بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الزكاة)
– الدّرس الخامس
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أمّا بعد:
قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
فصلٌ [في قدرِ الواجبِ في الحبوبِ والثّمارِ]
– الشيخ:
تقدَّمَ ذكرُ القدرِ الذي تجبُ فيه الزّكاةُ. مقدار: وهو الذي يسمّى النَّصابَ، سَبَقَ تقريرُه في الماشيةِ، وفي الحبوبِ والثّمارِ، وأنَّ النّصابَ في الحبوبَ والثّمارِ هو القدرُ الذي تجبُ فيه الزَّكاةُ وهو خمسةُ أوسقٍ، وفي الإبلِ خمسُ ذَودٍ، وفي الفضّةِ خمسُ أواقٍ، أمَّا هنا فالمقصودُ بيانُ القدرِ الذي يجبُ إخراجُه من الحبوبِ والثّمارِ.
– القارئ: (يجبُ: عُشرُ ما سُقِىَ بلا مَؤنُةٍ، ونصفُهُ معها، وثلاثةُ أرباعِه بهِمَا، فإنْ تفاوتَا فبأكثرِهِما، ومع الجهلِ العشرُ)
– الشيخ: هذه خمسُ حالاتٍ. يقولُ يجبُ فيما سُقِىَ بلا مُؤنةٍ العشرُ، يجبُ إخراجُ العشرِ ممّا سُقي بلا مُؤنةٍ: بلا كُلفة، لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "فيما سَقَت السّماءُ أو العيونُ أو كان عَثَريًّا العُشرُ". العَثَريُّ: هو الذي يشربُ بعروقِه، فالواجبُ فيه العشرُ، يعني عُشرُ النّاتجِ، يعني واحدٌ من عشرةٍ، ففي خمسةِ أوسقٍ نصفُ وَسَقٍ، وفي عشرةِ أوسقٍ وَسَقٌ واحدٌ. وفيما سُقِيَ بالنّضْحِ، وبالنّضحِ: يعني بالسَّقْي، وسُّميت الَّدوابُ التي يُعمَلُ عليها في سقي الزَّرعِ بالنّواضحِ، وفيما سُقِي بالنَّضحِ نصفُ العُشرِ، وهذا من حكمةِ الشّريعةِ، فإذا كانت الثمرةُ لا تحصلُ إلّا بشيءٍ من الكُلفةِ خَفّفَ اللهُ سبحانَه وتعالى.
ويلاحَظُ أنَّ قاعدةَ الزكاةِ فيما يجبُ إخراجُه يرجعُ إلى النّماءِ فكلّما كان النّماءُ أكثرُ وأيسرُ؛ يعني تحصيلُه أيسرُ، كان الواجبُ أكثرَ، وكلّما كانت الكلفةُ أكثرَ كان الواجبُ أقلَّ، فالذّهبُ والفضّةُ نمائُها لا يتيّسرُ إلا بجهدٍ بالتّجارةِ، وهذا هو الأصلُ والغالبُ، فكانَ فيها ربعُ العشرِ، وفي الحبوبِ والثّمارِ ما سُقِي بالمؤنةِ والكلفةِ ففيهِ نصفُ العشرِ، وفيما سُقِي بلا كلفةٍ وبلا مؤنةٍ ففيه العشرُ كاملًا. والمرادُ: المؤنةُ في عمليّةِ السَّقي لا في استخراجِ نبعِ الماءِ، فالجهدُ الذي يُبذَلُ لحفرِ البئرِ أو حفرِ العينِ أو فتحِ قناةٍ من النهرِ غيرُ مُراعَى لأنَّه جهدٌ في أصلِ إيجادِ السّاقيةِ لا في السّقي. حفرُ البئرِ ليس هو السّقيُ بل هو مصدرُ السّقي. البئرُ والعينُ مصدرُ ما يُسقَى منه، وفي الحديثِ: "فيما سَقَت السّماءُ أو العيونُ، أو كان عَثَريًّا العشرُ، وفيما سُقِي بالنّضحِ نصفُ العشرِ"، يعني العيونُ الجاريةُ، والأنهارُ الجاريةُ.
يقولُ المؤلّفُ: "وفيما سُقِيَ بهما ثلاثةُ أرباعٍ"، يعني نصفُ الزّمنِ بمؤنةٍ ونصفُه الآخرُ بلا مؤنةٍ، فالواجبُ فيه ثلاثةُ أرباعِ العشرِ، وهذا مُستَنبطٌ من الحديثِ لأنَّ هذا مُقتضاه.
يقول: "فإنْ تفاوتا فبأكثرِهما نفعًا"، يعني ليس بنصفٍ على التّساوي، فيمكنُ أن يكونَ النّصفُ الأوّلُ أكثرَ، أو النّصفُ الثّاني. الثمرةُ يختلفُ تأثيرُ السّقي عليها في وقتٍ دونَ وقتٍ، يعني مثلًا: النّخلُ هناك فرقٌ بين السّقي أوَّلَ الوقتِ وفي النّصفِ الأوّلِ والمدّةِ المتأخّرةِ، يعني إذا طلعت الثَّمرةُ، فهنا يكونُ تأثيرُ السَّقي في أوّلِ المدّةِ هو المؤثّرُ في الإنتاجِ، والسّقيُ في الآخرِ يمكنُ يكونُ من أجلِ حفظِ الثّمرةِ وبقائِها وسلامتِها، والسَّقيُ الأوّلُ هو المؤثّرُ في وجودِها أكثر، ولهذا قال فإنْ تفاوتا فيُراعَى أكثرُهما نفعًا.
"ومع الجهلِ العشرُ": ومع الجهلِ بأكثرِهما فيجبُ العُشرُ لأنَّ هذا أحوطُ.
– مداخلة: …
– الشيخ: قلتُ لك: هذا يُرجَعُ فيه إلى أهلِ الخبرةِ، أهلُ الخبرةِ هم الذين يُقدّرونَ.
– القارئ: (وإذا: اشتدَّ الحبُّ، وبَدَا صلاحُ الثمرِ: وجبتِ الزكاةُ)
– الشيخ: إذا اشتدَّ الحبُّ: بمعنى أنَّه يَبِسَ أو قاربَ اليُبسَ، وبَدَا صلاحُ الثّمرِ: أي احمرَّ واصفرَّ إذا كان مثلُ ثمرِ التّمرِ. إذا اشتدَّ الحبُّ: أي حبُّ الزّرعِ كالبُرِّ والشّعيرِ ونحوِهما، وبَدَا صلاحُ الثمرِ وجبت الزكاةُ على مالكِ الثّمرةِ.
– القارئ: (ولا يستقرُّ الوجوبُ إلا بجعلِها في البيدرِ)
– الشيخ: تجبُ إذا بدا الصّلاحُ واشتدَّ الحبُّ، لكنْ إنَّما يستقرُّ الوجوبُ بعدَ الحصادِ والجَذَاذِ، ثم يُجعلُ في البيدرِ، والبيدرُ يسمى: "الجَرينَ"، من أجلِ أن يَيْبَسَ لأنَّه يجبُ إخراجُ الزكاةِ من التمرِ يابسًا، ومن الزّبيبِ يابسًا، ومن الحبِّ يابسًا، لأنّه إذا أُخرجَ رطبًا فسدَ، فيستقرُّ الوجوبُ في ذمّةِ مالكِ الثمرةِ إذا جُعِلَ في البيدرِ، فقبلَ الاستقرارِ لو تَلِفَتِ الثّمرةُ من غيرِ تعدٍّ ولا تفريطٍ فلا زكاةَ عليه، وأمّا إذا تَلفتْ بعد الوضعِ في البيدرِ فقد استقرَّت في ذمّتهِ، هذا مُقتَضَى قولِهم. والظّاهرُ أنَّه في كلا الحالينِ إذا تلفت الثّمرةُ من غيرِ تعدٍّ ولا تفريطٍ في الإخراجِ فإنّه لا يضمنُ كما تقدّمَ في مسألةِ أنَّ الزكاةَ تتعلقُ بعينِ المالِ ولها تعلُّقٌ في الذمّةِ، نعم يستقرُّ الوجوبُ إذا وُضعتْ في البيدرِ؛ تعلّقت بذمّتِه، لكنه إذا لم يكن منه تعدٍّ ولا تفريطٍ فإنّه لا يضمنُ؛ وضعَها في البيدرِ وقبل أن يخرِجَ الزكاةَ سُرِقَ المالُ، أو نَزَلَتْ عليه آفةٌ سماويّةٌ من سيلٍ ونحوِه وهو لم يُفرّطْ ولم يتعدَّ.
– القارئ: (فإنْ تلفتْ قبلَه بغيرِ تَعَدٍّ منهُ: سقطتْ)
– الشيخ: هذهِ العبارةُ هي التي فيها التّمييزُ، فإنْ تلفتْ قبلَه من غيِر تعدٍّ يعني ولا تفريطٍ سقطتْ، أي قبلَ وضعِها في البيدرِ، ومفهومُها أنَّها إذا تلفتْ بعد ذلك لم تسقطْ، هذا مفهومُ العبارةِ.
القارئُ يقرأُ من الرّوضِ المربعِ:
(ولا يستقرُّ الوجوبُ إلّا بجعلِها في البيدرِ) ونحوه، وهو موضعُ تشميسِها وتيبيسِها؛ لأنَّه قبلَ ذلك في حكمِ ما لم تثبتْ اليدُ عليه. (فإن تَلفتْ) الحبوبُ أو الثّمارُ (قبلَه) أي قبلَ جعلِها في البيدرِ (بغيرِ تعدٍّ منه) ولا تفريطٍ (سَقَطَتْ) لأنَّها لم تستقر فإنْ تلفَ البعضُ، فإن كانَ قبلَ الوجوبِ زكَّى الباقي إنْ بلغَ نصابًا وإلّا فلا، وإن كان بعدَه زكَّى الباقي مطلقًا، حيثُ بلغَ مع التَّالفِ نصابًا.
ويلزمُ إخراجُ حبٍّ مصفَّى وثمرٍ يابسٍ ويحرمُ شراءُ زكاتِه أَو صدقتِه، ولا يصح.
– القارئ: (ويجبُ العشرُ: على مستأجرِ الأرضِ)
– الشيخ: العشرُ تكونُ على مستأجرِ الأرضِ لا على المالكِ، لأنَّ المالكَ أخذَ أجرةً، والزكاةُ تكونُ على مالكِ الزّرعِ، والمستأجرُ هو مالكُ الزّرعِ. فيجبُ العشرُ على مالكِ الزّرعِ وهو المستأجِرُ لا على المالكِ، لأنَّ الزكاةَ متعلّقةٌ بالحبِّ والثمرِ على القولِ الصّحيحِ في جوازِ تأجيرِ الشجرِ، ولكن يظهرُ أنَّ المذهبَ لا يجوزُ تأجيرُ الشجرِ فلهذا اقتصرَ على قولِه: تجبُ الزكاةُ على مستأجرِ الأرضِ، يعني مستأجر الأرضِ للزّرعِ، والعشرُ على التّفصيلِ السّابقِ وليس مطلقًا، يعني العشرُ إن سَقَى بلا مؤنةٍ، ونصفُ العشر…، يعني هناك تجوّز، وكأنَّ صاحبَ المتنِ يريدُ تعيينَ من يجبُ عليه العشرُ، فإذا علمنا أنَّها تجبُ على المستأجرِ فكذلكَ بناءً على ما سَبَقَ.
– القارئ: (وإذا أخذَ من مُلْكِهِ أو مواتِه من العسلِ مائةً وستينَ رَطْلًا عراقيًا ففيهِ عُشْرُهُ)
– الشيخ: هذه المسألةُ فيها تنصيصٌ على وجوبِ الزكاةِ في العسلِ، وأنَّ نصابَه مائةٌ وستّونَ رطلًا عراقيًا، وهي مسألةٌ فيها خلافٌ كثيرٌ بين الأئمةِ، والجمهورُ على عدمِ وجوبِ الزكاةِ، والمشهورُ من مذهبِ الإمامِ أحمد هو ما ذكرهُ هنا، فهي الرِّوايةُ المشهورةُ. والأصلُ عند من يقولُ بالوجوبِ آثارٌ: أثرٌ عن عمرَ وحديثٌ فيه كلامٌ ومقالٌ. والمتأمِّلُ لما جاءَ في هذا لا يجدُ دليلًا ناهضًا على وجوبِ الزكاةِ، لكنَّ الأحوطَ هو ما ذهبَ إليه الإمامُ أحمدُ عملًا بما جاءَ عن عمرَ رضي الله عنه، ثمَّ هل تجبُ الزكاةُ في الأرضِ المعشّرةِ -في الأرضِ المملوكةِ للإنسانِ- أو في النّحلِ الذي يجنيهِ الإنسانُ من الأرضِ المباحةِ؟ وهل يجنيهِ من الأرضِ المحميّةِ له كما جاءَ عن عمرَ أنَّه أمرَ عاملَه أنْ يأخذَ زكاةَ العسلِ، وإذا أدَّوها فيحمي لهم المكانَ التي يرعَى فيه نحلُهم.
– مداخلة: ما هو الفرقُ بين وجوبِ الزكاةِ واستقرارِ الوجوبِ؟
– الشيخ: مثل ما تقدَّمَ في الشّروطِ العامّةِ. ألم يَقُلْ لك من الشّروطِ تمامُ الملكِ وذلك باستقرارِه، يعني قبلَ أنْ يستقرَّ الملكُ ليس تامًّا، مثلُ صداقِ المرأةِ، وبأشياءَ تقدَّمَ ذكرُها هناك. من الشّروطِ: ملكُ النّصابِ، والثّاني: تمامُ الملكِ، ولعلّكَ تجدُ هناك، لعلّهم يذكرونَ هذا المثالَ في شرطِ تمامِ الملكِ، وذلك باستقرارِ الملكِ عليه. فهنا إذا بَدَا الصّلاحُ يعني تهيّئَ، يعني المالُ صارَ زَكويًّا وأصبحَ صالحًا لكي تُخرَجَ منه الزكاةُ، فكأنَّه إنّما ينعقدُ للوجوبِ. يعني مثلًا لو أنَّه عند تمامِ الحولِ وقبلَ التمكّنِ من الأداءِ تلفَ المالُ تقدّم أنَّه كذلك، إنّما يستقرُّ الوجوبُ عليه إذا تمكَّنَ من الأداءَ، وقبلَ التمكُّنِ من الأداءِ لا يستقرُّ عليه الوجوبُ، فلو تلفَ المالُ لم يضمنْ.
– مداخلة: ثمرةٌ تلفتْ بعدَ الصّلاحِ سواءٌ بتفريطٍ أو بدونِ تفريطٍ ما يضمن؟
– الشيخ: لا، إذا كان بتفريطٍ فقد انعقدَ الوجوبُ، نصُّ العبارةِ عندك هكذا. قال: "إنْ تَلِفَتْ قبلَه" يعني قبلَ وضعِها في البيدرِ، "من غيرِ تعدِّ ولا تفريطٍ سَقَطَتْ"، وإن كانت بتعدٍّ وتفريطٍ لم تسقطْ، وإن كان من غيرِ تفريطٍ بعدَ وضعِها قلتُ لكم الأظهرُ كذلك.
القارئ يقرأ من الشرح الممتع:
وَلاَ يَسْتَقِرُّ الوُجُوبُ إِلاَّ بِجَعْلِهَا فِي البَيْدَرِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ….
قوله: «ولا يستقرُّ الوجوبُ إلّا بجعلِها في البيدرِ، فإنْ تلفتْ قبلَه بغيرِ تعدٍّ منه سَقَطَت». أي: لا يستقرُّ وجوبُ الزكاةِ إلّا بجعلِها في البيدرِ.
«البيدرُ»: هو المحلُّ الذي تُجمعُ فيه الثّمارُ والزروعُ، ويُسمّى: الجرينَ والبيدرَ؛ وذلك أنّهم كانوا إذا جذّوا الثمرَ جعلوا له مكانًا فسيحًا يضعونَه فيه، وكذلك إذا حصدوا الزّرعَ جعلوا له مكانًا فسيحًا يدوسونَه فيه، فلا يستقرُّ الوجوبُ إلّا إذا جعلها في البيدرِ. والدليلُ على أنّ استقرارَ الوجوبِ يكونُ بجعلِها في البيدرِ قولُه تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، وإذا حُصِدَ الزرعُ فإنَّه يُجعلُ في البيادرِ فورًا. فإن تلفتْ بعدَ بُدُوِّ الصّلاحِ، واشتدادِ الحبِّ، وقبلَ جعلِها في البيدرِ، فإنّها تسقطُ ما لم يكن ذلك بتعدٍّ منه أو تفريطٍ، فإنّها لا تسقطُ. وإذا جعلَها في البيدرِ فإنّها تجُب عليه، ولو تلفتْ بغيرِ تعدٍّ ولا تفريطٍ؛ لأنّه استقرَّ الوجوبُ في ذمّتِه فصارت دَينًا عليه. وعلى هذا فيكونُ لتلفِ الثّمارِ والزّرعِ ثلاثُ أحوالٍ:
الحالُ الأولى: أن يَتْلَفَا قبلَ وجوبِ الزكاةِ، أي: قبلَ اشتدادِ الحبِّ وقبلَ صلاحِ الثمرِ، فهذا لا شيءَ على المالكِ مطلقًا، سواءٌ تلفَ بتعدٍّ أو تفريطٍ أو غيرِ ذلك، والعلّةُ عدمُ الوجوبِ.
الحالُ الثّانيةُ: أن يَتْلَفَا بعدَ وجوبِ الزكاةِ وقبلَ جعلِه في البيدرِ، ففي ذلك تفصيلٌ: إنْ كان بتعدٍّ منه أو تفريطٍ ضَمِنَ الزكاةَ، وإن كان بلا تَعِدٍّ ولا تفريطٍ لم يَضْمَن.
الحالُ الثّالثةُ: أنْ يَتْلَفَا بعدَ جعلِه في البيدرِ، أي: بعدَ جَذِّهِ ووضعِه في البيدرِ، أو بعدَ حصادِه ووضعِه في البيدرِ، فعليهِ الزكاةُ مطلقًا لأنّها استقرَّتْ في ذمّتِه فصارتْ دَينًا عليه. والإنسانُ إذا وجبَ عليه دَيْنٌ وتلفَ مالُه فلا يسقطُ عنه.
والتّعدّي: فعلُ ما لا يجوزُ، والتفريط: ترك ما يجب. فمثلًا: لو أنَّ الرّجلَ بعدَ أن بَدَا الصّلاحُ في ثمرِ النّخلِ وقبلَ أن يجعَلَه في البيدرِ أهملَهُ حتى جاءت السُّيولُ فأمطرتْ وأفسدتْ التّمرَ، فيقالُ: هذا مفرِّطٌ، ولو أنّه أشعلَ النّارَ تحتَ الثمارِ فهذا متعدٍّ؛ لأنّه فعلَ ما لا يجوزُ. ولو أنَّ اللهَ أتى بعواصفَ أو قواصفَ بعدَ بدوِّ الصّلاحِ، وبعدَ اشتدادِ الحبِّ من غيرِ أنْ يفرِّطَ ويهمِلَ فأتلَفَت الثمرَ أو الزّرعَ فلا شيءَ عليه؛ لأنَّه لم يتعدَّ ولم يفرّطْ. ولو سُرِقَت الثمارُ أو الزّروعُ بعد أن بَدَا الصّلاحُ واشتدَّ الحبُّ فإنْ كان بإهمالٍ منه أو تفريطٍ ضَمِنَ وإلّا فلا. والصّحيحُ في الحالِ الثالثةِ أنَّها لا تجبُ الزكاةُ عليه ما لم يتعدَّ أو يفرّط؛ لأنَّ المالَ عنده بعدَ وضعِه في الجرينِ أمانةٌ، فإْن تعدَّى أو فرّطَ بأنْ أخَّرَ صرفَ الزكاةِ حتّى سُرِقَ المالُ أو ما أشبهَ ذلك فهو ضامنٌ، وإن لم يتعدَّ ولم يفرّطْ وكان مجتهدًا في أن يبادرَ بتخليصِه ولكنّه تَلِفَ مثلَ أن يجعلَ التمرَ في البيدرِ لأجلِ أن ييبسَ، ولكن لم يمضِ وقتٌ يمكنُ يبسهُ فيه حتّى سُرِقَ التمرُ مع كمالِ التّحفّظِ والحراسةِ فلا يضمنُ، اللهمّ إلّا إذا أمكنَه أن يطالبَ السّارقَ ولم يفعلْ فهذا يكونُ مفرّطًا. إذًا القولُ الرّاجحُ أنَّ الحالَ الثالثةَ تلحقُ بالحالِ الثانيةِ.
– الشيخ: قلتُ لكم: إنّها تشبهُ المسألةَ المتقدّمةَ، إذا وجبتْ بتمامِ الحولِ وقبلَ التمكّنِ من الأداءِ تلفتْ بغيرِ تعدٍّ ولا تفريطٍ، فهي وجبت لكنّه لم يتمكّنْ من الإخراجِ.
– القارئ: وأمَّا القولُ بأنَّ الرّجلَ إذا كان مَدينًا وتلفَ مالُه لم يسقطْ الدَّينُ بتلفِ مالِه: فهذا قياسٌ مع الفارقِ؛ لأنَّ دينَه متعلِّقٌ بذمّتِه، والزّكاةُ متعلّقةٌ بهذا المالِ.
وَيَجِبُ العُشْرُ عَلَى مُسْتَأْجِرِ الأرْضِ دُونَ مَالِكِهَا …
قولُه: «ويجبُ العشرُ على مستأجرِ الأرضِ، دونَ مالِكها» أي: أنَّ زكاةَ الثمرِ، وزكاةَ الحبوبِ تجبُ على المستأجرِ دونَ المالكِ، ولو قال المؤلفُ: «وتجبُ زكاةُ الثمرِ، والحبوبِ على المستأجرِ دونَ المالكِ» لكانَ أعمَّ من قولِه: «ويجبُ العشرُ»؛ لأنَّ العشرَ قد يكونُ واجبًا، وقد يكونُ الواجبُ نصفَ العشرِ، لكنَّ المؤلفَ اختارَ هذا الّلفظَ؛ لأنَّ غالبَ الأراضي بعد الفتوحاتِ الإسلاميةِ تُسقَى بالأنهارِ بلا مُؤونةٍ، فيُعبّرُ أهلُ العلمِ عن زكاةِ الحبوبِ والثمارِ بالعُشرِ، ومرادُهم: وجوبَ الزكاةِ سواءٌ كان الواجبُ العشرَ أو غيرَه.
وعلّةُ الوجوبِ أنَّ المستأجرَ هو مالكُ الحبوبِ والثمارِ، وأمّا مالكُ الأرضِ فليس له إلّا الأجرةَ. ولكن قد يقولُ قائلٌ: وكيفَ يستأجرُ النَخلَ؟ وهل يُستَأجَرُ النَّخلُ؟ المذهبُ وهو قولُ أكثرِ العلماءِ أنَّ النّخلَ لا يُستَأجرُ، أي: لا يمكنُ أنْ آتيَ إلى صاحبِ البستانِ، وأقولَ له: أجِّرني هذا النّخلَ لمدّةِ عشرِ سنواتٍ مثلًا؛ لأنَّ الثمرَ معدومٌ، ولا يعلمُ هل يخرجُ من الثمرِ مقدارُ الأجرةِ أو أقلُّ أو أكثرُ. والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- «نهى عن بيعِ الثمارِ حتى يبدوَ صلاحُها» فهذا من بابِ أولى؛ لأنَّ هذا قبلّ أن يخرجَ، فيكون فيه جهالة. وقال شيخُ الإسلامِ ـ رحمهُ اللهُ ـ: إنَّ استئجارَ أشجارِ البساتينِ كاستئجارِ أراضِيها، فكما أنَّك تستأجرُ هذه الأرضَ من صاحِبها وتزرعُها، فقد يكونُ زرعُك أكثرَ من الأجرةِ، وقد يكونُ أقلَّ؛ فكذلك النّخلُ.
– الشيخ:
يعني نشبّهُها كمن يستأجرُ دابّةً يعملُ عليها، أو استئجارُ بهيمةٍ يأخذُ درَّها ولبَنَها، فهل يجوزُ بيعُ اللبنِ وهو في الضّرعِ؟ لا، لكن يجوزُ استئجارُ بهيمةً يقومُ عليها ويعلفُها وينتفعُ بدرِّها. كذلك تأجيرُ الشجرِ من هذا النّوعِ؛ ليسَ بيعًا للثمرِ المعدومِ، بل هو استئجارٌ للشجرِ الذي يعملُ عليه الفلاحُ، إمّا أن يكونَ بطريقِ المساقاةِ فهذا نوعُ استئجارٍ، وإمّا ببعضِ ما يخرجُ من الثمرِ، وإمّا أن يكونَ بالمال، فيأخذُ المالكُ الأجرةَ كتأجيرِ الأرضِ، ويستقلُّ المستأجرُ بأخذِ الثمرِ، والجمهورُ على أنَّه لا يجوزُ تأجيرُ الشجرِ كما قال الشيخُ.
– مداخلة: مالكُ الأرضِ يُخرجُ زكاةَ عروضِ التجارةِ؟
– الشيخ: لا، بل يُخرجُ النّقودَ التي عنده إذا حالَ عليها الحولُ. أرضُه التي يؤجُّرها للنّاسِ لا يقالُ عنها عروضَ تجارةٍ.
– القارئ: ويجعلُ النخلَ أصلًا، كما تجعلُ الأرضَ أصلًا بالمزارعةِ، وقال: إنَّ هذا هو الثّابتُ عن عمرَ ـ رضي الله عنه ـ، حينَ ضمنَ حديقةَ أسيدِ بن حُضير ـ رضي الله عنه ـ الذي لزمَه ديونٌ، فَضَمّنَ بستانَه من يستأجرهُ لمدّةِ كذا وكذا سنةٍ، ويقدّمُ الأجرةَ من أجلِ قضاءِ الدَّينِ، وعمرُ فعلَ ذلكَ والصّحابةُ ـ رضي الله عنهم ـ متوافرون؛ ولأنَّه لا فرقَ بين استئجارِ النّخيلِ واستئجارِ الأرضِ؛ ولأنَّ هذا أقطعُ للنّزاعِ بين المستأجِرِ وصاحبِ الأرضِ؛ وذلك لأنَّه يجوزُ أنْ يساقيَ صاحبُ النّخلِ العاملَ بجزءٍ من الثمرةِ، وهذا ربّما يحصلُ فيه نزاعٌ، أمّا إذا كانتِ الأجرةُ مقطوعةً فإنَّ صاحبَ النّخلِ قد عرفَ نصيبَه وأخذَه، والمستأجرُ قد عرفَ أنَّ الثمرَ كلَّه له لا ينازعُه فيه أحدٌ، يتصرَّفُ فيه كاملًا. وهذا هو الذي عليه العملُ الآنَ عند النّاسِ؛ أنَّه يصحُّ استئجارُ النّخيلِ بأجرةٍ معلومةٍ لمدّةٍ معيّنةٍ حسبَ ما يتفقان عليه. وأجابَ شيخُ الإسلامِ ـ رحمه الله ـ عن استدلالِهم بالحديثِ وهو نهيُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عن بيعِ الثمرِ قبلَ بُدُوِّ صلاحِه: بأنَّه يثبتُ تبعًا ما لا يثبتُ استقلالًا؛ ولهذا أجازوا بيعَ أصلِ النّخلِ وعليه ثمرُه قبلَ بدوِّ صلاحِه، وبيعَ الحيوانِ الحاملِ، مع النَّهي عن بيعِ الحملِ.
إذًا: إذا قلنا: إنَّه لا يصحُّ استئجارُ النّخيلَ؛ فإنَّه يُحملُ قولُ المؤلفِ: «يجبُ العشرُ على مستأجرِ الأرضِ» فيما إذا كان ذلك في الزّرعِ، أمَّا في الثّمارِ فلا يُتَصوَّرُ؛ لأنَّه على المذهبِ لا يصحُّ أنْ تستأجرَ هذا النّخيلَ بثمارِه، والرّاجحُ ما ذهبَ إليه شيخُ الإسلامِ رحمهُ الله. والنّاسُ هنا في القصيمِ لمّا ظهرتْ هذه الفتوى استراحوا، وصاروا يؤجّرونَ البساتينَ، فمثلًا يقولُ: استأجرتُ منكَ البساتينَ بـ(100.000) فيعطيه المائةَ ألفٍ، والآخرُ يستقلُّ بالثمرِ. وابنُ عقيلٍ ـ رحمهُ الله ـ فصّلَ وقال: إذا كان أكثرُ الأرضِ بياضًا، لا نخيلًا، يجوزُ اعتبارًا بالأكثرِ؛ لأنَّ تأجيرَ الأرضِ جائزٌ، فيلحقُ الأقلُّ بالأكثرِ.
أمَّا الطّريقُ على المذهبِ فهو أن تُساقيَ على النّخلِ، وتؤجّرَ الأرضَ، أي: تقولُ: ساقيتُكَ على هذا النّخلِ بثلثِ ثمرِه، وأجّرتُكَ هذهِ الأرضَ بعشرةِ آلافٍ، فيأخذُ الأرضَ ويزرعُها والزّرعُ له، والنّخلُ يقومُ عليه بثلثِ ثمرتِه.
– الشيخ:
الآنَ ظهرتْ مشكلةٌ وهي أنَّ صاحبَ الشجرِ -وقد يكون فلاحًا- صارَ يستأجرُ من يعملُ عليه بالتّلقيحِ والتعديلِ وتركيبِ ال… والجذاذِ يؤجّرُه بأجرٍ مقدَّرٍ معلومٍ، يؤجّرُه بالثمرِ، يجعلُ الثّمرةَ أجرةً، ومعنى هذا أنَّه يتصوّرُ أنَّه باعَ الثمرَ، لأنَّ هذا يُعطيه مبلغًا على أن يقومَ عليه، وفي الحقيقةِ أنَّه لا أثرَ له في وجودِ الثمرةِ، ما هو إلّا إصلاحٌ، والفتوى على منعِ هذا؛ لأنَّ الثمرةَ حصلتْ بجهدِ المزارعِ وسقيهِ، وأمّا هذا ما هو إلا عملٌ بالثمرةِ، فهو يبيعُ الثمرةَ قبلَ بُدُوِّ صلاحِها بمقابلِ مبلغٍ يدفعُه إليه هذا، يعني العاملُ يتّفقُ مع المزارعِ على أنَّه يُعطيَه مئةَ ألفٍ وهو يقومُ عليه بالتَّلقيحِ والتَّعديلِ والجذاذِ ويتولّى الثّمرةَ ويأخذَها كاملةً، ومضمونُ هذا أنَّه باعَ الثّمرةَ عليه قبلَ بُدُوِّ صلاحِها.
– مداخلة: الآنَ أكثرُ الذين يقولون عن الشيخِ محمّدٍ بالتّأجيرِ، يعملونَ بمثلِ هذه الطّريقةِ؟
– الشيخ: هذه مشكلةُ.
– مداخلة: لو سقاها بماءٍ تصحُّ؟
– الشيخ: نعم، هذه المسألةُ التي ذكرها الشيخُ، يعني لو جاءَ العمّالُ هؤلاءِ وتقبّلوا أنّهم يقيمون عليها بالسَّقي، خلص صارتْ تأجيرًا، أجّرناه النّخلَ؛ يقومُ عليه، يسقيه ويتولَّاهُ، لكن هذا لا، الفلاحُ هو الذي قامَ بسقي النَّخلِ والعملِ عليه حتى توجدَ الثمرةُ، وهذا ليس له دورٌ في وجودِ الثمرة، ليس له إلَّا أنَّه يعملُ في بعضِ النّواحي المتعلّقةِ بالثّمرةِ لا بوجودِها.
– مداخلة: هذا من قبيلِ بيعِ الغررِ؟
– الشيخ: لا، من قبيلِ بيعِ الثمرةِ قبلَ بُدُوِّ صلاحِها، أو قبلَ وجودِها أحيانًا، لأنّه يبدأُ العملَ قبلَ وجودِ الثمرةِ.
– مداخلة: العلّةُ في بيعِ الثمرةِ قبلَ بُدُوِّ صلاحِها هو الغررُ.
– الشيخ: مالنا شغلٌ، النّهيُ مطلقٌ، أنَّها قد تتلفُ هذا واردٌ، الغررُ موجودٌ.
– مداخلة: ذكرَ مسألةً قبلَ قليلٍ؛ من أجّرَ أرضًا فيها شجرٌ، وأخذَ مالكُ الأرضِ أجرةً على الأرضِ، واشترطَ على الشّجرِ أجرةً…
– الشيخ: يعني جمعَ بين المساقاةِ والمزارعةِ وهذا ليس فيه إشكالٌ.
القارئُ يُكملُ القراءةَ من الشرحِ الممتعِ:
مسألةٌ: لو كانت الأرضُ خَرَاجيةً..
– الشيخ: الخَرَاجِيَّةُ: هي الأرضُ التي فُتحَتْ عنوةً، كما فعلَ عمرُ رضي اللهُ عنه أنه وضعَ على أرضِ العراقَ خَرَاجًا. خراجٌ: يعني مالٌ يُؤخَذُ ممن أُعطِيَها وجُعلتْ في يدهِ، وكأنَّه أجرةٌ، فالخراجُ يجبُ على من أُقطعَ الأرضَ، والزكاةُ تجبُ على مالكِ الزّرعِ أو الشجرِ.
القارئ: فالزّكاةُ فيها على المستأجرِ، والخراجُ على المالكِ؛ ووجهُ ذلك أنَّ الخراجَ على عينِ الأرضِ فيكونُ على مالِكِها، والزكاةُ على الثمارِ فتكونُ على مالكِ الثمارِ وهو المستأجرُ. ولو كان المالكُ هو الذي يزرعُ الأرضَ فعليه الخَرَاجُ باعتبارِهِ مالكًا للأرضِ، والزكاةُ باعتبارِه مالكًا للزّرعِ أو الثمرِ.
– الشيخ: الأرضُ التي تُؤخذُ باستئجارٍ طويلِ المددِ يُسمونَه: "صُبرة". الآنَ صاحبُ الصُبرةِ المستأجرُ الأمدَ الطّويلَ إذا أجّرَ هذه الأرضَ لمن يزرعُها فهي تُشبِه الأرضَ الخراجيّةَ، الأجرةُ عليه لمالكِ الأرضِ، وزكاةُ الزرعِ على مالكِ الزّرعِ، فالأرضُ المتَصبَّرَةُ تُشبهُ الأرضَ الخراجيّةَ تمامًا.
– مداخلة: بالنّسبةِ للأرضِ الخراجيّةِ هل هي ملكٌ للدولةِ؛ لبيتِ المالِ؟
– الشيخ: المُتَصرِّفُ فيها إجمالًا هو وليُّ الأمرِ، لكنْ هي تُقطعُ للأفرادِ، يعني بيتُ المالِ ليس هو الذي يعملُ فيها، ولا يؤجّرُها على الزّراعِ، يُقطِعُها إقطاعاتٍ، يعني أنت تقطعُ هذه المساحةَ ثمَّ تتصرَّفُ فيها، تؤجّرها لمن يزرعُها، وهو عليه الأجرةُ، عليه الخراجُ فقط.
يوضّحُ وجوبَ الزكاةِ في الثمرِ قبلَ وضعِها في البيدرِ أنَّه لو باعَها رُطَبًا، يعني باعَ التمرَ رُطَبًا كما هو الجاري، فإنَّه يستقرُّ عليه وجوبُها، فتجبُ عليه الزكاةُ ويخرجُها بمقدارِها، يجبُ عليه العشرُ، إذا باعَها يُخرجُ عشرَ ما باعَها به.
– القارئ: مسألةٌ: على من تجبُ الزكاةُ في المزارعةِ والمساقاةِ والمغارسةِ؟
تجبُ الزكاةُ في هذهِ الأحوالِ على العاملِ وعلى مالكِ الأصلِ بِقَدْرِ حِصَّتيهِمَا إنْ بلغتْ حِصَّةُ كلِّ واحدٍ منهما نصابًا، فإنْ لم تبلغ؛ انبنى على تأثيرِ الخلطةِ في غيرِ بهيمةِ الأنعامِ، وقد تقدَّمَ بيانُ الخلافِ في ذلك.
– الشيخ: المزارعةُ: أن أدفعَ أرضًا لمن يزرعُها بجزءٍ من الغلّةِ، وأدفعَ الشجرَ لمن يسقيَه بجزءٍ من الغلّةِ. والمغارسةُ: أن اتَّفقَ مع شخصٍ يغرسُ لي عددًا من النّخيلِ بنسبةٍ منها، على أن يكونَ بعدَ التّكاملِ، وبعدَ وجودِ الثمرِ، إمّا نقسمُ أو تبقى الشركةُ مستمرّةً.
– مداخلة: الخُلطةُ تؤثّرُ؟
– الشيخ: ظاهرُ العملِ أنَّ الخُلطةَ مؤثرةٌ؛ لأنَّ المُصَّدِّقَ يذهبُ ويخرصُ الثمارَ ولا ينظرُ لكونِ أنَّ هذا البستانَ مشتركٌ، والعملُ جارٍ على هذا الأساسِ، العمّالُ يُرسلونَ ويخرصونَ النّخيلَ، وكثيرٌ من النخيلِ الموروثةِ تكونُ بينَ كثيرٍ من الشركاءِ، وبعضُ الشركاءِ لا يصلُه إلّا أشياءُ قليلةٌ مثلًا: عشر كيلو، عشرين كيلو، خمسين كيلو، فالعملُ على أنَّها مؤثرةٌ، فهذا هو الظّاهرُ وهذهِ هي الآثارُ، يعني موجَبُ الخرصِ وإرسالُ المُصدّقينَ إلى خرصِ النّخيلِ وتقديرِها وأخذِ الزكاةِ منها، كما استُدِلَّ على عدمِ سقوطِ الزكاةِ فيمن عليه دينٌ، استُدِلَّ به أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان يبعثُ الجُباةَ لجبايةِ الزكاةِ ولا يسألون أصحابَ المزارعِ هل عليك دينٌ أم ليس عليك دينٌ؟ ولهذا فصّلَ بعضُهم فقال: إنّما تسقطُ في الأموالِ الظّاهرةِ. وقال المؤلّفُ عندَكم: ولو كانَ المالُ ظاهرًا، فلا زكاةَ في مالِ من عليه دينٌ ينقصُ النّصابَ ولو كان المالُ ظاهرًا.
– مداخلة: مسألةُ الأكثرِ والأقلِّ ما هو الضّابطُ فيها؟
– الشيخ: الضّابطُ فيها أهلُ الخبرةِ.
الأسئلة:
س1: ما هي مذاهبُ الأئمةِ الأربعةِ في زكاةِ العسلِ؟
ج: الجمهورُ على عدمِ وجوبِ الزكاةِ، والمشهورُ من مذهبِ الإمامِ أحمدَ وجوبُ الزكاةِ.
…………………………………
س2: ما معنى قولِهم: صفاتٌ فعليةٌ وصفاتٌ ذاتيّةٌ؟
ج: الصفاتُ الذاتيّةُ: هي التي لا تتعلّقُ بها المشيئةُ، فمثلًا: اليدان للهِ صفةُ ذاتيةٌ لا تتعلّقُ بها المشيئةُ. العلمُ صفةٌ ذاتيةٌ، هل تقولُ اللهُ يعلمُ إذا شاءَ؟! وهل تقولُ أنَّ اللهَ له يدانِ إذا شاءَ؟!
لكنْ ينزلُ إذا شاءَ، وهذه صفةٌ فعليةٌ، استوى على العرشِ حين شاءَ: صفةٌ فعليةٌ، يجيءُ يومَ القيامةِ إذا شاءَ: صفةٌ فعليةٌ. أمّا الكلامُ فهو صفةٌ ذاتيةٌ فعليةٌ؛ لأنَّه من حيثُ النوعِ أزليٌّ، فتقولُ اللهُ لم يزلْ يتكلّمُ إذا شاءَ بما شاءَ، لكنَّ خطابَه لموسى أو للأبوينِ أو لمن شاءَ من الملائكةِ أو غيرِهم خطابَه هذا ليس أزليًا وليس ذاتيًا، تابعٌ للمشيئةِ.
…………………………………
س3: رجلٌ عملُهُ متواصلٌ وهو لا يصلّي لذلك، وعنده مالٌ لا يزكّيه لكثرةِ ديونِه وحاجتِه إليه فما الحكمُ؟
ج: سبحانَ الله كيف لا يصلّي؟! هذا سؤالٌ لا يستحقُّ، هذا يُسألُ عنه.
…………………………………
س4: هل لابدَّ لمن لبسَ الخاتمَ أنْ يُخرِجَ الخاتمَ إذا أرادَ أن يتوضّأ؟
ج: لا، فقط يُحرِّكُهُ ليدخلَ الماءَ.
…………………………………
س5: أبي يستأجرُ أرضًا فيها أشجارُ الليمونِ لمدّة سنةٍ أو سنتينِ أو أكثر، فيعطي الأجرةَ مقدمًا فهل هذا جائزٌ؟ فقد كان يقومُ بسقيها وعملِها مقابلَ الخُمسِ، لكنْ أرادَ صاحبُ الأرضِ تأجيرها؟
ج: جائزٌ، هذه مسألتُنا، الذي عنده بستانٌ فيه أشجارُ فواكه فله أن يؤجّرَها ويأخذَ الأجرةَ، وهذا يجني الثّمرَ؛ يقومُ عليه ويسقيه ويجني ما قسمَ اللهُ له من الثمرِ.
…………………………………
س6: ما أهميةُ كتبِ الإمامِ ابنِ عبدِ البرَّ بالنّسبةِ للفقهِ الإسلاميِّ؟ وهل يُعتبرُ من الأئمةِ المجتهدين أم المقلّدين؟
ج: بل من المجتهدينَ، وكتُبُه مراجعٌ عظيمةٌ، كتابُ التّمهيدِ والاستذكارِ كتابان عظيمانِ، ارجعوا إليهما في معرفةِ الحديثِ وفي مسائلِ الفقهِ التي عَرَضَ لها الإمامُ مالك في الموطّأ.
…………………………………
س7: هل يجوزُ أن يقرأَ الخطيبُ آياتٍ مناسبةً لخطبةِ الجمعةِ أحيانًا؟ وهل يؤثّرُ ذلك على صحّةِ الصّلاةِ؟
ج: يعني في الصّلاةِ، يفعلُ هذا بعضُ النّاسِ، ولا وجهَ له، وليس بسنّةٍ، لكنْ إنْ فعلَه الإنسانُ في بعضِ الأحيانِ واستحسنَ هذا فالأمرُ سهلٌ، أمّا ملازمةُ هذا الشيءِ بشكلٍ مستمرٍّ فهذا خلافُ السنّةِ، فالرّسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان يقرأُ في الجمعةِ ب (سبّحِ) و(الغاشيةِ) و(المنافقون).
…………………………………
س8: هل قولُ الصحابيّ حجّةٌ؟
ج: في هذا خلافٌ، والصّوابُ أنَّه حجّةٌ إذا لم يكن له مخالفٌ.
…………………………………
س9: ما حكمُ من يقولُ لآخرٍ: أنت أخبثُ من إبليس؟
ج: هذا سبٌّ شنيعٌ، يستحقُّ صاحبُه أن يَرفَعَ المعتَدي إلى المحكمةِ، ليقضيَ فيه القاضي ما يراهُ.
…………………………………
س10: ما حكمُ خاتمِ التّسبيحِ؟
ج: أرى أنَّه غلطٌ، ولا ينبغي استخدامُه، فيه معانٍ تُوجبُ كُرهتُه، والذي يستخدمُ هذا يمكنُ أنْ يُسبّحَ كثيرًا لكنّه غافلٌ، يظنُّ أنَّه قد سبَّحَ مئاتَ التَسبيحاتِ وهو لم يحضرْ قلبُه بسببِ أنَّه يعتمدُ على ضبطِ هذا الخاتمِ، فالخاتمُ يعدُّ له تسبيحاتٍ لم يَشعرْ بها، فينبغي عدمُ اقتناءِ هذا الخاتمِ أبدًا.