file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(50) باب في أن الانتصاب بعد الركوع فرض

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الخمسون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ ابنُ تيميةَ الحرَّاني رحمَه اللهُ في كتابِه: "الـمُنْتَقى في الأحكامِ الشرعيةِ مِن كلامِ خيرِ البريةِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ": 

بَابٌ فِي أَنَّ الِانْتِصَابَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرْضٌ

– الشيخ : الِانْتِصَابَ: الاعتدالُ، الاعتدالُ بعدَ الركوعِ واجبٌ، يعني: ما يكفي أنْ يرفعَ الإنسانُ رأسَهُ ثمَّ يَهْوي، لا، وهذا قدْ دلَّ عليهِ قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وفعلُهُ، فالذي لا يَعْتَدِلُ لا تصحُّ صلاتُهُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ للمُسِيءِ: (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا)، وقالَ في السجودِ كذلكَ: (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا) فإذا رأى الإنسانُ مَنْ لا يَعْتَدلُ يُعَلِّمُهُ ويُنكِرُ عليهِ بأنَّه لا بُدَّ مِن الاعتدالِ، لابدَّ يعتدلَ انْتِصَابٌ مع شيءٍ مِن الطمأنينة.

 

– القارئ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْظُرُ الله إلَى صَلَاةِ رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

 وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

– الشيخ : نعم، وكلُّ هذه الاحاديثِ فيها: الدَّلالةُ على أنَّه لابدَّ مِن الاعتدالِ بعدَ الركوعِ والسجودِ، وفيها: التصريحُ بذمِّ مَن يفعلُ ذلكَ، بذمِّه أنَّ اللهَ لا يَنظرُ إلى صلاتِهِ، وأنَّ صلاتَهُ لا تُجزِئُ، وهذا كلُّهُ مُوافِقٌ لما جاءَ في حديثِ الـمُسيء، فإنَّ الرسولَ أَمَرَهُ بأنْ يعتدلَ: (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا)، (حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا) وهكذا كانَ النبيُّ في صلاتِهِ كانَ يَعتدلُ ويَطمئنُّ، بلْ ويُطيلُ القيامَ بعدَ الركوعِ، والجلوسِ بعدَ السُّجود، وقالَ: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلِّي).

 

– القارئ : بَابُ هَيْئَاتِ السُّجُودِ وَكَيْفَ الْهَوِيُّ إلَيْهِ.

– الشيخ : الله أكبرُ، الله الـمُستعان، السجودُ أحدُ أركانِ الصلاةِ، اللهُ يقول: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج: 77] بلْ هو أفضلُ أركانِ الصلاةِ؛ لأنَّه هو الذي يتضمَّنُ كمالَ الخضوعِ ظاهرًا وباطنًا، سجودٌ.

وللسجودِ هيئةٌ أو هيئاتٌ بَيَّنَهَا الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بقولِهِ وفعلِهِ، فيسجدُ على سبعةِ أعْظُمٍ، ويُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، فهكذا يكونُ السجودُ.

 

– القارئ : وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ

– الشيخ : هذا فيما إذا سجدَ مِن قيامٍ، إذا سجدَ مِن قيامٍ يضعُ رُكْبَتَيْهِ قبلَ يديهِ، هذا هو الأفضلُ، هذه هي الهيئةُ الحَسَنَةُ الواردةُ التي دلَّ عليها فِعْلَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

 

– القارئ : وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ الْخَطَّابِيَّ: حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا.

– الشيخ : على كلِّ حالٍ هذانِ الحديثانِ مُتَعَارِضَانِ في الظاهرِ، ظاهرُهما التَّعارضُ؛ لأنَّ الأولَ يدلُّ على تقديمِ الركبتينِ، وهذا يدلُّ على تقديمِ اليدينِ على الركبتينِ عندَ السجودِ بعدَ القيامِ، ولهذا صارَ في هذا الشأنِ اختلافٌ، ورجَّحَ الأكثرُ: الأولَ -تقديمَ الركبتينِ- وهو المناسِبُ.

لكن إذا أرادَ أنْ يركعَ ما يَبْرُكْ كما يَبْرُكُ البعيرُ، يطيح، أنتم تعرفون البعير إذا بَرَكَ فإنَّهُ يبرُكُ على يديهِ ولكن بقوةٍ، لكن المصلِّي لا ينزلُ الهُـوَيْنَى حتى يضعَ ركبتيهِ على الأرضِ دونَ أنْ يَسقطَ مِن فوق، مِن عُلُوٍّ، مِن قيامٍ يطيح على ركبتَيْهِ، لا، يضعُ ركبتَيْهِ بسهولةٍ ويُسْرٍ ثمَّ يديهِ، وأحيانًا يَشُقُّ على الإنسانِ فلا يُقدِّم ركبَتَيْهِ، والأمرُ في هذا واسعٌ.

 

– القارئ : وَعَنْ عَبْدِ الله ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبِطَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : هذا معنى أنه يُجافي عَضُدَيهِ عَن جَنْبَيْهِ، حتى يُرى بَياضُ إبِطَيْهِ، لأنه فيما إذا كانَ عليه رِدَاءٌ، أمَّا إذا كانَ لابسًا لقميصٍ فلا يُرى بياضُ إبطيهِ، لأنَّ الغالِبَ في لباسِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الإزارُ والرِّداءُ، والض عليهِ الرِّداءُ إذا جَنَّحَ يظهرُ إبِطَهُ، أمَّا إذا كانَ لابساً لقميصٍ ونحوه فلا يبدو منه، وهذا لبيانِ شدةِ تَجْنِيْحِهِ ومُجَافَاتِهِ عَضُدَيهِ عَن جَنْبَيْهِ. أعدِ الحديث.

 

– القارئ : وَعَنْ عَبْدِ الله ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبِطَيْهِ"

– الشيخ : بياضٌ، الوضَحُ: البَيَاضُ.

– القارئ : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

– الشيخ : هذا أيضًا مِن آدابِ السُّجودِ، يسجدُ على سبعةِ أعْظُمٍ، ويرفعُ مِرْفَقَيْهِ وذِرَاعَيْهِ، فلا يَبْسُطُ ذِرَاعَيهِ وهو ساجدٌ، فهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ الرسولَ نهى عنه، بلْ وشَبَّهَهُ بالكلبِ، مَنْ يفعلُ هذا (ولا يَبْسُطْ أحدَكُمْ ذِرَاعَيهِ انْبِسَاطَ الكلبِ) الكلبُ إذا رَبَضَ يَبْسُطُ ذِرَاعَيهِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ سبحان الله! وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف:18]  الله أكبر، نعم أعد حديثَ أنس.

 

– القارئ : وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ

– الشيخ : (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ) أصلُهُ إذا الإنسانَ وضعَ ذِرَاعَيْهِ يَنْحَني ظهرُهُ، ولكن إذا رفعَ ذِرَاعَيْهِ ومِرْفَقَيْهِ يَصيرُ ظهرُهُ مُعتدلًا، وظهرُهُ مُنحَدِرًا مِن علوٍّ إلى..

– القارئ : (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ، رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

– الشيخ : كذلكَ مِن آدابِ السجودِ التفريقُ بينَ الفخذين، وهذهِ بعضُها قريبٌ مِن بعضٍ، إذا بَسَطَ ذِرَاعَيْهِ نزلَ بطنُهُ على فَخِذَيْهِ، لكن لا، يرفعُ مِرْفَقَيْهِ ويصيرُ يعتمدُ على كَفَّيهِ، يكونُ يتحامل على كَفَّيْهِ وعلى جَبْهَتِهِ، ويرفعُ البطنَ عن الفخذينِ، بحيثُ يكونُ سجودُهُ معتدلًا.

 

– القارئ : وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

– الشيخ : كلُّ هذا يتضمَّن بيانَ هيئةِ السجودِ، وكلُّ راوٍ يأتي بشيءٍ مِن ذلكَ، مجموعُ الرواياتِ يدلُّ على أنَّ المشروعَ أنْ يسجدَ على سبعةِ أعضاءٍ كما سيأتي، ويُمكَّنَ جبهتَهُ مِن الأرضِ، ما هو بس يخليها تلامِس، ما يكفي أنَّكَ تخليها تلامس، لا، اعتمدْ عليها، الذي يُلامِس كأنَّه يَتَحَاشَى أنْ تصيبَ جبهتُهُ الأرضَ وتتمكَّنَ منها، إذا مَكَّنَهَا يعلَقُ فيها الترابُ، والرسولُ عليه الصلاة والسلام لَمّا صلَّى في بعضِ ليالي رمضان وكانَ قد وَكَفَ المسجدُ رُؤيَ على جبهتِهِ وأنفِهِ أثرُ الماءِ والطينِ، فكان النبيُّ يُمَكِّنُ جبهتَهُ وأنفَهُ مِن الأرضِ في السجودِ، والآن عندك -ما شاء الله- المساجدُ مفروشةٌ ما عندك ترابٌ ولا شيء، الله المُستعان، لو يصير المسجد تراب أحدُهم يأتي بسجادةٍ حتى لا يصيبَ التراب.

– القارئ : باب أعضاء السجود

– الشيخ : إلى هنا بس، حَسْبُكَ.

– القارئ : أحسنَ الله إليك.

– الشيخ : اللهم صلِّ وسلِّم وبارك.

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه