file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(83) باب النهي عن التطوع بعد الإقامة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الثَّالث والثَّمانون

***      ***      ***

 

–  القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ":

بَابُ النَّهْي عَنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ

– الشيخ : يعني عن الدُّخول في النَّافلة بعدَ إقامةِ الصَّلاةِ المكتوبةِ، (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ) في لفظٍ: (إلَّا الَّتي أُقيمَتْ).

 

– القارئ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضيَ اللهُ عنهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: (إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالكِ بْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟! آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟!) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : يعني هل صلاةُ الفجرِ أربعٌ حتَّى تصلِّي؟ لأنَّه كانَ يصلِّي.

– القارئ : بَابُ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا

– الشيخ : بس [يكفي] إلى هنا، اقرأ كلامَ الشَّارح على الحديث الثَّاني، على الحديثين؛ لأنَّ قصير الكلام

– القارئ : قالَ الشَّوكانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: "وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْأفْرَادِ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِثْلُهُ، وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ.

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: الْكَرَاهَةُ، وَبِهِ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.

 وَمِنْ الْأَئِمَّةِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ هَكَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوايةَ عَنْ الثَّوْرِيِّ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّ تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَشِيَ فَوْتَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ دَخَلَ مَعَهُمْ وَتَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ. وَسَيَأْتِي.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ إذَا كَانَتْ الْمَكْتُوبَةُ قَدْ قَامَتْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ فِي الْفَرِيضَةِ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، فَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ إلَّا رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ). وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا أَصْلَ لَهَا، وَفِي إسْنَادِهَا حَجَّاجُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ)، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؟ قَالَ: (وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) وَفِي إسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي صَحِيحِهِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، فَقَالَ: إذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْكَعْهُمَا -يَعْنِي: رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ- وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَلْيَرْكَعْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ.

الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ إنْ خَشِيَ فَوْاتَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا وَأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ دَخَلَ مَعَهُ وَإِلَّا فَلْيَرْكَعْهُمَا -يَعْنِي: رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ- خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَحَكَى عَنْهُ أَيْضًا نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ مِثْلَ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ الْآتِي ذِكْرُهُ.

الْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّهُ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ. فَأَمَّا الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَلْيَرْكَعْ وَإِنْ فَاتَتْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.

الْقَوْلُ السَّابِعُ: يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ.

 الْقَوْلُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.

الْقَوْلُ التَّاسِعُ: أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الدُّخُولُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ النَّوَافِلِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ

– الشيخ : وهذا أظهرُ الأقوالِ وأوفقُها للدَّليل، هذا الأخيرُ هو الموافقُ لظاهر الحديثِ: (إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ) وهو نفي بمعنى النَّهي، وأمَّا الأقوالُ الفائتةُ ففيها اضطرابٌ وهي في الحقيقة والتَّفصيلات الَّتي فيها ليس عليها دليلٌ ناهضٌ.

 

– القارئ : وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي "الْمُفْهِمِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاةُ تَطَوُّعٍ فِي وَقْتِ إقَامَةِ الْفَرِيضَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةَ الَّتِي يَقُولهَا الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفُ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْأَذْهَانِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.

– الشيخ : يعني المتبادرُ (إذا أُقيمَتْ) يعني: إذا شرعَ المؤذِّنُ بالإقامة، هذا معنى: (أُقيمَتْ)، إذا أُقيمَتْ فلا صلاةَ.

 

– القارئ : وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِعْلَهَا كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ.

وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة:55] فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِ النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَهَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَاغُ مِنْ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْرَعُ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ؟ أَوْ الْمُرَادُ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ؟ قَالَ الْعِرَاقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ شُرُوعُهُ فِي الْإِقَامَةِ لِيَتَهَيَّأَ الْمَأْمُومُونَ لِإِدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلًا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ». قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي.

قَوْلُهُ: (فَلَا صَلَاةَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّفْيُ إلَى الصِّحَّةِ أَوْ إلَى الْكَمَالِ، وَالظَّاهِرُ تَوَجُّهُهُ إلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ إلَى الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: (فَلَا صَلَاةَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ فَلَا يَشْرَعُ حِينَئِذٍ فِي صَلَاةٍ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ فَلَا يَشْتَغِلُ بِصَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ بَلْ يَقْطَعُهَا الْمُصَلِّي لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ التَّحَريمِ، أَوْ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِنَفْسِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا الْمُصَلِّي، يُحْتَمَلُ كِلَا مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَقَدْ بَالَغَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا: إذَا دَخَلَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّوَافِلِ فَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ بَطَلَتْ الرَّكْعَتَانِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهُمَا وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا غَيْرُ السَّلَامِ، بَلْ يَدْخُلُ كَمَا هُوَ بِابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا أَتَمَّ الْفَرِيضَةَ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَهُمَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْكَعْهُمَا.

قَالَ: وَهَذَا غُلُوٌّ مِنْهُمْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ غَيْرُ السَّلَامِ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّهُمَا أَطْوَلُ زَمَنًا مُدَّةُ السَّلَامِ أَوْ مُدَّةُ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَهَيَّأَ بَعْدَ السَّلَامِ لِتَحْصِيلِ أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ فِي الِاقْتِدَاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْإِقَامَةِ، نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ الْأَفْضَلَ خُرُوجُهُ مِنْ النَّافِلَةِ إذَا أَدَّاهُ إتْمَامُهَا إلَى فَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّحْرِيمِ وَهَذَا وَاضِحٌ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (إلَّا الْمَكْتُوبَةَ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ لَيْسَتْ لِعُمُومِ الْمَكْتُوبَاتِ

– الشيخ : وهذا في الحقيقة فيما يظهرُ أنَّه جيِّدٌ، يعني أنَّه يقطعُهما إذا خشيَ أن تفوتَه تكبيرةُ الإحرامِ، أمَّا…، ولهذا الآن الَّذين يطوِّلون الإقامةَ يتهيَّأُ للمتنفِّل أنْ يتمَّ نافلتَه كثيرًا؛ لأنَّه يطوِّل الإقامةَ مثلَ ما في الحرم وغيره، يستطيعُ إذا لم يبقَ عليه إلَّا ركعةً أو ما أشبهَ ذلك فإنَّه يستطيعُ أن يتمَّها قبلَ أن يكبِّرَ الإمامُ تكبيرةَ الإحرامِ

– طالب: إذا كان في إقامة سريعة؟

– الشيخ : إذا كانت الإقامةُ سريعةً وأنت في التَّشهُّد كمِّل التَّشهُّد

– طالب: وإذا فاتَت التَّحريم؟

– الشيخ : ما يفوتُه، يكمِّل التَّشهُّد ويكبِّر تكبيرةَ الإحرامِ، ما في فارق.

إلى هنا يا محمَّد، رحمَهم الله، سبحان الله اجتهادات، وكلُّهم يريدُ الصَّوابَ ويريدُ الحقَّ، رحمَهم اللهُ، ولكن تختلفُ اجتهاداتُهم والأمورُ الَّتي يعتبرونها ويلاحظونها.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه