الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الزكاة من زاد المستقنع/كتاب الزكاة (9) “باب زكاة الفطر” قوله تجب على كل مسلم فضل له يوم العيد

كتاب الزكاة (9) “باب زكاة الفطر” قوله تجب على كل مسلم فضل له يوم العيد

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الزكاة)
– الدّرس التّاسع

***    ***    ***    ***
 
– – القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلّم على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
[بابُ زكاةِ الفطرِ]
– الشيخ:

هذا بابُ بيانِ حكمِ زكاةِ الفطرِ وبيانِ مقدارِها ومن تجبُ عليه. يُقالُ: زكاةُ الفطرِ، ويقالُ: صدقةُ الفطرِ، وقد فُسِّرَ بها قولُه تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] قيل: المرادُ زكاةُ الفطرِ وصلاةُ العيدِ، وقد دلَّ على وجوبِها السنّةُ الصحيحةُ كما ثبتَ في الصحيحين عن النبيّ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- عن ابنِ عمرَ قال: (فرضَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- زكاةَ الفطرِ صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ على كلِّ ذكرٍ أو أنثى، حرٍ أو عبدٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ من المسلمين) فدلَّ الحديثُ على وجوبِها، وعلى مقدارِها، وعلى من تجبُ فهي واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ ذكرٍ أو أنثى صغيرٍ أو كبيرٍ، حرٍّ أو عبدٍ، لكن بهذا القيدِ "من المسلمين".
وإضافةُ الزكاةِ إلى الفطرِ قيل: إنَّه من إضافةِ الشيءِ إلى سببِهِ، ومعنى هذا أنَّ الفطرَ من رمضانَ هو سببُ وجوبِها، وهذا معنى ما سيأتي من قولِه: وتجبُ بغروبِ شمسِ آخرِ يومٍ من رمضانَ. وقيل أنَّه من إضافةِ الشيءِ إلى وقتِهِ، مثلُ صلاةِ الظهرِ، صلاةِ الفجرِ، صلاةِ المغربِ، فهو من إضافةِ الشيءِ إلى وقتِه. وهنا متفقةٌ: غروبُ الشمسِ، ووقتُ الفطرِ من رمضان، فيَحْتملُ الأمرين أو يشملُ الأمرين، والظّاهرُ أنَّ كلامَ المصنّفِ يقتضي إضافةَ الشيءِ إلى سببِهِ.
– – القارئ: (تجبُ على كلِّ: مسلمٍ، فَضَلَ لهُ: يومَ العيدِ وليلَتَه، صاعٌ عن قوتهِ، وقُوتِ عيالهِ، وحوائجِه الأصليةِ)
– الشيخ: 
يقولُ: "تجبُ زكاةُ الفطرِ على كلِّ مسلمٍ" كما في حديثِ ابنِ عمرَ، على كلِّ مسلمٍ صغيرٍ أو كبيرٍ حرٍّ أو عبدٍ ذكرٍ أو أنثى، "فَضَلَ له": أي بقي له فاضلًا عن قوتِه أي من مالِه وطعامِه، "يومَ العيدِ وليلتِه": وليلتِه أي الماضيةِ، "عن قوتِه وقوتِ عيالِه وحوائِجه الأصليّةِ": القوتُ: هو ما يحتاجُه من الطعامِ والشرابِ وكذلك عياله، وحوائجُه الأصليةُ: التي لابدَّ له منها من آنيتِه وأنيةِ بيتِه وأثاثِ بيتِه، قالوا: من ذلك كتبُ العلمِ لطالبِ العلمِ لأنّها من حوائِجه، أمّا إذا كان عنده زائدٌ لا يحتاجُ فإنّه ليس من حوائِجِه الأصليةِ، لكن هذا فيه تأمّلٌ لأنَّ طالبَ العلمِ قد يكونُ عنده زيادةُ نُسَخٍ يمكنُ أن يحتاجَها أو يُعيرهَا؛ فلا نقولُ: يذهبُ ويبيعُها من أجلِ زكاةِ الفطرِ، هذا هو الظَّاهرُ، أمّا إن كان من شأنِه أنَّه يجمعُ كتبًا ليكوّنَ مكتبةً فلا، لأنَّ بعضَ المكتباتِ ثروةٌ، لكنَّ الشيءَ إذا زادَ عن حاجتِه المعتادةِ، ففي مجرى العادةِ أن يكونَ عند طالبِ العلمِ عدّةُ نسخٍ من الكتابِ الذي يحتاجُه.
"فَضَلَ له صاعٌ": وهذا يخرجُه عن نفسِهِ، وهكذا يأتي الترتيبُ.

– القارئ: (ولا يمنعُها الدينُ إلا بطلبهِ)
– الشيختقدَّمَ أنَّ الدينَ يَمنعُ من وجوبِ الزكاةِ كما سبقَ في قولِه: "ولا زكاةَ في مالِ من عليه دينٌ ينقصُ النصابَ" أمّا هنا فيقولُ: لا يمنعُ وجوبَ زكاةِ الفطرِ الدَّينُ إلّا أن يُطالَبُ به، فإذا كان عليه دينٌ وهو غيرُ مطالبٍ به وفَضَلَ له صاعٌ عن قوتِه وقوتِ عيالِه وحوائِجِه الأصليةِ وَجَبَ عليه إخراجُه، أمّا إنْ كان غريمُه يُطالبُه به فإنَّه يُعطيه. وذكرَ الشيخُ عندكم أنَّ المسألةَ فيها خلافٌ وهذا هو القولُ الوسطُ، يعني إذا كان يُطالَبُ به، وحتى ولو كان حقُّ اللهِ أولى بالوفاءِ، لكنَّ حقوقَ العبادِ مبنيّةٌ على المشاحّةِ، واللهُ تعالى كريمٌ، ثمَّ إنَّه قد يُقالُ: أنَّ هذا يمنعُ الوجوبَ، فمن عليه دينٌ يُطالَبُ به فمعناه أنَّها لم تجبْ عليه أصلًا بهذا الاعتبارِ.

– القارئ: (فيُخرجُ عن: نفسهِ، وعن مسلمٍ يمونُه، ولو شهرَ رمضانَ)
– الشيخ: 
يقولُ: "يُخرجُ عن نفسِه" لأنَّ الإنسانَ حقُّ نفسِه مُقدَّمٌ على سائرِ الحقوقِ، فيخرجُ عن نفسِه، وعمّن يمونُه، أي يُنفقْ عليه، "ولو شهرَ رمضانَ" و"لو": إشارةٌ إلى وجودِ خلافٍ، فالأكثرُ أنَّه يُخرجُ عن نفسِه وعمّن يمونُه دائمًا من أهلِه وعيالِه، أمّا من لا يمونُه إلّا كضيفٍ أقامَ عنده رمضانَ فلا يُخرجُ عنه، فمعنى هذا أنَّ المذهبَ الذي مشى عليه المؤلّفُ أنَّه يُخرجُ عن نفسِه وعمّن يمونُه ولو شهرَ رمضانَ. والقولُ الثاني: أنَّه لا يُخرِجُها إلّا عمّن يمونُه دائمًا.

– القارئ: (فإنْ عَجَزَ عن البعضِ: بدأَ بنفسهِ، فامرأتِهِ، فرقيقِهِ، فأُمّهِ، فأبيهِ، فَوَلَدِهِ، فأقربَ في ميراثٍ)
– الشيخ: 
هذا ترتيبٌ بأن استطاعَ أن يُخرجَ عن الجميعِ فالحمدُ للهِ، ولا إشكالَ، لكن إن عجزَ عن البعضِ ولا يستطيعُ أن يُخرجَ عن جميعِ هؤلاءِ فإنّه يبدأُ بنفسِه، إذا فَضَلَ له صاعٌ فقط فإنّه يخرجُ عن نفسِه، طيّبْ فَضلَ له صاعان يخرجُ عن نفسِه وامرأتِه وهي الزّوجةُ فإنّها مقدّمةٌ على الولدِ وعلى الأمِّ وعلى الأبِ، قالوا: لأنّها استحقّت النّفقةَ بموجَبِ المعاوضةِ، فوجبتْ لها النّفقةُ مقابلَ الاستمتاعِ، فلهذا قدّموها، ثمّ رقيقهِ: لأنّه ليس له أحدٌ فإنّه مملوكٌ له، فهو مقدَّمٌ حتى على الولدِ، فأمّهِ فأبيهِ.
وتقديمُ الأمِّ على الأبِ أمرٌ معروفٌ لأنَّها أحقُّ بالبِرّ، ولو عجزَ عن الإنفاقِ عليهما فإنّه يُنفِقُ على أمّهِ، فالأمُّ مقدَّمةٌ على الأبِ في البِرّ والإحسانِ، "قال يا رسولَ اللهِ من أبرُّ؟ قال: أمّكَ. قال: ثمّ من؟ قال: أمّك …" ثمَّ ولدِه الأدنى الذي من صُلبهِ، ويدخلُ فيه ولدُ الولدِ، ثمّ الأقربِ في الميراثِ وهو تابعٌ للنّفقةِ، فزكاةُ الفطرِ لها ارتباطٌ بالنّفقةِ، كما قال سابقًا: "يُخرجُ عن نفسِه وعمّن يمونُه" أي يخرجُ عن نفسِه وعمّن تجبُ عليه نفقتُه من زوجةٍ ورقيقٍ، فأقربُ في ميراثٍ لقوله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]

– القارئ: (والعبدُ بين شركاءٍ: عليهم صاعٌ)
– الشيخ: 
عبدٌ مملوكٌ لشركاءَ اثنينِ، فإنَّ عليهم صاعٌ، كلُّ واحدٍ منهم عليه نصفُ صاعٍ، بينَ أربعٍ عليهم صاعٌ عن كلِّ واحدٍ منهم الرُّبُعُ، بين ثلاثٍ عليهم صاع ٌويكونُ على كلِّ واحدٍ منهم ثلثٌ وهكذا، وهذا هو مُقتضَى العقلِ والعدلِ بين الشركاءِ، فكما أنّهم يشتركون في منفعتِه ويشتركونَ في قيمتِه لو باعوهُ على قدرِ أنصبائِهم.
– مداخلة: هل الرقيقُ أقربُ من الابنِ؟
– الشيخ: الرقيقُ ليس له قرابةٌ أصلًا، يعني الولدُ يمكن أن ينفقَ عليه بعضُ أقارِبه، لكنَّ المملوكَ ليس له أحدٌ إلّا سيدَّه.

– القارئ: (ويُستحبُّ: عن الجنينِ)
– الشيخ: 
الجنينُ الذي نُفخِت فيه الروحُ وأصبحَ إنسانًا، والأصلُ في هذا أثرٌ عن عثمانَ رضي اللهُ عنه أنّه ذهبَ إلى إخراجِ زكاةِ الفطرِ عن الجنين، فهي مُستحبّةٌ وليست بواجبةٍ.
– مداخلة: أثرُ عثمانَ رضي اللهُ عنه مطلقٌ عن الحملِ.
– الشيخ: أطوارُ الجنينِ تختلفُ من نطفةٍ إلى كذا، وبينها فروقٌ في الأحكامِ، فالحكمُ الذي يُجانسُ الإنسانَ والمولودَ فيما إذا نفختْ فيه الروحُ، صارَ له حكمٌ: يُغسّلُ ويُصلّى عليه ويُكفّنُ وتجري عليه جميعُ الأحكامِ، أمّا كونِه نطفةً أو مضغةً أو علقةً فإنّه ميّتٌ وليس بشيءٍ.

– القارئ: (ولا تجبُ: لناشزٍ)
– الشيخ: امرأةٌ ناشزٌ عن زوجِها، خارجةٌ عن طاعتِه، فإنّها لا تستحقُّ النفقةَ، وبالتالي لا يجبُ عليه لها أن يُخرِجَ عنها زكاةَ الفطرِ.
– القارئ: (ومن لَزِمَ غيرَهُ فطرتُهُ فأخرجَ عن نفسهِ بغيرِ إذنهِ: أجزئتْ)
– الشيخ: يعني الولدُ أو الزوجةُ أخرجتْ عن نفسِها، فالزوجةُ على ما تقدَّمَ من كلامِهم أنَّ فطرتَها على زوجِها، والولدُ على أباه، فإذا أخرجَ الولدُ عن نفسِه بغيرِ إذنِ والدِه، أو المرأةُ أخرجتْ عن نفسها بغيرِ إذنِ زوجِها، يقولُ المصنّفُ: "أجزئت" وكأنَّ معنى هذا أنَّ الأصلَ أنَّها تجبُ على الشخصِ بنفسِه، وهذا أخرجَها عنه الوالدُ أو الزوجُ أخرجَها عنه، فأصلُ وجوبِها على نفسِ المكلّفِ، فإذا أخرجَها عن نفسِه فمعناهُ أنَّه هو الأصلُ، ليس كمن أخرجَ زكاةَ مالِ غيرِه. افرضْ أنّك تعرفُ لأخيكَ مالًا وعليه زكاةٌ فذهبتَ وتبرّعتَ وأخرجتَ زكاتَه ثمَّ تذهبُ إليه وتقولُ: لقد أخرجتُ زكاةَ مالِكَ، فهذا لا يصحُّ ولابدَّ من الإذنِ لأنَّها واجبةٌ عليه أصلًا فلا تجبُ على غيرِه، أمّا هذهِ فلها تعلّقٌ، وعندكم الشيخُ رجّحَ أنّها واجبةً على كلِّ مكلّفٍ بنفسِه.

– القارئ: (وتجبُ بغروبِ الشمسِ ليلةَ الفطرِ)
– الشيخ: 
هذا يوضّحُ أنَّ سببَ وجوبِها هو الوقتُ، غروبُ الشمسِ من ليلةِ الفطرِ، هذا وقتُ وجوبِها. وبناءً على هذا الترتيبِ من كان موجودًا في ذلك الوقتِ ومن أهلِ وجوبِها وجبتْ عليه، ومن لم يكن موجودًا فإنّها لا تجبُ عليه، فالكافرُ إذا أسلمَ بعد الغروبِ، والصبيُّ إذا وُلِدَ بعد الغروبِ لم تجبْ عليه لأنَّه لم يصادفْ وقتَ وجوبِها.
– القارئ: (فمنْ أسلَمَ بعدَه، أو ملكَ عبدًا، أو زوجةً، أو وُلِدَ لهُ ولدٌ: لم تلزمْه فطرتُه)
– مداخلة: 
هناك نسخةٌ تقولُ: "تزوّج" وفي القراءةِ السابقةِ رجّحتم "تزوّج".
– الشيخ: التعبيرُ بأنَّه ملكَ الزوجةَ، إطلاقُ الملكِ على الرّقيقِ هو ال … قال تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ} [المؤمنون:6] نعم التَّعبيرُ كما قال محمّدٌ "أو تزوّج" هي الأدقُّ، وهذا تفريعٌ على قولِه: "وتجبُ بغروبِ الشمسِ" فهذا تفريعٌ عليه.

– القارئ: (وقبلَه تلزمُ)
– الشيخ: 
يعني من وُلدَ له، أو ملكَ عبدًا قبلَه: أي قبلَ الغروبِ، أو تزوّجَ قبلَ الغروبِ، أو أسلمَ الكافرُ قبلَ الغروبِ؛ فقد لزمتْهُ الزكاةُ.
– القارئ: (ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومينِ فقط)
– الشيخ: 
وقتُ الوجوبِ علمناهُ وهو غروبُ الشمسِ من آخرِ يومٍ من رمضانَ، لكنَّ وقتَ الإخراجِ هو يومُ العيدِ قبلَ الصلاةِ، عكس الأضحيةِ، فالأضحيةُ وقتُها بيومِ العيدِ بعدَ الصّلاةِ وقبلَ الصّلاةِ لا تُجزئُ، زكاةُ الفطرِ على العكسِ فهي مقدَّمةٌ. ويجوزُ تقديمُها بيومٍ أو يومين لما جاءَ عن السلفِ أنّهم كانوا يُخرجونَ زكاةَ الفطرِ قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين، فصارَ لزكاةِ الفطرِ أوقاتٌ: قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين جائزٌ، ووقتُ فضيلةٍ وهو يومُ العيدِ قبلَ الصلاةِ، أمّا بعدَ الصلاةِ فإنّها لا تُجزئُ لحديثِ: "من أدّاها قبلَ الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدّاها بعدَ الصلاةِ فهي صدقةٌ من الصدقات"
لكنْ من نسيَ أنْ يُخرجَها، أو اعتمدَ على شخصٍ فإنّه يُخرجُها من نوعِ القضاءِ. "بيومين فقط": يُحتملُ أنّها ثلاثةُ أيامٍ لأنَّ الشهرَ يُحتمَلُ أنْ يكونَ كاملًا أو ناقصًا، فلو أخرجَها قبلَ العيدِ بيومين على أنَّ الشهرَ ناقصٌ فقد آلَ الأمرُ أنّه أخرجَها قبلَ العيدِ بثلاثةِ أيامٍ، فالأمرُ في هذا واسعٌ، فأصلُ هذا ليس نصًا، بل بعملِ السلفِ.
– مداخلة: يعني لو أخرجَها قبل بثلاثِ أيامٍ ما هو الحكمُ؟
– الشيخ: عندي ليس فيه شيءٌ.
– مداخلة: قال الشيخُ محمّدُ ابنُ عثيمينَ في الممتعِ: لو أخرجَ زكاةَ الفطرِ في يومِ سبعٍ وعشرينَ وتمَّ الشهرُ هل تُجزئُ؟ الجوابُ: لا يُجزئُ، فهو كمن صلّى قبلَ الوقتِ ظانًّا أنَّ الوقتَ قد دخلَ.
– الشيخ: من أين للشيخِ التحديدَ؟ إن كان هذا من اجتهادِه فإنَّ فيه تأملٌ، وكلامُه رحمهُ اللهُ ليس بنصٍّ. التوقيتُ بأنَّهم كانوا يُخرجونَها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين يكونُ كتوقيتِ صلاةِ الظهرِ، فمن صلّى الظهرَ قبلَ دخولِ الوقتِ لم تصحَّ صلاتُه؟ لا، وخصوصًا إذا قدّمَها قبلَ العيدِ بيومين ثمَّ تبيّنَ أنَّ الشّهرَ كَمُلَ. أصلًا التّقديمُ بثلاثةِ أيامٍ لم يكن متعمّدًا، فالأمرُ واسعٌ.

– القارئ:
هناك تعليقٌ للشيخِ البليهيِّ على هذه المسألةِ وهو: قولُه "بيومينِ فقط": هو قولُ مالكٍ، وقال الشافعيُّ: يجوزُ تقديمُها من أوّلِ شهرِ رمضانَ، وقال أبو حنيفةَ: يجوز تقديمُها على رمضانَ. ودليلُنا في هذا قولُ النبيّ -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "أغنوهم عن الطّوافِ في مثلِ هذا اليوم" وإذا قُدِّمتْ الفطرةُ قبلَ رمضانَ أو في أوّلِه فاتَ الإغناءُ الذي أمرَ به الرّسولُ -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، وقال البخاريُّ في صحيحِهِ: كان ابنُ عمرَ رضي الله عنهما يُعطيها الذين يقبلونَها، وكانوا يُعطون قبلَ الفطرِ بيومٍ أو يومين. ورواهُ مالكٌ في الموطأ ولفظُه عن نافعٍ: أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عمرٍ كان يبعثُ بزكاةِ الفطرِ إلى الذي تُجمعُ عنده قبلَ الفطرِ بيومين أو ثلاثةٍ.
– الشيخ: قلتُ لكم أنَّ الأمرَ عندي سهلٌ.
– مداخلة: لو زادت عن ثلاثٍ؟
– الشيخ: لو قلنا لك نعم فستقولُ لو زادت عن أربعةٍ؟ يكفيكَ ثلاثةُ أيامٍ.

– القارئ: (ويومَ العيدِ قبلَ الصلاةِ أفضلُ)
– الشيخ: 
نعم في يومِ العيدِ وقبلَ الصلاةِ فهو أفضلُ، "من أدَّاها قبلَ الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ".
– القارئ: (وتُكرهُ في باقيهِ)
– الشيخ: وتُكرَهُ في باقيه، لكنَّ الصحيحَ أنّها لا تقعُ صدقةَ فطرٍ، لكن يجبُ إخراجُها.
– القارئ: (ويقضِيْهَا بعدَ يومِهَا آثِمًا)
– الشيخ: كلُّ هذا إن كان عن تعمّدٍ، أمّا إذا وقعَ شيءٌ من هذا نسيانًا أو خطًأ فإنَّه لا يضرُّ وتكونُ زكاةً مقبولةً.
– مداخلة: قولُه: "وتُكرهُ في باقيه"؟
– الشيخ: قلت لك: ليس بصحيحٍ، بل يحرمُ تأخيرُها.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
[بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ]
قوله: «باب: زكاة الفطر» هل الإضافة من إضافة الشيء إلى زمنه أو سببه؟
– الشيخ: 
هناك تداخلٌ بين السببِ والوقتِ، لأنّهم يعبّرونَ عن وقتِ الصلاةِ أنَّ سببَ وجوبِها هو دخولُ الوقتِ، فإذا دخلَ الوقتُ وجبتْ، يعبّرون عن هذا بالسببِ، فعندي أنّ هذا من إضافةِ الشيءِ إلى وقتِه، وهذا الوقتُ هو سببُ وجوبِها، هو السببُ وهو الوقتُ. لكنَّ الشيخَ أشارَ إلى أنَّ الفطرَ هو فطرُ الصائمِ، وأنَّ هذا يتعلّقُ بالصائمِ، وبناءً على هذا التقديرِ فإنّها لا تجبُ على من لم يَصُم، كامرأةٍ نفستْ كلَّ الشهرِ، أو الصبيِّ الذي لم يصمْ يعني ليس من أهلِ الصيامِ أصلًا، ولكن في التأمّلِ أنَّ السببَ هو الوقتُ، فلا فرقَ بين أن نقولَ: إضافةُ الشيءِ إلى سببِهِ أو وقتِهِ، هو الوقتُ ويعبّرونَ عن الوقتِ بالسببِ.

القارئُ يقرأُ من الرّوضِ المربعِ:
[بابُ زكاةِ الفطرِ]
هو اسمُ مصدرٍ، من: أَفطرَ الصائمُ إفطارًا، وهذهِ يُرادُ بها الصدقةُ عن البدنِ، وإضافتُها إلى الفطرِ، من إضافةِ الشيءِ إلى سببِهِ.
– الشيخ: 
فالظّاهرُ أنَّه مَشَى أنَّ السببَ هو الوقتُ، متى يكونُ الفطرُ؟ يكونُ بغروبِ الشمسِ، ولا علاقةَ له بكونِ فلانٍ صامَ أم لم يصمْ، المهمُّ أنَّه يكونُ بغروبِ الشمسِ، فالوقتُ سببٌ كما قلتُ لكم: إنّ دخولَ وقتِ الصلاةِ هو سببٌ لوجوبِها، لأنّها قبلَ دخولِ الوقتِ لم تجبْ، وإنّما تجبُ الصلاةُ بدخولِ وقتِها، ولهذا قال: "تجبُ بغروبِ الشمسِ" فجعلَ الوقتَ هو السببُ.
 
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
إذا قلنا: إلى سببِه، فمعناه أنَّ الصغارَ لا فطرةَ عليهم، لأنّهم لا يصومون، وإذا قلنا: إلى زمنِه وجبتْ على الصغارِ، ومن لا يستطيعُ الصومَ لكبرٍ ونحوِه.
– الشيخ: 
الشيخُ فرّقَ بينهما، بينما صاحبُ الرّوضِ اعتبرَ الوقتَ هو السببَ، فلا فرقَ بين أن تقولَ من إضافةِ الشيءِ إلى سببِه أو وقتِه.

– القارئ: قولُه «الفطر»: أي من رمضانَ، وسُمّيتْ زكاةً لما فيها من التنميةِ، تنميةِ الخُلُقِ لأنّها تجعلُ الإنسانَ في عِدادِ الكرماءِ، وتنميةِ المالِ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ بذلتَه من مالِكَ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، فهو تنميةٌ له، وتنميةُ الحسناتِ لقولِ النبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: «إنّك لن تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ اللهِ إلّا أُجرتَ عليها حتى ما تجعلُه في فِيِّ امرأتك»، وأخَّرَ المؤلفُ بابَ زكاةِ الفطرِ عن زكاةِ الأموالِ؛ لأنَّ زكاةَ الفطرِ لا تجبُ في المالِ ولا تتعلّقُ به، إذ ليس هناك مالٌ تجبُ فيه الزكاةُ، وإنّما تجبُ في الذمّةِ؛ ولأنّ تعلّقَها بالذمّةِ أقوى من تعلقِها بزكاةِ الأموالِ. وأضافَها إلى الفطرِ كما جاءَ في الحديثِ قال رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: «زكاة الفطرِ» لأنَّه سببُ وجوبِها، فالفطرُ أي: من رمضان، والحكمةُ من وجوبِ زكاةِ الفطرِ من رمضانَ ما ذكرهُ النبيُّ -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: «طهرةً للصائمِ من اللغوِ والرّفث» وشكرًا لله -عزّ وجلَّ- على إتمامِ الشهرِ، وطعمةً للمساكينِ في هذا اليومِ الذي هو يومُ عيدٍ وفرحٍ وسرورٍ، فكانَ من الحكمةِ أنْ يُعطوا هذه الزكاةَ؛ من أجلِ أن يُشاركوا الأغنياءَ في الفرحِ والسرورِ.
– الشيخ: دائمًا الحِكَمَ يُراعَى فيها أصلُ التّشريعِ وإنْ لم تتحقّقْ في كلِّ الأحوالِ، يعني الآنَ عندنا في الرياضِ ليس لهم ذلك الفقرُ فإنّهم يجمعونَ الزكاةَ ويبيعونَها.

– القارئ: قولُه -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: «وطهرةً للصائم…» هذا بناءً على الأغلبِ، وإلّا فالصغيرُ ونحوُهُ لا يصومُ.
 
تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسلمٍ فَضَلَ له يَوْمَ العيدِ وليلَتَهُ صاعٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ وَحَوَائِجِهِ الأصلِيَّةِ …
قولُه «تجبُ على كلِّ مسلمٍ»: تجبُ: الفاعلُ يعودُ على زكاةِ الفطرِ.
وقولُه «تجبُ»: أي حكمُها الوجوبُ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ الآتي، ولحديثِ ابنِ عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ: «فرضَ رسولُ اللهُ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصائمِ وطعمةً للمساكين».
وقولُه «على كلِّ مسلمٍ»: خرجَ به من ليسَ مسلمًا كاليهوديّ والوثنيّ والنصرانيّ وغيرِهم، فلا تجبُ عليهم زكاةُ الفطرِ لحديثِ ابنِ عمرَ ـ رضي اللهُ عنهما ـ: «فرضَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- زكاةَ الفطرِ صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ على الذكرِ والأنثى والحرِّ والعبدِ والكبيرِ والصغيرِ من المسلمين" ولأنَّ الزكاةَ طهرةٌ، والكافرُ ليس أهلًا للتطهيرِ إلّا بالإسلامِ، فلا يُطهّرهُ إلّا الإسلامُ.
وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ: حتى ولو كان عبدًا لشخصٍ وهو كافرٌ فلا تجبُ زكاةُ الفطرِ في حقّهِ، وهو كذلك.
ودخلَ فيه الذكرُ والأنثى والصغيرُ والكبيرُ والحرُّ والعبدُ.
وقولُه «فَضَلَ له يومَ العيدِ وليلتَه صاعٌ»: «فَضَلَ له» أي: عنده.
– الشيخ: 
عنده: يفسّرُ "له" لكن فَضَلَ: يعني زادَ، مثلًا: فَضَلَ عندي كذا أي زادَ عندي كذا، الفاضلُ هو الزائدُ.

-القارئ: قولُه «ليلتَه»: أي: ليلةَ العيدِ، و"يومَ العيدِ وليلتَه" منصوبان على الظرفيّةِ.
قولُه «صاعٌ»: فاعلُ "فَضَلَ" وهو مقدارُ الزكاةِ، ويأتي بيانُ المرادِ بالصّاعِ، وإنّما خصَّ الصاعَ؛ لأنَّه الواجبُ إذ لا يجبُ على الإنسانِ أكثرُ من صاعٍ، ولا يسقطُ عنه ما دونَ الصاعِ إذا لم يجدْ غيرَه، بل يُخرجُ ما يقدرُ عليه. فإذا كان عنده ما يقوتُه يومَ العيدِ وليلتَه، وبقيَ صاعٌ فإنَّه يجبُ عليه إخراجُه، وكذلك لو بقيَ نصفُ صاعٍ فإنَّه يخرجُه لقولهِ تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وكما لو وجدَ ماءً لا يكفي إلّا لبعضِ أعضاءِ الوضوءِ فإنّه يستعملُه ويتيمّمُ لما بقيَ.
– الشيخ: وبهذا نعلمُ أنَّ قولَه فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ: معناها واسعٌ، وتعلّقها بالأحكامِ واسعٌ، فهذهِ الآيةُ تُطبّقُ في الصلاةِ والصيامِ والطهارةِ والصدقاتِ، وفي الحديثِ: "إذا أمرتكُم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتُم"

– القارئ: قولُه «عن قوتِه وقوتِ عيالِه، وحوائِجه الأصلية»: «قوتِه، وقوتِ عياله»: أي مأكلِه ومشربِه.
«وحوائِجه الأصليةِ»: هي ما تدعو الحاجةُ إلى وجودِه في البيتِ كقدرِ العشاءِ، وصحنِ التمرِ، والإبريقِ، وكتبِ العلمِ
– الشيخ: 
وكأنَّ الشيخَ مثّلَ بأشياءَ فيها تضييقٌ لمفهومِ حوائِجه الأصليةِ، يعني مثلًا: أثاثُ البيتِ فهذه أصبحت من حوائِجه الأصليةِ، وكلمةُ الحوائجِ الأصليةِ ليست نصًّا حتى نقفَ معه، المهمُّ في أنّه يحتاجُه سواءٌ في السنةِ مرةً أو مرتينِ أو عشرَ مراتٍ.

– القارئ: لكن إذا كان عنده كتابٌ لا يحتاجُ إليه إلّا في العاِم مرةً واحدةً فليسَ من الحوائجِ الأصليّةِ، لأنّ هناك مكتباتٍ عامّةٍ، وكذا إذا كان لهذا الكتابِ نسخٌ أخرى فليس من الحوائجِ الأصليةِ؛ لأنَّ ما في البيتِ إمّا أن يكونَ ضرورةً أو حاجةً أو فضلًا وكمالًا، فالضرورةُ: ما لا يُستَغنى عنه. والحاجةُ: هي ما احتاجَ البيتُ إلى وجودِه، والفضلُ والكمالُ هو: ما لا يحتاجُ البيتُ إلى وجودِه. فإذا فضلَ عن حوائِجِه الأصليةِ، ومن بابِ أولى ضروراتِه هذا الصاعُ وجبتْ عليه زكاةُ الفطرِ شرعًا.
ويُستفادُ من قولِ المؤلفِ «على كلّ مسلمٍ فَضَلَ له يومَ العيدِ…»: أَنَّ زكاةَ الفطرِ لا تجبُ إلّا إذا تحقّقَ الشرطان الآتيان: الأولُ: الإسلامُ. الثاني: الغنى على الوجهِ الذي ذكرَهُ المؤلفُ، وهو أن يكونَ عنده يومَ العيدِ وليلتَه صاعٌ زائدٌ عن قوتِه وقوتِ عيالِه وحوائِجِه الأصليةِ، والغنى في كلِّ موضعٍ بحسبِه. وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنَّه إذا تمَّ الشرطان وجبت زكاةُ الفطرِ عليه وإن لم يصمْ لِكِبَرٍ ونحوِه، ودليلُ ذلك قولُه في حديثِ ابنِ عمرَ ـ رضي اللهُ عنهما: «والكبيرِ والصغيرِ»، فكلُّ مسلمٍ صامَ أو لم يصمْ صغيرًا كان أو كبيرًا، حتى من كان في المهدِ، وحتى المرأةِ التي نفستْ جميعَ الشهرِ.
وَلاَ يَمْنَعُهَا الدينُ إلا بِطَلَبِهِ … قولُه «ولا يمنعُها الدَّينُ إلّا بطلبِه»: أي لا يمنعُ وجوبَ زكاةِ الفطرِ الدّينُ إلّا بطلبِهِ خلافًا لزكاةِ المالِ، فقد سَبَقَ أنَّ الدينَ يمنعُ وجوبَها على المشهورِ من المذهبِ، وعلى هذا فيكون ما ذكرهُ المؤلّفُ هنا من الفروقِ بين زكاةِ الفطرِ وزكاةِ المالِ. وإنّما لم يمنعْها الدَّينُ؛ لأنَّ الدَّينَ تَعلُّقٌ بالمالِ، وزكاةُ الفطرِ تَتعلّقُ بالذمّةِ، وإنّما مَنَعَها بطلبِه من أجلِ إيفاءِ الدّينِ للمطالبِ به لقولِ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: «مطلُ الغنيّ ظلمٌ» فلهذا نقولُ: إذا كان مطالبًا به وقال له صاحبُه: أعطني دَيني، وليس عندَه إلّا صاعٌ، فإنّه يُعطيهِ هذا الصاعَ، وتَسقطُ عنه زكاةُ الفطرِ. وفي هذه المسألةِ أقوالٌ ثلاثةٌ:
الأولُ: لا يمنعُها مطلقًا سواءٌ طُولِبَ به أم لم يطالبْ به.
الثاني: أنَّه يمنعُها مطلقًا سواءٌ طُولِبَ به أم لم يُطالَبْ به.
الثالثُ: التفصيلُ الذي ذهبَ إليه المؤلّفُ، وهو قريبٌ.
ولكنَّ الأقربَ منه هو القولُ الأولُ: أنَّه لا يمنعُها الدَّيْنُ مطلقًا سواءٌ طُولِبَ به أو لم يُطالَبْ به، كما قلنا في وجوبِ زكاةِ الأموالِ، وأنَّ الدَّينَ لا يمنعُها إلّا أن يكونَ حالًا قبلَ وجوبِها فإنّه يؤدّي الدينَ وتسقطُ عنه زكاةُ الفطرِ.
– الشيخ: 
فمعناها أنَّه إذا كان يُطالَب بها، معناه أنّها لم تجبْ عليه، إذا كان يُطالبُ بالدَّينِ صارَ يمنعُ الوجوبَ، وإذا مَنَعَ الوجوبَ مَنَعَ الإخراجَ.

– القارئ: فَيُخْرِجُ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ …
قوله «فيخرجُ عن نفسِهِ، وعن مسلمٍ يمونُه»: أي يخرجُ عن نفسِهِ وجوبًا؛ لقولِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: «فرضَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- زكاةَ الفطرِ على الصغيرِ والكبيرِ، والحرِّ والعبدِ، والذكرِ والأنثى، من المسلمين».
وقولُه «وعن مسلمٍ يمونُه»: أي ينفقُ عليه، مثلُ الزوجةِ والأمِّ والأبِ والابنِ والبنتِ، وما أشبهَهم ممن يُنفقُ عليهم، فيجبُ عليه الإخراجُ عنهم لحديثِ: «أدّوا الفطرةَ عمّنْ تمونون" أي: عمّن تقومون بمؤنتِهم، ولكنَّ هذا الحديثَ ضعيفٌ ومنقطعٌ فلا يصحُّ الاحتجاجُ به. ولأثرِ ابنِ عمرَ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أنَّه كان يُخرجُ عن نفسِه وعن أهلِ بيتِه، حتى إنّه يُخرجُ عن نافعٍ مولاهُ، وعن أبنائِه، ولكنَّ هذا الأثرَ لا يدلُّ على الوجوبِ.
– الشيخ: 
يعني يصبحُ من نوعِ التبرّعِ، يعني ما تدلُّ على أنّها تجبُ على ابنِ عمرَ لكلّ أفرادِ أسرتِه وعن موالِيه. هذا فعلُ صحابيٍّ يدلُّ على كرمٍ وإحسانٍ، فإذا أخرجَ إنسانٌ عن نفسِهِ وأهلِ بيتِهِ كانَ هذا من حسنِ الخلقِ وحسنِ المعاملةِ.

– القارئ: فالصحيحُ أنَّ زكاةَ الفطرِ واجبةٌ على الإنسانِ بنفسِهِ فتجبُ على الزوجةِ بنفسِها، وعلى الأبِ بنفسِهِ، وعلى الابنةِ بنفسِها وهكذا، ولا تجبُ على الشخصِ عمّن يمونُه من زوجةٍ وأقاربٍ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: «فرضَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- زكاةَ الفطرِ صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ على الذكرِ والأنثى، والحرِّ والعبدِ، والكبيرِ والصغيرِ من المسلمين».
– الشيخ: 
هذه المسألةُ تحتاجُ إلى مزيدِ بحثٍ، وهي أنَّها تجبُ على كلِّ واحدٍ من هؤلاءِ الأشخاصِ بنفسِه، فيه تأمّلٌّ اختيارُ الشيخِ. والعملُ الآن جارٍ على المذهبِ وهو الموافقُ لفعلِ ابنِ عمرَ، فالمسألةُ تحتاجُ إلى مزيدِ عنايةٍ لترجيحِ هذا الرأي. إذا أخذنا بالظّاهرِ "فرضَ رسولُ اللهِ" فكلمةُ فرضَ فيها بحثٌ، لأنّها تأتي بمعنى فرضِ الوجوبِ، وتأتي بمعنى التّقديرِ، ويكونُ الوجوبُ مُستفادٌ من قولِه: "على الذَّكَرِ" فعلى: هي التي تفيدُ الوجوبَ، فإذا قلنا على الصغيرِ، والصغيرُ لا يملكُ مالًا، فما هو الدّليلُ على أنَّ الأبَ هو الذي يُخرجُ، فمعناه أنّكَ ما تُخرجُ عن الصغيرِ.

– القارئ: هناك تعليقٌ للشيخِ البليهيّ على هذهِ المسألةِ.
قولُه "تجبُ على كلِّ مسلمٍ": وهو قولُ الأئمةِ الثلاثةِ لحديثِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما: "فرضَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- زكاةَ الفطرِ من رمضانَ صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ على العبدِ والحرِّ، والذّكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين" رواه الجماعة.
وأخرجَ البيهقيُّ عن عبدِ اللهِ المُزنيّ عن أبيه عن جدّهِ أنَّ رسولَ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- سُئلَ عن قولِه تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15] قال: هي زكاةُ الفطرِ.
وقولُه "عن مسلمٍ يمونُه": خلافًا لهم، فعندَ الثلاثةِ لا تجبُ، ودليلُنا ما رُويَ عن عبدِ اللهِ ابنِ عمر قال: "أمرَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بصدقةِ الفطرِ عن الصغيرِ والكبيرِ والحرِّ والعبدِ ممن تمونون" رواهُ الدارقطنيُّ والبيهقيُّ، وقال عليٌّ رضي اللهُ عنه: "من جَرَتْ عليه نفقتُكَ فأطعمْ عنه نصفَ صاعٍ من بُرٍ أو صاعًا من تمرٍ" رواه البيهقي. والذي رجّحهُ في المغني والشرحِ أنّها لا تجبُ، فعلى المقدَّمِ في المذهبِ إذا تبرعَ شخصٌ بنفقةِ من لا تلزمُه نفقتُه وجبتْ عليه فطرتُه.


 
الأسئلة:
س1: نحنُ شركاءُ في مكتبٍ هندسيٍّ، فنرسمُ المخططاتِ ونحسبُ تكاليفَ المشاريعِ، ونأخذُ أجرةً على هذه الخدمات كيف نزكّي بالتفصيلِ؟
ج: إذا اجتمعَ عندكم مالٌ وحالَ عليه الحولُ فزكّوا، وإذا كان دخلُكم من هذا يأتي متقطعًا ويشقُّ ضَبِطُ كلَّ مبلغٍ، فالطريقةُ التي ينصحُ بها أهلُ العلمِ أنَّ من دخلُهُ تأتي متفرقةً ومتقطعةً ولا يقدرُ أن يضبطَ لها حولًا فإنّه يعيّنُ يومًا أو شهرًا من السنةِ وينظرُ في محصولِه وموجودِه فيزكّيه. مثلًا: اليومَ عندكَ من مجموعِ الإراداتِ والدّخلِ عندكَ عشرةُ آلافٍ تزكّي عشرةَ ألافٍ إلى العامِ القادمِ بمثلِ هذا اليومِ تنظرُ في موجوداتِك تجدُها خمسةَ عشرَ ألفًا فإنّكَ تزكّي خمسةَ عشرَ ألفًا، تجدُها خمسةً تزكّي خمسةً، وهذا يأتي لك على المتقدّمِ والمتأخّرِ.
…………………………………….
س2: تُخرَجُ زكاةُ الفطرِ في بلادِنا أوّلَ الشهرِ ونصفَه وآخرَه، وذلك تَبعًا للمذهبِ الذي يتّبعُه البلدُ، فهل نتّبعُ المذهبَ السائدَ في البلدِ أم نُخرجُها قبلَ يومين على مذهبِ الإمامِ أحمدَ وهو مذهبُنا في البلدةِ؟
ج: لا بأسَ، الناسُ بحسبِ من قلّدوه، لكن من عَلِمَ أنَّ منهجَ السلفِ أنّهم لم يكونوا يُخرجوَنها إلّا آخرَ الشهرِ فينبغي عليه أن يفعلَ ما كان يفعلُه الصّحابةُ، أمّا عامَّةُ النّاسِ فإنّهم معذورون، ومن أخرجَها بناءً على الفتوى السائرةِ عندهم والسائدةِ فلا حرجَ عليه.
…………………………………….
س3: الجمعياتُ الخيريةُ التي تجمعُ زكاةَ الفطرِ، ثمّ يُوزّعونها بعدَ الصلاةِ ما الحكمُ في ذلك؟
ج: هذا غلطٌ، إلّا أن يكونَ عندهم تفويضٌ من الفقراءِ، ويقبضون لكلِّ واحدٍ القدرَ المخصّصَ له. أمّا أنّهم يقبضونَها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين ثمّ يُوزّعونها بعدَ الصلاةِ فهذا غلطٌ منهم، وتأخيرٌ لزكاةِ الفطرِ عن وقتِها. لكن إذا كان عندَهم فقراءُ وأخذوا منهم تفويضًا وإذنًا أن يقبضوا عنهم زكاةَ الفطرِ فلا بأسَ، فيكونُ نيابةً ولو لم يؤدّوها إلّا بعدَ يومين أيضًا، لأنّهم عندهم وكالةٌ، فيقبضونَها من المتصدّقينَ بالوكالةِ.
…………………………………….
س4: إخراجُ زكاةِ الفطرِ، هل تجبُ أن تكونَ من قوتِ البلدِ، وإذا لم يتوفّر شيءٌ من هذا القوتِ مثلُ الآن ما يحدثُ في بلادِ الشامِ، فهل يجوزُ أن تُخرجَ زكاةُ الفطرِ نقدًا؟
ج: إذا لم يتيسّر إخراجُها من الأقواتِ والأطعمةِ، فتُخرجُ نقدًا، وهذا قد قال به بعضُ أهلِ العلمِ، لكنَّ الأصلَ أنّها تُخرجُ طعامًا وقوتًا من غالبِ قوتِ البلدِ.
…………………………………….
س5: من مكروهاتِ الصلاةِ مدافعةُ الأخبثينِ، والسؤالُ أنّي أطيُل المكثَ في دوراتِ المياهِ أكرمَكمُ اللهُ كوني حديثَ عهدٍ بعمليةٍ جراحيةٍ في المستقيمِ، فأقضي الحاجةَ بصعوبةٍ وبطءٍ وأوصاني الطبيبُ بعدَه مباشرةً بالجلوسِ في المغطس المائيِّ الدّافئ، فما الحكمُ إنْ خشيتُ طلوعَ الفجرِ والحالُ هذه؟
ج: قد يقصدُ طلوعَ الشمسِ، لأنّ طلوعَ الفجرِ لا يؤثّرُ، ويصلّي على حسبِ حالِه، وبالنسبةِ لمدافعةِ الأخبثينِ فإذا كان الأمرُ يقتضي جلوسَكَ فأنت مريضٌ ومعذورٌ، إجمالًا أقولُ أنّكَ معذورٌ، لكنَّ سؤالَك يحتاجُ إلى توضيحٍ.
…………………………………….
س6: هل الميّتُ يعلمُ بزائِره، قبلَ شروقِ الشمسِ من يومِ الجمعةِ؟
ج: يُقالُ، لكن لا أعلمُ فيه دليلًا صحيحًا.
…………………………………….
س7: من صلّى خلفَ إمامٍ يُطيلُ السكوتَ في الصلاةِ الجهريّةِ قبلَ الفاتحةِ، هل له أن يقرأَ الفاتحةَ، وهل تجزئُه؟
ج: نعم له أن يقرأَ الفاتحةَ، لكن يكونُ سرًا حتى لا يشوّشَ على الآخرينَ، وتجزئُهُ.
…………………………………….
س8: من نواقضِ الإسلامِ تحليلُ ما حرّمَ اللهُ، إذا كان المسلمُ يملكُ تجارةً فيها موظفين، ويصدرُ قانونًا يسمحُ به ببيعِ الخمرَ، فهل يقعُ ناقضٌ الإسلامِ على صاحبِ التجارةِ؟
ج: الذي يأذنُ بشربِ الخمرِ كالذي يشربُ الخمرَ، وليس بواضحٍ أنّه يستحلُّ بيعَ الخمرِ، هذا يبيعُه بمقتَضى الشّهوةِ وحبّ المالِ.
…………………………………….
س9: الرجلُ أحيانًا يقولُ الأذكارَ ويصيبُه مرضٌ أو ما يضرُّهُ فما السببُ؟
ج: لا يلزمُ من إتيانِ الإنسانِ للأذكارِ أن يكونَ معصومًا ومؤمّنًا لا يصيبُه شيءٌ، لا، فلا يعترضْ على شرعِ اللهِ وعلى ما وردَ في فضلِ الأذكارِ، ويتهمَ. بل عليه أن يتّهمَ نفسَه، يمكن أن يكونَ ذكرُهُ للأذكارِ لم تكن على الوجهِ التامِّ، لأنَّ الناسَ فيما يأتونَه من الأذكارِ لهم أحوالٌ وبينهم تفاوتٌ عظيمٌ، والنّتائجُ من الأجورِ الآجلةِ والعاجلةِ مرتّبةٌ على الأحوالِ الكاملةِ، ومن نقصَ نُقِصَ. فأحسنِ الظنَّ باللهِ وحافظْ على الأذكارِ وعليك أن تصبرَ.           
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله