يأمرِ الناسَ بأن يصوموا، والاستسقاءُ لا يكونُ في يومِ الاثنينِ والخميسِ، يمكن أن يكونَ في الأحدِ، فليس له خصوصيّةٌ، واختيارُ الاثنينِ؛ لأنَّ المتعبّدينَ يكونونَ صيامًا، وفي يومِ الخميسِ كذلك. "والصدقةُ": فهي مناسبةٌ؛ لأنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ.
 
– القارئ: (ويَعِدُهُم يومًا يخرجونَ فيه)
– الشيخ: كما يجري عندنا الإعلانُ أنَّه في يومِ كذا ستُقامُ صلاةُ الاستسقاءِ.
– القارئ: (ويتنظفُ ولا يتطيبُ)
– الشيخ: "يتنظَّفُ": لأنَّه المطلوبُ في كلِّ وقتٍ لا سيّما في الجمعِ. "ولا يتطيّبُ": لأنَّ المقامَ مقامُ استكانةٍ وتواضعٍ، ولا يلبسُ جديدًا؛ لأنَّه ليس بيومِ عيدٍ، وفي الحديثِ: (خرجَ متبذّلًا، مترسّلًا، متخشّعًا)؛ لأنَّه يومُ استكانةٍ وتواضعٍ وتذلّلٍ؛ لأنَّ المقامَ مقامُ تضرّعٍ وحاجةٍ، ولهذا في الحجِّ: (انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا)، ففي الحجِّ ما يُشرعُ فيه تحسينُ الهيئةِ وتمشيطُ الشعرِ والتجمّلُ، لكن لا يمنعُ المحرمُ من الاغتسالِ، فهو يكونُ بحقّهِ وجوبًا تارةً وجوازًا تارةً أخرى، لكن لا نقولُ للمحرمِ يُستحسنُ أن تغتسلَ؛ لأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يغتسلْ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
بابُ صلاةِ الاستسقاءِ
(إِذَا أجْدَبَتِ الأَرْضُ وَقَحَطَ المَطَرُ)
قولُه: "بابُ صلاةِ الاستسقاءِ": من بابِ إضافةِ الشيءِ إلى نوعِه، أي: بابُ الصلاةِ التي تكونُ للاستسقاءِ، وقد يجوزُ أن تكونَ من بابِ إضافةِ الشيءِ إلى سببِه، أي: الصلاةُ التي سببُها استسقاءِ الناسِ.
والاستسقاءُ: استفعالُ من سقى وهو: طلبُ السُّقيا، سواءٌ كان من اللهِ، أو من المخلوقِ، فمن الممكنِ أن تقولَ لفلانٍ: اسقني ماءً فَيُسَمَّى هذا استسقاءٌ أي طلبُ سُقيا، ومن اللهِ ـ عزّ وجلّ ـ تسألُ اللهَ أن يٌغيثَك، هذا طلبُ سُقيا أيضًا، لكن في عُرفِ الفقهاءِ إذا قالوا: صلاةَ الاستسقاءِ: فإنَّما يعنونَ بها استسقاءَ الربِّ ـ عزَّ وجلَّ ـ لا استسقاءَ المخلوقِ، وصلاةُ الاستسقاءِ لها سببٌ بيَّنَه المؤلّفُ بقولِه: "إذا أجدبتِ الأرضُ وقحطَ المطرُ صلّوها جماعةً وفُرادى".
قولُه: "إذا أجدبتِ الأرضُ": أي خلتْ من النباتِ، وضدَّهُ الإخصابُ إذا أخصبتْ، أي: ظهرَ نباتُها وكثرَ. قولُه: "وقَحَطَ المطرُ": أي امتنعَ، ولم ينزلْ، ولا شكَّ أنَّه يكونُ في ذلك ضررٌ عظيمٌ على أصحابِ المواشي، وعلى الآدميين أيضًا، فلهذا صارتْ صلاةُ الاستسقاءِ في هذه الحالِ سنَّةٌ مؤكدةٌ.
قولُه: "إذا أجدبتِ الأرضُ وقَحَطَ المطرُ": ظاهرُه ولو كان ذلك في غيرِ أرضِهم، وذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى أنَّه لا يستسقي إلَّا لأرضِه وما حولَها ممَّا يتضرَّرُ به البلدُ، أمَّا ما كان بعيدًا فإنَّه لا يضرُّهم، وإن كان يضرُّ غيرَهم، ما لم يأمرْ به الإمامُ فتُصلّى. والاستسقاءُ الذي وردَ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وردَ على أوجهٍ متعدّدةٍ منها:
الأوَّلُ: (أنَّه دخلَ رجلٌ يومَ الجمعةِ والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يخطبُ الناسَ، فقال: يا رسولَ اللهِ هلكتِ الأموالُ، وانقطعتِ السُّبُلُ فادعُ اللهَ يُغيثنا، فرفعَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يديه، ورفعَ الناسُ أيديَهم، وقال: اللهمَّ أغثنا -ثلاثَ مرّاتٍ-، وكانتِ السماءُ صحوًا فأنشأَ اللهُ سحابةً فرعدتْ وبرقتْ وأمطرتْ، ولم ينزلِ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- من المنبرِ إلَّا والمطرُ يتحادرُ من لحيتِه).
الثاني: (أنَّه كان في غزوةٍ ونقصَ عليهم الماءُ، فاستغاثَ اللهَ ـ عز وجل ـ فأنشأَ اللهُ مزنًا فأمطرتْ وسقاهم وارتووا).
الثالث: (دعا اللهَ سبحانَه وتعالى بأن يسقيهم، فقامَ أبو لبابةَ رضي اللهُ عنه ـ وكان فلاحًا ـ فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّ التمرَ في البيادرِ) ـ والبيدرُ: ما يُجمعُ فيه التمرُ ليَيبَس، وكانوا إذا جذُّوا النخلَ يضعونَه في مكانٍ معدٍّ لهذا حتى ييبس، ثمَّ يُدخلونَه في البيوتِ يُسمّى: "البيدر"، ويُسمَّى: "الجرين" أيضًا ـ فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:
(اللهمَّ اسقنا حتى يقومَ أبو لبابةَ فيسدَّ ثعلبَ مربدِه بإزارِه)، أي: الفجوةَ التي يدخلُ منها السيلُ إلى البستانِ، فأمطرت السماءُ، وخافَ الناسُ من فسادِ التمرِ فجاؤوا إلى أبي لبابة، وقالوا: اذهبْ إلى مربدِك وسُدَّهُ بإزاركَ ليقفَ المطرُ، فذهبَ فسدَّه بإزارِه فوقفَ المطرُ، فهذا من آياتِ اللهِ عزّ وجلَّ، وحينئذٍ سَلِمَ الناسُ من الضررِ الكثيرِ الذي يحصلُ لهم بالمطرِ في بيادرِهم. وهناك أيضًا صفاتٌ أخرى، وليس لازمًا أن تكونَ على الصفةِ التي وردتْ عن النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ، أي: طلبُ السُقيا، فللناسِ أن يستسقوا في صلواتِهم، فإذا سجدَ الإنسانُ دعا اللهَ، وإذا قامَ من الليلِ دعا اللهَ عزَّ وجلَّ.
(صَلَّوْهَا جَمَاعَةً وَفُرَادَى. وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَأَحْكَامُهَا كَعِيدٍ. وَإِذَا أَرَادَ الإِمَامُ الخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي)
قولُه: "صلَّوها جماعةً وفرادى": أي صلاةُ الاستسقاءِ وستأتي صفتُها، والأفضلُ أن تكونَ جماعةً كما فعلَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-. قولُه: "وصفتُها في موضِعها، وأحكامُها كعيدٍ": وعلى هذا فتُسنُّ في الصحراءِ؛ لأنَّ صلاةَ العيدِ تُسنُّ في الصحراءِ. ويُكبّرُ في الأولى بعدَ التحريمةِ والاستفتاحِ ستًا، وفي الثانيةِ خمسًا، ويقرأُ بسبّحِ والغاشيةِ؛ لأنَّ المؤلفَ قال: "صفتُها في موضِعها": أي مكانَها.
"وأحكامُها كعيدٍ": والدليلُ على هذا حديثُ ابن عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ: (أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صلَّاها كما يُصلّي العيدَ). ولكنَّها تخالفُ العيدَ في أنّها سنَّةٌ، والعيدُ فرضُ كفايةٍ.
قولُه: "وإذا أرادَ الإمامُ الخروجَ لها": يحتملُ أن يريدَ به الإمامَ الذي يُصلّي بهم صلاةَ الاستسقاءِ، ويحتملُ أن يُرادَ به الإمامُ الأعظمُ وهو السلطانُ، والمعنى الأوَّلُ أقربُ.

– مداخلةٌ: بالنسبةِ لصلاةِ الكسوفِ والخسوفِ، هل يكونُ بعدَها خطبةٌ؟
– الشيخ: نعم، الرسولُ خطبَ الناسَ وبيَّنَ للناسِ ما رأى في موقفِه في صلاةِ الكسوفِ وذكّرهم.
 


 
الأسئلة:

س1: هل المقصودُ بالتطويلِ استغراقُ وقتِ الكسوفِ؟
ج: أي نعم، المقصودُ حتى ينكشفَ ما بكم، فهي تطوّلُ لهذا الغرضِ، ولو تجلَّتْ قالوا يُتمُّها خفيفةً، وكذلك لو كان الكسوفُ جُزئيًا يُصلّي ولا يُطيلُ.
……………………………………….
س2: إذا انتهتْ صلاةُ الكسوفِ ولم ينجلي فما العملُ؟
ج: يكتفونَ بالدعاءِ؛ لأنَّ الصحيحَ أنَّها لا تُعادُ مرتين.
……………………………………….
س3: من فاتتْهُ صلاةُ العيدِ هل يقضيها جماعةً؟
ج: لا، فهي تشبهُ صلاةَ الجمعةِ.
……………………………………….
س4: هل من آدابِ قراءةِ القرآنِ استقبالُ القبلةِ؟
ج: استقبالُ القبلةِ في العبادةِ حسنٌ، لكن لا نقولُ: يُسنُّ له أن يستقبلَ القبلةَ، والرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يأتِ عنه الندبُ في استقبالِ القبلةِ عند قراءةِ القرآنِ.
……………………………………….
س5: هل حِلَقُ الذكرِ من مواطنِ إجابةِ الدعاءِ؟
ج: لم يردْ فيها تخصيصٌ، لكن كلُّ حالةِ ذكرٍ وخيرٍ وعبادةٍ فهي من أسبابِ الإجابةِ، لكن لا نقول أنَّ حلقاتَ الذكرِ ومجالسَ العلمِ يُستجابُ فيها الدعاءُ، فالوقتُ الذي تُصلّي فيه مثلًا أحرى بأن يُستجابُ فيه الدعاءُ، وأنت مثلًا تقرأُ القرآن فهو أحرى بأن يُستجابَ دعائُكَ فيه عن سائرِ أوقاتِك.
……………………………………….
س6: خطيبُ جمعةٍ يقرأُ في غالبِ أوقاتِه بقصارِ السورِ، ولا يكادُ يقرأُ بسبّحِ والغاشيةِ؟
ج: هذا خطأٌ.
……………………………………….
س7: متابعةُ طالبِ العلمِ للأخبارِ والأحداثِ من بابِ الاهتمامِ بأحوالِ المسلمينَ ومعرفةِ ما يحدثُ في المجتمعِ، هل هذا مفيدٌ له، أم يشتغلُ بالعلمِ وتحصيلِه وفهمِه؟
ج: يمكن له أن يجمعَ بينهما وينظرَ هل اهتمامُه بأحوالِ المسلمين وهذه المتابعة، يوازي بين المصالحِ الحاصلةِ، وهل مُتابعتُه لمجردِ العلمِ بالأحداثِ، فهذا غرضٌ نفسانيٌّ فهو يُشبِهُ المطالعةَ والاستطلاعَ، فينبغي على الإنسانِ أن يتوسَّطَ، ومتابعتُه للأخبارِ تكونُ بقدرٍ واقتصادٍ.
……………………………………….
س8: حديثُ دخولِ السوقِ، هناك من ضعَّفَه، وهناك من حسَّنَه وصحَّحَه فهل يعملُ به؟
ج: يعملُ به ما دامَ أنَّه من الفضائلِ؛ لأنَّه ما هو إلَّا ذكرٌ للهِ وهو مطلوبٌ.
……………………………………….
س9: لو فاتني الركوعُ الأوَّلُ من الركعةِ الأولى، وأدركتُ الركوعَ الثاني من الركعةِ الأولى، فهل أُعيدُ الصلاةَ؟
ج: تقولُ: أقضي ولا تعيدُها، قولُ الأكثر على أنَّه إذا فاتَكَ الركوعُ الأولُ من الركعةِ الأولى فقد فاتتْكَ الركعةُ، فإذا سلَّمَ الإمامُ تقومُ وتقرأُ، ثمَّ تركعُ، ثمَّ ترفعُ، ثمَّ تقرأُ، ثمَّ تركعُ، ثمَّ ترفعُ، ثمَّ تسجدُ، يعني تأتي بركعةٍ بركوعين وسجدتين.
……………………………………….
س10: هل لصلاةِ الكسوفِ تكبيراتُ زوائدٍ؟
ج: لا، ليس فيها تكبيراتُ زوائدٍ.
……………………………………….
س11: الحديثُ الذي أرادَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إخبارَه للصحابةِ في ليلةِ القدرِ، ووجدَ فلانًا وفلانًا يتلاحَّان فرُفعتْ، ما المقصودُ برفعت، هل نسيّها، أم أنَّه أمرَ بأن لا يخبرهم بوقتِها؟
ج: اللهُ أعلمُ، لكن على ظاهرِها رُفعت، يعني رُفعت تلكَ الليلةُ وهذا حرمان بسببِ الشحناءِ والملاحاةِ والخصومةِ، يعني أنَّها لم تأتي في تلك الليلةِ ولعلَّها جاءتْ في غيرِها واللهُ أعلم.
……………………………………….
س12: رجلٌ لديه رقمُ جوّالٍ مميزٍ فيه أرقامٌ كثيرةٌ متشابهةٌ، هل له أن يبيعَه وينتفعَ بثمنِه الذي يقدَّرُ بثلاثةِ آلافٍ؟
ج: إذا لم يكن للجهةِ المعنيّةِ مانعٌ، فله أن يبيعَه وينتفعَ به.  
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله