الرئيسية/شروحات الكتب/المنتقى في الأحكام الشرعية من كلام خير البرية/(76) تابع باب وقت صلاة الوتر والقراءة فيها والقنوت
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(76) تابع باب وقت صلاة الوتر والقراءة فيها والقنوت

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: السَّادس والسَّبعون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ تيميةَ الحرَّانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:

قالَ رحمَهُ اللهُ: وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مِنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)

– الشيخ : هذا هو المعنى الثَّالثُ الَّذي تضمَّنَتْه التَّرجمةُ، حيث قالَ المؤلِّفُ -رحمه اللهُ-: "بَابٌ في وقت الْوِتْرِ وَالْقِرَاءَةِ فِيه وَالْقُنُوتُ"، تقدَّمَ القولُ في الوقتِ –وقت الوترِ- وفي القراءةِ فيه، وفي هذا الحديثِ ذكر القنوت، وهو حديثُ الحسنِ، وهو أشهرُ حديثٍ، ولا أعلمُ أنَّه جاء عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- إلَّا هذا، أمَّا المستفيضُ المتواترُ عن النَّبيِّ فهو القنوتُ في النَّوازل في صلاة الفجر وفي غيرها من الصَّلوات أمَّا القنوتُ في الوتر فهذا هو الأصلُ، حديثُ الحسنِ هو الأصلُ في قنوت الوترِ.

يقول: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ" وهي دعواتٌ عظيمةٌ وكلماتٌ نافعةٌ جامعةٌ (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) فهذه غايةُ هدايةٍ، والدخولُ في عداد المهديِّين، أدخلني برحمتك في عبادِك الصَّالحين، (اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ) يعني: اهدِني واجعلْني في جملة المهديِّين، وعافِني واجعلْني في جملة من عافيتَ، وتولَّني كن وليِّي في جملةِ من تولَّيتهم وكانوا أوليائك، (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) إلى آخر الدُّعاء، كلُّها جملٌ.

وقد صار كثيرٌ من النَّاس لا يكتفي بهذه الدَّعوات يضيفُ إليها، لكن منهم من يضيفُ إليها بعضَ الأدعية المأثورة ويقتصدُ في ذلك، ومنهم من يضيفُ إليها أدعيةً مأثورةً وغير مأثورةٍ ويسهبون في ذلك ويبالغون ويبتدعون أدعيةً معانيها بعضها ليس بصحيحٍ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ على عبدِك ورسولك.

 

– القارئ : وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ –رضيَ اللهُ عنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وَتْرِهِ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ). رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.

– الشيخ : وهذا أيضًا طرفٌ ممَّا يُقالُ في قنوت الوترِ، وهذا ثابتٌ عن النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، هذا التَّعوُّذُ: (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) وهذا التَّعوُّذُ هو من نوعِ التَّوسُّل، يتوسَّلُ إلى الله برضاه؛ ليقيَهُ سخطَه، يتوسَّلُ إلى الله بمعافاته؛ ليصرفَ عنه عقوبتَه، (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك).

ثمَّ الجملة الأخيرة إجمالٌ لما قبلَها: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ) يوضِّحُ ذلك ما جاءَ في الدُّعاء عندَ الاضطجاع عندَ النَّوم: (لا ملجأَ ولا منجى منكَ إلَّا إليكَ) كلُّ أحدٍ، كلُّ مخوفٍ تفرُّ منه إلى غيره، أمَّا اللهُ تعالى فالخائفُ منه إلى أين؟ إلى من يفرُّ؟ الخائفُ من اللهِ يفرُّ إلى من؟ من يجيرُه؟ الخائفُ من الله يفرُّ إليه، وهذا معنى (أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ) فالشَّيءُ الَّذي يخافُ منه العبدُ هو بمشيئة الله وتقديره، والشَّيءُ الَّذي يُرغَبُ فيه هو أيضًا بمشيئة الله وتقديره، فعادَ الأمرُ كلُّه إليه، إذن فلا مفرَّ منه، لا مفرَّ منه إلَّا إليه، (لا ملجأَ ولا منجى منكَ إلَّا إليكَ) فهذا يوضِّحُ معنى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ).

 

– القارئ : بَابُ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ وَخَتْمُ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِالْوِتْرِ وَمَا جَاءَ

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]، اقرأ كلامَ الشَّوكانيِّ على حديث الحسنِ ذكر فيه مذاهبَ، يعني القنوتُ منهم من يرى أنَّه ليس بمشروعٍ وأنَّ الحديثَ يعني فيه مقالٌ، ومنهم يقول بشرعيَّةِ الوتر مطلقًا [لعلَّه: بشرعيَّة القنوتِ مطلقًا] ومنهم من يقيِّدُه، ومن ذلك أنَّه لا يُشرَعُ إلَّا في النِّصفِ الأخير من رمضانَ، فذكر فيه الشَّوكانيُّ مذاهبَ فلعلَّك تقرأ يا محمَّد.

 

– القارئ : قالَ الشَّوكانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "نيلِ الأوطارِ": أَمَّا حَدِيثُ الْحَسَن فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالرَّاءِ عَنْ الْحَسَنِ، وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: "فَإِنَّك تَقْضِي" وَبَعْضهمْ أَسْقَطَهَا

– الشيخ : بَعْضهمْ أَسْقَطَهَا فقالَ: إِنَّك تَقْضِي، إي سهلة

– القارئ : وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ: (تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ) " سُبْحَانَكَ "

– الشيخ : سهلٌ، هذه كلُّها

– القارئ : وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ قَبْلَ: (تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ) أَيْضًا (وَلَا يُعَزُّ مَنْ عَادَيْتَ)

– الشيخ : (فإنَّهُ لَا يَذِلُّ مِنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ) لَا يَذِلُّ وَلَا يَعِزُّ، (لَا يَذِلُّ مِنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ)

– القارئ : قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ: لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مُعْتَرَضٌ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهَا مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدٍ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ عَنْ الْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ، وَهَذَا التَّرَدُّدُ مِنْ إسْرَائِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَأَنَّ الشَّكَّ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْإِطْلَاقِ أَوْ فِي النِّسْبَةِ.

قَالَ: وَيُؤَيِّدُ الشَّكَّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِ الْحُسَيْنِ مِنْ مُسْنَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ

– الشيخ : الأمرُ سهلٌ الحسن أو الحسين، كلُّه واحدٌ

– القارئ : وَمِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ قَالَ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ خِلَافُهُ، وَالْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ لَا مِنْ حَدِيثِ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَلَعَلَّهُ سَاءَ فِيهِ حِفْظِهِ فَنَسِيَ هَلْ هُوَ الْحَسَنُ أَوْ الْحُسَيْنُ؟

قَالَ: ثُمَّ إنَّ الزِّيَادَةَ -أَعْنِي قَوْلُهُ: (وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ)- رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث شَرِيكٍ وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ بِإِسْنَادٍ لَهُ مُتَّصِلٍ، وَفِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، وَزَادَ النَّسَائِيّ بَعْد قَوْلِهِ: (تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهَا زِيَادَةٌ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَرَوَى تِلْكَ الزِّيَادَةَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ.

وَقَدْ ضَعَّفَ ابْنُ حِبَّانَ حَدِيثَ الْحَسَنِ هَذَا، وَقَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْحَسَنُ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، فَكَيْف يُعَلِّمُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الدُّعَاء؟ وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْبَدْرِ الْمُنِيرِ إلَى تَضْعِيفِ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ.

وَقَدْ نَبَّهَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدٍ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَتَبِعَهُ ابْنَاهُ يُونُسُ وَإِسْرَائِيلُ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ مِائَتَيْنِ مِثْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنَيْهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقُنُوتَ، وَلَا الْوِتْرَ، وَإِنَّمَا قَالَ: كَانَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ الْحَافِظُ

– الشيخ : وَأَيَّدَ ذَلِكَ الْحَافِظُ؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، على كلِّ حالٍ، يعني لكن مجموع الرِّوايات تدلُّ على صحَّة هذا الدُّعاء عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- لكنَّ الاضطرابَ في بعض ألفاظه هل هو في قنوت الوتر، لكن العمل على هذا، على أنَّ هذا الدُّعاءَ محلُّه الوترُ، في قنوت الوتر.

 

– القارئ : وَأَيَّدَ ذَلِكَ الْحَافِظُ بِرِوَايَةِ الدُّولَابِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ، فَإِنَّ فِيهَا التَّصْرِيحَ بِالْقُنُوتِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي وِتْرِ اللَّيْلِ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ»

– الشيخ : هذا الَّذي اعتمدَ عليه في مذهب الشَّافعيِّ، القنوتُ في صلاة الصُّبح دائمًا بهذا الدُّعاء

– القارئ : وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إنَّ ذِكْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. وَقَالَ ابْنُ النَّحْوِيِّ: إنَّ إسْنَادهَا جَيِّدٌ، وَصَرَّحَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أَنَّ إسْنَادَهَا ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُقَيَّدًا بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ صَحِيحًا، وَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ الْحَسَن بْنِ عَلِيٍّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ نَحْوَهُ، وَفِي إسْنَادِهِ -كَمَا قَالَ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَقَالٌ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ الْمَذْكُورِ، فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مُقَيَّدًا بِالْقُنُوتِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي كُتُبِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوِتْرِ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرَ الْوِتْرِ» وَفِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ الْجُعْفِيُّ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ الْوَضَّاعِينَ.

وعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ- أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِر الْوِتْرِ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ»

– الشيخ : عائشةُ أمُّ المؤمنين -رضي الله عنها- الَّتي نقلَت صلاتَه باللَّيل عددًا وصفةً لا أعلمُ أنَّها نقلَت عنه القنوتَ في وتره.

– القارئ : وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا عَمْرو بْنُ شِمْرٍ الْمَذْكُورِ.

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَة فِي الْمُصَنَّفِ وَالدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَفِي إسْنَادِهِ أَبَانَ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي كِتَابِ الْقُنُوتِ قَالَ: «إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَّمَ أَحَدَ ابْنَيْهِ فِي الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» الْحَدِيثُ.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، وَفِيهِ ذِكْرُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ.

وَعَنْ أُمِّ عَبْدٍ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْد ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "قَنَتَ قَبْل الرُّكُوعِ".

وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ.

وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عَلِيٍّ -عليهِ السَّلامُ- أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ عَنْهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَلَا يَقْنُتُ إلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

وَرَوَى الْعِرَاقِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْحَارِث الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ إذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ لَعَنَ الْكَفَرَةَ. قَالَ: وَعَنْ الْحَسَنِ: كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا قُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سُرَاقَةَ نَحْوُهُ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ فِيمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: -وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ- إلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ دُونَ بَقِيَّةِ السَّنَةِ، وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَعْمَرٌ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ القنوتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَذَهَبَ طَاوُوسٌ إلَى أَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ بِدْعَةٌ. وَرَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ ذَلِكَ.

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُومُ لِأَهْلِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، أَتَرَى أَنْ يَقْنُتَ بِهِمْ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ الشَّهْرِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ وَلَا أَحَدًا مِنْ أُولَئِكَ، وَمَا هُوَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ، وَمَا أَفْعَلُهُ أَنَا فِي رَمَضَانَ، وَلَا أَعْرِفُ الْقُنُوتَ قَدِيمًا.

وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى عن مالكٍ: لَا يُقْنَتُ فِي الْوِتْرِ عِنْدنَا.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فِي صَلَاةِ رَمَضَانَ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ لَمْ يَصِحَّ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي تَرْكُهُ؛ إذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِعْله وَلَا قَوْله انتهـى. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: قُلْت: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ بَدْءِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا فَتَوَرَّطُوا مُتَوَرَّطًا خَافَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَانَ النِّصْفُ الْآخِرُ مِنْ رَمَضَانَ قَنَتَ يَدْعُو لَهُمْ.

فَهَذِهِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ فِي الْقُنُوتِ، وَبِهَا يَتَبَيَّنُ عَدَمَ صِحَّةِ دَعْوَى الْمَهْدِيِّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ فَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ

– الشيخ : إلى آخره خلص، اللهُ المستعانُ، يعني أنَّ الأمرَ الواسع، لا هو بالسُّنَّة البيِّنة للغاية، ولا نقول: إنَّه بدعةٌ، فلا شكَّ أنَّه صحيحٌ عن السَّلف في الجملة معَ اختلافِهم، الأمر، فنقول فيه: الأمرُ واسعٌ.

وبسببِ الاعتياد الَّذي يتركُ القنوتَ، النَّاسُ يستعظمون تركَهُ.

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه