file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(48) باب هيئات الركوع

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقي) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الثَّامن والأربعون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قال الإمامُ مجدُ الدين عبدُ السلام ابن تيميةَ الحرَّانيّ -رحمه الله تعالى- في كتابه "المُنتقى في الأحكامِ الشرعية من كلامِ خيرِ البريَّة صلى الله عليه وسلم":

بَابُ هَيْئَاتِ الرُّكُوعِ

– الشيخ : هيئاتُ الركوعِ: الهيئةُ: الصفةُ -صفةُ الركوعِ- كيفَ يكونُ الركوعُ؟ وعبارتُه -رحمه الله- تدلُّ على أنَّ الركوعَ لَه هيئاتٌ، والعلماء يضبطونَ، والفقهاءُ يضبطونَ الركوعَ بأنَّ الـمُجْزِي بأنْ تَنْحَنِي حتى تصلَ يداكَ ركبتَيْكَ، يعني لا بدَّ أنْ تنحنيَ بهذا المقدارِ أقلّ شيء؛ لأنَّه -عليهِ الصلاة والسلام- كانَ يضعُ كفيهِ على ركبتيِه في الركوعِ.

– القارئ : عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ رَكَعَ فَجَافَى يَدَيْهِ

– الشيخ : فَجَافَى: يعني: عَضُدَيْهِ عن جَنْبَيْهِ.

– القارئ : وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا، فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

– الشيخ : دَلَّتْ هذه الأحاديثُ على صفةِ الركوعِ، صفةُ الركوعِ في الصلاةِ بحيثُ يَنْحَني المصلي حتى يضعَ كَفِّيهِ على ركبتَيهِ ويُجافي عَضُدَيْهِ عَن جَنْبَيهِ، الـمُجَافَاةُ بمعنى أنَّه لا يُلْزِقُها في جنبِه.

وكذلك تضمَّنَتْ صفةَ وضعِ اليدينِ على الركبتينِ وأنه يضعُهُما مُفرِّجَاً للأصابعِ، لا تكونُ مضمومةً مجتمعةً فيجعلُ راحتيهِ على ركبتيهِ ويُفرِّجُ الأصابعَ، كأنَّهُ قَابِضٌ على ركبتيهِ بالضبطِ، فلا يقولُ هكذا أو يقول كذا، لا، يضعُ الكفَّ، يضعُ الراحةِ على الركبةِ ويُفرِّجُ بينَ الأصابعِ. انتهى.

 

– القارئ : بَابُ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ

– الشيخ : الحقيقة أنه ما تضمَّنَ هذه الأحاديث إلا صفةَ اليدينِ في حالِ الركوعِ، وإلا للركوعِ جوانبُ أخرى مِن جهةِ كذلك استقامةِ الصُّلْبِ، وكذلكَ الرأسُ لا يُشْخِصُهُ إلى فوقَ، ولا يُصَوِّبُهُ إلى الأرضِ، بلْ يكونُ معتدلًا، حتى أنَّهُ في صفةِ صلاةِ النَّبيِّ ركعَ حتى هَصَرَ ظهرَه، ولا يكونَ مُقَوِّسَاً بلْ يكونُ مستقيماً، هذه مِن هيئاتِ الركوعِ، لكن ما أدري ما يمكن سيأتي في صفةِ صلاةِ النبي إجمالاً يمكن في أحاديث أخرى.

 

– القارئ : عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) وَفِي سُجُودِهِ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) وَمَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ، وَلَا آيَةُ عَذَابٍ إلَّا تَعَوَّذَ مِنْهَا" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

– الشيخ : هذا المعروفُ أنَّ هذا حصلَ في صلاتِهِ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعضِ الليالي في قيامِ الليلِ، لا في صلاةِ الفريضةِ، هذا يَدُلُّ على أنَّ هذا الذِّكرَ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) في الركوع (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) في السجود، هو المشروعٌ ويُستدَلُّ لَه بالحديثِ الآخَرِ لما نزلت الآية: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قالَ: (اجْعَلُوهَا في ركوعِكُمْ) سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى:1] قال: (اجْعَلُوهَا في سُجودِكُم) وقال في الركوع: (فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ).

 

– القارئ : وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ) فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى قَالَ: (اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

 وَعَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

– الشيخ : هذا الحديثُ جاءَ في الصحيحِ أنه صارَ يقولُ ذلكَ لما نزلتْ آيةُ النصرِ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لما نزلَ قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [النصر:1-3] قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) "يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ" يعني: يعملُ بما في هذهِ السورةِ مِن الأمرِ بالتسبيحِ والاستغفارِ، "يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ" معنى يَتَأَوَّلُ يعني: يعملُ بالقرآنِ ويَؤوِّلُهُ ويُفَسِّرُهُ بالفعلِ.

 

– القارئ : وَعَنْ عَوْنٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مُرْسَلٌ، عَوْنٌ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ.

– الشيخ : على أيِّ حالٍ عندَ الفقهاءِ الواجبُ هو مرَّة لكن معَ الطُمأنينةِ، الواجبُ من هذا الذِّكْرِ مرَّة ولكن معَ الطُمأنينةِ، ما هو يُومي برأسِهِ ويقول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، لا. إذا ركعَ وقالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، فإنَّ ذلكَ يُجزئه، والأفضلُ أنْ يزيدَ.

 

– القارئ : وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْفَتَى -يَعْنِي: عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ- قَالَ: فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

– الشيخ : لا إله إلا الله، التسبيحةُ الواحدةُ مُجزِئَةٌ يعني: تصحُّ الصلاةُ، ومَنْ زادَ كانَ أكملَ، وأدنى الكمالِ ثلاثٌ، وإنْ زادَ كانَ أفضل، وعشرُ تسبيحاتٍ تَرى ما هي بالكثيرة، ما هي ثقيلة، يعني الذي يُكمِّلُ صلاتَهُ تزيدُ صلاتُه عَن صلاةِ الآخرين الي يخففون يمكن تزيدُ خمسَ دقائق.

 

– القارئ : بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

– الشيخ : إلى هنا حسبُك.

– طالب: أحسنَ الله إليك، التسبيحاتُ العشرُ عندَ شيخِ الإسلام وابنِ القيم يقولون: تسبيحاتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت عشر، كأنّ الحديثَ هذا هو المستند؟

– الشيخ : طيّب، لكن هذا الـمُستَنَدُ، على سبيلِ الأفضليةِ، ما هو على سبيلِ الحتميةِ، الصلاةُ الـمُجزئةُ صلاةُ ما قالَه النبيُّ للمُسِيءِ: (فَارْكَعْ حتى تَطْمَئِنَّ راَكِعَاً وَارْفَعْ حتى تعتدِلَ قَائمًا) إلى آخرِه، هذا القدْرُ الـمُجْزئُ، أقلُّ شيءٍ.

لكن ملاحظةٌ أنه ينبغي للإمامِ ألا يكتفيَ بالمجزئِ لنفسِه يُسبِّحُ ثلاثَ تسبيحاتٍ مثلاً، لا بدَّ يراعي مَن خلفَه، لا في تركِ التطويلِ، بلْ يراعي مَن خَلْفَهُ بتركِ التخفيفِ أيضًا؛ لأنَّهُ إذا خفَّفَ أو اكتفى بما يُجزئُهُ لو صلَّى منفردًا، أخلَّ بصلاةِ مَنْ خلفَهُ؛ لأنَّ الذين خَلْفَهُ يحتاجون إلى وقتٍ، اللي ثقيل، واللي كذا، واللي يمكن ما أنه ما هو بعجل في حركتِه، وكذلكَ في القراءةِ، يعني يُجرِّبُ بعضُ المأمومين ما شاء الله يقرأُ الفاتحةَ بسرعةٍ مثلاً في الركعتينِ الأُخريينِ، قراءتُهُ خفيفةٌ، لكن أنا أقرأُ قراءَتي ثقيلةٌ بعضَ الشيء، فيحتاجُ إلى أنَّه يتمهَّلُ، يُراعي المأمومينَ خلفَهُ، بحيثُ لا يُفوِّتُهم شيئاً مِن واجباتِ الصلاةِ.

– طالب: الدعاء في الركوع أحسنَ الله إليك؟

– الشيخ : هذا كما سمعتَ في الحديثِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)

– طالب: (أمَّا الركوعَ فَعَظِّمُوا فيهِ الرَّبَّ)

– الشيخ : أيْ هذا الأصلُ، الغالبُ التسبيحُ والتعظيمُ، لكن جاءَ في الحديثِ كانَ يقول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي). فلا بأسَ، يعني نقولُ: أنَّ الركوعَ أخصُّ بالتعظيمِ، والسجودُ أخصُّ بالدعاءِ، وكلاهُمَا فيهِ تعظيمٌ ودعاءٌ.

– طالب: وضعُ اليدينِ على الركبتينِ أصابعُ اليدينِ أسفلَ إلى الأرضِ أو القِبلة؟

– الشيخ : يعني تقول كذا.

 

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه