file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(81) باب تحية المسجد

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الحادي والثَّمانون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ":

بَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ:

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَالْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: (أَعْطُوا الْمَسَاجِدَ حَقَّهَا)، قَالُوا: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: (أَنْ تُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسُوا).

بَابُ الصَّلَاةِ عَقِيبَ الطَّهُورِ

– الشيخ : تحيةُ المسجدِ من السُّننِ المؤكَّدةِ؛ لأنَّ الرَّسولَ.. وقد قيلَ بوجوبها، وهذا مستفادٌ من نهي النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من دخلَ المسجدَ أن يجلسَ حتَّى يصلِّي ركعتين، وأمرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدَّاخلَ يومَ الجمعةِ وهو يخطبُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقومَ فيصلِّي ركعتين، قالَ له: (أصلَّيْتَ؟) قال: "لا"، قالَ: (قمْ، فصلِّ ركعتَينِ) فثبتَ فيها النَّهي عن الجلوس والأمر بالصَّلاة.

فينبغي للمسلم أن يحافظَ على هذه السُّنَّةِ إذا دخلَ المسجدَ أن يصلِّيَ ركعتين وعُرِفَتْ عندَ أهلِ العلمِ بتحيَّةِ المسجد، فالمسجدُ ليس كغيره من المجالس والبيوت، هو بيتُ الله، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36] يعني: تُعظَّم، ومن تعظيمها فعلُ هذه الصَّلاة، فعلُ هذه الصَّلاة من تعظيمِ المسجدِ فهي تحيَّةُ المسجدِ.

المسجدُ بيتُ اللهِ (وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ مِن بيوتِ اللهِ) وهي المساجدُ، فحقيقٌ بمن دخلَ بيتَ اللهِ أنْ يعظِّمَه بما شرعَ اللهُ في كتابه أو على لسانِ رسولِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

– القارئ : قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: بَابُ الصَّلَاةِ عَقِيبَ الطَّهُورِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ: (يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ) قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : أخذَ العلماءُ من هذا أنَّه يُسَنُّ لمن تطهَّرَ أن يصلِّيَ ركعتين، وتُعرَفُ بسنَّة الوضوءِ، سنَّةُ الوضوءِ، فإذا تطهَّرَ الإنسانُ في وقتٍ من الأوقات فإنَّه يصلِّي ركعتين حتَّى ولو في وقت النَّهي عندَ من يقولُ بجوازِ ذواتِ الأسبابِ فإنَّها من ذواتِ الأسبابِ، كتحيَّة المسجد، فتحيَّةُ المسجدِ وسنَّةُ الوضوءِ من ذواتِ الأسبابِ الَّتي تُفعَلُ في أيِّ وقتٍ، ويشهدُ لهذا ما جاءَ في صفةِ الوضوء من حديث عثمانَ -رضي اللهُ عنه- وغيره أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضَّأَ ثمَّ قالَ: (مَن توضَّأَ نحوَ وضوئِي هذا ثَّم صلَّى ركعتَينِ لا يُحدِّثُ فيهما نفسَهُ إلَّا غُفِرَ لهُ)، فهذا فيه الإرشادُ إلى صلاةِ ركعتين بعدَ الوضوءِ.

 

– القارئ : بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: (إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقْدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ، قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.

– الشيخ : وهكذا هذه من الصَّلوات، من صلواتِ التَّطوُّع صلاةُ الاستخارةِ وهو طلبُ خيرِ الأمرَينِ، فإذا الإنسانُ همَّه أمرٌ أو همَّ بأمرٍ من الأمورِ الَّتي يتردَّدُ فيها ولا يعلمُ الخيرةَ فيه، فإنَّه يستخيرُ ربَّه، يطلبُ من ربِّه أن يهديَه إلى خير الأمرَينِ ممَّا همَّ به، فيُستحَبُّ لمن كانَ كذلك أن يفعلَ ما أرشدَ إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فيصلِّي ركعتين من غيرِ الفريضةِ، يعني: لا يجعل الفريضةَ صلاةَ استخارةٍ، لا، يصلِّي ركعتينِ يقصدُ بهما الاستخارةَ، وتُعرَفُ بصلاة الاستخارةِ من إضافةِ الشَّيءِ إلى سببِه، فإنَّ الصَّلاةَ من أجلِ الاستخارة، من أجل أنَّه يستخيرُ ربَّه.

وظاهرُ الحديثِ أنَّه يدعو بذلك بعدَ السَّلام، بعدَما يصلِّي الرَّكعتين يدعو هذا الدُّعاء، وقوله: (إنْ كنْتَ تعلمُ) اللهُ يعلمُ كلَّ شيءٍ على ما هو عليه، فيعلمُ هذا الأمرَ هل هو خيرٌ للعبدِ أو شرٌّ عليه، فقولُ العبدِ: (إنْ كنْتَ تعلمُ) هذا الشَّكُّ راجعٌ إلى عدم علمِ العبدِ هل له أنْ يعلمَ أنَّ هذا خيرٌ له أو يعلم أنَّه شرٌّ له، فهو يقولُ: (إنْ كنْتَ تعلمُ) ليسَ شكًّا في علمِ اللهِ، لكن هو شكٌّ في المعلوم، هل المعلومُ للهِ خيرٌ أو هو شرٌّ، شكٌّ في المعلومِ لا في العلمِ، فاللهُ يعلمُ كلَّ شيءٍ على ما هو عليه.

 

– القارئ : قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: بَابُ مَا جَاءَ فِي طُولِ الْقِيَامِ وَكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ بِهَا عَنْكَ خَطِيئَةً) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ: (سَلْنِي) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟) فَقُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، فَقَالَ: (أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَقُومُ وَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا). رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

– الشيخ : دلَّتْ هذه الأحاديثُ على ما ترجمَ به المؤلِّفُ من فضلِ طولِ القيامِ وفضلِ كثرةِ السُّجودِ، فطولُ القيامِ فيه تلاوةُ القرآنِ؛ لأنَّ ذكرَ القيامِ هو القرآنُ، الفاتحةُ وما زادَ عليها، ولهذا يشهدُ لهذا ما جاءَ في الحديث الآخر كحديثِ حذيفة أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قامَ ذاتَ ليلةٍ فشرعَ بسورة البقرةِ ثمَّ مضى حتَّى أكملَها ثمَّ سورة النِّساء ثمَّ سورة آل عمران في قيامٍ واحدٍ وهذا لا شكَّ أنَّه قيامٌ طويلٌ، البقرة والنِّساء وآل عمران، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ عليه.

والسُّجودُ هو أقربُ كما قالَ عليه الصَّلاة والسَّلام: (أقربُ ما يكونُ العبدُ إلى ربِّهِ وهوَ ساجدٌ)؛ لأنَّ السُّجودَ أتمُّ خضوعًا وتعظيمًا لله سبحانه وتعالى، ولهذا الصَّلاة تُسمَّى السُّجود تسميةً لها بأعظم أركانها، وتُسمَّى تسبيحًا، وركوعًا، سجودٌ وركوعٌ، فهذه أركانُ الصَّلاة، القيامُ والرُّكوع والسُّجود.

وفي هذه الأحاديثِ التَّرغيبُ بكثرة السُّجود، والمقصدُ كثرةُ الصَّلاة، فإذا أكثرَ الإنسانُ الصَّلاةَ لزمَ من ذلك كثرة السُّجود، ففي كلِّ ركعةٍ سجدتان (أَعِنِّي عَلَى نَفْسِك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) أي: بكثرة الصَّلاةِ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه