file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(51) باب أعضاء السجود

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الحادي والخمسون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قالَ الإمامُ مجدُ الدين عبدُ السلام ابن تيميةَ الحرَّاني رحمه الله تعالى في كتابِه "الـمُنتقى في الأحكامِ الشرعية من كلامِ خيرِ البريَّة صلى الله عليه وسلم":

بَابُ أعضاءِ السجودِ

– الشيخ : يعني بابُ أعضاءِ السجودِ التي يُسجَدُ عليها، (أُمِرْتُ أنْ أسجدَ على سبعةِ أعضاءٍ) أو (أعظُمٍ).

– القارئ : عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ -وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا-: الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ". أَخْرَجَاهُ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ

– الشيخ : لعلَّ الأصل: "أشارَ بيدِهِ إلى أنفِهِ" لكن يظهرُ أنه "أشارَ بيدِهِ على أنفِهِ" بأنَّه وَضَعَ يدَهُ على أنفِهِ، يعني لم يكتَفِ بالإشارةِ، لا، بلْ وضعَ يدَهُ، أشارَ بيدِه على أنفِهِ.

 

– القارئ : وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ، وَلَا أَكْفُتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ

– الشيخ : أكفُتَ بمعنى: أَكُفَّ.

– القارئ : وَلَا أَكْفُتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ، وَالأنفِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

– الشيخ : كلُّ هذه الرواياتِ دالَّةٌ على وجوبِ السجودِ على هذهِ الأعضاءِ السَّبعةِ، الجبهةُ مع الأنف، واليدانِ أي: الكفين، والركبتين، وأطرافِ القدمين، لا بُدَّ مِن السجودِ عليها، فلا يصحُّ السجودُ إلا معَ السجودِ عليها.

 

– القارئ : بَابُ الْمُصَلِّي يَسْجُدُ عَلَى مَا يَحْمِلُهُ وَلَا يُبَاشِرُ مُصَلَّاهُ.

– الشيخ : اقرأ شرح الباب هذا الأخير، بابُ أعضاء السجود.

– القارئ : قالَ الشوكانيُّ رحمَهُ اللهُ: قَوْلُهُ: (آرَابٍ) بِالْمَدِّ

– الشيخ : آرَاب يعني: أجزاءٌ جمعُ إِرَب، إرَبٌ وآرَابٌ.

– القارئ : بِالْمَدِّ جَمْعُ إرَبٍ، بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ، وَهُوَ الْعُضْوُ.

– الشيخ : لا، جمع إرْبٍ يعني، عجيبٌ!  بكسرِ أولِهِ وإسكانِ ثانيهِ، عجيب! واللهِ هذا فيه تأمُّلٌ كأنه، "وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ" حاجتِهِ، وذاك يُقالُ: "قَطَّعَهُ إَرَبًا إِرَباً" على كلامِ الشوكانيّ إِرْباً إِرْباً.

 

– القارئ : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ سَبْعَةٌ

– الشيخ : دور على أبي أيوب أَرَبَ أَرَبَ، الإِرْبُ والأَرَب.

– القارئ : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ سَبْعَةٌ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّاجِدِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا كُلِّهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَعْضَاءِ، فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، إلى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى جَمِيعِهَا؛ لِلْأَوَامِرِ الَّتِي سَيَأْتِي مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: الْوَاجِبُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَقَطْ.

– الشيخ : لا إله إلا الله، اللهم اهدِنا لما اختُلف فيه مِن الحقِّ.

 

– القارئ : لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ)، وَوَافَقَهُمْ الْمُؤَيَّدُ بِالله فِي عَدَمِ وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، وَالْحَقُّ

– الشيخ : فِي عَدَمِ وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، لا إله إلا الله، أقولُ: ما الدَّاعي -سبحان الله- للاختلافِ هذا

– القارئ : وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ.

حديث ابن عباس:

قَوْلُهُ: "أُمِرَ" قَالَ الْحَافِظُ: هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ الله جَلَّ جَلَالُهُ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَعُرِفَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ

– الشيخ : إذا قالَ الرسولُ: "أُمرْتُ" فمَن الذي يأمرُه؟ لا يأمرُهُ إلا اللهُ، وإذا قالَ الصحابيُّ كابنِ عباسٍ: "أُمِرَ رسولُ الله" يعني: أمرَهُ اللهُ، وإذا قالَ الصحابيُّ: "أُمِرْنَا" فالآمرُ هو الرسولُ.

 

– القارئ : قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَعُرِفَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَنَظَّرَهُ الْحَافِظُ

– الشيخ : يعني: فيه نظرٌ، نَظَّرَهُ الحافظُ كأنَّه قالَ: فيه نظرٌ.

– القارئ : قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ

– الشيخ : لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ، يمكن ليسَ فيهِ صيغةُ أَمَرَ، يعني: مبنيٌّ للمفعولِ.

– القارئ : وَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ أُمِرَ أدَل عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ صِيغَةِ أَفْعَلَ

– الشيخ : ما أدري والله، أدلُّ على المطلوبِ مِن صيغةِ "اِفْعَل" يمكن، مِن صيغة "اِفْعَل"

– القارئ : أدَل عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ صِيغَةِ اِفْعَل كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاقْتِضَائِهِ الْوُجُوبَ عَلَى الْأُمَّةِ، أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ خِطَابَهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ، وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ، وَلَا شَكَّ

– الشيخ : وهو الصوابُ، أنَّ خطابُ الله لَهُ بأمرٍ هو خطابٌ للأمةِ، هذا هو الصوابُ، فما أُمِرَ به الرسولُ هو أمْرٌ للأمةِ، إلا بدليلٍ يدلُّ على الخصوصية.

 

– القارئ : وَلَا شَكَّ أَنَّ عُمُومَ أَدِلَّةِ التَّأَسِّي تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ "أُمِرْنَا" هُوَ دَالٌّ عَلَى الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: "سَبْعَةِ أَعْظُمٍ" سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ عَظْمًا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى عِظَامٍ بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا

– الشيخ : الله الـمُستعان، أقولُ: الأمرُ بَيِّنٌ ما يحتاجُ إلى.. سبعةُ أعظمٍ أو أعضاء.

– القارئ : كَذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.

قَوْلُهُ: "وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا" جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيِّنِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ: شَعْرُ الرَّأْسِ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَرْكَ الْكَفِّ وَاجِبٌ حَالَ الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا، وَرَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا.

قَالَ الْحَافِظُ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ.

– الشيخ : الله أكبر، رَحِمَ اللهُ الجميعَ، الله المُستعان.

– طالب: قبلَ الصلاةِ -أحسنَ اللهُ إليكَ- قول القاضي: كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا.

– الشيخ : يعني: إنْ كانَ عَقَصَ شعرَهُ قبلَ الصلاةِ عليهِ أنْ يَنْقُضَهُ.

– طالب: يعني لقصد يعني؟

– الشيخ : لا ولو، عليهِ أن ينقضَ شعرَهُ، والأظهرُ: هو أنه إنْ كانَ هذا شأنُهُ وهذه عادتُهُ ما يجب عليهِ أنْ يَنْقُضَ الشعرَ لِيَسْجُدَ معَهُ، ولكن إذا كانَ الصلاةُ فلا يكفُّهُ، (وألَّا أكُفَّ شَعْراً ولا ثَوبَاً)، ظاهرُ الحديثِ أنَّ هذا في الصلاةِ.

 

– القارئ : قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ ثَوْبَهُ وَشَعْرَهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّرِينَ. قَوْلُهُ: "الْجَبْهَةِ"

– الشيخ : لا، الحين ما في تراب الحين، فرشٌ وثيرةٌ ما يحتاج يَكُفّ شيء؛ لأنَّه مفروش، يُحتاج إلى أن يَكُفُّ الشَّعرَ والثوبَ إذا صارَ يسجدُ على الترابِ؛ حتى لا يَعْلَقَ بثوبِهِ أو لا يَعْلَقَ بشعرِه.

 

– القارئ : قَوْلُهُ: "الْجَبْهَةِ" احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الأنف، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الأنفِ وَحْدَهُ

– الشيخ : لا إله إلا الله، غفرَ اللهُ لنا ولهمْ، يا سلامُ سلِّمْ.

– القارئ : وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الأنفِ وَحْدَهُ، وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ إلى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ

– الشيخ : وهو الظاهرُ مِن الدليلِ.

– القارئ : وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَبْهَةَ وَأَشَارَ إلى الأنفِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ،

– الشيخ : سبحان الله! سبحان الله! والمرادُ مِن الجبهةِ الأنفِ!

– القارئ : وَرَدَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ

– الشيخ : إي والله.

– القارئ : فَقَالَ: إنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعَارِضُ التَّصْرِيحَ بِالْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَا تُعَيِّنُ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَيِّنَةٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ، وَعَدَمُ التَّعْيِينِ الْمُدَّعَى مَمْنُوعٌ، وَقَدْ صَرَّحَ النُّحَاةُ أَنَّ التَّعْيِينَ فِيهَا يَقَعُ بِالْعَيْنِ وَالْقَلْبِ، وَفِي الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَلِهَذَا جَعَلُوهَا أَعْرَفَ مِنْهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: إنَّهَا أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْأَعْضَاءُ ثَمَانِيَةً، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالسُّجُودِ عَلَى الأنف وَحْدَهُ وَالْجَبْهَةِ وَحْدَهَا، فَيَكُونَ دَلِيلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُ الْعُضْوِ وَهُوَ يَكْفِي كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُتَحَتِّمُ، وَالْمُنَاقَشَةُ بِالْمَجَازِ بِدُونِ مُوجَبٍ لِلْمَصِيرِ إلَيْهِ غَيْرُ ضَائِرَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَبْهَةَ وَالأنف حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالأنف مُسْتَحَبٌّ.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

– الشيخ : أمَّا إذا تَعَمَّدَ أنه لا يسجدُ على أنفِهِ فلا شكَّ أنه خَالَفَ، لكن لو قُدِّرَ أنه سَجدَ على الجبهةِ، ولَّا مَكَّنَ حتى يسجدَ على الأنفِ نرجو أنَّ السجودَ مُجْزِي إن شاء الله. لكن الكمالُ أنْ يسجدَ على جبهتِهِ وعلى أنفِهِ؛ حتى يَذِلَّ لربِّهِ، ويَرْغَمَ أنفُهُ بالترابِ؛ تواضعاً لله.

 

– القارئ : وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ وَاضِعًا جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ فِي سُجُودِهِ".

وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الْجَبِينُ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَابُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا.

وَرَوَى إسماعيل بْنُ عَبْدِ الله الْمَعْرُوفُ بِسَمُّويَه فِي فَوَائِدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِذَلِكَ".

قَوْلُهُ: "وَالْيَدَيْنِ" الْمُرَادُ بِهِمَا: الْكَفَّانِ بِقَرِينَةِ

– الشيخ : خلاص بعدَه، انتهى، أقول: يكفي.. نعم يا محمد.

– القارئ : بابٌ آخر؟

– الشيخ : لا، لا، حسبك.

– طالب: بالنسبة للإرب يا شيخ، هنا قال ابن الأثير: أكثرُ المحدثين يَرْوونَهُ بفتحِ الهمزةِ والراءِ،

– الشيخ : أنتَ تقرأ لي إِرَب وأَرَب؟

– طالب: نعم، قال ابنُ الأثيرِ: أكثرُ المحدثين يَرْوونَهُ بفتحِ الهمزةِ والراءِ.

– الشيخ : "أَرَب" هذا هو الصحيح، هذا هو الأظهرُ، أجل، أو بكسرِ الهمزةِ وفتحِ الراءِ، أمَّا "إِرْب" ما هو بظاهر.

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه