file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(39) أبواب استقبال القبلة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقي) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: التَّاسع والثلاثون

***     ***     ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ تيميةَ الحرَّانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ"

أبوابُ استقبالِ القبلةِ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، القبلةُ هي الكعبةُ، وجاءَ التعبيرُ عنها بالمسجد الحرام وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ، قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] وقد استقبلَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أوَّل الأمرِ بيت المقدس، حتَّى بعد الهجرةِ لم يزلْ يستقبلُ بيتَ المقدس مدَّةً، أكثرَ من سنةٍ ونصفٍ، ثمَّ نُسِخَ ذلك وحُوِّلَت القبلةُ، وصارت القبلةُ الآن هي الكعبةُ.

وجعلَ اللهُ ذلك شرطاً في الصلاة؛ فلا تصحُّ الصلاةُ إلَّا باستقبالِ القبلةِ، إلَّا ما استُثنيَ كالصلاةِ على الراحلة في السفر، وكذلك المعذورُ الَّذي لا يستطيعُ استقبالَ القبلة لكونه مصلوباً، أو أخطأَ، اجتهدَ وأخطأَ فإنَّها تصحُّ صلاته، وذلك من كرمِ الله وعفوِه ولطفِه بعبادهِ.

 

– القارئ : بَابُ وُجُوبِهِ لِلصَّلَاةِ

– الشيخ : بابُ وجوبُ استقبالِ القبلةِ للصلاةِ

– القارئ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ يَأْتِي ذِكْرُهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ»

– الشيخ : "ثمَّ استقبلْ القبلةَ" هذا هو الشاهدُ، "فَإِذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ثمَّ كبّرْ" فأمرَ باستقبالِ القبلةِ.

 

– القارئ : وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، الله أكبر، لما نزلَ قوله تعالى الآية: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ … هذا هو الأمرُ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وصارَ تحويلُ القبلة فتنةً، فقالَ الكفَّارُ من اليهود والمنافقين، مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:142] فالقبلةُ هي ما أمرَ اللهُ باستقباله شرقاً أو غرباً، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:142-143]

وهؤلاء الصحابةُ كانوا يصلّون مستقبلين بيتَ المقدسِ الأوَّل، على الحكمِ الأوَّلِ، فجاءَهم رجلٌ وهم يصلّون وأخبرَهم أنَّ الرسولَ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أُنزِلَ عليه قرآنٌ، وقد أمرَ باستقبال الكعبةِ القبلة، فسارعوا، وهم في الصلاة استداروا، استدارُوا استدارةً كاملةً؛ لأنَّهم كانت وجوهُهم إلى الشام، فاستدارُوا فصارتْ وجوهُهم إلى اليمنِ إلى الجنوبِ، لأنَّ هذه قبلة المدينة جنوب، اللهُ أكبرُ، وهذا مثالٌ على سرعة الطاعة والمبادرة إلى امتثالِ الأمرِ.

فكانتْ أوَّلُ صلاتِهم إلى بيتِ المقدسِ وآخرُها إلى الكعبةِ، وقد صحَّتْ صلاتُهم؛ لأنَّهم مطيعون للهِ في أوَّل صلاتهم وفي آخرها.

 

– القارئ : وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَنَزَلَتْ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وهو حجَّةٌ في قبولِ أخبارِ الآحادِ.

بَابُ حُجَّةِ مَنْ رَأَى فَرْضَ الْبَعِيدِ إصَابَةَ الْجِهَةِ لَا الْعَيْنِ

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، إذا كانَ الإنسانُ في الحرمِ فيجبُ استقبالُ عينِ الكعبةِ، إذا كانَ في المسجد، إذا كانَ في المسجد فيجبُ أن يصيبَ عينَ الكعبة، يعني فلو كانَ يعني الصفُّ طويلاً، لو مدُّوا الصفَّ كما يمكنُهم لزمَ من ذلك أن يكونَ طرفَ الصفِّ إلى غيرِ القبلةِ، إلى غيرِ الكعبةِ، ولهذا يضطرُّون إلى الاستدارةِ يضطرُّون، فتجدُ الصفَّ ينحني شيئاً فشيئاً، وكلَّما بعدوا اتَّسعَت الدائرةُ، كلما بعدوا اتَّسعت الدائرةُ، إلى أن تنتهي إلى ما لا نهايةٍ إلى الأقطارِ البعيدةِ.

وواجبُ البعيدِ إصابةُ الجهةِ، يعني لم يكلِّفْ اللهُ العبادَ أن يصيبوا عينَ الكعبةِ؛ لأنَّ هذا متعسِّرٌ مع البعدِ، مع بعدِ المسافة، فكانَ يكفيهم الجهةُ فقط، يُستدَلُّ لهذا بحديثِ: "ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ" خلاص، مثلنا الآن ما بين الشمال والجنوب قبلةٌ، الغرب، ولهذا لا يُشدَّدُ في استقبال القبلة، يعني: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] الانحرافُ اليسيرُ ما يضرُّ، لا إله إلَّا الله، وكانت المساجُد يعني المسلمون عندَ بنائِها يتحرُّون، يتحرُّون القبلةَ ويوجِّهون المسجدَ، يوجِّهون المسجدَ إلى جهة القبلة، لا إله إلَّا الله.

 

– القارئ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَوْلُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـمَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: «وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غُرِّبُوا» يَعضدُ ذلكَ ذَلِكَ

– الشيخ : حديثُ النهي عن استقبالِ القبلةِ ببولٍ أو غائطٍ، قال النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- نهى رسول الله قالَ: لا تستقبلوا القبلةَ.. القبلة في المدينة وما على سمتها، بغائطٍ أو بولٍ، لا تستقبلوا القبلةَ ولا تستدبروها بغائطٍ ولا بولٍ ولكن شرِّقُوا أو غرِّبُوا، فعُلِمَ أنَّ الانحرافَ إلى جهةِ الشرقِ يحصلُ به تركُ الاستقبالِ والاستدبارِ، استقبالُ القبلةِ واستدبارُها، ولكن شرِّقُوا أو غرِّبُوا، نعم يعضدُ ذلك بعده.

 

– القارئ : بَابُ تَرْكِ الْقِبْلَةِ لِعُذْرِ الْخَوْفِ

عَنْ نَافِعٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَصَفَهَا، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلُّوْا رِجَالًا قِيَامًا

– الشيخ : صَلَّوْا

– القارئ : صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا، قَالَ نَافِعٌ: فلَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

– الشيخ : على كلٍّ استقبالُ القبلةِ واجبٌ من الواجبات، وكلُّ واجبٍ شرطُه الاستطاعةُ، فيجوزُ تركُ استقبال القبلة للضرورة، إمَّا لشدَّة الخوف أو لضررٍ يصيبُ الإنسانَ، المريضُ الَّذي لا يستطيعُ التحوُّلَ يجزئُه أنْ يصلّي للجهةِ الَّتي هو موجَّهٌ إليها

– القارئ : بَابُ تَطَوُّعِ الْمُسَافِرِ عَلَى مَرْكُوبِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَ بِهِ

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه