file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(35) باب الصلاة في النعلين والخفين

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقي) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الخامس والثلاثون

***     ***     ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ مجدُ الدينِ عبدُ السلامِ ابنُ تيميةَ الحرّانيّ -رحمَه اللهُ تعالى- في كتابِه المنتقى:

بَابُ الصَّلَاةِ فِي النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ

– الشيخ : الصَّلَاة فِي النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ، يعني بابُ جوازِ الصلاةِ، أو بابُ استحبابِ، هذا هو الصحيح: استحبابِ الصَّلَاةِ فِي النَّعْلَيْنِ، وقد ورد، وقد كانَ النبيُّ يصلي في نعلَيْهِ، وكانَ الصحابةُ يصلُّون في نعالِهم، وقالَ النبيُّ: (صَلُّوا في نِعَالِكُمْ، فَإنَّ اليهودَ لا يُصَلُّونَ في نِعَالهِمْ)، وقال: (إذا وَطِئَ أحدُكُم الأذى بخفَّيْهِ فليمْسَحْهُ وليُصلِّ فيهِما).

وهذا مناسبٌ إذا كان الإنسان يصلي على الترابِ، وعلى أرضِ المساجد كما كانت، أمَّا والمساجد الآن قد فُرِشَتْ بهذه الفُرُشِ، فإنَّ الصلاةَ بالنَّعلينِ يُعَرِّضُ هذه الفُرُشَ والمساجدَ إلى الأذى.

أمَّا لما كانتِ المساجدُ ترابيةً، يعني لا يتبيَّنُ فيها شيءٌ، إذا صلَّى الإنسان ودخلَ الناسُ بنعالِهم في المسجدِ، أمَّا الآن لو دخلوا للمسجدِ أَنْتَنَ المسجدُ وتقذَّرَ.

 

– القارئ : عَنْ أَبِي مَسْلَمَةُ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «سَأَلْت أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

بَابُ الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالْمَأْذُونِ فِيهَا لِلصَّلَاةِ.

– الشيخ : الأصلُ أنَّ الأرضَ كلَّها مسجدٌ، كلُّها مسجدٌ، كلُّ الأرض مأذونٌ فيها بالصلاة، إلا مواضعَ معينة مخصوصةً منها المواضع النَّجِسَة، النَّجِسَة التي قد تَنَجَّسَتْ بشيءٍ من أنواع النَّجاسةِ، وكذلك المقبرةُ والحَمَّامُ، هناكَ مواضع مُختلَفٌ فيها.

 

– القارئ : عَنْ جَابِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضِ طَيِّبَةً مَسْجِدًا وَطَهُورًا). رَوَاهُ الْخَطَّابِيِّ بِإِسْنَادِهِ.

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)، قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى)، قُلْت: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً)، قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (حَيْثُمَا أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّ فَكُلُّهَا مسجد) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

– الشيخ : النَّهيُ عن الصلاة في المقابِر وعند القبورِ مُستفيضةٌ عن النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-.

والصحيح أنَّ الحكمةَ في النهيِّ هو: أنَّ ذلكَ يؤدِّي إلى الشِّركِ، وسيلةٌ إلى الشِّركِ، لا كما يقول بعضُهم: أنها تكون مُلَوَّثَةً بصديدِ الموتى، وأنه نُهي عن الصلاة فيها من أجلِ النَّجاسةِ، لا. الصحيحُ أنه نُهي عنها؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى الغُلُوِّ في بعضِها وإلى عبادَتِها.

 

– القارئ : وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

– الشيخ : (اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تجعلوها قُبُورًا)، إذا لم تصلُّوا في بيوتِكم فقد شَبَّهْتُوها بالقبور؛ لعدمِ الصلاة فيها.

 

– القارئ : وَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: (إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وصالحِيْهِم مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

– الشيخ : وهذا من الأدلَّةِ على جوازِ الصلاةِ في مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وهذا يدلُّ على طهارةِ أبوالِها وأبْعَارِها. (وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ)، الأماكن التي تُقيمُ فيها عندَ الماء.

وهذا كالفَرقِ بين الإبلِ والغنمِ في نقضِ الوضوءِ، فلحمُ الغنمِ لا يَنقضُ الوضوءَ بخلافِ الإبلِ، سُئِل النبي -صلى الله عليه وسلم- قيلَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لحمِ الإِبلِ؟ قال: (نَعَمْ)، ومن لحم الغنم؟ قال: (إِنْ شِئْتَ).

 

– القارئ : وَعَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي معاطن الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ». رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: ليس إسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَهُ، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَشْبَهُ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْعُمَرِيِّ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.

– الشيخ : انتهى؟

– القارئ : نعم، بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْكَعْبَةِ.

– الشيخ : إلى هنا. هذه المواضعُ السبعةُ مِنها ما ثبتَ في الحديث الصحيح كالمقبرةِ والحَمَّام.

وأمَّا المزبلةُ والمجزرةُ فإنَّه يُنهى عن الصلاةِ فيها؛ لما يُخشى من النَّجاسةِ، فإذا كانَ الموضعُ الذي في المجزرةِ نظيفاً ليسَ فيه دَمٌ ولا نجاسةٌ جازتِ الصلاةُ فيه، لا يُنهى عنها؛ لأنَّ الأحاديثَ في هذا ضعيفةٌ، كذلك المزبلةُ التي تُرمى فيها القُمامات، إذا صار فيها جانبٌ نظيفٌ ما فيه نجاسات لا يُنهى عن الصلاةِ فيه؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ الأرضَ كلَّها مسجدٌ، فلا يُنهى عن الصلاة في موضعٍ إلا بدليلٍ صحيحٍ.

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه