file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(87) باب سجدة الشكر

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: السَّابع والثَّمانون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ":

بَابُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ

– الشيخ : سَجْدَةُ الشُّكْرِ هي سنَّةٌ مستحبَّةٌ لمن تجدَّدتْ له نعمةٌ عظيمةٌ، الرَّسولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- فعلَها، فيُستحَبُّ للمسلم أنْ يفعلَ هذه العبادةَ اقتداءً بالنَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعُرِفَتْ عندَ أهلِ العلمِ بسجدة الشُّكرِ، والكلامُ فيها يشبهُ الكلامَ في سجودِ التِّلاوةِ، فليسَتْ صلاةٌ فلا يُشترَطُ لها ما يُشترَطُ في الصَّلاة، كما قيلَ مثل ذلك في سجودِ التِّلاوة.

 

– القارئ : عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا: شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

وَلَفْظُ أَحْمَدَ أَنَّهُ «شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَاهُ بَشِيرٌ يُبَشِّرُهُ بِظَفَرِ جُنْدٍ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ، فَقَامَ فَخَرَّ سَاجِدًا».

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَفَتِهِ، فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَخَرَّ سَاجِدًا فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: (إنَّ جِبْرِيلَ أتاني فَبَشَّرَنِي، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ لَكَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْت عَلَيْهِ، فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا) رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَاءَ، نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَعَلَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ: (إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْت سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ.

وَسَجَدَ عَلِيٌّ حِينَ وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةُ فِي الْخَوَارِجِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

وَسَجَدَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.

– الشيخ : ما شاءَ الله، هذهِ الأحاديثُ ظاهرةُ الدَّلالةِ على مشروعيَّة سجدةِ الشُّكر، فعلَها النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما بُشِّرَ بالشَّفاعة لأمَّتِه ثلاثَ مرَّاتٍ، وسجدَ بانتصار بعضِ جيوشِ المسلمين، وسجدَ الصَّحابةُ كذلك أبو بكرٍ، وعليٌّ، وكعبُ بنُ مالكٍ كان ذلك في حياةِ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فأخذَ العلماءُ من ذلك استحبابَ سجودِ الشُّكر عند تجدُّدِ النِّعمةِ، ونعمُ اللهِ تَتْرى على العبادِ، لكن هذا يظهرُ منه أنَّهُ يختصُّ بالنِّعم الكبيرةِ الَّتي لها وقْعٌ في قلبِ العبدِ ونفسِه ممَّا يختصُّ بحاله أو يختصُّ بعموم المسلمين.

 

– القارئ : أَبْوَابُ سُجُود السَّهْو

– الشيخ : اللهُ المستعانُ، طيِّب شوف [انظرْ] كلامَ الشَّوكانيِّ على الأحاديث في آخرِها ذكرُ الخلافِ، آخرُ الأحاديثِ، يقولُ: والأحاديثُ تدلُّ على كذا

– القارئ : يقولُ هنا بعدَ حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ بعدَ ما ساقَ حديثَ أبي بكرةَ قالَ:

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ يُكْرَهُ إِذْ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ تَوَاتُرِ النِّعَمِ عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ.

وَإِنْكَارُ وُرُودِ سُجُودِ الشُّكْرِ

– الشيخ : هذا استدراكٌ من الشَّارح، إِنْكَارُ وُرُودِه هذا مردودٌ، فقد وردَ بهذه الأحاديثِ والآثارِ

– القارئ : وَإِنْكَارُ وُرُودِ سُجُودِ الشُّكْرِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مِثْلِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مَعَ وُرُودِهِ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَذِهِ الطُّرُق الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا مِنْ الْغَرَائِبِ.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ سُجُودِ الشُّكْرِ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّم فِي سَجْدَةِ ص: (هِيَ لَنَا شُكْرٌ وَلِدَاوُد تَوْبَةٌ).

وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوُضُوءِ وَطَهَارَةِ الثِّيَابِ وَالْمَكَانِ.

وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْإِمَامُ يَحْيَى وَأَبُو طَالِبٍ، وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالنَّخَعِيِّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ.

وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْبِيرِ فِي سجودِ الشُّكْرِ، وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ.

قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: وَلَا يُسْجَدُ لِلشُّكْرِ فِي الصَّلَاةِ قَوْلًا وَاحِدًا إذْ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِهَا، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَمُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ.

– الشيخ : إي "لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِهَا"؛ لأنَّه ليس كسجودِ…، بخلافِ سجودِ التِّلاوة فإنَّه من توابعِ الصَّلاة، أمَّا سجودُ الشُّكرِ فليس من توابعِ الصَّلاة، وهذا وجهٌ، وقولُ من قالَ من الأئمَّة: "لم يردْ أو لم يُؤثَرْ" هذا يُعتذَرُ به أنَّه لم يبلغْهم، أو بلغَهم من طرقٍ لا تثبتُ عندَهم، كما نبَّهَ على ذلك شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في كتابه المعروفِ المختصرِ: "رفعُ الملامِ عن الأئمَّةِ الأعلامِ" وأنَّه ليسَ في الأئمَّة من يخالفُ نصًّا من النُّصوص إلَّا لعذرٍ، إمَّا لأنَّ الدَّليلَ لم يبلغْهم أو بلغَهم من طريقٍ ضعيفٍ لا تقومُ به الحجَّةُ، أو أنَّهم لمعارضٍ ثبتَ عندَهم، فهم لا يتعمَّدون، الأئمَّةُ لا يتعمَّدون تركَ الحديثِ الصَّحيحِ، إمَّا لعدم قيامِ الحجَّةِ عندَهم، ثبوتُ الدَّليل عليه، وإمَّا لتأويلِ تأوَّلوه فهم مجتهدون ويتحرُّون الحقَّ فيما يقولون رحمَهم اللهُ، وهذا لا بدَّ منه، لا بدَّ من التماسِ العذرِ للأئمَّة إحسانًا للظَّنِّ بهم، وحملًا لهم على أحسنِ المحاملِ.

– القارئ : انتهى، ذكرُ الخلافِ انتهى

– الشيخ : والصَّوابُ لا يخفى أنَّ سجودَ الشُّكرِ مشروعٌ.

– القارئ : أَبْوَابُ سُجُود السَّهْو

– الشيخ : وكلُّ هذه الإضافاتِ يقولون أنَّها من إضافةِ الشَّيء إلى سببه، سجودُ التِّلاوة بسببِ التِّلاوة، سجودُ مثلًا سجودُ السَّهوِ بسببِ السَّهوِ، سجودُ الشُّكر بسبب الشُّكر، فكلُّها من قبيل إضافةِ الشَّيء إلى سببِه، ومن السُّجودِ، من أنواعِ السُّجود: سجودُ السَّهوِ، وهذا من توابعِ الصَّلاة، فهو صلاةٌ، بخلافِ سجودِ التِّلاوةِ وسجود الشُّكر، هذا من توابعِ الصَّلاة سجود السَّهو جبرًا للنَّقص.

 

– القارئ : بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ نُقْصَانٍ:

عَنْ ابْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ

– الشيخ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

– القارئ : وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجْت السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قُصِرَتْ الصَّلَاةُ؟ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِسيْتَ أَمْ قُصِرَتِ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: (لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ)، فَقَالَ: (أَكَمَا يَقُولُ الْيَدَيْنِ؟)

– الشيخ : قوله: (لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ) قالَ العلماءُ: إنَّ هذا معناه يعني في ظنِّه، وإلَّا هو قد نسيَ، ولهذا جزمَ ذو اليدَينِ قالَ: بلى قد نسيْتَ، فقولُه: (لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ) يعني: في ظنِّه.

– القارئ : فَقَالَ: (أَكَمَا يَقُولُ الْيَدَيْنِ؟) فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَيَقُولُ: أُنْبِئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ وَلَا التَّشْبِيكُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الظُّهْرِ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ وَبَعْدَ إسْلَامِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا لَمَّا قَالَ: (لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ)، قَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيْتَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ تكلَّمَ بَعْدَ مَا عَلِمَ عَدَمَ النَّسْخِ كَلَامًا لَيْسَ بِجَوَابِ سُؤَالٍ.

– الشيخ : هذا الحديثُ أصلٌ في هذه الصُّورة، في صورةِ ما إذا سلَّمَ الإنسانُ عن نقصٍ في صلاةٍ قبلَ تمامها، فهذا حكمُه، حكمُه أنَّه يأتي بما تركَ، ثمَّ يسلِّمُ ثمَّ يسجدُ للسَّهو سجدتَينِ، كما فعلَ النَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- لـمَّا أُخبِرَ أنَّه قد سها وأنَّه لم تتمَّ الصَّلاةُ أتى واستثبتَ فقالَ: (أحقٌّ ما يقولُ ذو اليدَينِ؟) فأشارَ الصَّحابةُ قالوا: نعم، أشاروا أنْ نعم، فلمَّا استثبتَ مِن تركِه لبعضِ الصَّلاة وتسليمِه قبلَ التَّمام، تقدَّمَ وأتمَّ الصَّلاةَ وسلَّمَ ثمَّ سجدَ سجدتَينِ ثمَّ سلَّمَ، يعني سلَّمَ من الصَّلاة بعدَ تمامِها ثمَّ سلَّمَ من سجود السَّهو، فأُخِذَ من هذا أنَّ محلَّ السُّجودِ -سجود السَّهو- في هذه الصُّورةِ يكونُ بعدَ السَّلام، هذا من مواضعِ السُّجود بعدَ السَّلام.

والمؤلِّفُ يستنبطُ أنَّ ذا اليدَينِ بعدَ ما قالَ النَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (لم أنسَ ولم تُقصَرْ) تكلَّمَ وقالَ: بلى قد نسيْتَ، فإذا الإنسانُ تكلَّمَ بعدَ الصَّلاةِ بناءً على أنَّه قد خرجَ من الصَّلاة، فإنَّ كلامَه هذا لا يضرُّه، ولا يكونُ متكلِّمًا في الصَّلاة وهو لم يخرجْ من الصَّلاة، لكنَّه يعتقدُ أنَّه الآنَ ليسَ في صلاةٍ.

 

– القارئ : وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَفِي لَفْظٍ: فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَال لَهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ…، فَذَكَر لَهُ صَنِيعَهُ، فَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ: (أَصَدَقَ هَذَا؟) قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَنَهَضَ لِيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَسَبَّحَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالَ: فَصَلَّى مَا بَقِيَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا أَمَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

– الشيخ : مَا أَمَاطَ؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : يعني: المعنى في السِّياق، يعني: ما خالفَ سنَّةَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لها تفسيرٌ عندَ الشَّوكانيِّ "أماطَ"؟ أماطَ: أزالَ، كأنَّه يقول: ما زالَ وما خالفَ سنَّةَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

– القارئ : الشَّوكانيُّ يقولُ: قَوْلُهُ: "مَا أَمَاطَ" أَوَّلُهُ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَاطَ يَمِيطُ مَيْطًا: جَارَ وَزَجَرَ

– الشيخ : جَارَ؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : خلاص، هذا أحسن [….]، المعنى ما جارَ عن سنَّة رسولِ اللهِ، يعني ما حادَ وما جارَ عن سنَّة

– القارئ : قالَ: وَالْمُرَاد هُنَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَا بَعُدَ وَلَا تَنَحَّى عَنْ السُّنَّةِ، أَوْ مَا أَبْعَدَ وَلَا نَحَّى غَيْرَهُ عَنْهَا بِمَا فَعَلَهُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

– الشيخ : تمام، بعده، انتهى البابُ؟

– القارئ : نعم، بابُ مِنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ

– الشيخ : حسبُكَ، أحكامُ سجودِ السَّهوِ من المهمَّاتِ الَّتي ينبغي للمسلم أنْ يتفقَّهَ فيها؛ لأنَّها تعرضُ للإنسانِ في صلاته إمامًا أو منفردًا، وفيها أحوالٌ مختلفةٌ: فسجودٌ للشَّكِّ، وللزِّيادةِ، وللنَّقصِ، فله أسبابٌ عدَّةٌ كما ذكرَها الفقهاءُ أخذًا من هذه الأحاديث

– طالب: … كيف يجمعُ بينها

– الشيخ : حادثةٌ واحدةٌ؟

– طالب: … هذا يقولُ من ثلاث ركعاتٍ، والآخرُ من ركعتين

– الشيخ : الَّذي يظهرُ لي أنَّها ليستْ حادثة واحدة، بل هما حادثتان، إحداهما تقدَّمَ أنَّها في صلاة الظُّهر، يعني الرِّواياتُ منها ما هي مجمَلةٌ في إحداها صلاتي العشي، وفي روايةٍ أنَّها صلاةُ الظُّهرِ، وفي حديث عمرانَ أنَّها صلاة العصر، فيظهرُ أنَّها حادثتان. الشَّوكانيُّ عرضَ لهذا؟

– طالب: قالَ: وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ خُزَيْمَةُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ التَّعَدُّدِ، دَعْوَى الِاتِّحَادِ تَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلَاتٍ مُتَعَسِّفَةٍ كَمَا سَلَفَ.

– الشيخ : يعني أنَّها متعدِّدةٌ .

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه