الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الصلاة من زاد المستقنع/(51) “باب صلاة العيدين” ويسن التكبير المطلق في ليلتي العيدين

(51) “باب صلاة العيدين” ويسن التكبير المطلق في ليلتي العيدين

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: الحادي والخمسون

 ***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى في بابِ صلاةِ العيدين:
(ويُسنُّ التكبيرُ المطلقُ في ليلتي العيدينِ، وفي فطرٍ آكدُ)
– الشيخ:
التكبيرُ المطلقُ: هو الذي لا يختصُّ بوقتٍ ولا بحالٍ، بل هو مشروعٌ ومسنونٌ في كلِّ ساعاتِ الليلِ والنهارِ، وسُمّيَ مُطلقًا في مقابلِ التكبيرِ المقيدِ الذي سيذكُره. إذًا: يُسنُّ التكبيرُ المطلقُ في ليلتي العيدين وهما الفطرُ والأضحى، أمَّا في عيدِ الفطرِ فقالوا: لقولِه تعالى في آياتِ الصيامِ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]
وأمَّا في ليلةِ عيدِ الأضحى فلأنَّ ليلةَ عيدِ الأضحى من ليالي العشرِ التي جاءَ الدليلُ على تفضيلِها ومشروعيةِ ذكرِ اللهِ فيها؛ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28]، وبما صحَّتْ من الأحاديثِ في فضلِ عشرِ ذي الحجةِ، فعيدُ الأضحى وليلةُ عيدِ الأضحى داخلٌ في جملةِ الأيامِ إلّا في الصيامِ، لما وردَ من النهي عن صيامِ يومي العيدين وهما الفطرُ والأضحى. ويقولُ: إنَّ التكبيرَ في ليلةِ عيدِ الفطرِ آكدُ من التكبيرِ في ليلةِ عيدِ الأضحى؛ للأمرِ به في الآيةِ، حتى قال بعضُ أهلِ العلمِ بوجوبِ التكبيرِ في تلكَ الليلةِ؛ لقولِه تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]
 
– القارئ: (وفي كلِّ عشرِ ذي الحجةِ)

– الشيخ:  يعني التكبيرُ المطلقُ مشروعٌ في كلِّ عشرِ ذي الحجّةِ، من رؤيةِ هلالِ ذي الحجةِ إلى آخرِ أيامِ العشرِ، بل إلى آخرِ أيامِ التشريقِ؛ لأنَّه وردَ فيها يعني بخصوصِها ما يدلُّ على مشروعيةِ الذكرِ فيها وهي الأيامُ المعدوداتُ، والأيامُ المعلوماتُ: هي الأيامُ العشرُ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28]، قال تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:202]، فقد فُسرتْ بأيامِ التشريقِ، قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ للهِ تعالى)، يُكبرُ باعتبارِ المكانِ وباعتبارِ الحالِ وباعتبارِ الزمانِ، فيكبّرُ في أيّ زمانٍ ومكانٍ وحالٍ، فلا يُقيَّدُ بمكانٍ ولا زمانٍ ولا حالٍ، فهو مشروعٌ بإطلاقِه، وقد جاءَ في حديثِ ابنِ عمرَ: (ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيامِ، فأكثروا فيهنَّ من التهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ)، وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ يخرجانِ إلى الأسواقِ فيُكبّران ويُكبّرُ الناسُ بتكبيرِهما، هذا كلّه في التكبيرِ المطلقِ.
 
– القارئ: (والمقيدُ عَقِبَ كلِّ فريضةٍ في جماعةٍ)
– الشيخ:
والتكبيرُ المقيَّدُ مسنونٌ بعدَ كلِّ فريضةٍ في جماعةٍ، خرجَ بها النافلةُ، وخرجَ بها صلاةُ المنفردِ، فإنَّ هذا هو الذي وردَ عن السلفِ. ودليلُ التكبيرِ المقيَّدِ هو ما أُثرَ عن جماعةٍ من الصحابةِ، ذُكرَ منهم عمرُ وابنُ مسعودٍ وابنُ عباسٍ، وذكروا دليلًا لكنَّه ضعيفٌ: (أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لما صلَّى الغداةَ من يومِ عرفةَ أقبلَ على الصحابةِ وقال: مكانَكم أو على مكانِكم، ثمَّ كَبَّرَ)، لكنَّ العمدةَ في تكبيرِ المقيَّدِ الآثارُ المرويّةُ عن الصحابةِ رضي اللهُ عنهم.
 
– القارئ: (في الأضحى من صلاةِ الفجرِ يومَ عرفةَ، وللمحرمِ مِنْ صلاةِ الظهرِ يومَ النحرِ إلى عصرِ آخرِ أيامِ التشريقِ)
– الشيخ:ر في الأضحى يبدأُ التكبيرُ المقيّدُ، وفي الحقيقةِ قولُه: "في الأضحى"؛ ليس مفهومًا؛ لأنَّ التكبيرَ المقيَّدَ هو مخصوصٌ بأيامِ الأضحى، وليس في عيدِ الفطرِ تكبيرٌ مقيَّدٌ بل هو مطلقٌ كما تقدَّمَ، والصحيحُ أنَّه يبدأُ من فجرِ يومِ عرفةَ، ولا يحتاجُ أن يُقالَ في الأضحى، من فجرِ يومِ عرفةَ إلى عصرِ آخرِ أيامِ التشريقِ، فيكونُ المجموعُ ثلاثًا وعشرينَ، وهذا بالنسبةِ لمن في الأمصارِ في سائرِ البلادِ وهذا الحكمُ المقيدُ لغيرِ الحاجِّ، أمَّا الحاجُّ  فقالوا أنَّ التكبيرَ المقيّدَ يبدأُ من ظهرِ يومِ النحرِ؛ لأنَّه قبل ذلك قالوا: الأفضلُ له التلبيةُ فإنَّه يُلّبي في سائرِ أوقاتِه ومن ذلك أدبار الصلواتِ؛ فإنَّه ذكروا يُستحبُّ للمحرمِ التلبيةُ بعد الصلواتِ، ولهذا قالوا: وللمحرمِ من ظهرِ يومِ النحرِ؛ لأنَّه قد تحلَّلَ في ذلك اليومِ فيُشرعُ له التكبيرُ المقيّدُ، وظاهرُ قولِهم أنَّه لا يُشرعُ لهم التكبيرُ المطلقُ في يومِ النحرِ وما بعدَهُ، والصوابُ أنَّ التكبيرَ المطلقَ مشروعٌ للمحرمِ وغيرِ المحرمِ إلى آخرِ أيامِ التشريقِ، إلى غروبِ الشمسِ من يومِ الثالثِ عشرَ من ذي الحجّةِ، فالتكبيرُ المطلقُ يمتدُّ من أولِ أيامِ العشرِ إلى آخرِ أيامِ التشريقِ، وعندهم أنَّ التكبيرَ المطلقَ يُجامِعُ التكبيرَ المقيّدَ بالنسبةِ للمحرمِ في يومِ عرفةَ، وبعدها ينقطعُ التكبيرُ المطلقُ؛ لأنَّهم قالوا: المطلقُ في ليلةِ عيدين وفي كلِّ عشرِ ذي الحجةِ، وخصّوا المقيدَ بيومِ عرفةَ ويومِ العيدِ وما بعدَه إلى عصرِ آخرِ أيامِ التشريقِ.
– مداخلةٌ: قبلَ يومِ عرفةَ ما يُكبّرُ بعدَ الصلواتِ؟
– الشيخ:  لا يُكبرُ إلَّا بعدَ الذكرِ أي الأذكارِ المشروعةِ، ومن كبَّرَ بعدَ الصلاةِ مباشرةً قبلَ يومِ عرفةَ لا يُنكرُ عليه، بل يُعلَّمُ.
 
– القارئ: (وإنْ نسيهُ قضاهُ، ما لم يُحدِثْ أو يخرجْ مِنَ المسجدِ)
– الشيخ:  إنْ نسيَهُ ولم يُكبّرْ بعد أن سَلَّمَ، فإنَّه يقضيه ما لم يُحدثْ أو يخرجْ من المسجدِ، وهذا من الاجتهادِ، أي أنَّه لا يزالُ في حالِ الصفةِ، لا يزالُ مع الجماعةِ، أمَّا إذا خرجَ فإنَّه الحكمُ بأنَّه دبرَ الصلاةِ، وكذلك إذا أحدثَ يكونُ الأمرُ أعظمُ، والأمرُ واسعٌ، لكن عندهم مثلًا يقولون: هذه سنةٌ فاتَ محلُّها؛ كالاستغفارِ بعد الصلاةِ لو نسيه الإنسانُ فإنَّه يستغفرُ؛ لأنَّ الأمرَ مشروعٌ مُطلقًا في أيِّ وقتٍ، لكن لا تقولُ أنّني سأذهبُ أقضي الاستغفار الذي يُشرعُ بعدَ السلامِ؛ لأنَّه فاتَ محلُّه، ويبقى الاستغفارُ المطلقُ المشروعُ في كلِّ وقتٍ.
– مداخلةٌ: لو صلَّى السنَّةَ التي بعدَ الصلاةِ، وأجَّلَ الذكرَ إلى بعد السنَّةِ؟
– الشيخ:  هذا خالفَ السنَّةَ، لكن لا نقولُ له شيئًا، إنْ كان لا يُشرعُ فإنَّه قد أتى به، وقد تكونُ سنَّةً فاتتْ محلُّها يعني ممكن.
 
– القارئ: (ولا يُسنُّ عَقِبَ صلاةِ عيدٍ)
– الشيخ:
لأنَّ الذي وردَ إنَّما وردَ في المكتوبةِ.
– القارئ: (وصفتهُ شفعًا: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ)
– الشيخ:  يعني يُكبّرُ تكبيرتين، ثمَّ تهليلُه، ثمَّ تكبيرتين ثمَّ تحميدٌ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(وإن نَسِيَهُ قَضَاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ)
قوله: "وإن نَسِيَهُ قَضَاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ": وقولُه: "نسيَه": أي التكبيرُ المقيدُ، فالضميرُ هنا يعودُ على بعضِ مرجعِه؛ لأنَّ مرجعَه يعودُ على التكبيرِ، لكنَّ المرادَ بعضُ التكبيرِ وهو المقيدُ، أي: إنْ نسيَ التكبيرَ المقيدَ بعدَ الصلاةِ قضاهُ، فلو أنَّه لَمَّا سلَّمَ من صلاتِه استغفرَ، وقال: "اللهمَّ أنت السلامُ ومنكَ السلامُ" وسبّحَ ناسيًا التكبيرَ، فنقول: يقضيه إلَّا في ثلاثِ أحوالٍ:
1 ـ ما لم يُحدثْ.
2 ـ أن يخرجَ من المسجدِ.
3 ـ أن يطولَ الفصلُ.
فإذا أحدثَ لا يقضيه، فلو سلَّمَ ثمَّ أحدثَ بعد السلامِ مباشرةً ثمَّ ذكرَ التكبيرَ فلا يقضيه الآن؛ لأنَّ الحدثَ يمنعُ من بناءِ الصلاةِ بعضِها على بعضٍ، فيمنعُ من بناءِ ما كان تابعًا لها عليها. والصحيحُ أنَّه لا يسقطُ بالحدثِ، والفرقُ بينه وبين الصلاةِ: أنَّ الصلاةَ يُشترطُ لها الطهارةُ، وأمَّا الذكرُ فلا تُشترطُ له الطهارةُ، بل نقول: اقضِه ولو أحدثتَ، إلَّا إذا طالَ الفصلُ، فإن لم يطلِ الفصلُ فاقضِه.
وكذا إذا خرجَ من المسجدِ؛ فإنَّه لا يقضيه، وعلَّلوا ذلك بأنَّه سنّةٌ فاتَ محلُّها، وهذا أيضًا فيه نظرٌ. والصحيحُ أنَّه إذا خرجَ من المسجدِ، فإن كان بعدَ طولِ مُكثٍ، فإنَّه يسقطُ لا بخروجِه، ولكن بطولِ المكثِ، وإن خرجَ سريعًا فإنَّه لا يسقطُ فيُكبّرُ؛ لأنَّه إذا كانت الصلاةُ لو سلَّمَ منها ناسيًا، وخرجَ من المسجدِ، وذكرَ قريبًا؛ رجعَ وأتمَّ صلاتَه، فبنى بعضَها على بعضٍ مع الخروجِ من المسجدِ، فهذا من بابِ أولى.

– الشيخ:  والاستشهادُ بما جاءَ في الحديثِ: (وخرجَ سَرعان الناس)، في حديثِ ذي اليدين، وهؤلاءِ الذين خرجوا عادوا وصلّوا مع الناسِ وبنَوا على صلاتِهم.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
فالقولُ الراجحُ أنَّ هذا التكبيرَ المقيدَ يسقطُ بطولِ الفصلِ لا بخروجِه من المسجدِ، ولا بحدثِه؛ لأنَّها سنّةٌ مشروعةٌ عقبَ الصلاةِ، وقد فاتتْ بفواتِ وقتِها، ولأنَّه إذا طالَ الفصلُ لم يكن مُقيدًا بالصلاةِ.
– الشيخ:
وهكذا ينبغي أن يُقالَ في الذكرِ بعدَ الصلاةِ، يعني لو قامَ الإنسانُ مُستعجلًا وخرجَ يأتي به من تسبيحٍ وتكبيرٍ، الحمدُ للهِ؛ لأنَّ الأمرَ فيه واسعٌ، وكما قال الشيخُ: الحدثُ والخروجُ لا يمنعان من الإتيانِ بالسنّةِ المشروعةِ بعدَ الصلاةِ، وإنَّه كما وجَّهَ الشيخُ بأنَّ الذكرَ لا يُشترطُ له الطهارةُ والخروجُ لا يمنعُ من الذكرِ، فنقولُ في الأذكارِ بعدَ الصلاةِ كما قال الشيخُ في حكمِ التكبيرِ بحقِّ من أحدثَ أو خرجَ، لكن إذا طالَ الفصلُ فيُمكنُ أن يُقالَ: إنَّها سنَّةٌ فاتَ محلُّها، إذا طالَ الفصلُ.
– مداخلةٌ:
– الشيخ:
على كلِّ حالٍ أقولُ: عليه عملُ المسلمين.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وَلاَ يُسَنُّ عَقِبَ صَلاَةِ عِيدٍ، وَصِفَتُهُ شَفْعًا: "اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ".
قولُه: "ولا يُسنُّ عقبَ صلاةِ عيدٍ": الضميرُ يعودُ على التكبيرِ المقيدِ؛ لأنَّنا نتكلمُ عن المقيدِ، فلو صلَّى العيدَ، وقال: أريدُ أنْ أكبِّرَ، قلنا: لا تكبّرْ؛ لأنَّه إذا سلمَ الإمامُ من صلاةِ العيدِ قامَ إلى الخطبةِ وتفرَّغَ الناسُ للاستماعِ والإنصاتِ، ولا يُكبّرونَ. ودليلُ هذا: أنَّه لم يردْ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ولا عن أصحابِه أنّهم كانوا يُكبّرونَ عقبَ صلاةِ العيدِ، وما لم يردْ عن الشارعِ من العباداتِ، فالأصلُ فيه المنعُ؛ لأنَّ العبادةَ لا بدَّ من العلمِ بأنَّها مشروعةٌ.
قولُه: "وصفتُه شَفْعًا: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
قولُه: "صفته": الضميرُ يعودُ على التكبيرِ.
وقولُه: "شفعًا": أي اللهُ أكبرُ مرتين، والثانيةُ مرّتين، وتُختمُ الأولى بالإخلاصِ، والثانيةُ بالحمدِ.
وهذه المسألةُ ـ أي: صفةُ التكبيرِ ـ فيها أقوالٌ ثلاثةٌ لأهلِ العلمِ:
الأولُ: أنَّه شفعٌ كما قالَ المؤلفُ: "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلّا الله، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد". وعلّلوا ذلك أنَّه بـ "لا إلهَ إلّا الله" يختمُ بوترٍ، وكذلك إذا قال: "وللهِ الحمدُ".
الثاني: أنَّه وترٌ: "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلّا الله، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد". وعلّلوا ذلك بأن يكونَ تكبيرُه وترًا، فيوترُ التكبيرَ في المرّةِ الأولى والثانيةِ بناءً على أنَّ كلَّ جملةٍ منفردةٍ عن الأخرى، ولا يصحُّ أن يُقالَ: إنَّ الوترَ حصلَ بقولِه: "لا إله إلا الله"، أو بقولِه: "ولله الحمد"؛ لأنَّه من غيرِ جنسِ التكبيرِ، أو يُقالُ: إنَّ النوعَ مختلفٌ.
الثالثُ: أنَّه وترٌ في الأولى، شفعٌ في الثانيةِ، "اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلّا الله، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد".
وعلَّلوا أنَّ التكبيرَ جنسٌ واحدٌ، والجملتان بمنزلةِ جملةٍ واحدةٍ، فإذا كبَّرَ ثلاثًا واثنتين صارتْ خمسًا وترًا، فيكونُ الإيتارُ بالتكبيرِ بناءً على أنَّ الجملتينِ واحدةٌ. وهذا القولُ والذي قبلَه من حيثُ التعليلِ أقوى من قولِ من يقولُ: إنَّه يكبرُ مرّتين مرتين؛ لأنَّنا إذا اعتبرنا أنَّ كلَّ جملةٍ منفصلةٍ عن الأخرى صارَ الإيتارُ في الثنتين أولى، وإن اعتبرنا أنَّ الجملتين واحدةٌ صارَ الإيتارُ في الأُولى والشفعِ في الثانيةِ هو الذي ينقطعُ به التكبيرُ على وترٍ. والمسألةُ ليس فيها نصٌّ يفصلُ بين المتنازعين من أهلِ العلمِ، وإذا كان كذلك فالأمرُ فيه سعةٌ، إن شئت فكبّرْ شفعًا، وإن شئتَ فكبّرْ وترًا، وإن شئتَ وترًا في الأولى وشفعًا في الثانيةِ.
مسألةٌ: قال في الروضِ: "ولا بأسَ بقولِه لغيرِه: تقبّلَ اللهُ منَّا ومنكَ كالجوابِ"، أي: في العيدِ، لا بأسَ أنْ يقولَ لغيرِه: تقبّلَ اللهُ منَّا ومنكَ، أو عيدٌ مباركٌ، أو تقبَّلَ اللهُ صيامَكَ وقيامَكَ، أو ما أشبَهَ ذلك؛ لأنَّ هذا وردَ من فعلِ بعضِ الصحابةِ ـ رضي اللهُ عنهم ـ وليسَ فيه محذورٌ.
قال: "وكذلك لا بأسَ بالتعريفِ عشيةَ عرفة بالأمصارِ؛ لأنَّه ذكرٌ ودعاءٌ، وأولُ من فعلَه ابنُ عباسٍ وعمرو بن حريث". والتعريفُ عشيةَ عرفةَ بالأمصارِ أنَّهم يجتمعونَ آخرَ النهارِ في المساجدِ على الذكرِ والدعاءِ تشبُّهًا بأهلِ عرفةَ. والصحيحُ أنَّ هذا فيه بأسٌ وأنَّه من البدعِ، وهذا إنْ صحَّ عن ابنِ عباسٍ فلعلَّه على نطاقٍ ضيّقٍ مع أهلِه وهو صائمٌ في ذلك اليومِ، ودعاءُ الصائمِ حريٌّ بالإجابةِ، فلعلَّه جمعَ أهلَه ودعا عندَ غروبِ الشمسِ، وأمَّا أنْ يفعلَ بالمساجدِ ويظهرَ ويُعلِنَ، فلا شكَّ أنَّ هذا من البدعِ؛ لأنَّه لو كان خيرًا لسبقونا إليه، أي: الصحابةُ، ولكان هذا ممَّا تتوافرُ الدواعي على نقلِه. والعبادةُ لا يصحُّ أن يقالَ فيها: لا بأسَ بها؛ لأنَّها إمَّا سنّةً فتكونُ مطلوبةً، وإمَّا بدعةً فيكونُ فيها بأسٌ، أمَّا أنْ تكونَ عبادةً لا بأسَ بها، فهذا محلُّ نظرٍ.

– الشيخ: إذا حصلَ على نطاقٍ ضيّقٍ، واحد يعرفُ يومَ عرفةَ يتحرّى الدعاءَ فالأمرُ سهلٌ، أمَّا أنَّها تصيرُ شعيرةً ويتتابعُ عليها الناسُ، ويمكن أن أُشبّه هذا بالختمةِ التي أفرطَ عليها الناسُ وتوسعوا توسعًا شديدًا، حتى أنَّ ما جاءَ عن أنسٍ هناك من أهلِ الحديثِ من قال أنَّه لم يثبتْ، إلَّا أنَّه كان يجمعُهم عند ختمِ القرآنِ، ولم يثبتْ أنَّه كان يدعو بهم، لكن الأمرُ واسعٌ إن دعا، أمَّا التوسّعُ في هذا حتى صارَ من الشعائرِ الظاهرةِ التي يعتني بها الناسُ، فصرَّحَ من يُعتدُّ برأيه أنَّه بدعةٌ أو أنَّه وسيلةٌ إلى بدعةٍ.
 
– مداخلةٌ: قولُهم: "جمعةٌ مباركةٌ"، مشروعة؟ وكذلك بالسنةِ الهجريةِ؟
– الشيخ:  تقولُ له إن شاءَ اللهُ، ليستْ مشروعةً، ولا تُنكرْ، والتهنئة بالسنةِ الهجريةِ غلطٌ، لكن ماذا تقولُ له إذا قال لك: كلُّ عامٍ وأنتَ بخيرٍ، تقولُ له: الله يجعلكَ بخيرٍ، لكن تبيّنُ له أنَّها غيرُ مشروعةٍ، فتردُّ عليه وتعلّمُه.
– مداخلةٌ: ابنُ قاسم في الحاشيةِ نقلَ عن شيخِ الإسلامِ أنَّها بدعةٌ؟
– الشيخيُراجعُ الاقتضاءُ هو الذي قرّرَ فيه الرأي.
– مداخلةٌ: في نصٍّ نقلَه الشيخُ العنقري في حاشيتِه على الروضِ عن شيخِ الإسلامِ قال: وقيل له -أي أحمد-: تفعلُه أنتَ؟ قال: لا، وعنه يُستحبُّ ذكره الشيخ تقي الدين وهي من المفرداتِ، ولم يرَ الشيخُ تقيُّ الدينِ التعريفَ بغيرِ عرفةَ، وأنَّه لا نزاعَ فيه بين العلماءِ، وأنَّه مُنكرٌ، وفاعلُه ظالمٌ؟
– الشيخ:  هذا ناقشها بعضُ الإخوةِ، والعبارةُ هذه عليها مناقشةٌ، كتبَ عنها الشيخُ عبدُ الرحمنِ السديسِ كتابةً والظاهرُ أنَّه نشرَها، أي أنَّ هذا الكلامَ فيه إشكاليةٌ وليسَ القولُ لابنِ تيميةَ، وأصلُه للخطّابي، والكلامُ في اقتضابٍ واختصارٍ.
– مداخلةٌ:
– الشيخ:
هي من التكبيرِ، وهي مشروعةٌ إجمالًا.
– مداخلةٌ: ابنُ عثيمينَ تكلَّمَ على قولِه في الزاد: ويُكرهُ التنفلُ قبلَ الصلاةِ وبعدَها في موضعِها؟
– الشيخ: أنا
قرأتُه، والشيخُ رجَّحَ أنَّ المصلَّى أنَّه مسجدٌ وله الظاهرُ في هذا، وهذا صارَ فيه كلامٌ بالأسبوعِ الماضي، والمصلّى بالحقيقةِ، والظاهرُ لي أنَّه ليس بمسجدٍ، لكن يُرجع إلى كلامٍ آخرَ من مشايخنا أو من قبلهم أنَّ المصلَّى صحراء، قالوا: تُسنُّ في الصحراءِ، الأرضُ كلُّها مسجدٌ صحيح، أمَّا أن يكونَ المصلَّى الذي يخرجُ إليه في الصحراءِ أنَّه له حكمُ المسجدِ من حيثُ الأحكامِ، أمَّا الاحتجاجُ ب: (ويعتزلُ الحيّضُ المصلَّى) أنا ذكرتُ شيئًا أنَّ الحيّضَ يعتزلنَ المصلَّى حتى لا يكنَّ بين أخواتِهنَّ ويتأخّرنَ عنهنَّ من أجلِ صلاتِهنَّ.
– مداخلةٌ: كان أحدُ الإخوانِ عنده حاشيةُ البليهي، ذاكرَ فيها مذهبَ الشافعيةِ ومؤيد الصلاة التنفل، صلاة تحيةِ المسجدِ والنافلة قبل، وذكرَ بعضَ الأدلّةِ من سننِ البيهقي وغيرِها عن بعضِ السلفِ.
– الشيخوالشيخُ مشى على هذا، وأنا لا أقولُ أنَّه لا يُصلّي، لكن ما أرى أنَّه مسجدٌ فقط.
– مداخلةٌ: المؤلفُ يقولُ: يُكرهُ.
– الشيخ:
مناقشةُ الشيخِ لقولِهم "يُكرهُ هذا" مستقيمٌ عندي وجيدٌ، والصلاةُ جائزةٌ، لكن لا نقولُ له أنَّه يُسنُّ له أو يُصلّي تحيةَ المسجدِ، يُباحُ له أن يُصلّي، من جاءَ إلى المصلّى يُصلّي، إذا كانت صلاةُ العيدِ في المسجدِ فإنَّه يُصلّي تحيةَ المسجدِ، أمَّا في المصلَّى إن جاءَ بعدَ ارتفاعِ الشمسِ فإنَّه إن شاءَ صلَّى وإن شاءَ لم يُصلِّ.
– مداخلةٌ: إذا كان هذا الشخصُ ممّن يقتدى به بأن يكونَ عالمًا أو طالبَ علمٍ فيراهُ شخصٌ، فيعتقدُ أنَّ هذا سنَّةٌ؟
– الشيخ: واللهُ ينبغي أنْ يُصلّيَ ويتركَ.
– مداخلةٌ: ألَا يُقالُ أنَّه وقتُ نهي؟
– الشيخقيّدنا ذلك بارتفاعِ الشمسِ، إلّا من يرى أنَّ المصلَّى مسجدٌ، ويرى فعلَ ذواتِ الأسبابِ في وقتِ النهي، فإنَّه يُصلّي.
– مداخلةٌ: ابنُ عثيمينَ يقولُ بأنّ مُصلّى العيدِ له أحكامُ المساجدِ، ومن دخلَه فلا يجلسُ حتى يُصلّي ركعتين.
– الشيخ: العملُ على خلافِه، وأنا ما ظهرَ لي كلامُ الشيخِ.
 
– القارئ: [بابُ صلاةِ الكسوفِ]
– الشيخ:
الكسوفُ هو ذهابُ ضوءِ أحدِ القمرين وهما الشمسُ والقمرُ، فذهابُ ضوئهما كُليًا أو جزئيًا له صلاةٌ، فصلاةُ الكسوفِ مشروعةٌ. وإضافةُ الصلاةِ إلى الكسوفِ من إضافةِ الشيءِ إلى سببِه، وقد كسفتِ الشمسُ على عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ولم يكن عَلِمَ بذلك، فقامَ فَزِعًا يجّر إزارَه وأمرَ مناديًا يُنادي كما سيأتي: الصلاةُ جامعة، وصلَّى بالناسِ الصلاةَ العظيمةَ المختلفةَ عن سائرِ الصلواتِ في طولِها وفي صفتِها. وخسفَ وكسفَ يتقاربان، وبعضُهم يقولُ: إنَّ الكسوفَ للشمسِ والخسوفَ للقمرِ، وقد يُقالُ أنَّ الخسوفَ أخصُّ بالقمرِ، والكسوفَ أخصُّ بالشمسِ، وإلَّا فكلاهما يُوصفُ بهذا وهذا، وجاءَ في القرآنِ: وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القيامة:8]
وجاءَ في الحديثِ: (إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتان من آياتِ اللهِ لا ينكسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه)، فالشمسُ والقمرُ آيتانِ من آياتِ اللهِ: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [فصلت:37]، وكسوفُهما كذلك آيةٌ؛ لأنَّ ذلك دالٌّ على قدرتِه تعالى، فهو قادرٌ على طمسِ الشمسِ والقمرِ كما سيأتي وسيحدثُ يومَ القيامةِ، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت [التكوير:1]
فسيأتي اليومُ الذي يتغيرُ فيه العالمُ، وتذهبُ هذه الأضواءُ، فيذهبُ نورُ الشمسِ وكذلك النجومُ ستُطمسُ، لكن بحكمةِ اللهِ أنه يُحدثُ ذلك، الكسوفُ الموقّتُ، ويكونُ مُتفاوتًا كليًا أو جزئيًا، وأقولُ أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قامَ فزِعًا يجرُّ إزارَه لم يعلم، وكان هذا المصلحةُ في العبادةِ لا يعلمونَ بها، وإن كان في إمكانِ بعضِ الخلقِ أن يعلمَ به بحسابِ أهلِ الحسابِ منَّا، كما وقعَ الناسُ في ذلك واشتهرَ، وبُليَ الناسُ المغرورونَ الذين يتحدَّثونَ عن هذا ويُعلنونَه متبجّحينَ بذلك الاكتشاف وهو من العلمِ الذي لا ينفعُ، هذا العلمُ علمُ الحسابِ بالنسبةِ للعلمِ في الكسوفِ من العلمِ الذي لا ينفعُ ولا نحتاجُ إليه ولا نسألُ عنه ولا نسألُهم، بل نَدَعُ الأمرَ لقدَرِ اللهِ، فمتى ما رأينا الكسوفَ فعلنا ما أُمرنا به، (فإذا رأيتم ذلك فصلّوا وادعوا).
– مداخلةٌ: الأمرُ معلّقٌ بالرؤيةِ؛ لأنَّ الشمسَ قد تنكسفُ جُزئيًا ولا يُبان؟
– الشيخ:  أجل، إن لم يبن خلص.
 
– القارئ: (تُسنُّ جماعةً وفرادى إذا كَسَفَ أحدُ النيّرينِ)
– الشيخ:  يقول تُسنُّ جماعةً وفُرادى، أي: تُسنُّ للجميعِ، فتُسنُّ جماعةً لمن أمكنَ حضورها، وتُسنُّ للأفرادِ في البيوتِ، والنساءِ، والسفر والمقيم مُطلقًا؛ لأنَّه مُتعلّقٌ بسببها وهو الكسوفُ، لأنَّ الرسولَ علَّقها على الرؤيةِ: (فإذا رأيتم ذلك فصلّوا وادعوا وتصدّقوا)، وقال: (إنما يُخوّفُ بهما عبادَه) أي الخسوفُ والكسوفُ، ويُسمّونَ الشمسَ والقمرَ بالنيّرينِ؛ لأنَّه نيّرٌ.
– مداخلةٌ: بالنسبةِ للنساءِ يُصلين في بيوتهنَّ؟
– الشيخ:  نعم يُصلّينَ فُرادى في بُيوتهنَّ، وإن حضرنَ الصلاةَ فلا بأسَ.
 
– القارئ: (ركعتينِ: يقرأُ في الأولى جهرًا بعدَ الفاتحةِ سورةً طويلةً، ثم يركعُ طويلًا، ثم يرفعُ ويُسّمعُ ويُحَمّدُ)
– الشيخ:  وفي الحقيقةِ أنَّ الأحاديثَ تدلُّ على الوجوبِ؛ لأنَّ فيها الأمرَ: "فصلّوا، وادعوا "، فما أُجمعَ على عدمِ وجوبِه قلنا دليلُه الإجماعُ، وما لم يُجمعْ على عدمِ وجوبِه فإنَّ الأصلَ هو أنَّ الأمرَ للوجوبِ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(تُسَنُّ جَمَاعَةً، وَفُرَادَى)
قولُه: "تُسنُّ جماعةً، وفُرادى": صلاةُ الكسوفِ مشروعةٌ بالسنّةِ والإجماعِ، وقال بعضُ العلماءِ: إنَّها مشروعةٌ بالكتابِ أيضًا، واستنبطَها من قولِه تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ [فصلت:37]، وقال: إنَّ الناسَ لا يسجدونَ للشمسِ ولا للقمرِ وهما على مجراهُما الطبيعي العادي، وإنّما يسجدون لهما إذا حصلَ منهما هذا الكسوفُ خوفًا منهما، فأمرَ اللهُ ـ عزَّ وجلَّ ـ أن يكونَ السجودُ له. وهذا الاستنباطُ وإن كان له شيءٌ من الوجاهةِ لكن لولا ثبوتُ السنّةِ لم نعتمدْ عليه.
وأفادَنا المؤلفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ بقولِه: "تُسنُّ": أنَّ صلاةَ الكسوفِ سنّةٌ ليست فرضَ عينٍ، ولا فرضَ كفايةٍ، وأنَّ الناسَ لو تركوها لم يأثموا؛ لأنَّ السنَّةَ عند الفقهاءِ هي: ما أُثيبَ فاعلُه، ولم يعاقبْ تاركُه، وقد جزمَ المؤلفُ ـ رحمهُ الله ـ بهذا، وهو المشهورُ عند العلماءِ. وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إنَّها واجبةٌ؛ لقولِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:
(إذا رأيتم ذلك فصلّوا). قال ابنُ القيمِ في كتابِ "الصلاةِ" : وهو قولٌ قويٌّ، أي: القولُ بالوجوبِ، وصدقَ ـ رحمهُ اللهُ ـ؛ لأنَّ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَ بها وخرجَ فزعًا، وقال: إنَّها تخويفٌ، وخطبَ خطبةً عظيمةً، وعُرضتْ عليه الجنةُ والنارُ، وكلُّ هذه القرائنِ العظيمةِ تُشعرُ بوجوبِها؛ لأنَّها قرائنُ عظيمةٌ، ولو قلنا: إنَّها ليست بواجبةٍ، وإنَّ الناسَ مع وجودِ الكسوفِ إذا تركوها مع هذا الأمرِ من النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ والتأكيدِ فلا إثمَ عليهم لكانَ في هذا شيءٌ من النظرِ، كيف يكونُ تخويفًا ثمَّ لا نُبالي وكأنَّه أمرٌ عاديٌّ؟ أينَ الخوفٌ؟ التخويفُ يستدعي خوفًا، والخوفُ يستدعي امتثالًا لأمرِ النبيّ عليه الصلاةُ والسلامُ.
واستدلَّ الذين قالوا بأنَّها سنةٌ بما يلي:
1 ـ الحديثُ المشهورُ في قصةِ الذي جاءَ يسألُ عن الإسلامِ؛ وذكرَ له النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الصلوات الخمس،
(قال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أن تطوع).
2 ـ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بعثَ معاذًا إلى اليمنِ في آخرِ حياتِه في السنّةِ العاشرةِ، وقال:
(أخبرهم بأنَّ اللهَ فرضَ عليهم خمسَ صلواتٍ)، ولم يذكرْ سِواها.
قالوا: هذانِ الحديثانِ، وأمثالهما يدلّانِ على أنَّ الأمرَ بالصلاةِ في الكسوفِ للاستحبابِ، وليس للوجوبِ. والذين قالوا بالوجوبِ قالوا: إنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ذكرَ الصلواتِ الخمسِ؛ لأنّها اليومية التي تتكررُ في كلِّ زمانٍ وفي كلِّ مكانٍ، أمَّا صلاةُ الكسوفِ، وتحيةُ المسجدِ على القولِ بالوجوبِ، وما أشبَه ذلك، فإنّها تجبُ بأسبابِها، وما وجبَ بسببٍ فإنَّه ليسَ كالواجبِ المطلقِ. قالوا: ولهذا لو نذرَ الإنسانُ أن يُصلّيَ ركعتين لوجبَ عليه أن يُصلّيَ مع أنّها ليست من الصلواتِ الخمسِ، لكن وجبتْ بسببِ نذرِهِ، فما وجبَ بسببٍ ليس كالذي يجبُ مُطلقًا.
وهذا القولُ قويٌّ جدًا، ولا أرى أنَّه يسوغُ أنْ يرى الناسُ كسوفَ الشمسِ أو القمرِ ثمَّ لا يُبالونَ به، كلٌّ في تجارتِه، كلٌّ في لهوهِ، كلٌّ في مزرعتِه، فهذا شيءٌ يُخشى أن تنزلَ بسببِه العقوبةُ التي أنذرنا اللهُ إيّاها بهذا الكسوفِ، فالقولُ بالوجوبِ أقوى من القولِ بالاستحبابِ.

– الشيخ: ليس أقوى فقط، بل قَولٌ قويٌّ، يعني كلُّ المعاني التي ذكرَها الشيخُ تُؤكّدُ القولَ بالوجوبِ، والفعلُ الذي اهتمَّ به الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- اهتمامًا عظيمًا حتى نادى لها، وحتى قامَ وأطالَ الصلاةَ، وقولُه: (صلّوا وادعوا وتصدقوا حتى ينكشفَ ما بكم)، وذكرَ التخويفَ، فالقولُ بالوجوبِ قولٌ قويٌّ قوي.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وإذا قُلنا بالوجوبِ؛ الظاهرُ أنَّه على الكفايةِ.
– الشيخ:
هذا القولُ يحتاجُ إلى دليلٍ؛ لأنَّ الأصلَ في الأوامرِ هو العمومُ، "فصلّوا": هذا الأمرُ متوجّهٌ إلى كلِّ الناسِ، وهذا الكلامُ استظهارٌ منه من دونِ توجيهٍ.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
 وقولُه: "جماعةً وفُرادى": أي تُسنُّ جماعةً، وتُسنُّ فُرادى، أي: أنَّ الجماعةَ ليست شرطًا لها، بل يُسنُّ للناسِ في البيوتِ أن يُصلّوها. ودليلُ ذلك: عمومُ قولِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:
(إذا رأيتم ذلك فصلّوا)، فهذا عامٌّ، ولم يقلِ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: فصلّوا في مساجدِكم، مثلًا، فدلَّ ذلك على أنَّه يؤمرُ بها حتى الفردُ، ولكن لا شكَّ أنَّ اجتماعَ الناسِ أولى، بل الأفضلُ أن يُصلّوها في الجوامعِ؛ لأنَّ النبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ صلَّاها في مسجدٍ واحدٍ ودعا الناسَ إليها، ولأنَّ الكثرةَ في الغالبِ تكونُ أدعى للخشوعِ وحضورِ القلبِ، ولأنَّها ـ أي: الكثرةُ ـ أقربُ إلى إجابةِ الدعاءِ، فهي تُسنُّ في المساجدِ والبيوتِ، لكنَّ الأفضلَ في المساجدِ، وفي الجوامعِ أفضلُ.
– الشيخ:  وأظهرُ لإبرازِ أمرِ الكسوفِ، لأنَّه لو صلّوا متفرّقينَ لم يكن لها ذلك الوقعُ في النفوسِ، فقيامُ الرسولِ وخروجُه وندائُه ثمَّ صلاتُه تلك الصلاةَ؛ هذه الأمورُ كلُّها تجعلُ الأمرَ عظيمًا، وتُعظّمه في النفوسِ.
– مداخلةٌ: إذا قلنا بوجوبِها، هل تُجزئ بالبيتِ؟ ولو أنَّ بلدًا تواطئوا على تركِها وقالوا: كلُّ واحدٍ يُصلّي بالبيتِ؟
– الشيخيُجزئُه إن شاءَ اللهُ، ونقولُ: إنَّهم بصلاتِهم في بيوتِهم لم يتركوها، لكنّهم قصّروا وخالفوا السنَّةَ، لكن هذه افتراضاتٌ.
– مداخلةٌ: بالنسبةِ للمسألةِ الأخيرةِ من صلاةِ العيدين، ابنُ عثيمينَ قال: من فاتَتْه صلاةُ العيدِ فلا يقضيها، وهو قولُ شيخِ الإسلامِ ومذهبُ مالكٍ وأبي حنيفةَ خلافًا للمذهب.
– الشيخ:  يقولونَ أنَّ من القواعدِ الأصوليةِ: "أنَّ القضاءَ يحتاجُ إلى أمرٍ جديدٍ"، ولو لم يأتِ حديثُ: (من نامَ عن صلاةٍ أو نسيها فليُصلّها إذا ذكرها)، لقُلنا لمن نامَ عن صلاةٍ أو نسيها: ليس عليكَ قضاءٌ، فالأمرُ يفتقرُ إلى أمرٍ جديدٍ، هذا أصلُ هذا الكلامِ، ولم يأتِ أمرُ الناسِ بالقضاءِ، لكن نسألُ هل الجمعةُ تُقضى؟ لا تقضى، من فاتتْهُ صلاةُ الجمعةِ فإنَّه لا يقضيها لا جماعةً ولا فُرادى، لكن يجبُ عليهم فرضُ الوقتِ، من فاتتهم صلاةُ الجمعةِ فعليهم فرضُ الوقتِ وهو الظهرُ.

 


الأسئلة:
س1: من فاتَهُ الركوعُ الأولُ من الركعةِ الأولى من صلاةِ الكسوفِ، وأدركَ الركوعَ الثاني فهل يقضي هذه الركعةَ أم تُجزئُه؟
ج: المعروفُ عند الفقهاءِ أنَّ ركنَ الركعةِ هو الركوعُ الأولُ، وأنَّ الثاني سنَّةٌ، وذكروا فيه أنَّه يُحتملُ أن يُجزئه الركوعُ الثاني، وتصحُّ له الركعةُ الأولى، ويكونُ مُدركًا للركعةِ، وعندي أنَّ هذا قريبٌ؛ أنَّه من فاتَهُ الركوعُ الأولُ فإنَّه يُدركه بالركوعِ الثاني، يدركُ الركعةَ بالركوعِ الثاني.
……………………………………….
س2: مأمومٌ نسيَ قراءةَ الفاتحةِ في الصلاةِ السريّةِ، فهل يتحمّلها عنه الإمامُ؟
ج: المقصودُ: أنَّ صلاتَه صحيحةٌ، وتقدَّمتِ الإشارةُ إلى هذا، المأمومُ إذا نسيَ قراءةَ الفاتحةِ فإنَّها تسقُط عنه.
……………………………………….
س3: في وقتِ التكبيرِ المطلقِ هل يكونُ هناك تكبيرٌ في أدبارِ الصلواتِ أيضًا؟
ج: لا، يُكبّرُ بعدَ أن يفرغَ من الأذكارِ المشروعةِ في أدبارِ الصلواتِ.
……………………………………….
س4: رجلٌ يطلبُ الدعاءَ من كلِّ من قابَله، فهل فعلُه هذا داخلٌ في مسألةِ الناسِ المذمومةِ؟
ج: نعم، شيخُ الإسلامِ يُقرّرُ هذا، ويقولُ: لا ينبغي سؤالُ الدعاءِ، ولهذا جاءَ الثناءُ على السبعينَ ألفٍ الذين لا يسترقونَ، فطلبُ الدعاءِ من جنسِ طلبِ الرقيةِ، إلَّا أن يقصدَ الإنسانُ نفعَ المخاطَبِ وهو الطرفُ الثاني فينتفعُ الطرفان، أمَّا أن يقصدَ منفعةَ نفسِهِ بقولِه: "ادعُ لي"؛ فلا، ويتأوّلُ مثلَ حديثِ: (لا تنسنا يا أُخيَّ)، كذلك أحاديثُ الأمرِ، أمرِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمَّتَه بالصلاةِ عليه، يعني هذا من النبيّ تبليغٌ للشرعِ وإحسانٌ إلى الأمةِ وتوجيهٌ لهم بما يعودُ عليهم بالنفعِ، لهذا قال: (إنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرةً)، فعُلمَ أنَّ أمرَه بالصلاةِ عليه عائدٌ بالنفعِ لهم لا بحصولِ النفعِ له وإن كان هو حاصلٌ.
……………………………………….
س5: كيف يكونُ التوفيقُ والجمعُ بين قولِه سبحانَه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وبين قولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (إذا قضى اللهُ الأمرَ ضربتِ الملائكةُ بأجنحتِها كأنَّها سلسلةٌ في صفوانٍ…)؟
ج: الحديثُ (كأنَّه سلسلةٌ) ليس تمثيلًا، وليس صوتُ الربِّ مثلَ صوتِ السلسلةِ، هذا للتقريبِ، أنَّ كلامَه ينفذُ في مسامعِ الملائكةِ مُتتابعًا كما يتتابعُ صوتُ السلسلةِ إذا جَرَرْتها على حصى أو حجرٍ أملسٍ وهو الصفوانُ، ينفذهم: أي الصوتُ ينفذهم؛ أي ينفذُ في أسماعِهم فيصعقونَ.
……………………………………….
س6: هل من حديثٍ يصحُّ في الأخذِ من عوارضِ اللحيةِ؟
ج: لا أعلمُ أبدًا، الرسولُ أمرَ بإرخاءِ اللحى وتوفيرها، ولم يثبتْ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان يأخذُ من طولِها وعرضِها.
……………………………………….
س7: أريدُ أن أحفظَ أحاديثَ الأحكامِ، كيف أبدأُ، وكيف أبدأُ بالكتبِ ترتيبًا، علمًا أنّني من المبتدئين؟
ج: أحاديثُ الأحكامِ مُبيَّنةٌ في كتبِ الأحكامِ، تريدُ مختصرًا؟ خُذْ بلوغَ المرامِ والعمدةَ، تريدُ مطوّلًا؟ خُذْ كتابَ المنتقى، وكتبُ السننِ والصحيحين كلّها مُبوبةٌ على أبوابِ الأحكامِ.
……………………………………….
س8: أريدُ أن أعرفَ كيف يتعاملُ الابنُ مع أبيهُ، فبعضُ الأبناءِ آبائُهم يضربونَهم ويُقيدونَ حريَّتَهم ويكونُ الأبُ مُتصرّفًا في جميعِ شؤونِه؟
ج: هذا سؤالٌ يحتاجُ إلى مباشرةٍ، يعني تتصلُ على من تسألُه وتشرحُ حالتَكَ الخاصَّةَ مع أبيك، ليس في مثلِ هذا كلامٌ يُقالُ بتوجيهٍ عامٍّ، لكن نوصيكَ بالصبرِ وحسنِ المقابلةِ لوالدكَ إذا حصلَ منه ما تتأذَّى به من كلامٍ أو ضربٍ، عليك بالصبرِ، هذا والدُكَ فاصبرْ واحتسبْ، ولا تجعلْه كواحدٍ من الناسِ.

………………………………………
س9: رجلٌ يسعى لتوزيعِ الصدقات وإيصالِ الخيرِ للفقراءِ، يذهبُ ويجيءُ، يشتري ويُعطي، هل له أن يأخذَ أجرةَ سعيه ومشاويرِهِ بالقدرِ المعروفِ؟
ج: يُنبّهُ الذين يُعطونَه المالَ، يقولُ: إني آخذُ تكلفةَ الذهابِ واستئجارَ السيارةِ وما إلى ذلك، يُخبرهم؛ لأنَّ كثيرًا من الناسِ يدفعُ إليه المالَ على أنَّه يُوصلُه، مجرد وكيلٍ في التوصيلِ، ويمكنُ أن يقدّرَ هذا بنسبةٍ فيقول: أنا آخذُ واحدًا بالمئةِ أو اثنين بالمئةِ بحسبِ المالِ وبحسبِ الحالِ.              
 
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله