الرئيسية/شروحات الكتب/المنتقى في الأحكام الشرعية من كلام خير البرية/(47) باب ما جاء في السكتتين قبل القراءة وبعدها
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(47) باب ما جاء في السكتتين قبل القراءة وبعدها

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقي) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: السَّابع والأربعون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدين عبدُ السلامِ بن تيمية الحرّاني -رحمه الله- في كتابه "المنتقى في الأحكامِ الشرعيةِ مِن كلامِ خيرِ البريةِ صلى الله عليه وسلم":

بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّكْتَتَيْنِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَهَا:

عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – "أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ، إذَا اسْتَفْتَحَ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا".

وَفِي رِوَايَةٍ "سَكْتَةً إذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] رَوَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُد، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ.

بَابُ التَّكْبِيرِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ

– الشيخ : سَكَتَاتٍ: أمَّا سَكْتَةً هذه مُتَفَقٌّ عليها وهي السكتةُ التي بعدَ تكبيرةِ الإحرام وقبلَ القراءةِ، ثابتة في الصحيحين مِن حديث أبي هريرة.

وكذلك السَّكْتَةُ التي بعد كلِّ القراءة، هذه سكتةٌ خفيفةٌ جداً، يمكن يحتاجها القارئُ لِترادِّ النَّفَسِ.

وأمَّا السكوتُ بعدَ الفاتحةِ فهذا مُختلفٌ فيه. والروايةُ الثانيةُ تدلُّ عليها أنَّه في حديثِ سَمُرَة أنَّه كانَ يسكتُ إذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.

فلاختلافِ الروايةِ في حديثِ سَمُرَة اختلفَ العلماءُ: فمنهم مَن أثبتَ السَّكْتَةَ الثانيةَ، ومنهم مَن لمْ يُثْبِتْهَا وإنَّما قالَ: إنًّما هما سَكتتانِ.

 

– القارئ : بَابُ التَّكْبِيرِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ:

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رَفْعٍ، وَخَفْضٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: "قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: صَلَّيْتُ الظُّهْرَ بِالْبَطْحَاءِ خَلْفَ شَيْخٍ أَحْمَقَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً يُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ صَلَاةُ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ

وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: (إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ، يُجِبْكُمْ اللَّهُ، وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ).

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِه: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ: (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا). انتهى.

– الشيخ : لا إله إلا الله، تضمَّنتِ هذه الأحاديث جملةً مِن صفةِ الصلاة، والصلاةُ: أقوالٌ وأفعالٌ تُفْتَتَحُ بالتكبيرِ وتُخْتَمُ بالتسليمِ، وقد بَيَّنَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفةَ الصلاة بقولِه وبفعلِه وقال: (صَلُّوا كمَا رَأَيْتمُوني أُصَلِّي)، وعلَّمَ الـمُسيءَ الصلاة.

 ومِن صفةِ الصلاةِ التكبيرُ، تكبيراتِ الانتقالِ، أهلُ العلمِ يُسمِّونها تكبيراتِ الانتقالِ: الانتقالُ من القيام للركوعِ، ومِن القيام للسجود، والرفعُ مِن السجود، والقيامُ بعد القعود، كلُه تكبيرٌ.

ففي الصلاةِ في كلِّ ركعةٍ خمسُ تكبيراتٍ عدا تكبيرةِ الإحرامِ في الركعةِ الأولى، يُكبِّرُ إذا ركعَ، وإذا سجدَ، وإذا رفعَ، وإذا سجدَ، وإذا رفعَ، هذه خمسٌ، تكبيرةُ الإحرامِ السادسة في الركعة الأولى.

وفي الثانيةِ: كذلكَ خمسَ تكبيراتٍ لأنَّ التكبيرةَ الخامسةَ هي التكبير للقيامِ من التشهُّدِ فتكونُ خمس.

وفي الثالثة: أربعُ تكبيراتٍ، والرابعةُ: أربعُ تكبيراتٍ، عندك أربعٌ وأربعٌ وخمسٌ وخمسٌ: خمسٌ وخمسٌ عشرة، وأربعٌ وأربعٌ ثمانيةَ عشرَ، هذا في الرباعيةِ، في الرباعيةِ ثمانية عشر تكبيرة.

تكبيرةُ الإحرام في الأولى خمسٌ: يكبِّرُ إذا ركعَ وإذا سجدَ، وإذا رفعَ، وإذا سجدَ، وإذا رفعَ، تكونُ الأولى ستٌّ، والثانية ستٌّ فتكونُ المجموعُ يظهرُ عشرين تكبيرة: الأولى ستّ، أربعُ تكبيراتٍ، بلْ خمسٌ وتكبيرةُ الإحرامِ السادسة، والركعةُ الثانيةُ كذلكَ ستٌّ هذه ثنتا عشرةَ ركعة، والتكبيرة [يقصد: الركعة] الثالثة تكونُ خمسٌ أيضاً وخمسٌ، فصار المجموع ثنتانِ وعشرونَ تكبيرةً، كما قالَ في الرواية كون تكبيراتِ الانتقالِ إحدى وعشرينَ تكبيرةً، وتكبيرةُ الإحرامِ تمامُ ثنتينِ وعشرينَ تكبيرة، لا إله إلا الله.

ويُستدلُّ بهذا الحديثِ على مشروعيةِ التكبيرِ في سجودِ التلاوةِ في الصلاةِ، فإذا سجدَ المصلِّي سجودَ التلاوةِ فإنه يُكبِّرُ للسجودِ، وكذلكَ للقيامِ، خلافَ ما يظنُّه بعضُ الناس، بعضُ الناس إذا سجدَ سجودَ التلاوةِ ثمَّ قام لا يُكبِّرُ، وهذا خلافُ ما جاء في الأحاديثِ الصحيحة من أنَّه -عليه الصلاة والسلام- كان يُكبِّرُ في كلِّ خفضٍ ورفعٍ. نعم يا محمد، أيش بعده؟   

 

– القارئ : بَابُ جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ وَتَبْلِيغِ الْغَيْرِ لَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ:

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "صَلَّى بِنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِينَ سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ لِأَحْمَدَ بِلَفْظٍ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا.

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ، كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُنَا".

– الشيخ : في هذه الأحاديث الدَّلالةُ على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجهرُ بتكبيرات الانتقالِ، وهذا لا بدَّ منه؛ لحاجةِ المأمومين، لكن إذا كان مثلاً ليس هناكَ جماعةٌ، قد يكون مثل صلاتِه بابنِ عباسٍ لا يحتاجُ إلى جهرٍ، ولما ضَعُفَ النبيُّ صلَّى بالناسِ وهو مريضٌ وجلسَ على يسارِ أبي بكر في مرضِه -عليه الصلاة والسلام- فصارَ يُصلي بالناس، وصوتُه ضعيفٌ صار أبو بكر يُسمِعُ الناسَ. استُدلَّ بهذا على جوازِ وجود مُبلِّغٍ عندَ الحاجةِ، فإذا كانَ الإمامُ لا يُسمَعُ صوتَه، أو كانَ الناسُ كثيرٌ لا يُسمِعُهُم الإمامُ: فإنه يجوزُ أنْ يكون هناكَ من يرفعُ صوتَه؛ ليُسمِعَ الناسَ بحالِ الإمامِ، يُسْمِعَ الناسَ حالَ الإمام، قائمًا وقاعداً وراكعاً وساجدًا.

والآن الذي يفعلُه الناس في بعضِ المساجدِ أو في الحرمين على العادةِ القديمةِ، كان هناك مُنَبِّهُونَ لا مُنَبِّهٌ واحدٌ قبل وجود الـمُكبِّرات، مُنَبِّهُونَ واحدٌ بعدَ واحدٍ، لأنه كانَ الناسُ كثير، الـمُنَبِّهٌ الأول لا يُسمِع كلَّ مَن خلفَه، فيكون هناك مُنَبِّهٌ آخر في الصفوفِ المـُتاخِّرة، وأما الآن مع وجودِ هذه الأسبابِ وهذه الوسائل العجيبة فهم لا حاجةَ إلى وجودِ مُنَبِّهٌ هذا هو البيِّنُ، صوتُ الإمامِ مسموعٌ، والمكبراتُ والسَّماعاتُ كثيرةٌ جداً يسمعُ الناسُ كلُّهم صوتَ الإمام.

 

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه