الرئيسية/شروحات الكتب/المنتقى في الأحكام الشرعية من كلام خير البرية/(69) باب استحباب الصلاة إلى السترة والدنو منها والانحراف قليلا عنها والرخصة في تركها
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(69) باب استحباب الصلاة إلى السترة والدنو منها والانحراف قليلا عنها والرخصة في تركها

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: التَّاسع والستون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامُ ابنِ تيميةَ الحرَّاني -رحمَه اللهُ تعالى- في كتابِه: (الـمُنتقى في الأحكامِ الشرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ صلى الله عليه وسلم):

أبوابُ السُّترةِ أمامَ المصلِّي، وحكمُ المرورِ دونَها

– الشيخ : لا إله إلا الله، "أبوابُ سترةِ المصلِّي" يعني سُترةُ الـمصلِّي يتعلَّق بها أحكام، فلهذا عَقَدَ لها أبوابًا، أبوابُ سُترة المصلي، فالسُّترةُ في الصلاةِ سُتْرَتَانِ: سُترةُ ما يَسترُ بِه الـمصلِّي العورة، هذا موضوعٌ آخر، وتقدَّم، وهذا ما يَتخذُه الـمُصلِّي أمامَه؛ لِيَمْنَعَ الـمَارَّ، ويمنعَ قطعَ صلاتِه بمرورِ مَنْ يَـمُرُّ، وكأنَّ فيها شيءٌ مِن الـمَجَازِ، شُبِّهت بالسترةِ التي تسترُ الإنسان وتمنع مَن يضرّه، تمنع مما يضره، يُضِرُّ بصلاتِه.

 

– القارئ : بابُ استحبابِ الصلاةِ إلى السُّترةِ وَالدُّنُوِّ مِنْهَا وَالِانْحِرَافِ قَلِيلًا عَنْهَا

– الشيخ : ذكرَ ثلاثَ مسائل:

أولاً جعلَ حكمَ السترةِ أنه مُستحبٌّ، "استحبابُ استقبالِ أو الصلاة إلى سترة".

والثاني الدُّنو منها؛ لأنَّ الدُّنو مِن السُّترة يعني يُضَيِّقُ الفرصةَ على الـمَارِّ، ولا يُضَيِّقُ على الآخرين بحيث أنَّهم من يريد أن يمشي مِن هذا الطريق يُحْرَجُ يُضيَّقُ عليه، لا، فالدُّنو منها، الدنو مِن السترة فيه مَصلحتان: مصلحةٌ للمُصلِّي: بحيث يكون ما بينَه وبينَ السُّترة قريبٌ، ما يكون فيه مسافة بحيث يتمكَّنُ الـمارُّ الذي يريد يمرُّ بين يدي المصلي ما يجدُ فرصةً، فيستطيع المصلي أنه يمنعُه، والثاني أن فيه توسعةٌ لسائرِ الناس مِمَّن يحتاج إلى المرور، لا إله إلا الله.

 

– القارئ : قالَ رحمَه اللهُ: وَالِانْحِرَافِ قَلِيلًا عَنْهَا

– الشيخ : والانحرافُ، يعني: لا يَصْمُد، جاء فيه حديث، فيهِ بعضُ الكلامِ أنه لا يَصْمُدُ إليها، بحيثُ يكون مُوازيًا للسُّترة، بل يَنحرفُ عنها قليلاً، تكونُ عَن يمينِه أو عَن شمالِه، أمامَه، هي تكون أمامَه، لكن لا يَصْمُدُ إليها صمدًا.

– القارئ : وَالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِهَا

– الشيخ : إي هذا يؤكد قولَه فيما سبق، استحبابُ استقبالِ السُّترة.

– القارئ : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

– الشيخ : تضمَّن هذا الحديث الأمرين الأولين، مشروعيةُ الصلاة إلى السترة ومشروعية الدُّنو منها.

– القارئ : وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عنها-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي، فَقَالَ: (كَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

– الشيخ : الرَّحْلُ: ما يُوضَع على ظهرِ البعيرِ للراكب، ويكونُ فيه يكون الراكبُ بينَ عُودَين، عود من قُدام وعود مِن وراء، فهو يقول: إنَّ السُّترة بمثل هذا، مثل مُؤخرة الرحل، يعني تكون في حدودِ الذِّراع أو شِبْهِهِ.

 

– القارئ : وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ يَأْمُرُ بِحَرْبَةٍ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : هذا كثير، اسمُ هذه الحَربة اسمُها العَنَزَة، كانت العَنَزَة تُحمَلُ مع النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومِن أهم مقاصدِها اتخاذُها سُتْرَة، فتُنصَبُ أمامَه، وهذه العَنَزَةُ عصا في طرفِها حديدة؛ ولهذا سُمِّيَت حَرْبَة، فتُحمَل معه في مثل إذا.. ليسَت في مسجدِه، لا تُوضَع له في مسجدِه بل في الـمُصَلَّى؛ لأنَّ الـمُصَلَّى صحراء، وكذلك في السفر.

 

– القارئ : وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ يَأْمُرُ بِحَرْبَةٍ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ وَكَانَ

– الشيخ : اللهم صلِّ على عبدِك، ما في جدران أصلًا، مُصلى العيد ما في جدران حتى يكون سُترة بخلاف مسجده، بخلاف مسجده، مسجده مُحاطٌ بسورٍ بجدران ٍفهو يستقبلُ الجدار في مسجده.

– القارئ : وكان يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ شَاةٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : يعني الجدار الذي في القِبلة، يظهر أنه يريدُ جدار المسجد القِبلي، جدار المسجد القِبلي، هذا يُستدلُّ به على الدُّنو، على الدُّنو من السُّترة، كان بين النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلَّى بينَه وبين الجدار مـَمرُّ شَاةٍ، دائمًا التحديدات التي تأتي ويذكرُها الرُّواة، يعني تحديدات تقريبيَّة ما هي، ما فيه، والشاةُ تكون كبيرة، مـَمرُّ شَاةٍ بحيث أنه يتسِّع يعني، يمكن تقول: إنه مِقدار ما يَسجد، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد.

 

– القارئ : وَفِي حَدِيثِ بِلَالٍ: "أَنَّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَصَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَمَعْنَاهُ

– الشيخ : هذا في القِبلة، وأخذَ الفقهاء مِن هذا أن السُّترة ما يُتجاوز فيها ثلاثةُ أذرع، وما بعدَ ثلاثة أذرع لا يَضرُّك مَن يـمرُّ مِن هذه المسافة، إن كانَت سترةً فالـمَناطُ -مناطُ المرور- هو السُّترة، وإن لم تكن سُترة فثلاثةُ أذرع، ثلاثة أذرع تجي [تأتي] متر و، فيما يبدو متر وعشرينَ سم تقريبًا، خمسة وأربعين خمسة وأربعين، قريب مِن مئة وعشرين، مئة وثلاثين.

 

– القارئ : ومعناه لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي وَالدَّوَابُّ تَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِينَا،

– الشيخ : "بَيْنَ أَيْدِينَا" -يعني: يجبُ أن نفهم- "بَيْنَ أَيْدِينَا" يعني: أمامَنا، ما هو بَيْنَ أَيْدِينَا يعني: قريبة مِن المصلِّي، لا، "بَيْنَ أَيْدِينَا" يعني: أمامَنا، قد تكون قريبةً، وقد تكون بعيدةً.

 

– القارئ : فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.

– الشيخ : هذا شاهدُ لحديث عائشة المتقدِّم، لـما سُئِلَ عن سُترة المصلي فقال: (مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ)، لـمَّا سألُوه أنَّ الدوابَ تمرُّ وكذا، قال: (مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ بينَ يدي المصلي ثمَّ لا يضرُّه ما مَرَّ مِن ورائِها).

 

– القارئ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا، وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ

– الشيخ : الله المستعان، المهم أنه يجعل شيئًا كأنه يُحدُّ للمصلى، إذا صلَّى الإنسانُ وليسَ عندَه شيء يَنصِبُ عصا؛ لأنَّ العصا تكونُ دقيقة، والسُّترة كأنه يُقصَد أن تكون عريضةً شيئًا عريضة، (مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ)، مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فيها لها عرض، يعني يمكن تقول: يمكن عَرْضُها شِبر أو أقل يمكن

 

– القارئ : وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودٍ، وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ أَوْ الْأَيْمَنِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا".

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ." رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

– الشيخ : لا إله إلا الله، هذا مما يُستدَلُّ به على أنَّ السُّترة ليسَت واجبةً بل مُستحبة، فحديثُ ابنِ عباس أنه "صَلَّى فِي فَضَاءٍ ولَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ".

 

– القارئ : بَابُ دَفْعِ الْمَارِّ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ وَالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ لِلطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ

– الشيخ : قفْ على هذا الباب، شف [انظر] حديثَ ابن عباس الأخير هذا والذي قبله قليلاً

– القارئ : عندَ الشوكانيّ؟

– الشيخ : إي، إي

– طالب: عندي قال: إسناده ضعيف

– الشيخ : لا تستعجل خلك، لا إله إلا الله

– القارئ : نعم، يقول أحسن الله إليك

– طالب: أحسن الله إليك شيخ، بالنسبة لـِمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ يُقصَد طولُها أم عَرضُها؟

– الشيخ : طولُها وعَرضُها.

– طالب: والعَنَزَةُ؟

– الشيخ : العَنَزَةُ ما لها عَرْضٌ، يعني يدلُّ على أنَّ الأمرَ فيهِ سَعَة يعني، العَنَزَة.

 

– القارئ : يقول -أحسن الله إليك- وساقَ الحديثين: حديثَ المقدادِ وحديثَ ابنٍ عباس، يقول:

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي إسْنَادِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ الْوَلِيدُ بْنُ كَامِلٍ الْبَجَلِيُّ الشَّامِيُّ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِيهِ مَقَالٌ، وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ.

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِي إسْنَادِهِ مَقَالًا.

قَوْلُهُ: "إلَى عُودٍ" هُوَ وَاحِدُ الْعِيدَانِ، قَوْلُهُ: "وَلَا عَمُودٍ" هُوَ وَاحِدُ الْعُمُدِ، قَوْلُهُ: "الْأَيْسَرِ أَوْ الْأَيْمَنِ"، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَلَعَلَّ الْأَيْمَنَ أَوْلَى وَلِهَذَا بَدَأَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ، يَعْنِي فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَعَكَسَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَلَعَلَّهَا رِوَايَةُ أَحْمَدَ

– الشيخ : المسألةُ واسعةٌ سهلةٌ.

– القارئ : وَيَكْفِي فِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ حَدِيثُ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ»

وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ أَنْ تَكُونَ السُّتْرَةُ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَصْمُدُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ، وَالصَّمْدُ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، يُقَالُ: أَصْمُدُ صَمْدَ فُلَانٍ أَيْ:تا أَقْصِدُ قَصْدَهُ: أَيْ لَا يَجْعَلُهُ قَصْدَهُ الَّذِي يُصَلِّي إلَيْهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَوْلُهُ: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَ السُّتْرَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيَكُونُ قَرِينَةً لِصَرْفِ الْأَوَامِرِ إلَى النَّدْبِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ فِعْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا، وَتِلْكَ الْأَوَامِرُ السَّابِقَةُ خَاصَّةٌ بِالْأُمَّةِ فَلَا يَصْلُحُ

– الشيخ : هذا مذهبُ للشوكاني كأنه مُضطردٌ، يعني: أنه إذا وردَ حديث يتعلَّق بالأمة أمر وردَ مِن فعلِه ما يخالفُه، فالفعل خاصٌّ به والقول خاصٌّ بالأمة، لكن الجمهور يُخصصون أو يُقيِّدون ويجعلون فِعلَه -عليه الصلاة والسلام- دليلٌ على شيء مما يتعلَّق بالأمر، فيستدلون بتركِ ما أمرَ به على أنه ليسَ بواجبٍ بل مُستحبّ، وهذا أظهر حتى يتحققَ الاقتداءُ به بقولِه وبفعله، وقولُه وفعلُه كلاهُما سُنَّة، هذا يحتاجُ إلى دليل، هذا التأصيل يحتاجُ إلى دليل، أنَّ فعله حينئذٍ يكون خاصًّا به، مثل ما هو معروف ومشهورٌ أنه في حديث جابر: "كانَ آخرُ الأمرَيْنِ تركَ الوضوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّار" وقد أمرَ بالوضوء مما مَسَّتِ النَّار، وكان -عليه الصلاة والسلام- تارةً يَتوضأ إذا أكلَ شيئًا مطبوخًا -مثلًا-، لكن في آخرِ الأمر تركَ الوضوء مما مسَّتِ النار، فاستُدِلَّ به على أنَّ الأمر للاستحباب لا للوجوب، وبعضهم يقول: إنَّ الأمر منسوخٌ، والأولى تقييدُه بالاستحباب.

 

– القارئ : وقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ فِعْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا، وَتِلْكَ الْأَوَامِرُ السَّابِقَةُ خَاصَّةٌ بِالْأُمَّةِ فَلَا يَصْلُحُ هَذَا الْفِعْلُ أَنْ يَكُونَ قَرِينَةً لِصَرْفِهَا.

فَائِدَة: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ أَحَادِيثِ الْبَابِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْعُمْرَانِ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ اتِّخَاذِهِ السُّتْرَةَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَضَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَحَدِيثُ "أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مُصَلَّاهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ شَاةٍ" ظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ فِي مُصَلَّاهُ فِي مَسْجِدِهِ

– الشيخ : الجدار، قال الجدار هذا هو…

– القارئ : لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْعَهْدِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ صَلَاتِهِ فِي الْكَعْبَةِ الْمُتَقَدِّمُ، فَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّتْرَةِ بِالْفَضَاءِ. انتهى.

– الشيخ : لا إله إلا الله، نعم بعدك

– طالب: أحسن الله إليك، إذا كان يُصلِّي في بيتِه ولا يَخشى مرورَ أحدٍ أيتخذ سُترة؟

– الشيخ : سبحان الله، سبحان الله

– طالب: في الحديث: (إذا صلَّى أحدُكُم إلى شيءٍ يَسترُهُ مِن النَّاسِ) متفق عليه.

– الشيخ : ما أدري والله، لعلَّ الامر هكذا؛ لأنه فيما نُقِلَ لنا مِن صلاتِه في بيتِه كما تروي عائشة ما ذكرتْ، أقول: ما ذكرتْ في حديثٍ -فيما أعلم- أنه كان يتحرَّى السُّترة وهو يُصلِّي، بل يُصلِّي مستقبلًا لها وهي مُعترضةٌ أمامَه، المهم أنَّها لم تذكر تَحرِّيِّه السُّترة، فلعلَّ الأمرَ هكذا، أنه فيما إذا كان يَخشَى أن يمرُّ مِن بين يَديه شيءٌ مِن الناس أو غيرِهم.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه