file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(86) باب قراءة السجدة في صلاة الجهر والسر

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: السَّادس والثَّمانون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ تيميةَ الحرَّانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-":

بَابُ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَالْجَهْرِ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، السَّجدةُ في صلاة الجهرِ، هذا ثبتَ من فعله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في صلاة العشاء وفي غيرِها صلَّى وسجدَ وهو في الصَّلاة، ولكن يختلفُ العلماءُ في السُّجود إذا قرأَ السَّجدةَ في الصَّلاة السِّريَّة، أمَّا إذا كانَ يصلِّي وحدَه فإنَّه لا إشكالَ، لكنَّ أهلَ العلمِ يتكلَّمون فيما إذا سجدَ الإمامُ في السِّريَّة، يمنعُ منه كثيرٌ من الفقهاء؛ لما فيه من اللَّبْسِ على النَّاس، فإنَّ الإمامَ لو قرأَ سجدةً في الصَّلاة السِّريَّة ماذا يُدري النَّاسَ؟ والآخرون يقولون: ممكن أنْ يدلَّهم على السُّجودِ بقراءة الآيةِ الَّتي فيها السَّجدة يُسمِعُهم إيَّاها؛ لأنَّ الرَّسولَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- في الصَّلاة السِّريَّة يقولُ أبو قتادةَ: وربَّما يُسمِعُنا الآيةَ أحيانًا.

 

– القارئ : وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ قَالَ: «صَلَيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] فَسَجَدَ فِيهَا، فَقُلْت: مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : "فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا" يعني: سواءٌ في الصَّلاة أو خارجَ الصَّلاة، في الصَّلاة سواءٌ كانَتْ سرًّا أو جهرًا، فَمَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَى اللهَ.

 

– القارئ : وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَرَأَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ قَرَأَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: «سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ قَرَأَ "الم تَنْزِيلُ"»

– الشيخ : وكانوا يُقدِّرون ويحزرون صلاتَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظُّهر بهذا المقدارِ بسورةٍ "الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ" ثلاثين آيةً، كانوا يحزرون صلاتَه بهذا المقدارِ، وهم يرونَه فلمَّا سجدَ سجدُوا معَه، فلمَّا قامَ ركعَ ففهموا أنَّه قرأَ سجدوا، فإذا خشيَ الإمامُ اللُّبسَ فإنَّه لا يجوزُ له أنْ يشوِّشَ على المأمومين ويُلْبِسُ عليهم في صلاتِهم، وأمَّا إذا عرفوا من عادته أو عرفوا بدليلٍ أنَّه سيسجدُ سجودَ تلاوةٍ فإنَّه لا حرجَ عليه في ذلك يسجدُ وإنْ كانَت الصَّلاةُ سرِّيَّةً، المهمُّ أن لا يعرِّضَ النَّاس للالتباسِ.

 

– القارئ : بَابُ سُجُودِ الْمُسْتَمِعِ إذَا سَجَدَ التَّالِي وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدْ:

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : لأنَّهم مجتمعون وما داموا مجتمعينَ عندَ السُّجودِ يضيقُ المكانُ كما هو مُشاهَدٌ ومعروفٌ، "فلا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوضعًا لجَبْهَتِهِ"، بخلاف ما إذا كانوا صفوفًا فإنَّ سجودَهم كلُّهم متيسِّرٌ.

 

– القارئ : وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: فِي غَيْرِ صَلَاةٍ.

وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّجْدَةَ فَسَجَدَ فَسَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَرَأَ آخَرُ عِنْدَهُ السَّجْدَةَ فَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَرَأَ فُلَانٌ عِنْدَكَ السَّجْدَةَ فَسَجَدْتَ وَقَرَأْتُ فَلَمْ تَسْجُدْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُنْتَ إمَامَنَا فَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْتُ). رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ هَكَذَا مُرْسَلًا.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمَ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ: "اُسْجُدْ فَإِنَّكَ إمَامُنَا فِيهَا".

– الشيخ : هذا كلُّه فيه الدَّلالةُ على مشروعيَّةِ السُّجود تبعًا للقارئ، لكنَّه لا يسجدُ إذا سجدَ، فهو للمستمع كالإمام فإذا سجدَ التَّالي سجدَ المستمعُ وإلَّا لم يسجدْ، ولهذا المستمعُ للقرآن في القنواتِ والإذاعاتِ لا يُشرَعُ له السُّجودُ؛ لأنَّ القارئَ لم يسجدْ.

 

– القارئ : وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ. وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ السُّجُودَ لَا يَجِبُ.

– الشيخ : يعني الرَّسولُ لم يسجدْ فيها؛ لأنَّ زيدًا لم يسجدْ، هذا معناه، كما دلَّتْ عليه الأحاديثُ السَّابقةُ، "فلم يسجدْ منَّا أحدٌ" يعني: لا زيدٌ ولا الرَّسولُ، فالرَّسولُ لم يسجدْ؛ لأنَّه لم يقرأ السَّجدةَ، ولم يسجدْ؛ لأنَّ زيدًا لم يسجدْ.

 

– القارئ : بَابُ السُّجُودِ عَلَى الدَّابَّةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِحَالٍ:

عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ عَامَ الْفَتْحِ سَجْدَةً فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ الرَّاكِبُ وَالسَّاجِدُ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى إنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى جَاءَ السَّجْدَةَ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ".

– الشيخ : "لَمْ نُؤْمَرْ" أمرَ إيجابٍ، "لَمْ نُؤْمَرْ" أمرَ إيجابٍ وإلَّا فأمرُ الاستحبابِ حاصلٌ.

– القارئ : رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظٍ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ.

بَابُ التَّكْبِيرِ لِلسُّجُودِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ:

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ: (سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أُصَلِّي إلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، فَقَرَأْتُ السَّجْدَةَ، فَسَجَدَتْ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ: اللَّهُمَّ اُحْطُطْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ». رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ: "وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-".

– الشيخ : اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ على عبدك، يكون ما رآه الرَّائي وسمعَه من كلام الشَّجرة المقصود منه التَّعليم، اللهُ قدَّرَ ذلك وخلقَه لتعليمِ ذلكَ القارئ، لتعليمِه أنْ يقولَ مثلَ هذا، وإذا صحَّ الحديثُ فالرَّسولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- أقرَّ هذه الرُّؤيةَ وعملَ بموجبها، كما أقرَّ ما عبدَ الله بن زيد بن عبد ربِّه حينَ رأى الأذانَ، أقرَّه وندبَ إليه، فلا تثبتُ الأحكامُ الشَّرعيَّةُ بالرُّؤى والمنامات إلَّا رؤيا النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما أقرَّه النَّبيُّ من الرُّؤى -رؤى غيره-.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه