file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(72) باب سنن الصلاة الراتبة المؤكدة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الثَّاني والسَّبعون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ. قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ تيميةَ الحَرَّانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الـمُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ":

أَبْوَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، صلاةُ التَّطوُّعِ هي ما سوى الصَّلوات الخمس، إلَّا ما وجبَ بسببٍ كالمنذورةِ، ولهذا لما جاءَ الرجلُ يسألُ الرسولَ عن شرائعِ الإسلامِ ذكرَ له أنَّ اللهَ فرضَ خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ [….] قالَ: هل عليَّ غيرَها؟ قالَ: (لا، إلَّا أنْ تطوَّعَ)

فسمَّى ما سوى الصَّلواتِ الخمس من الصَّلوات تطوُّعًا، (إلَّا أنْ تطوَّعَ)، ولكنَّ صلاةَ التَّطوُّعِ أيضاً هي أنواعٌ، بعضُها آكدُ من بعضٍ، فهناكَ الرَّواتبُ السُّنن المرتبطة بالفرائضِ وهي الرَّواتبُ، قبليَّةٌ وبعديَّةٌ، وصلواتٌ أخرى نافلةٌ، ثمَّ فيه تطوُّع مقيَّد تطوُّع مطلَق، الصَّلاةُ تُشرَعُ مطلقًا في أيِّ وقتٍ يُشرَعُ أن تصلِّيَ إلَّا الأوقات المخصوصة الَّتي نُهِيَ عن الصَّلاة فيها، وما سوى ذلك صلِّ في الضُّحى ما بدا لك، صلِّ بعدَ الظُّهرِ ما بدا لك من التطوُّع إذا نشطتَ وصارَ عندك نشاطٌ لتصلِّيَ، صلِّ صلِّ، صلِّ بعدَ الظُّهر، بعد المغربِ صلِّ ما شئتَ، من غير أنْ تقيِّد ذلكَ بصفةٍ أو بعددٍ معلومٍ، تصلِّي بحسبِ ما يتَّفق ويتيسَّر، فهذا تطوُّعٌ مطلقٌ، أمَّا الرَّواتب فمن التَّطوُّع المقيَّد، مقيَّدٌ بالعددِ ومقيَّدٌ بالوقتِ كذلكَ الوتر، التَّطوُّع منه مطلقٌ ومنه مقيَّدٌ، تطوُّع المطلق في الصَّلاة والصِّيام والذكر وتلاوة القرآن كلّها فيها مطلقٌ ومقيَّدٌ، سبحان الله العظيم.

ودرجَ العلماءُ على أنَّهم بعد الكلامِ فيما يتعلَّقُ بالصَّلاة المكتوبة ويدخلُ في ذلك ذكرُ الأحكامِ العامَّةِ؛ لأنَّ أحكامَ الصَّلاةِ هي شاملةٌ للفرائضِ والنوافلِ؛ لأنَّ صفةَ صلاةِ النافلة كصفةِ الفريضة في الجملة من الأركان من التَّكبيرِ من الركوع والرفع منه، من الطّمأنينةِ وهكذا.

 

– القارئ : بَابُ سُنَنِ الصَّلَاةِ الرَّاتِبَةِ الْمُؤَكَّدَةِ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ، كَانَتْ سَاعَةً لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا فَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ ثِنْتَيْنِ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ، لَكِنْ ذَكَرُوا فِيهِ "قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا".

وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: (مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ)، وَلِلنَّسَائِيِّ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ كَالتِّرْمِذِيِّ، لَكِنْ قَالَ: "وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ"، وَلَمْ يَذْكُرْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ.

– الشيخ : هذه الأحاديثُ وإنْ اختلفَتْ رواياتُها فهي مُجْمِعَةٌ ومُطْبِقَةٌ على عشرٍ، رواتبُ عشر، ركعتانِ قبل الظُّهرِ -كما في حديثِ ابنِ عمرَ- وركعتان بعدها وركعتان بعد المغربِ وركعتان بعدَ العشاء وركعتان قبلَ الفجرِ، هذا قد اتَّفقتْ عليه الأحاديثُ، وجاءَت الزِّيادةُ كما في حديثِ عائشةَ أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي أربعًا قبل الظُّهرِ، كما في الرواية الأخرى: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَيْءٍ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى أربعاً قبلَ الظُّهرِ ورَكْعَتَيْن قبل الْفَجْرِ"، صارَ المجموعُ على هذا ثنتي عشرةَ ركعةً، أربعٌ قبلَ الظُّهرِ وركعتانِ بعدها وركعتانِ بعدَ المغربِ وبعدَ العشاءِ وقبلَ الفجرِ، إذاً الرواتبُ اثنتا عشرةَ ركعةً، لا إله إلَّا الله.

وما زادَ على ذلكَ فهو من النَّوافلِ المندوبِ إليها ولا تكونُ رواتبَ كما في حديثِ أم حبيبةَ أنَّه كان يصلِّي قبلَ الظُّهر أربعًا وبعدها أربعًا، (مَن صلَّى قبلَ الظُّهرِ أربعًا وبعدَها أربعًا بُنِيَ لهُ بيتٌ في الجنَّةِ)، اللهُ المستعانُ، لا إله إلَّا الله، هذه أبوابُ خيرٍ، اللهُ تعالى يسَّرَها للعبادِ وفتحَها وندبَ إليها ليتزوَّدوا، اللهُ لما شرعَ الفرائضَ ويسَّرَها، الصَّلواتُ خمسٌ فقط، الصِّيامُ شهرٌ، فتحَ لعباده أبوابَ التَّطوُّعِ؛ ليستكثرَ المؤمنون من الأعمالِ الصَّالحة.

وفي التَّطوُّعِ جبرٌ للنَّقصِ، هذه من فوائدِ عباداتِ التَّطوُّع أنَّ اللهَ يجبرُ بها نقصَ الفرائض، كمل ورد أنَّ العبدَ يُحاسَبُ فإذا وُجِدَ في عملِه أو فيما فرضَه اللهُ عليه نقصٌ، قيل لهم: انظروا هل له من تطوُّعٍ؟ فيُجبَرُ النَّقصُ، وهذا من رحمةِ الله بعبادِه، اللهُ أكبرُ.

 

– القارئ : بَابُ فَضْلِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ.

عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ». رَوَاهُ سَعِيدُ فِي سُنَنِهِ.

– الشيخ : اللهُ أعلمُ، هذه الأحاديثُ دلَّت على هذه الأنواعِ من نوافلِ الصَّلاة، فهي تدلُّ على الاستحبابِ في الجملةِ، ولكن هذه من التَّطوُّعاتِ الَّتي ليسَ لها لا تعدُّ رواتب، ولهذا الفرقُ بينَ الرَّواتب والنوافلِ المطلقةِ أو غيرِ المؤكَّدةِ الفرقُ أنَّ الرَّواتبَ تُقضَى، الرَّاتبةُ إذا فاتَتْ تُقضَى، كانَ النبيُّ يقضي الرَّاتبةَ، ركعتي الفجر، أو ركعتين قبلَ الظُّهر، وركعتين بعدَها، وركعتين بعد المغربِ، كلُّها إذا فاتتْ تُقضَى، وأمَّا النَّوافلُ الأخرى فإنَّها لا تُقضَى، فوقتُ التَّطوُّع ممدودٌ، لا تحتاجُ لأن تقضي، [….] تطوَّعْ ما شئْتَ في أيِّ وقتٍ سوى أوقاتِ النَّهي.

 

– القارئ : بَابُ تَأْكِيدِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفِ قِرَاءَتِهِمَا وَالضِّجْعَةِ وَالْكَلَامُ بَعْدَهُمَا وَقَضَائِهِمَا إذَا فَاتَتَا.

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ

– الشيخ : لا، بس [يكفي]، قفْ على هذا، اقرأْ لنا بعضَ كلامِ الشَّوكانيِّ على بعضِ الأحاديثِ السَّابقة، شوف [انظر]، حديث أم حبيبةَ

– القارئ : من بدايةِ الكلام؟

– الشيخ : إي الباب هذا الأخير، باب أربعًا قبلَ الظُّهر وأربعًا بعدَها

– القارئ : الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ. وقَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَأَبُو عَبْدَ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: إنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، كَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ. وَقَدْ أَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَصَحَّحَهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ أَبِي أُمَامَةَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَالْقَاسِمُ هَذَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُ رِوَايَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَثِّقُهُ. انْتَهَى.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ صَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ لِمَكْحُولٍ، وَالشُّعَيْثِيُّ الْمَذْكُورُ وَثَّقَهُ دُحَيْمٌ وَالْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْعَلَائِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ

قَوْلُهُ: (حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) فِي رِوَايَةٍ "لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ" وَفِي رِوَايَةٍ "حُرِّمَ عَلَى النَّارِ" وَفِي أُخْرَى "حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ"

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ وَإِنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُهَا لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ، أَوْ أَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَسْتَوْعِبَ أَجْزَاءَهُ؟

– الشيخ : اللهُ أعلمُ، هذا مِن أحاديثِ الوعدِ الَّتي تدلُّ على أنَّ ذلك العملَ سببٌ من أسباب الوقايةِ من النار، والأسبابُ يتوقَّفُ أثرُها على شروطٍ وانتفاءِ الموانعِ، وهذا النوعُ كثيرٌ، "مَن فعلَ كذا دخلَ الجنَّةَ"، أشياءُ يسيرةٌ لكنَّها كلّها مشروطةٌ بأشياءٍ، فهذا من هذا النَّوعِ فإنَّ قولَه: (حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) يتضمَّنُ يعني يساوي أدخلَه اللهُ الجنَّة من أوَّلِ وهلةٍ من غيرِ أن تمسَّه النَّارُ، وعلى كلِّ حالٍ الأحاديثُ فيها التَّرغيبُ في هذه الأعمالِ وأنَّها سببٌ للنَّجاة من النَّار، سببٌ، فإن سلم هذا السَّببُ من الموانعِ و.. يعني هناك فرائضُ الإسلامِ أترى هذا العملَ يستقلُّ بهذا الحكمِ [….]؟ لا، لا يستقلُّ، المهمُّ أن لا بدَّ يؤدِّي الفرائضَ من الصَّلوات وغيرها، والتَّحريمُ على النَّارِ بحيث لا يدخلُها ولا تمسّه النار، هذا يتوقَّفُ على أداء الفرائضِ واجتنابِ المعاصي والذُّنوب، لكنَّ بعضَ الأعمالِ يكون سبباً ولعلَّ هذا السَّببَ يجعلُه الله سبباً لتوفيقِ العبد على الاستقامةِ والسَّلامة من اقترافِ الذُّنوبِ من تركِ واجبٍ أو فعل محرَّمٍ، نعم بعده، يا الله..

 

– القارئ : وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهُ، وَكَفَى بِهَذَا التَّرْغِيبِ بَاعِثًا عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: "مَنْ صَلَّى" أَنَّ التَّحْرِيمَ عَلَى النَّارِ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ

– الشيخ : لا حول ولا قوَّة إلا باللهِ، ما أدري، ظاهرُه لأنَّه (من صلَّى)، صلَّى واحد في يومٍ من الأيَّام أربعاً قبلَ الظهرِ وأربعاً بعدَها، فالَّذي يظهرُ أنَّه يظهرُ من مقاصد الشَّريعة ومن السِّيرةِ -سيرةُ الرسولِ وسيرةُ المؤمنين- المرادُ المداومةُ أو الأغلبُ

– طالب: سيذكرُ لفظة الآن (مَن حافظَ)

– الشيخ : إي هذهِ تعضدُ، لكن هو يريدُ ظاهرَه يعني اللَّفظ الأوَّل، ظاهرُه أنَّه ولو مرَّة، طيِّب

– القارئ : وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: "مَنْ صَلَّى" أَنَّ التَّحْرِيمَ عَلَى النَّارِ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهمَا بِلَفْظِ (مَنْ حَافَظَ) فَلَا يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ إلَّا الْمُحَافِظُ.

انتهى الحديثُ، حديث أم حبيبةَ.

– الشيخ : وهكذا كلُّ السُّننِ والرَّواتبِ من هذا النَّوعِ ليسَ المرادُ فعلُها مرَّةً، مثل (رحمَ اللهُ امرأً صلَّى قبلَ العصرِ…) "صلَّى قبلَ العصرِ" يعني: في عمره مرَّةً؟ لا، هذا ترغيبٌ في أن يصلِّي في كلِّ يومٍ قبلَ العصرِ أربعًا. انتهى؟

– القارئ : انتهى حديثُ أم حبيبة

– الشيخ : والحديث الي [الذي] بعده؟

– القارئ : حديثُ ابنِ عمرَ

قالَ رحمَهُ اللهُ: الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَدِيٍّ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ بِلَفْظِ «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ» وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ بِمَعْنَاهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ. وَعَنْ أُمّ حَبِيبَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنُ. قَالَ لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ» وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالدُّعَاءَ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالرَّحْمَةِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ بَدَنِهِ عَلَى النَّارِ مِمَّا يَتَنَافَسُ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ.

انتهى.

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه