file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(73) باب تأكيد ركعتي الفجر وتخفيف قراءتهما

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الثَّالث والسَّبعون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ تيميةَ الحرَّانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ":

بَابُ تَأْكِيدِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، حتَّى الرواتب متفاضلةٌ ومتفاوتةٌ، الرواتبُ آكدُ من سائر التَّطوُّعات، والرواتبُ مراتبٌ، الرواتبُ على مراتبَ، الله أكبرُ، والرواتبُ بابٌ من أبواب الخير يتزوَّدُ منه المؤمنُ، يتزوَّدُ به المؤمنُ من الحسنات زيادةً على الفرائض.

 

– القارئ : وَتَخْفِيفِ قِرَاءَتِهِمَا وَالضِّجْعَةِ وَالْكَلَامِ بَعْدَهُمَا وَقَضَائِهِمَا إذَا فَاتَتَا

– الشيخ : ما شاءَ الله، ذكرَ في هذه التَّرجمة جملةَ أحكامٍ، من أحكام رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: أوَّلًا: أنَّهما آكدُ الرواتبِ، ثانيًا: أنَّ السُّنَّةَ التخفيفُ -تخفيف القراءة- لقول عائشةَ: "حتَّى أقولَ: أقرأُ أمَّ الكتابِ!" من يخفِّف رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ومن أحكامهما أنَّهما تقضيان إذا فاتَتا.

 

– القارئ : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : الله أكبرُ، "لَمْ يَكُنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ" يعني: يتعاهدُ هاتين الركعتين بالمحافظةِ عليهما، بالمحافظة عليهما.

 

– القارئ : وَعَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ينبغي للمسلمِ يستحضرُ هذه الفضائلَ حتَّى يحتسبَ هذا الفضلَ ويحتسبَ هذا الأجرَ فيصلِّي ويفعل الطاعات إيمانًا واحتسابًا، إيمانًا لوعدِ الله ورجاءً لمثوبتِه.

 

– القارئ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، مثل هذا الأسلوبِ للتأكيد، لتأكيد هاتَين الركعتين وعدمِ التَّفريط فيهما.

– القارئ : وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (رَمَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؟). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، إذًا فلو واحد رأى أن يطوِّلهما قلنا: هذا غلطٌ هذا خلافُ السُّنَّة، الواجبُ اتِّباعُ السُّنَّة، فالعبادةُ ليسَت بالرأي، العبادةُ مبناها الاتِّباعُ -اتِّباعُ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم- فما خفَّفَ فيه فالسُّنَّة التخفيفُ، وما طوَّلَ فيه فالسُّنَّةُ التَّطويلُ وهكذا.

 

– القارئ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ)، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

– الشيخ : في هذا الحديثِ إرشادٌ إلى الاضطجاع أو الضِّجعة بعدَ ركعتي الفجرِ، يُسَنُّ للإنسانِ أنْ يضطجع على جنبه قليلًا، واختلفَ أهلُ العلمِ في  هذه: فمنهم من قالَ: إنَّها سنَّةٌ بإطلاقٍ، ومنهم من قالَ: إنَّها سنَّةٌ لمن كان قد تهجَّدَ، فتكون هذه الضّجعةُ استراحةً، ومنهم من أوجبَها من الظَّاهريَّة، الظَّاهريَّةُ أوجبُوها، والصَّحيحُ أنَّها سنَّةٌ لكن لمن ركعَ الرَّكعتين في البيتِ في بيته أمَّا في المسجدِ فلا، لأنَّه لم يُنقَلْ أنَّ النَّاسَ كانوا يضطجعون في المسجد كلّ من صلَّى ركعتين راحَ يضطجع، فالَّذي يظهرُ -واللهُ أعلمُ- أنَّه إذا الإنسانُ في بيته وصلَّى، قام من اللَّيل ما تيسَّرَ ثمَّ طلع الفجرُ وصلَّى ركعتي الفجر يضطجعُ قليلًا.

 

– القارئ : وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ».

– الشيخ : فعُلِمَ بذلك أنَّ هذه الضَّجعةَ سنَّةٌ قوليَّةٌ فعليَّةٌ

– القارئ : وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِما.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَاهُمَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَمَّا نَامَ عَنْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ.

– الشيخ : يومَ ناموا في بعض الأسفار، نامَ الرَّسول ونام الصَّحابةُ فلمَّا استيقظوا وتحوَّلوا عن مكانهم أمرَ المؤذِّنَ فأذَّنَ وتوضَّأَ النَّاسُ وصلَّوا ركعتين، يعني كما يصلّون تمامًا في سائر الأيَّام، وعليه فمن نام عن صلاةِ الفجرِ ثمَّ استيقظَ فإنَّه يقومُ ويتوضَّأ ويصلِّي ركعتي الفجر بإطلاقٍ، حتَّى ولو كانَت الشَّمس تكادُ تطلعُ، يصلِّي ركعتي الفجر ويصلِّي…، لأنَّ هذا وقتُ صلاته، لما استيقظَ هذا هو وقتُه، هذا هو وقتُه، خصوصًا المقصودُ إذا كان نومُه بغيرِ اختياره، أمَّا المتساهلُ -والعياذُ بالله- الَّذي ينامُ وهو لا يبالي متى ما استيقظَ صلَّى، فإذا استيقظَ عن طلوع الشمس ينبغي أن يبادرَ؛ ليؤدِّيَ الفريضةَ في وقتها.

 

– القارئ : بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ سُنَّتَيْ الظُّهْرِ

– الشيخ : حسبُك، اقرأْ لنا ما يتعلَّقُ بالضَّجعةِ عند الشوكانيِّ، الحديث الي.. هذه قوليَّةٌ وفعليَّةٌ ما له، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله. قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ.

– القارئ : قالَ رحمَهُ اللهُ: حديثُ أبي هريرةَ وحديثُ عائشةَ

الشيخ : جمعَها يعني؟

– القارئ : جمعَهنَّ إي

– الشيخ : جمعَ الكلامَ فيها؟

– القارئ : نعم، قالَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ «إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» وَفِي إسْنَادِهِ حُيَيِّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَفِي إسْنَادِ أَحْمَدَ أَيْضًا ابْنُ لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ وَاخْتِلَافٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: قَالَ: (خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إلَّا نَادَاهُ بِالصَّلَاةِ أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ) أَدْخَلَهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الِاضْطِجَاعِ بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.

وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُؤَذَّنَ بِالصَّلَاةِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ

– الشيخ : "يُؤَذَّنَ" يعني: إقامة، للإقامة

– القارئ : كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذَا الِاضْطِجَاعِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: فَمِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُفْتِي بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ.

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، رضيَ اللهُ عنهم

– القارئ : وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَرُوِيَ عَنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُهُ كَمَا سَيَأْتِي

وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ ابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ كَمَا حَكَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ، وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَرَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهُمَا وَاجِبٌ مُفْتَرَضٌ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ

– الشيخ : سبحانَ الله! هذا من العجائبِ! حتَّى أنَّه من لم يضطجع لا تصحُّ صلاتُه.

– القارئ : وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ، وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُونَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: "فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ". وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَضْطَجِعُ مَعَ اسْتِيقَاظِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً لِصَرْفِ الْأَمْرِ إلَى النَّدْبِ، وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- لِمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرٌ خَاصٌّ بِالْأُمَّةِ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْخَاصَّ وَلَا يَصْرِفُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، تباينٌ

– القارئ : وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا بَالُ الرَّجُلِ إذَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَمَعَّكُ كَمَا تَتَمَعَّكُ الدَّابَّةُ أَوْ الْحِمَارُ، إذَا سَلَّمَ فَقَدْ فَصَلَ.

– الشيخ : هذا يقتضي أنَّهم يفعلونه في المسجدِ.

– القارئ : وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَمَا رَأَيْتُهُ اضْطَجَعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَضْطَجِعُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَ: احْصِبُوهُ.

– الشيخ : يعني: ارموه بالحصباءِ

– القارئ : وَرَوَى أَبُو مِجْلَزٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ.

وَفِي رِوَايَةِ زَيْدِ الْعَمِّي عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا بِدْعَةٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ

وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَالَ: هِيَ ضِجْعَةُ الشَّيْطَانِ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، تباينٌ، تباينٌ عجيبٌ!

– طالب: القولُ في المسجدِ والَّا مطلقًا؟

– الشيخ : كأنه كونه يقولُ: احصبوه وما أدري أيش؟ كأنّهم يفعلون ذلك في المسجدِ بعضهم.

– القارئ : وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

– الشيخ : أيش؟ الكراهة؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : سبحانَ الله!

– القارئ : الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.

الْقَوْلُ الْخَامِسُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ بِاللَّيْلِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ

– الشيخ : مثل ما قال بعضُهم في جلسة الاستراحةِ، يعني من يحتاجُ إليها ويثقلُ … تُستحَبُّ له، ومن لا فلا.

– القارئ : وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ: لَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعُ اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ.

– الشيخ : يضطجعُ للاستجمام! ضجعة ذي قليلة ما هي بشيء، ثمَّ الاضطجاعُ قبلَ ركعتي الفجرِ يمكن الَّذي قامَ من اللَّيل يمكن يضطجعُ قبلها أيضًا ما نتعلَّقُ بركعتي الفجرِ، لا ما..

 

– القارئ : وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: «إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَضْطَجِعْ لِسُنَّةٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ» وَهَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ

– الشيخ : بس، خلَّه يروح

– القارئ : أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَاوِيًا لَمْ يُسَمَّ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَدْ رَوَتْ أَنَّهُ كَانَ

– الشيخ : لو صحَّ

– القارئ : وَقَدْ رَوَتْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَالْحُجَّةُ فِي فِعْلِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَمْرُهُ بِهِ فَتَأَكَّدَتْ بِذَلِكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ، رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ.

وَفِيهِ أَنَّ الْفَصْلَ يَحْصُلُ بِالْقُعُودِ وَالتَّحَوُّلِ وَالتَّحَدُّثِ

– الشيخ : إي، هذا اعتراضٌ، اعتراضٌ على هذا القولِ، لو كانَ المرادُ الفصلَ يحصل الفصلُ بمختلف الحالاتِ.

– القارئ : وَفِيهِ أَنَّ الْفَصْلَ يَحْصُلُ بِالْقُعُودِ وَالتَّحَوُّلِ وَالتَّحَدُّثِ وَلَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالِاضْطِجَاعِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ الِاضْطِجَاعُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ

– الشيخ : رحمَه اللهُ، قد أحسنَ

– القارئ : وَقَدْ أَجَابَ مَنْ لَمْ يَرَ مَشْرُوعِيَّةَ الِاضْطِجَاعِ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِأَجْوِبَةٍ:

مِنْهَا: أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا رَأَيْتُهُ يَطْلُبُ حَدِيثًا بِالْبَصْرَةِ وَلَا بِالْكُوفَةِ قَطُّ، وَكُنْتُ أَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد يَقُولُ: عَمَدَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إلَى أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا، يَقُول: "حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ فِي كَذَا وَكَذَا" انْتَهَى، وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ بِصِيغَةِ الْعَنْعَنَةِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ.

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ قَدْ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ مَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ السَّابِقَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ مَنْ رَوَى عَنْهُ التَّضْعِيفَ لَهُ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْمُتَقَدِّمُ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ ثِقَةٌ، وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ مِنْ أَثْبَتِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، فَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى نَاقِلِهِ بِعَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ وَكِلَاهُمَا بَصْرِيٌّ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَلَا شَيْخُهُ الْأَعْمَشُ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ فِعْلِهِ لَا مِنْ قَوْلِهِ.

وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا النَّافُونَ لِشَرْعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ، هَلْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ؟ وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ كَوْنَهُ مِنْ فِعْلِهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ وُرُودَهُ مِنْ فِعْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَانِ: حَدِيثُ الْأَمْرِ بِهِ، وَحَدِيثُ ثُبُوتِهِ مِنْ فِعْلِهِ، عَلَى أَنَّ الْكُلَّ يُفِيدُ ثُبُوتَ أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَرُدُّ نَفْيَ النَّافِينَ. وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِي حَدِيثَ الْأَمْرِ بِهِ قَالَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ: هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: لَا، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: فَمَا ذَنْبِي إنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا.

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا لَهُ بِالْحِفْظِ.

وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهَا الْأَمْرُ بِذَلِكَ إنَّمَا فِيهَا فِعْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالِاضْطِجَاعُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُجَرَّدِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ.

وَالْجَوَابُ: مَنْعُ كَوْنِ فِعْلِهِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالسَّنَدُ

– طالب: وَالسَّنَدُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]

– الشيخ : صل الكلامَ، أقولُ: صلْ "وَالسَّنَدُ"

– القارئ : وَالسَّنَدُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7] وَقَوْلُهُ: فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31] يَتَنَاوَلُ الْأَفْعَالَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَكَابِرُهُمْ إلَى أَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ إلَّا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ، وَقَدْ عَرَفْتَ ثُبُوتَ الْقَوْلِ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ. وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ فِي بَعْضِهَا الِاضْطِجَاعُ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا مَرْجُوحَةٌ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فَكَذَا بَعْدَهُمَا.

وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَرْجَحِيَّةَ رِوَايَةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْد صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى رِوَايَةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا، بَلْ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا أَرْجَحُ، وَالْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيمُ عُرْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ، فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إثْبَاتُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ

وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: إنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ. الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ، فَرَوَاهَا الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَة مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ ذِكْرِهِمَا: وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ.

قَالَ: وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مَحْفُوظَيْنِ، فَنَقَلَ مَالِكٌ أَحَدَهُمَا وَنَقَلَ الْبَاقُونَ الْآخَرَ، قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَدْ يُحْتَمَلُ مِثْلُ مَا اُحْتُمِلَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُخَالِفَانِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا أَنْ لَا يَضْطَجِعَ بَعْدَهُمَا وَلَعَلَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا هُوَ نَوْمُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ.

وَفِي تَحْدِيثِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَائِشَةَ بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ بَعْدَهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَرَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلْيَسْكُتُوا وَإِنْ كَانُوا رُكْبَانًا وَإِنْ لَمْ يَرْكَعُوهُمَا فَلْيَسْكُتُوا، إذَا عَرَفْتَ الْكَلَامَ فِي الِاضْطِجَاعِ تَبَيَّنَ لَكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ، وَعَلِمْتَ بِمَا أَسْلَفْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُعَارِضُ الْأَمْرَ لِلْأُمَّةِ الْخَاصِّ بِهِمْ وَلَاحَ لَكَ قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ

– الشيخ : ما شاءَ الله، رحمه اللهُ

– القارئ : وَالتَّقْيِيدِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَانَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ يُشْعِرُ بِأَنَّ حُصُولَ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِذَلِكَ لَا بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَمَّا مَعَ التَّعَذُّرِ فَهَلْ يَحْصُلُ الْمَشْرُوعُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَمْ لَا؟ بَلْ يُشِيرُ إلَى الِاضْطِجَاعِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، جَزَمَ بِالثَّانِي ابْنُ حَزْمٍ.

– الشيخ : يعني يقول سبحانَ الله، يعني مانو [ما هو] قادر يعني عاجز عن الاضطجاعِ على الشِّقِّ الأيمينِ، يشير إشارةً فهذا مبنيٌّ على قول ابنِ حزمٍ، الله المستعانُ، انتهى؟ خلص؟

– القارئ : باقي أسطرٌ قليلة

– الشيخ : أسطر، يا الله اختمْ اختم

– القارئ : جَزَمَ بِالثَّانِي ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ مُعَلَّقٌ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، فَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ غَلَبَهُ النَّوْمُ، وَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْأَيْمَنِ قَلِقَ لِقَلَقِ الْقَلْبِ وَطَلَبِهِ لِمُسْتَقَرِّهِ.

– الشيخ : ذكروا هذا، ذكرَ هذا المعنى ابنُ القيِّم في استحبابِ النَّومِ على الشِّقِّ الأيمن، النومُ الأصل من أوَّل اللَّيل يُستحَبُّ أن ينامَ الإنسانُ على شقِّه الأيمن، وذكروا هذا التعليلَ، واللهُ أعلمُ.

– القارئ : انتهى

– الشيخ : جزاك اللهُ خيرًا، اللَّهمّ أعلم بالصَّواب، لكن أمام هذا الاختلافِ الواسعِ واختلافِ الروايات لعلَّ أوسطَ الروايات هو أوسطُها، أوسطُها هو أقربُها وهو الاستحبابُ، لا نقول: إنَّها مكروهةٌ ولا واجبةٌ، سبحان الله!

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه