file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(71) باب ما يقطع الصلاة بمروره

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الحادي والسَّبعون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ تيميةَ الحرَّانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-":

بَابُ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بِمُرُورِهِ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، "مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بِمُرُورِهِ" قطعُ الصَّلاةِ يعني: إبطالُها، وبعضُ أهلِ العلم يتأوَّل القطعَ بالنقصان، لا إله إلَّا الله، والأوَّلُ هو الأظهرُ من مفهومِ القطعِ، "فلانٌ قطعَ صلاتَه" يعني: أبطلَها وتركَها، "قطع صلاته"، من كانَ يصلِّي ثمَّ تركَ يُقالُ: إنَّه قطعَ الصَّلاةَ.

 

– القارئ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ: (وَيَقِي مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ: الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ)، قُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ: مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: (الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهَا، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ ابْنَةُ أُمّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ؛ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (هُنَّ أَغْلَبُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَؤُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ.» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، تضمَّنَ هذا البابُ ذكرَ الأحاديثِ الواردة فيما يقطعُ الصَّلاة، وقد تواردَت الأحاديث: حديث أبي هريرة وحديث ابنِ عبَّاسٍ وحديث أبي ذرٍ وأحاديث جماعة على أنَّه يقطعُ الصَّلاة -صلاة المرء- إذا لم يكن بينَه وبينَ القبلةِ سترةٌ، سترة مثل مؤخِّرة الرَّحْل أو نحوها، فإنَّه يقطع صلاته إذا مرَّ بين يديه إمَّا بينه وبين سترتِه أو لم تكن له سترةٌ ومرَّ قريباً منه، المرأة والحمار والكلب الأسود كما في حديث أبي ذرٍ.

ومعنى ذلك: أنَّه إذا مرَّت المرأةُ بين يدي الرَّجلِ وهو يصلِّي تقطعُ صلاتَه، أو الحمار أو الكلب، وقيَّدَه في رواية أبي ذرٍ بالأسودِ فسألَ عن ذلك النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: (الكلبُ الأسودُ شيطانٌ) ومعنى هذا لا يقطعُ الصَّلاةَ أيُّ كلبٍ، إنَّما يقطعُ الصَّلاةَ الكلبُ الأسودُ؛ لأنَّ الكلبَ الأسودَ شيطانٌ.

وجاءَت الأحاديثُ الأخرى الَّتي فيها، حديثُ ابن عبَّاسٍ في مرور الحمار بين يدي الصَّفِّ، قالَ: أتيتُ…، كنتُ راكباً على أتانٍ، الأتانُ أنثى، الأنثى من الحمير هي الأتانُ، يقولُ: والرَّسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بمنىً يصلِّي إلى غيرِ جدارٍ، يقولُ: فأتيتُ مررتُ بين يدي الصَّفِّ فأرسلتُ الحمارَ ترتعُ ودخلتُ في الصَّفِّ فلم ينكرْ ذلك عليَّ أحدٌ.

وثبتَ أنَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلَّي وعائشةُ معترضةٌ بين يديه اعتراضَ الجنازةِ، فلهذا اختلفَ العلماءُ بسببِ هذا التَّعارُض في الظَّاهرِ، فجمهورُ أهل العلماءِ على أنَّه لا يقطعُ الصَّلاةَ شيءٌ؛ لحديثِ أبي سعيد (لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَؤُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ).

وذهبَ آخرون إلى أنَّه لا يقطعُ الصَّلاةَ إلَّا الكلبُ الأسود، أمَّا الحمارُ فلا؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ، والمرأة؛ لحديثِ عائشةَ.

ولكنَّ أحاديثَ القطعِ قويَّةٌ ومتضافرةٌ كما تقدَّم، كلُّها فيها النَّصُّ على المرأةِ والحمارِ والكلبِ الأسودِ يُراعَى هذا التقييد، وهذا هو مذهبُ الإمامِ أحمدَ أنَّه لا يقطعُ الصَّلاةَ إلَّا الكلبُ الأسودُ؛ لأنَّه لم يدلَّ دليلٌ يعارض هذا الحديثَ.

وطريقُ السَّلامة هو اتخاذُ السُّترةِ، طريقُ السَّلامةِ هو اتِّخاذ السترة ودرءُ المارِّ كما تقدَّم أنَّه يجبُ على المصلِّي ألَّا يسمحَ أنْ يمرَّ أحدٌ بينَ يديه، بل عليه أن يدفعَه فإنْ أبى فإنَّه يدفعُه ويقاتلُه فإنَّ معَه القرين.

فالمقصودُ أنَّه على الإنسانِ أن يجتهدَ في سلامةِ صلاتِه وصحَّة صلاتِه وكمالِ صلاتِه. وهذه الأحاديثُ الثَّلاثةُ قويَّةُ الدَّلالةِ على القطعِ في هذه الأمورِ الثَّلاثةِ: المرأة والحمار…

وجاءَ أنَّ عائشةَ استنكرتْ ذلك، واحتجَّت بأنَّه كان النبيّ يصلِّي وهي معترضةٌ بين يديه حتَّى إذا سجدَ تقول: غمزَها فقبضَتْ رجليها، ولكن ظاهر الأدلَّة أنَّه فرق بين اللَّابث والمارّ، فالوجودُ بينَ يدي المصلي غيرُ المرورِ، الأثرُ والتَّأثير والمنكَرُ هو المرورُ، وإلَّا إذا صلَّى الإنسانُ إلى شخصٍ قاعدٍ أمامَه فإنَّ ذلك لا يضرُّ صلاتَه، لكن ينبغي أن يكونَ إلى ظهرِه، لا يستقبلُ وجهَه كأنَّه يصلِّي له، كأنَّه يسجدُ له، فإذا صلَّى وأمامَه جالسٌ أو أمامَه مضطجعٌ فذلكَ لا يضرُّه.

اقرأْ كلامَ الشَّوكانيِّ على آخرِ الأحاديثِ بس [فقط]، يعني فقه الأحاديث في آخرِ الكلامِ.

– طالب: هو ذكرَ الخلافَ في أوَّل

– الشيخ : في الأوَّل

– طالب: إي

– الشيخ : زين شوف يا محمَّد.

 

– القارئ : قالَ رحمَهُ اللهُ: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ وَالْمَرْأَةَ وَالْحِمَارَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَالْمُرَادُ بِقَطْعِ الصَّلَاةِ إبْطَالُهَا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ بِهِ فِي الْكَلْبِ، وَقَالَ بِهِ الْحَكَمُ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ فِي الْحِمَارِ. وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ التَّابِعِينَ بِقَطْعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو الْأَحْوَصِ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ.

وَمِنْ الْأَئِمَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَصَّصُ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ

– الشيخ : أيش؟ يخصَّص؟

– القارئ : إي نعم

– الشيخ : إي هذا هو المشهورُ

– القارئ : وَيُتَوَقَّفُ فِي الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ:

– الشيخ : لوجودِ المعارضِ يعني، كما تقدَّم

– القارئ : قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ أَجْوَدُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَثْرَمِ مِنْ جَزْمِ الْقَوْلِ عَنْ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَيْضًا إلَى قَطْعِ الصَّلَاةِ بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ مَارًّا أَمْ غَيْر مَارٍّ وَصَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا حَيًّا أَمْ مَيِّتًا، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ مَارَّةً أَمْ غَيْرُ مَارَّةٍ صَغِيرَةً

– الشيخ : "أَو غَيْرُ مَارَّةٍ" هذا مشكلٌ، معَ حديثِ عائشةَ، أمَّا مارَّةٌ فلا بأسَ، ظاهرٌ، أمَّا غيرُ مارَّةٍ لابثة مضطجعة جالسة، بما يدفعون حديثَ عائشة؟! إلَّا أن يكون يسلكون مسلكَ الشَّوكانيِّ بأنَّ فعلَه صلَّى الله عليه وسلَّم يختصُّ به، وأقواله الَّتي خاطبَ بها الأمَّة تختصُّ بالأمَّة.

 

– القارئ : وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ مَارَّةً أَمْ غَيْرُ مَارَّةٍ صَغِيرَةً أَمْ كَبِيرَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً مُعْتَرِضَةً.

– الشيخ : عجيب! يعني لو صارتْ، هذا من إغراقِهم في الظَّاهريَّة، يعني لو كانتْ جالسةً تقطعُ، إذا كانتْ مُضْطَجِعَةً مُعْتَرِضَةً، لو كانتْ مضطجعةً لكن طوليَّة يعني رأسُها إلى المصلِّي ورجلاها بعيدة فإنَّها تقطعُ، لكن إذا كانتْ معترضةً اعتراضَ الجنازةِ لا تقطعُ، إي ليس هذا بغريبٍ من الجمود على الظَّاهريَّة.

 

– القارئ : وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَقْطَع الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَاسْتَدَلَّا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ: (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ) وَلَا عُذْرَ. لِمَنْ يَقُولُ: بحملِ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَأَمَّا مَنْ يَعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ لَا حُجَّةَ لِمَنْ قَيَّدَ بِالْحَائِضِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ. قَالَ: وَلَيْسَتْ حَيْضَةُ الْمَرْأَةِ فِي يَدِهَا وَلَا بَطْنِهَا وَلَا رِجْلِهَا. قَالَ الْعِرَاقِيُّ

– الشيخ : هذا يحتمَلُ أنَّ كلمةَ "حائض" كما في بعضِ الأحاديثِ أنَّها البالغةُ الكبيرةُ.

 

– القارئ : قَالَ الْعِرَاقِيُّ: "إنْ أَرَادَ بِضَعْفِهِ ضَعْفَ رُوَاتِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ ثِقَاتٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَوْنَ الْأَكْثَرِينَ وَقَفُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ رَفَعَهُ شُعْبَةُ، وَرَفْعُ الثِّقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْفِ مَنْ وَقَفَهُ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي الْأُصُولِ وَعُلُومِ الْحَدِيثِ". انْتَهَى.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالسِّنَّوْرُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَلَعَلَّ دَلِيلَهَا عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَتْهُ مِنْ اعْتِرَاضِهَا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ غَيْرُ الْمُرُورِ.

– الشيخ : إي، اللُّبث، الاعتراضُ ولّا غير اعتراض، الصَّحيحُ أنَّه اللُّبث مطلقاً، يعني كونُ الموجودِ قاعد أو معترض أو قائم كلُّها الحكم واحدٌ، إنَّما الَّذي له تأثيرٌ هو المرورُ، أمَّا الاعتراضُ فليس قيداً.

 

– القارئ : وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهَا أَنَّهَا رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ» فَهِيَ مَحْجُوجَةٌ بِمَا رَوَتْ.

وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ أَمِّ سَلَمَةَ الآتي وَسَيَأْتِي مَا عَلَيْهِ. وَذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ فَقَطْ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ. وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي أَخْرَجَ الْحِمَارَ، وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي أَيْضًا. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ أَخْرَجَ الْمَرْأَةَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَسْوَدِ أَخْرَجَ مَا عَدَاهُ مِنْ الْكِلَابِ.

 وَحَدِيثُ "أَنَّ الْخِنْزِيرَ وَالْمَجُوسِيَّ وَالْيَهُودِيَّ يَقْطَعُ" لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وفِيهِ وَأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذِكْر الْكَافِرِ، وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ كَمَا عَرَفْتَ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَرَوَاهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ: أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ نَقْصُ الصَّلَاةِ لِشُغْلِ الْقَلْبِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ

– الشيخ : اللهُ المستعانُ، هذا في الحقيقةِ -واللهُ أعلمُ- أقولُ: تأويلٌ هو خلافُ الظَّاهرِ، قطع قطع، الشَّيء إذا قطعَ تباينتْ أطرافُه، الصَّلاةُ إذا ضاعَ بعضُها.. ويستدلُّون بالحديثِ: (لا يقطعُ الصَّلاةَ شيءٌ) لكنَّ الحديثَ متكلَّمٌ فيه لا ينهضُ لمعارضة تلكَ الأحاديثِ الصَّحيحةِ الصَّريحة.

 

– القارئ : وَلَيْسَ الْمُرَادُ إبْطَالَهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي النَّسْخَ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ (لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَؤُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ) قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلِهَا وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ وَلَيْسَ هُنَا تَارِيخٌ، وَلَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالتَّأْوِيلُ، بَلْ يُتَأَوَّلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ (لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْءِ شَيْءٌ) ضَعِيفٌ. انْتَهَى.

وَرُوِيَ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاسْتَدَلَّا عَلَى تَأَخُّرِ تَارِيخِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَفِي آخِر حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى تَأَخُّرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ

– الشيخ : حتَّى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّه تركَ الأتانَ بين يدي الصَّفِّ، وسترةُ الإمامِ، المعروفُ أنَّ سترةَ الإمامِ سترةٌ للمصلِّي، وقوله: "إلى غيرِ جدارٍ" ما يلزمُ أنَّه لم تكنْ هناك سترةٌ، وعادةُ النَّبيِّ المضطردةُ أنَّه لا يصلِّي إلَّا إلى سترةٍ، تكون هناك عَنزة، لكن ابن عباس يذكرُ أنَّه كانَ يصلِّي إلى غيرِ جدارٍ، ونفي الجدارِ لا يستلزمُ نفي السُّترةِ.

 

– القارئ : وَعَلَى تَأَخُّرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي بِأَنَّ مَا حَكَاهُ زَوْجَاتُهُ عَنْهُ يُعْلَمُ تَأَخُّرُهُ لِكَوْنِ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ عِنْدَهُنَّ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ خُصُوصًا مَعَ عَائِشَةَ مَعَ تَكْرَارِ قِيَامِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَلَوْ حَدَثَ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَعَلِمْنَ بِهِ.

وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّأَخُّرِ لَا يَتِمُّ بِهِ الْمَطْلُوبُ مِنْ النَّسْخِ:

أَمَّا أَوَّلًا فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ خَارِجَانِ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَخَصُّ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ مُرُورُ الصَّغِيرِ بَيْنَ يَدَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُرُورُ الْأَتَانِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى.

– الشيخ : "مُرُورُ الْأَتَانِ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى"! ما هو، الأتانُ حمارٌ ومركوبةٌ، ما هي بحمارٍ صغيرةٍ حسبَ عاد، لا، حمار حمار، والأتانُ والأنثى لا فرقَ بينهما، أعد الكلام.

 

– القارئ : وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُرُورُ الْأَتَانِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى.

– الشيخ : يعني: أنَّه خاصٌّ بالحمارِ، فإنْ كانَ استثناء فليُستثنَى الحمارُ فقط بحديثِ ابنِ عبَّاسٍ، والدَّعوى هو قطعُ الصَّلاة بأشياءٍ عديدةٍ منها الحمار، الأشبهُ عندي أنَّه لم يقطع الأتان أنَّه مرَّ بين يدي الصَّفِّ، ولم يمرَّ بين يدي الرسول قريباً منه، لا، بين يدي الصَّفِّ، طرف الصفِّ، والمأمومون تبعٌ لإمامهم، وسترةُ الإمامِ سترةٌ لمن خلفَه، ما يلزم أنَّه كلُّ واحدٍ يتَّخذُ سترةً، كلُّ مأمومٍ يتَّخذُ سترةً، لا.

 

– القارئ : وَأَمَّا ثَانِيًا: فَالْخَاصُّ بِهَذِهِ الْأُمُورِ لَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ بِنَاءِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا ثَالِثًا فَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا رَابِعًا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ أَيْضًا بِأَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ وَهُوَ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْفَرْضِ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ اجْتَزَأَ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَيْضِ. وَالْحُكْمُ بِقَطْعِ الْمَرْأَةِ لِلصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ حَائِضًا كَمَا تَقَدَّمَ.

– الشيخ : والله في اشتباهات، الحائضُ البالغةُ، الحائضُ المرأةُ الحائضُ البالغةُ، وما يدريه أنَّها حائضٌ؟ الحيضُ أمرٌ خفيٌّ بعد، هذا مشكلٌ، تعليق الحكم، مرَّت وهي حائضٌ! ما أدري والله، سبحان الله العظيم. كلُّ هذه الأقاويل مبيَّنةٌ على اجتهاداتٍ وظنونٍ فأظهرُ الأقوالِ هو إجراءُ هذه الأحاديثِ الصَّحيحة المتعاضدةِ على ظاهرها، واللهُ أعلمُ.

 

– القارئ : وَأَيْضًا قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ وُقُوعَ ثَوْبِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَيْمُونَةَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَلْزِمَ الْمُرُورَ. وَكَذَلِكَ اعْتِرَاضُ عَائِشَةَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُرُورَ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ إلَى سُتْرَةٍ، وَمَعَ وُجُودِ السُّتْرَةِ لَا يَضُرُّ مُرُورُ شَيْءٍ

– الشيخ : وكذلك حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، هذا توجيهٌ جيِّدٌ

– القارئ : وَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ إلَى سُتْرَةٍ، وَمَعَ وُجُودِ السُّتْرَةِ لَا يَضُرُّ مُرُورُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، "وَيَقِيَ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: «فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجِدَارِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْيُ سُتْرَةٍ أُخْرَى مِنْ حَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ "بَابَ سُتْرَةِ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ" فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ.

لَا يُقَالُ: قَدْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ: " لَيْسَ شَيْءٌ بِسُتْرَةٍ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ " لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَنْفِ السُّتْرَةَ مُطْلَقًا، إنَّمَا نَفَى السُّتْرَةَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كَالْجِدَارِ الْمُرْتَفِعِ الَّذِي يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِمِثْلِ هَذَا الْعِرَاقِيُّ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ السُّتْرَةِ مُطْلَقًا؛ لَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بِوَجْهٍ آخَرَ، ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَمْ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٍ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ

– الشيخ : صريحٌ الحديث: "بينَ يدي بعضِ الصَّفِّ" هذا لفظُ الحديث.

 

– القارئ : وَلَا يَلْزَمُ من ذَلِكَ مِنْ اطِّلَاعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الصَّفُّ مُمْتَدًّا وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ: "أَحَدٌ" يَشْمَلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ حَضْرَتِهِ، وَلَوْ سَلِمَ اطِّلَاعُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: "فَلَمْ يُنْكرْ ذَلِكَ عَلَيَّ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لِلْمُؤْتَمِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي، وَلَا قَطْعَ مَعَ السُّتْرَةِ لِمَا عَرَفْتَ، وَلَوْ سَلِمَ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ وَخُلُوصِهِ مِنْ شَوَائِبِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنَّ الْحِمَارَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ.

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ (لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ) فَسَتَعْرِفُ عَدَمَ انْتِهَاضِهِ لِلِاحْتِجَاجِ

– الشيخ : وقد أشارَ إليه.

– القارئ : وَلَوْ سَلِمَ انْتِهَاضُهُ فَهُوَ عَامٌّ مُخَصِّصٌ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، أَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ مُطْلَقًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ فَلَا تَأَخُّرَ لِعَدَمِ الْعِلْم بِالتَّارِيخِ، وَمَعَ عَدَم الْعِلْمِ يبقى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَقَدْ ادَّعَى أَبُو الْحُسَيْنِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَارُضِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مَعَ جَهْلِ التَّارِيخِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الزَّيْدِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْبَاقِلَّانِيِّ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْخَاصَّةَ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ أَرْجَحُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَامِّ إذَا تَقَرَّرَ لَكَ

– الشيخ : هذا على تقريرِ قبولِه … هو مدفوعٌ على كلِّ حالٍ.

– القارئ : إذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَا أَسْلَفْنَا عَرَفْتَ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ وَالْمَرْأَةَ الْحَائِضَ يَقْطَعَانِ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعَارِضْ الْأَدِلَّةَ الْقَاضِيَةَ بِذَلِكَ مُعَارِضٌ إلَّا ذَلِكَ الْعُمُومُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ. وَكَذَلِكَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْخِنْزِيرُ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْيَهُودِيُّ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِذَلِكَ

– الشيخ : ما دامَ ما ندري عنه، ما نقولُ شيئًا، اللهُ المستعانُ.

– القارئ : وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُؤَيِّدُهُ وَيَبْقَى النِّزَاعُ فِي الْحِمَارِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْحَائِضِ وَالْكَلْبُ الَّذِي لَيْسَ بِأَسْوَدَ فَقَدْ عَرَفْتَ الْكَلَامَ فِيهِمَا. انْتَهَى.

– الشيخ : حسبُك، حسبُك، بس يكفي. اللهُ المستعانُ.

– طالب: شيخَنا -رضيَ اللهُ عنكم- القولُ بأنَّ القطعَ في الأحاديثِ المرادُ به البطلانُ ألا يدلُّ على وجوبِ السُّترةِ؟

– الشيخ : ممكن إذا خشيَ الإنسانُ أن يمرَّ أحدٌ، إذا خشيَ، ولكن ينبغي أن أيضاً سبحان الله، إذا كانَ المرورُ -فيما يظهر- إذا كانَ المرور اضطراريَّاً فلعلَّه يُغتفَر، الآن في الحرم الأمرُ عظيمٌ! لكن على الإنسانِ معَ أنَّه في الحرم ينبغي أن يحتاطَ، لكن إذا بُلِيَ ومرَّ أحدٌ بينَ يديه، لعلَّه حالة عذرٍ، المارُّ مضطرٌّ، والمصلِّي مضطرٌّ مع الازدحامِ، ومعَ كثرةِ النَّاس واختلاطِ الجميعِ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه