file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(55) باب ذكر تشهد ابن مسعود

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الخامس والخمسون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قالَ الإمامُ مجدُ الدين عبدُ السلامِ ابنُ تيميةَ الحراني رحمه الله تعالى في كتابه "الـمُنتقى في الأحكامِ الشرعية مِن كلامِ خيرِ البريَّة صلى الله عليه وسلم":

بَابُ ذِكْرِ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ.

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَفِي لَفْظٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ)، وَذَكَرَهُ، وَفِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

– الشيخ : إذاً قولُه: (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) سلامٌ على جميعِ الصالحينَ مِن الملائكةِ والجِنِّ والإنسِ، وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ الجِنُّ فيهم صالحونَ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11]، فالصالحونَ كلُّ مَن كانَ مُطيعاً للهِ وعابدًا للهِ ومؤمنًا باللهِ، الأنبياءُ هم سادةُ الصالحينَ، الأنبياء وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] فالأنبياءُ يَدخلونَ في اسمِ الصلاحِ وإنْ كانوا هم أفضلُ الصالحين، ولهذا قال سبحانه: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ [النساء:69].

 

– القارئ : وَفِي آخِرِهِ: (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) متفقٌ عليهِ.

– الشيخ : يعني: يَدعو بما تَيَسَّرَ له ويَتَخَيَّرُ يَدعو بما شاء، يَدعو بما شاء، إذاً بعدَ التشهُّدِ هذا موضعُ دعاءٍ في الصلاةِ، وهو دُبُرُ الصلاة، هذا دُبُرُ الصلاةِ وآخرُ الصلاةِ، وهو مِن مواضعِ..، أدبارُ الصلواتِ مِن أوقاتِ الإجابةِ ومِن مواضعِ الإجابةِ، ومِن الأدعيةِ المختارةِ مَا أرشدَ إليهِ الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ مِن الاستعاذةِ باللهِ مِن أربعٍ.

 

– القارئ : وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ"، وَذَكَرَهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ

– الشيخ : هذا مثلُ قولِ ابنِ مسعودٍ تماماً.

– القارئ : فَكَانَ يَقُولُ: (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَا رَسُولُ اللَّهِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ.

– الشيخ : وهذا اللفظُ مثل حديثِ ابنِ مسعودٍ ما فيه إلا فرقُ كلمة "الْمُبَارَكَاتُ" (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ… السلام على).. إلى آخرِه. يعني ما فيه كثيرُ فرقٍ.

 

– القارئ : وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ السَّلَامَ مُنَكَّرًا

– الشيخ : السَّلَامَ مُنَكَّرًا، بدلَ: (السلامُ عليكَ أيُّها النَّبيّ)، (سلامٌ عليكَ أيُّها النَّبيّ، سلامٌ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين). واللفظُ المشهورُ في حديثِ ابنِ مسعودٍ وغيرِهِ بالتعريفِ: (السلامُ).

 

– القارئ : وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ قَالَ: (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ). وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ

– الشيخ : أيش؟ "بِتَكْرِيرِ"؟

– القارئ : لا، "بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ"

– الشيخ : نفسُ الشيء

– القارئ : وَقَالَا فِيهِ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا، وَلَمْ يَذْكُرَا أَشْهَدُ، وَالْبَاقِي كَمُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أخرى

– الشيخ : لا مُشاحَّة، لا مُشاحَّة؛ لأنَّها كلَّها بجوز أنها من .. أقول: مِن اختلافِ الرُّواةِ؛ لأنه ليسَ فيهِ الكثيرُ من الفروقِ لا اللَّفظية، فضلاً عَن المعنوية، المعنى واحد.

 

– القارئ : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أخرى كَذَلِكَ، لَكِنْ بِتَعْرِيفِ السَّلَامِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ: (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ).

بَابٌ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ.

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقُولُوا هَكَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ..) وَذَكَرَهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ.

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِتَشَهُّدٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.

– الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

عُرِفَ بذلكَ أنَّ التشهدَ قد حُفِظَ مِن قولِهِ ومِن فعلِهِ، ومن تعليمِهِ، مِن قولِه وفعلِه في نفسِهِ، ومِن تعليمِهِ أصحابَهُ، وعُرِفَ من ذلك عِظَمُ شأنِ التشهدِ ولهذا قالَ ابنُ مسعودٍ: "قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ"، فأُخِذَ مِن هذا أنه فرضٌ، الفرضُ: الواجبُ، واجبٌ مؤكَّدٌ مفروضٌ على العباد.

ومحلُّهُ: القعودُ بعدَ الركعتين، وفي آخرِ ركعةٍ مِن الصلاةِ، وفي آخرِ ركعةٍ من الصلاةِ، فمِن الصلواتِ ما فيه تشهدانِ، ومِن الصلواتِ ما ليسَ فيه إلا تشهدٌ واحدٌ.

وهذا التشهدُ مشتملٌ على هذه المعاني العظيمة، التعظيمُ للهِ والسَّلامُ على رسولِهِ والسَّلامُ على جميعِ الصالحينَ، فالتحياتُ: التعظيماتُ لله، وكذلكَ الطيباتُ والصلواتُ للهِ فَرْضَها ونَفْلَها، الصلواتُ كلُّها فَرْضُها ونَفْلُها لله، لا يُصلَّى إلا لله، كلُّها لله، وكذلكَ الطيباتُ والكلماتُ الطيباتُ والصفاتُ الطيباتُ كلها للهِ، هو الموصوفُ بجميعِ صفاتِ الكمالِ، وهو الـمُستحقُّ لكلِّ عبادةٍ وعملٍ صالحٍ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه