بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الزكاة)
– الدّرس العاشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلَّم على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ الله تعالى:
فصلٌ [في قدرِ الواجبِ ونوعِه ومستحقِّهِ وما يتعلّقُ بذلك]
– الشيخ: هذه جملةٌ من الأحكامِ المتعلّقةِ بصدقةِ الفطرِ، المقدارُ والنوعُ والمستحِقُّ، وهذه أحكامٌ معتبرةٌ في كلِّ ما فَرَضَ اللهُ من الصّدقاتِ: مقدارُ الواجبِ، المستحَقُّ، والأحكامُ كثيرةٌ كالوقتِ والمكانِ، جملةٌ من الأحكامِ، لكن هنا ذكرَ أنَّه سيذكرُ في الفصلِ مقدارَ الواجبِ والمستحِقَّ.
– القارئ: (ويجبُ صاعٌ من: بُرٍّ، أو شَعيرٍ، أو دَقيقِهِما، أو سَويقِهِما، أو تمرٍ، أو زبيبٍ، أو أقطٍ)
– الشيخ: ذكرَ في هذهِ الجملةِ مقدارَ الواجبِ وهو صاعٌ، وتقدَّمَ أنَّها تجُب على من فَضَلَ له صاعٌ عن قوتِه وقوتِ عيالِه يومَه وليلتَه. فمقدارُ الواجبِ قد سَبَقَ ذكرُه وبيانُه: "فَرَضَ رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- زكاةَ الفطرِ، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ…" فيجبُ على المكلَّفِ أن يُخرجَ صاعًا. قال المصنّفُ من هذه الأنواعِ: "من بُرٍّ أو شعيرٍ أو دقيقِهما أو سَويقهِما أو تمرٍ أو زبيبٍ أو أقطٍ" وهذه الخمسةُ وردت في حديثِ أبي سعيدٍ: "كنّا نُخرجُها على عهدِ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- صاعًا من طعامٍ أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من بُرٍّ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من أقطٍ" فهذا المعنى مأخوذٌ من هذا الحديثِ، فتضمّنَ الحديثُ مقدارَ ما يجبُ إخراجُه وذِكْرُ الأنواعِ.
يقولُ المصنّفُ: "من بُرٍّ، أو شعيرٍ أو دقيقِهما": وهو الطحين، "أو سَويقِهِما": هو دّقيقٌ أيضًا. لكن الدّقيقُ إذا لم يُخلطْ معه شيءٌ فهو طحينٌ، أمّا إذا خُلِطَ بالماءِ مثلًا أصبحَ عجينًا، لكن هناك طريقةٌ ثانيةٌ: وهي السّويق: وهي أنْ يُخلَطَ دقيقُ البُرِّ والشّعيرِ، وأكثرُ ما يكونُ السّويقُ منهما. الشّعيرُ دقيقُه لا يلتصقُ كثيرًا، ليس كالبُرِّ، لكن ما يُرادُ بالسَّويقِ هو أن يُحمصَ على النارِ وهو أخضرُ وبعدَها يُطحَنُ، ثمَّ يُوضَعُ معه ما يُحلّيهِ من تمرٍ أو سكّرٍ ويُسمى هذا سويقًا، وهذا كان مشهورًا في عهدِ النبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ-، وأدركنا النّاسَ وهم يصنعون السَّويقَ ولعلَّ بعضَ الناسِ يصنعونَه الآن، وهو نوعٌ لذيذٌ من الطّعامِ، وهو محلّى. وليس المرادُ من السَّويقِ أنْ يكونَ مُحلَّى، المرادُ منه هو الدَّقيقُ، صاعٌ من دقيقِ البُرِّ، أو صاعٌ من دقيقِ الشعيرِ، أو من سَويقِهِما. لكن يجبُ أنْ يُراعَى أنَّ الدّقيقَ يختلفُ عن الحبِّ في الكيلِ لأنّه ينتشرُ وينتفشُ، فصاعٌ من دقيقِ البرِّ أقلُّ من صاعٍ من الحبِّ، ذكرَ الشيخُ عندكم أنَّه ينقصُ السُّدسُ، إذًا لابدَّ من مراعاةِ الوزنِ.
"أو تمرٍ أو زبيبٍ": التمرُ كان معروفًا أنَّه من المكيلِ، وكذلك الزبيبُ، ولا يكونُ كذلك إلّا أن يكونَ يابسًا يُبسًا مُناسبًا يقبلُ الكيلَ، ولذلك جاءَ في بابِ الربا: كيلًا بكيلٍ، "البرُّ بالبرِّ والتمرُ بالتمرِ، والشعيرُ بالشعيرِ مِثلًا بمثلٍ، سواءً بسواءٍ" فالتمرُ مكيلٌ، والزبيبُ كذلك مكيلٌ.
"أو أقطٍ": الأقطُ معروفٌ، وهو لبنٌ يُجفّفُ بطريقةِ الطبخِ، ثمَّ يُصّيرُ قِطعًا، ويباعُ في مواسمِ الربيعِ، والمعروفُ لا يُعرَّفُ.
– القارئ: (فإن عُدِمَ الخمسةُ: أجزأَ كُلُّ حَبٍّ وثَمَرٍ يُقتاتُ لا معيبٍ، ولا خبزٍ)
– الشيخ: فإن عُدِمَتْ الخمسةُ المذكورةُ، أجزأَ إخراجُ كلِّ حبٍّ وثمرٍ يُقتاتُ، يعني يُتخذُ قوتًا، فالمدارُ أن يكونَ قوتًا، ولهذا قالوا يُخرجُ من غالبِ قوتِ البلدِ، والآن هذا هو التطبيقُ العمليُّ الغالبُ في الناسِ أنَّهم لا يُخرجونَ تمرًا ولا يُخرجونَ الزبيبَ، وإنّما يُخرجونَ من القوتِ السّائدِ وهو الرزُّ.
"لا معيبٍ": وهذا شرطٌ، لا يكونَ معيبًا بأن يكونَ مسوّسًا أو أصابَه البللُ، فالبللُ يُعتبرُ عيبًا في البيعِ، وكذلك في إخراجِ الصّدقةِ. إذًا: يُشترطُ أن يكونَ سليمًا غيرَ معيبٍ، والمعيبُ لا يجوزُ القصدُ إليه فإنَّ اللهَ تعالى يقوُلُ: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة:267]
"ولا خبزٍ": يقولُ: الخبزُ لا يُخرجُ؛ لأنّه لا يساوي الحبوبَ، فإنَّ الحبوبَ قابلةٌ للادّخارِ، أمّا الخبزُ فإنَّه يَيْبَسُ ويفسدُ، أمّا الحبوبُ فإنَّ من شأنِها البقاءُ. ومِنَ الملاحظِ أنَّه لم يقلْ ممّا يُقْتَاتُ ويُدَّخرُ، كأنَّ هذا الادّخارَ في الآخرِ، ولهذا قال: "لا معيبٍ ولا خبزٍ".
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «ولا خبزٍ»: أي ولا يجزئُ الخبزُ في زكاةِ الفطرِ؛ لأنَّه لا يُكالُ ولا يُقتاتُ مع أنّه إذا يُبِّسَ يمكنُ أن يُكالَ ويُقتاتَ، لكن يُقالُ: إنَّ العلّةَ في عدمِ إجزائِه أنَّ النارَ أثّرتْ عليه وغيّرتْهُ. والصّحيحُ في الخبزِ أنَّه إذا كان قوتًا، بأن يُيَبَّسَ وينتفعَ الناسُ به، فلا بأسَ بإخراجِه، أمّا إذا كان رطبًا فلا يصلحُ أن يُقتاتَ، ولكن يَرِدُ علينا سؤالٌ وهو: هل تُجزئُ المكرونةُ في زكاةِ الفطرِ؟ الجوابُ: من قال إنَّ الخبزَ يجزئُ فالمكرونةُ عند صاحبِ هذا الرأيِ تُجزئُ أيضًا.
ومن قال: لا يُجزئُ الخبزُ؛ لأنَّ الخبزَ أثّرتْ عليه النّارُ، فإنَّ المكرونةَ إذا أثّرتْ عليها النارُ في تصنيعها فإنّها لا تُجزُئُ كذلك، ولو أنَّ إلحاقَ المكرونةِ بالخبزِ من كلِّ وجهٍ فيه نظرٌ، ولهذا نرى أنَّ إخراجَ المكرونةِ يُجزئُ ما دامتْ قوتًا للناسِ، ليست كالخبزِ من كلِّ وجهٍ، وتُعتبرُ بالكيلِ إذا كانت صغيرةً مثلَ الأرزِّ، أمّا إذا كانت كبيرةً فتُعتبرُ بالوزنِ. والصّحيحُ أنَّ كلَّ ما كان قوتًا من حبٍّ وثمرٍ ولحمٍ ونحوهِا فهو مجزئٌ سواءٌ عَدِمَ الخمسةَ، أو لم يَعْدمها لحديثِ أبي سعيدٍ: «وكان طعامُنا يومئذٍ الشعيرُ والتمرُ والزبيبُ والأقط».
– الشيخ: الماكرونةُ قوتٌ الآن، أصبحتْ مثل الرزِّ. الذي أعرفُه: "كنّا نخرجُها" ولكن "كان طعامُنا": لا أذكرُ الّلفظَ إلّا في حديثِ بابِ الرّبا، حديثِ معمرِ بن عبدِ الله، لكنْ أنا أريدُ توثيقَ هذا الّلفظِ: "وكان طعامُنا يومئذٍ: التمرَ والشعيرَ والزبيبَ والأقطَ".
– مداخلة: في البخاريِّ: "كنَّا نُخرجُ في عهدِ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- يومَ الفطرِ صاعًا من طعامٍ، وقال أبو سعيدٍ: وكان طعامُنا الشعيرَ والزبيبَ والأقطَ والتمرَ".
– الشيخ: أحسنت، جزاكم اللهُ خيرًا.
– مداخلة: في الروايةِ المعروفةِ: "صاعًا من طعامٍ" الطعامُ إذا أُطلقْ يُرادُ به البُرُّ؟
– الشيخ: مُحتمَلٌ وهي ليست نصًا، فالطعامُ كلمةٌ عامةٌ.
– القارئ: (ويجوزُ: أنْ يُعْطِيَ الجماعةَ ما يلزمُ الواحدَ، وعَكسُهُ)
– الشيخ: واحدٌ معه صاعٌ فقط، فيجوزُ أنْ يَقْسِمَهُ بين اثنينِ من الفقراءِ أو ثلاثةٍ أو أربعةٍ فيُعطي لكلِّ واحدٍ مُدًا، ويجوزُ العكسُ بأن يكونَ هناك اثنان معهم صاعان يدفعونَها لواحدٍ، فيجوزُ أن يُعطيَ الجماعةَ ما يلزمُ الواحدَ ويجوزُ العكسُ، لأنَّ زكاةَ الفطرِ المقدّرُ فيها هو المدفوعُ، ولم يُقدَّرْ من يُدفَعُ إليه، وذكرَ لكم الشيخُ تنوّعَ الأحكامِ في هذا الجانبِ، تنوّعَ الأحكامِ في مسألةِ التّقديرِ المُخرَج وتقديرِ المُخرَجِ إليه والمدفوعِ إليه.
فعندنا كفارةُ اليمينِ مُقدّرٌ فيها المُستحِقُّ: عشرةُ مساكين، وأمّا الواجبُ فغيرُ مقدَّرٍ لكن مذكور نوعه: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89]، فيُقدَّرُ بالعُرفِ، فيُعطَى ما يكونُ وجبةً إمّا يابسٍ كنصفِ صاعٍ، وإمّا جاهزٌ مطبوخٌ عشاءٌ أو غداءٌ، لأنَّه غيرُ مقدَّرٍ، المقدَّرُ هو العددُ فقط وهو عشرةٌ. وكذلك كفّارةُ الظّهارِ، قال تعالى: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:4]، فبيّن العددَ المستحِقَّ، ولم يقدِّرْ الواجبَ، وهذا نظيرٌ لكفارةِ اليمينِ. فالأحكامُ متنوعةٌ، تارةً يقدّرُ من الجانبين، وتارةً لا يقدّرُ مطلقًا، وتارةً يقدّرُ أحدُ الجانبين إمّا الواجبُ أو المستحِقُّ، ففي فديةِ الأذى قال اللهُ تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، فالآيةُ مجملةٌ، لكنَّ الرّسولَ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- قال لكعبِ بن عُجرة: "أنسكْ شاةً أو أطعمْ ستةَ مساكينَ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ" فقدَّرَ المُخرجَ والمستحِقَّ، فالواجبُ في فديةِ الأذى ثلاثةُ أصواعٍ بين ستةِ مساكينَ.
– مداخلة: في الشرحِ لم يذكرْ المستحقّ، وذَكَرهُ في العنوانِ؟
– الشيخ: المستحِقُّ أساسًا هو الفقيرُ، هذا تحديدُ الوصفِ، صفةُ المستحِقِّ هو الفقرُ، وأمّا من حيثُ الكمِّ فهو غيرُ مُعيّنٍ، بل يجوزُ أن يعطيَ الجماعةَ ما يلزمُ الواحدَ، ويعطي الواحدَ ما يلزمُ الجماعةَ.
– مداخلة: أكياسُ الرزِّ تأتي مغلقةً والعيبُ قد يكونُ موجودًا؟
– الشيخ: إذا كان هناك رِيبةً فيجبُ الكشفُ.
– مداخلة: الآن هناك كثيرٌ من الناسِ يكونُ قوتُهم من الرزِّ الجيدِ، فيُخرجُ من غيرِه ممّا هو أرخصُ أو أقلُّ درجةً؟
– الشيخ: هذا نوعٌ من التّقصيرِ، والنفوسُ في البذلِ تتفاوتُ فيها السّخاءُ وفيها الجودُ وفيها الضَعْفُ.
– القارئ: [بابُ إخراجِ الزكاةِ]
(يجبُ على الفورِ مع إمكانِه، إلا لضررٍ)
– الشيخ: يعني بابُ حكمِ إخراجِ الزكاةِ، فإنَّه يجبُ إخراجُها، وهذا الحكمُ مستفادٌ من فرضِ اللهِ، والأدلّةُ عليه هي أدلةُ وجوبِ الزكاةِ من الكتابِ والسنّةِ، لكن هو لا يريدُ بيانَ حكمِ الإخراجِ، مجردَ حكمِ الإخراجِ، بل يريدُ النصَّ على الفوريةِ، يجبُ إخراجُها على الفورِ، يعني على إثرِ وجوبِها دونَ تأخيرٍ، فالذي يقابلُ الفورَ هو التأخيرُ.
فإخراجُ الزكاةِ واجبٌ على الفورِ، وهذه مسألةٌ أصوليةٌ معروفةٌ، الأمرُ هل هو على الفورِ أم على التّراخي؟ هناك قولان، والصّحيحُ أنَّ الأمرَ للفورِ وعلى الفورِ، لا يجوزُ التأخيرُ إلّا بدليلٍ، فالأمرُ لا يُحمَلُ على التراخي والتوسعةِ إلّا بدليلٍ، ولهذا قال العلماءُ: إنَّ الحجَّ يجبُ على الفورِ على من توفرت فيه شروطُ الوجوبِ، لأنَّ اللهَ أمرَ به وأمرَ به الرّسولُ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ-، فلا يجوزُ التأخيرُ إلّا لعذرٍ.
فهكذا إخراجُ الزكاةِ، يقولُ المصنفُ: "يجبُ على الفورِ مع إمكانِه" يعني مع القدرةِ، أمّا إذا تعذّر لسببٍ من الأسبابِ ككونِ المالِ غائبًا بعيدًا عنه فإنَّه يجبُ عليه أن يسعى في إخراجِه بحسبِ القدرةِ، يعني إمّا بنفسِهِ بحيثُ يصلُ إلى المالِ، أو بوكيلٍ يفوّضُ إليه إخراجَ الزكاةِ. فيجبُ إخراجُ الزكاةِ على الفورِ مع إمكانِه، والشريعةُ مبنيّةٌ على التّيسيرِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
"إلّا لضررٍ": يعني إذا كان إخراجُها يؤدّي إلى ضررٍ، يُعرِّضُ نفسَه لخطرٍ، لو أخرجَ الزكاةَ وحولَه لصوصٌ يمكنُ أن يسرقوها أو أن يعتدوا على مالِه. فقولُه: "إلّا لضررٍ": وكأنَّه تقييدٌ لقولِه "على الفورِ" مع إمكانِه بلا ضررٍ، إذا أمكنَ إخراجُها على الفورِ بلا ضررٍ فهو الواجبُ، أمَّا إن كان إخراجُها على الفورِ يؤدّي إلى ضررٍ فإنّه يباحُ له الانتظارُ حتى يزولَ العذرُ ويزولَ الخطرُ.
– مداخلة: هناك بعضُ النّسخِ فيها: "إلّا لضرورةٍ" كما في نسخةِ ابن قاسمٍ، وفي الممتعِ: "إلّا لضررٍ"؟
– الشيخ: يبدو لي الآن أنَّ هناك تلازمٌ، إذا كان ضررٌ فإنَّه مضطرٌ إلى التأخيرِ، إذا كان ضررٌ فالتأخيرُ ضرورةٌ، إذا كان في ضرورةٍ وخطرٍ فالتأخيرُ ضرورةٌ، فهو مضطرٌّ للتأخيرِ لحصولِ الضررِ. ربّما الضرورةُ في غيرِ هذا المقامِ تكونُ أعمَّ، مثلًا الأكلُ من الميتةِ إنّما يُباحُ الأكلُ من الميتةِ للمضطرِّ يعني عند الضّرورةِ، يعني عندما يضطرُّ، فعدمُ الأكلِ يستلزمُ ضررًا وهو الهلاكُ، فبيَن الضرورةِ والضّررِ تلازمٌ في هذا المقامِ خاصةً، وقد تكونُ الضرورةُ أعمَّ، لكنَّ الباديَ لي الآن أنّهما متلازمان.
– القارئ: (فإنْ منعَها: جَحْدًا لوجوبِها، كفرَ عارفٌ بالحكمِ، وأُخذتْ، وقُتِلَ)
– الشيخ: فإنْ منعها جَحدًا يعني حالَ كونِه جاحدًا، فجحدًا مصدرٌ بمعنى الحالِ. منعها جاحدًا لوجوبِها، أو منعَها بسببِ أنَّه جاحدٌ، والأظهرُ أنَّها حالٌ، إعرابُ جحدًا: مفعولٌ لأجلهِ، أي من أجلِ الجحدِ، يعني الذي حَمَلَهُ على المنعِ هو الجحدُ، يعني من أجلِ جحدِه لوجوبِها مَنَعَ الزكاةَ.
"كَفَرَ عارفٌ بالحكمِ": خَرَجَ بالعارفِ الجاهلُ، فمن جَحَدَ وجوبَها وهو عارفٌ بالحكمِ الشرعيِّ فإنّه يصيرُ كافرًا لأنّه مكذّبٌ لأمرِ اللهِ ورسولِه. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، فهي إحدى فرائضِ الإسلامِ "بُني الإسلامُ على خمسٍ: إقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ…" فمن جَحَدَ وجوبَها وهو عارفٌ بحكمِها في الإسلامِ فإنّه يكونُ كافرًا، وخَرَجَ به الجاهلُ، فمن كان جاهلًا بوجوبِها لسببٍ من الأسبابِ كالذي يعيشُ في مكانٍ ليس فيه من الشعائرُ ما هو ظاهرٌ، فإذا جاءَ مثلًا إلى هذهِ البلادِ وطلبنا منه الزكاةَ فقال: أنا ليس عليَّ زكاةٌ، فإنّه يُعرَّفُ، فإذا عُرّفَ وأُقيمت عليه الحجّةُ وامتنعَ لَزِمَهُ حكمُ الجَحْدِ.
"وأُخذت منه وقُتلَ": تُؤخذُ منه لأنّها حقٌّ لمستحقّيها، فتُؤخذُ منه كما يُؤخذُ الدَّينُ لمستحقّيهِ. ويُقتَلُ لردّتِه وجحدِهِ، وبعدَ قتلِهِ يُعامَلُ معاملةَ الكافرِ فلا يُغسّلُ ولا يُصلّى عليه ولا يُدفنُ في مقابرِ المسلمين، إذًا هذا بيانٌ للحكمِ، أمّا مسألةُ الاستتابة فهذا حكمٌ فرعيٌّ من توابعِ هذا الحكمِ. والمرتدُّ الواجبُ أنَّه يُستتابُ وفي هذا أقوالٌ لأهلِ العلمِ: منهم من يقولُ أنّه يُستتابُ، ومنهم من يقولُ أنّه لا يُستتابُ، ومنهم من يُفرّقُ، والأظهرُ هو التّفصيلُ، ويُرجَعُ في هذا إلى اجتهادِ الحاكمِ.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وَأُخِذَتْ منه وقُتِلَ …
قوله: «وأُخذَتْ منه وقُتِلَ»: أي من مَنَعَ الزكاةَ جحدًا لوجوبِها فإنَّها تُؤخَذُ منه، وتُعطَى لأهلِها، ويُقتلُ لردّتِه. وهنا يَرِدُ سؤالٌ وهو كيفَ تُؤخذُ منه، وقد حكمنا بكفرِه، وهي لا تقبلُ منه؛ لقولِ اللهِ تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ [التوبة:54]، وأيضًا هل يكونُ مالُه لبيتِ المالِ؟
الجوابُ: تُؤخذُ منه؛ لأنّها وجبتْ عليه، وتَعَلّقَ بها حقُّ الغيرِ، وهم أهلُ الزكاةِ. ولا تدخلُ الزكاةُ بيتَ المالِ؛ لأنَّ الأخصَّ وهو مالُ الزكاةِ، لا يدخلُ في الأعمِّ وهو بيتُ المالِ؛ لأنّها ربّما تُصرَفُ في المصالحِ العامّةِ مثلِ: بناءِ المساجدِ، وإصلاحِ الطُّرقِ، وهذا لا يصحُّ أن تُصرَفَ الزكاةُ فيه، ويكونُ باقي مالِه في بيتِ المالِ؛ لأنَّ المرتدَّ لا يُورَثُ.
– الشيخ:
أليس الرّسولُ يبعثُ العمّالَ المصدّقينَ لأخذِ الزكاةِ، فقولُ الشيخِ أنّها لا تدخلُ في بيتِ المالِ: أي العامِّ التي تُصرَفُ محتوياتُه ومدّخراتُه في المصالحِ العامّةِ، لكنَّ بيتَ المالِ بمعناه الواسعِ، من مواردِه الزكاةُ، لكن يجبُ إذا قَبَضَهَا الإمامُ أن تصرَفَ الزكاةُ في مصارِفِها، ولا يصرفِ الزكاةَ في المصالحِ العامّةِ كبناءِ المساجدِ والقناطرِ، لكن هي من مواردِ بيتِ المالِ. فالشيخُ أرادَ الاحترازَ أنّها لا تدخلُ في بيتِ المالِ الذي يُصرَفُ في المصالحِ العامّةِ، لكنّها تدخلُ في بيتِ المالِ لتصرفَ في مصارفِها وتوضعَ في مواضِعها، ولهذا الآن الزكاةُ تُقبضُ من الناسِ، ومن قبلُ كان الرّسولُ يبعثُ السُّعاةَ ويجبونَ المالَ ويعهدُ إليهم ربّما فرّقوها في محالّها وربّما أَتَوا بشيءٍ منها، ولهذا كانت إبلُ الصّدقةِ عند الرسولِ.
– القارئ: قولُه: «وقُتِلَ»: أي قتلَ لردّتِه فلا يُصلَّى عليه، وإذا تابَ قُبلتْ توبتُه ولم يُقتَل، ودليلُ ذلك قولُ النبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ-: «من بدَّلَ دينَه فاقتلوه» وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنّه يُقتلُ ولا يُستتابُ، وهذا الظاهرُ قد يكونُ مرادًا، وقد يكون غيرَ مرادٍ، وأنَّ المرادَ بيانُ الحكمِ بقطعِ النّظرِ عن شروطِه.
واختلفَ العلماءُ هل كل كفرٍ يُستتابُ منه أم لا؟ وهل الاستتابةُ واجبةٌ أو راجعةٌ للإمامِ؟ والصّوابُ أنّها ليست واجبةً، وأنَّها راجعةٌ للإمامِ، ووجودُ مصلحةٍ في استتابتِه، ككونِ المرتدِّ زعيمًا في قومِه ولو أنّه عادَ إلى الإسلامِ لنفعَ اللهُ به؛ فهذا يجبُ أن يستتيبَه الإمامُ، ولو رأى الإمامُ أنَّ قتلَه خيرٌ من بقائِه لنفسِه ولغيرِه لأنَّ طولَ عمرِ الكافرِ زيادةٌ في إثمِهِ، قال اللهُ تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران:178]؛ فهذا لا يحتاجُ إلى استتابتِه؛ بل يقتُلُه بدونِها.
والقولُ الراجحُ أنَّ التوبةَ مقبولةٌ من كلِّ ذنبٍ حتى من سبَّ اللهَ ورسولَه -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ-، ولكن من سبَّ الرّسولَ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- تُقبَلُ توبتُه ويُقتلُ، ومن سبَّ اللهَ تقبلُ توبتُه لو تابَ ولا يُقتلُ؛ لأنَّ حقَّ اللهِ للهِ وقد بيَّنَ سبحانَه أنَّه يغفرُ الذنوبَ جميعًا.
– الشيخ: يعني يغفرُ الذنوبَ جميعًا لمن تابَ، هذه الآيةُ محمولةٌ على حالِ التوبةِ، بخلافِ قولِهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] فتلك في حقِّ غيرِ التائبِ، وبهذا يحصلُ الجمعُ بين الآيتين.
– مداخلة: إذا تكرَّرَ منه سبُّ اللهِ وفي كلِّ مرّةٍ يقولُ: تبتُ؟
– الشيخ: يظهرُ أنَّه لا تُقبلُ توبتُه، "لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحرٍ واحدٍ مرّتين".
– القارئ: أمّا سبُّ الرسولِ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- فحقٌّ له، وقَتْلُ السّابِّ حقٌّ لآدميٍّ، ولا ندري هل يعفو الرّسولُ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- عمّن سبَّه أم لا؟ ولكن إذا تابَ وقتلناهُ فإنَّه يغسلُ، ويكفّنُ، ويُصلّى عليه، ويُدعَى له بالمغفرةِ، ويُدفنُ في مقابرِ المسلمينَ؛ لأنَّ قتلَه حصلَ به أداءُ الحقِّ إلى أهلِهِ وقد تابَ إلى اللهِ.
– القارئ: (أو بُخْلًا: أُخِذَتْ منه، وعُزِّرَ)
– الشيخ:
إذا منعَها بُخلًا بالمالِ ولم يُنكِرْ وجوبَها لكنّه صارَ يتصدّدُ ويماطلُ، فإنّها تؤخذُ منه قسرًا، ويعزّرُ على منعِها وذلك بالتأديبِ عقوبةً له. والظّاهرُ أنّه يُعزّرُ حتى تؤخذَ منه، أو يُعزّرُ بعدَ أخذِها منه تأديبًا له على ما حَصَلَ منه من الممانعةِ والمماطلةِ في بذلِها، وقد يكونُ التعزيرُ بالسّجنِ وقد يكونُ بعقوبةٍ ماليةٍ كما جاءَ في حديثِ: "فإنّا آخذوها وشطرَ مالِه".
– القارئ: (وتجبُ في: مالِ صبيّ، ومجنونٍ، فيُخْرِجُهَا وليُّهُما)
– الشيخ: يقولُ المصنّفُ: "وتجبُ في مالِ الصبيِّ والمجنونِ": وهما غيرُ مكلّفان، وإلى هذا ذهبَ جمهورُ العلماءِ، وذهبَ آخرون إلى أنَّها لا تجبُ في مالِ المجنونِ ولا الصبيّ لعدمِ التّكليفِ وهي عبادةٌ وهما ليسا من أهلِ العبادةِ، لأنَّ العبادةَ من شرطِها النيةُ ولا تتأتّى منهما، فهذه شبهةُ من قال: أنّها لا تُؤخذُ، فكما أنَّه لا تُشترطُ عليهم الصلاةُ فكذلك الزكاةُ، والزكاةُ والصلاةُ قرينتان في الكتابِ والسنّةِ. ولكنَّ الجمهورَ أخذوا بالأدلّةِ العامّةِ: "تُؤخَذُ من أغنيائِهم فتردُّ في فقرائِهم" وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]
فالصبيُّ والمجنونُ داخلٌ في العمومِ. لكن هذه يمكنُ أن يستدلَّ بها من قال: أنَّها لا تجبُ؛ لأنَّ الصبيَّ والمجنونَ ليس عليهما ذنوبٌ يتطهّرون منها، وكان النبيُّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- يبعثُ العمالَ لجبايةِ الزكاةِ من المواشي والزروعِ ولم يسألوا هل هذا المالُ لصبيٍّ أو مجنونٍ، مثل ما تقدَّمَ في مسألةِ الدَّينِ وأنَّ هذا من أدلَّةِ وجوبِ الزكاةِ حتى من عليه دَينٌ ولا سيّما في الأموالِ الظاهرةِ.
"فيُخْرِجُهَا وليُّهُما": يُخرجُ زكاةَ الصبيّ والمجنونِ وليُّهما كما يُنفقُ عليهما من مالِهما، فإنَّه يُؤدّي عنهما الزكاةَ لأنَّه المسؤولُ عن مالِهما فيما يجبُ لهما أو ما يجبُ عليهما.
– القارئ: (ولا يجوزُ إخراجُها إلا بنيةٍ، والأفضلُ أن يُفَرّقَها بنفسِه)
– الشيخ: لا يجوزُ إخراجُها إلّا بنيةٍ لعمومِ قولِه -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ-: "إنّما الأعمالُ بالنيّات" فلو أخرجَ الإنسانُ مبلغًا من المالِ مساعدةً للفقراءِ فإنَّه لا يجوزُ أن يحتسبها زكاةً لأنَّه أخرجَها لا على أنَّها زكاةٌ بل أخرجَها على أنَّها صدقةُ تطوّعٍ. فلابدَّ من النيةِ من أنَّه يخرجُ المالَ بنيّةِ الزكاةِ المفروضةِ، فحكمُها في هذا كالصلاةِ، فصلاةُ ركعتين تطوّعًا لا تُجزئُ عن صلاةِ الفجرِ.
"والأفضلُ أن يُفَرّقَها بنفسِه": الأفضلُ أن يباشرَ هو بنفسِهِ في إخراجِ الزكاةِ، لأنَّ هذا أبلغَ في التعبدِ للهِ، لكن مع الأموالِ الكثيرةِ فإنّه لا يستطيعُ أن يخرجَها بنفسِهِ، بل يعتمدُ في إخراجِها على عمّالِه وكتّابِه ووكلائِه، أمَّا إذا كان المالُ قليلًا فإنَّ الأفضلَ أنْ يتولّى هو إخراجَ الزكاةِ بنفسِه فإنَّ ذلك أبلغُ في العبادةِ، ومن المعلومِ أنَّ النبيّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- كما في الأضاحي كان هو الذي يتولّى الذبحَ بنفسِه.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتع:
وَتَجِبُ فِي مَالِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ….
قولُه: «وتجبُ في مالِ صبيّ ومجنونٍ»: تجبُ: الضميرُ يعودُ على الزكاةِ. وقولُه: «في مالِ صبيّ ومجنونٍ»: سبقتِ الإشارةُ إليه حيثُ ذكرنا في شروطِ وجوبِ الزكاةِ الإسلامَ، ولم نشترطْ البلوغَ والعقلَ، وذلك لأنّها واجبةٌ في المالِ. فهي من جهةِ كونِها عبادةً تكليفيةً يُرجّحُ فيها جانبُ السقوطِ، ولذلك قال بعضُ العلماءِ: إنّها لا تجبُ في مالِ الصبيّ والمجنونِ؛ لأنّهما غيرُ مكلّفين، وقد قال النبيُّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ-: «رُفعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: الصبيُّ حتى يبلغَ، والمجنونُ حتى يفيقَ…».
ولكنَّ القولَ الصحيحَ والراجحَ أنّها واجبةٌ في المالِ، وأنَّها تجبُ في مالِ الصبيّ والمجنونِ، كما يجبُ عليهما ضمانُ ما أتلفاهُ؛ لأنَّه حقُّ آدميٍّ، ولو أفسدا عبادةً فإنّه لا يجبُ عليهما شيءٌ؛ لأنَّها حقُّ اللهِ تعالى. والزكاةُ فيها شائبةٌ كونها تجبُ لحقِّ الآدميّ لقولِه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60]، وفيها أيضًا شائبةٌ أنّها تجبُ في المالِ؛ لقولِه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، وقولِه تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج]، وقولِ النبيّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- لمعاذٍ رضي الله ُعنه: «أعلمهمْ أنَّ اللهَ افترضَ عليهم صدقةً في أموالِهم».
– الشيخ: كونُها للفقراءِ، وكونُها متعلّقةٌ بالمالِ يُرجَّحُ قولُ الجمهورِ: أنّها تجبُ في مالِ الصبيّ والمجنونِ.
– القارئ: قولُه: «ولا يجوزُ إخراجُها إلّا بنيةٍ» أي: ولا يُجزئُ إخراجُ الزكاةِ إلّا بنيةٍ ممن تجبُ عليه، والدّليلُ على ذلك أثريٌّ ونظريٌّ. أمَّا الأثرُ: فقولُه تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الروم:39]، وقولُ النبيِّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ-: «إنّما الأعمالُ بالنياتِ، وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى».
– الشيخ: النيّةُ تشملُ دائمًا في العباداتِ أمرين: نيّةُ العملِ: فلا يُجزئُ العملُ الخالي عن النيّةِ، ونيّةُ المعمولِ له: وهو الذي يُعبّرُ عنه بالإخلاصِ، فلابدَّ في إخراجِ الزكاةِ من مراعاةِ هذينِ الأمرينِ مثل سائرِ العباداتِ.
– القارئ: وأمَّا النّظرُ؛ فلأنَّ إخراجَ المالِ يكونُ للزكاةِ الواجبةِ، والصّدقةِ المستحبّةِ، ويكونُ هديةً، ويكونُ ضمانًا لمتلفٍ، ولا يُحدِّدُ نوعُ الإخراجِ إلّا النيّةُ؛ فلابدَّ من النيةِ عند إخراجِ الزكاةِ، فينوي إخراجَها من مالِه المعيّنِ، فإذا كانت عروضَ تجارةٍ نواهَا عروضَ تجارةٍ، وإن كانت نقديةً نواها نقديةً، وهكذا. وبناءً على هذا لو أخرجَ رجلٌ الزكاةَ عن آخرَ بدون توكيلٍ فإنّها لا تُجزئُ؛ لعدمِ وجودِ النيّةِ ممن تجبُ عليه. وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنّها لا تُجزئُ، وإن ْأجازَ ذلك من تجبُ عليه الزكاةُ وهذا هو القولُ الأوّلُ، ودليلُه أنَّ النيّةَ إنّما تكونُ ممن خُوطِبَ بها، والدّافعُ قبل أن يُوَكَّلَ ليس أصلًا ولا فرعًا، ولذلك فإنّها لا تُجزئُ؛ لأنَّ النيّةَ لابدَّ أن تُقارِنَ الفعلَ.
– مداخلة: …
– الشيخ: كلُّ المساهمين ملزَمين، بإلزامِ الشركةِ يكونُ كلُّ المساهمينَ ملزَمين، وتُجزئُ عنهم إن شاءَ اللهُ، لكن ينبغي لهم أن تطيبَ نفوسُهم.
– القارئ: والقولُ الثاني: أنَّه إذا أجازَ ذلك من تجبُ عليه الزكاةُ، فإنّها تُجزئُ، ودليلُه أنَّ النبيَّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- أجازَ لأبي هريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ الدفعَ لمن جاءَ إليه، وقال: إنّه فقيرٌ، مع أنَّ أبا هريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ كان وكيلًا في الحفظِ فقط، وليس في الإعطاءِ، فأجازَه النبيُّ -صلّى اللهُ عليه وسلّمَ- ؛ ولأنَّ منعَ التصرّفِ لحقِّ الغيرِ فإذا أجازَه ورضيَ فما المانعُ من قبولِه لكن تبقى مشكلةُ النيّةِ، فيُقالُ: بأنَّ النائبَ قد نوى، وهذا النائبُ لو أَذِنَ له المالكُ قبلَ التصرّفِ صحَّ، فكذا إذا أَذِنَ له بعدَ التصرّفِ كان صحيحًا، وهذا هو الأقربُ، ولكنَّ القولَ الأوَّلَ هو الأحوطُ. وإنّما نصَّ المصنّفُ على النيةِ لئلّا يقولَ قائلٌ: إنّها كالدَّينِ لا تجبُ النيةُ فيه، فلو كان عليك دينٌ لإنسانٍ عشرةَ دراهم، ثمَّ أعطيتَه الدّراهمَ ولم تنوِ شيئًا كان وفاءً.
مسألةٌ: هل يُشترطُ التعيينُ، أي: عن المالِ الفلاني؟ مثالُ ذلك عندي ألفُ درهمٍ، ومائةُ دينارٍ، وعروضُ تجارةٍ، فأخرجتُ عشرةَ دراهمَ بنيّةِ الزكاةِ، ولم أُعيّْن، ومثاٌل آخرُ: عندي خمسٌ من الإبلِ، وأربعون شاةً فأخرجتُ شاةً بنيّةِ الزكاةِ، ولم أنوها للإبلِ أو الغنمِ، فالفقهاءُ قالوا بالإجزاءِ، مع أنّهم يقولون: تَجبُ في عينِ المالِ، لكن لها تعلّقٌ بالذمّةِ.
مسألةٌ: لو قالَ قائلٌ: إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، وإذا دفعَها شخصٌ عن آخرَ ليرجعَ بها لم تُؤخذِ الزكاةُ من مالِ صاحبِها؟ فالجوابُ: أن يقالَ: إنَّ المقصودَ إخراجُ ما يجبُ، وأمّا قولَه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً، فهو لبيانِ أنَّ الزكاةَ فيما يملكُه الإنسانُ.
– مداخلة: ….
– الشيخ: تمسّكوا بقولِ أنَّه بعدَ وفاةِ الرّسولِ لا تجبُ عليهم، لأنَّ اللهَ تعالى قال: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، فعلّلوا بهذا، ومنعوها وقاتلوا، ولم يجحدوا أصلَ وجوبِها لكن لعلَّهم تأوّلوا.
– مداخلة: ….
– الشيخ: يعني هذا وكأنَّه يرجعُ إلى قولِ من يقولُ: إنَّهم لم يكفروا، لكنّهم قُوتلوا لمنعهم الزكاةَ.
الأسئلة:
س1: يُرجى بيانُ نصابِ الزكاةِ ومقدارِها، وذلك بالنسبةِ للعملةِ السعوديةِ؟
ج: سبقَ البيانُ بأنَّ نصابَ الفضّةِ ستمائةٍ وثلاثينَ غرامًا، والذهبِ تسعينَ غرامًا، فتعادلُ بحسبِ قيمةِ غرامِ الذّهبِ أو الفضةِ، فإذا قدّرنا أنَّ الغرامَ من الفضةِ يساوي ريالين أو ثلاثَ ريالٍ، فاضربْ ثلاثَ ريالٍ بستِّمائةٍ وثلاثينَ فتبلغُ ما يقربُ ألفًا وتسعمائةٍ.
……………………………………
س2: يركّز بعضُ الدّعاةِ على جانبِ الرجاءِ، ولا يكادُ يذكرون جانبَ الخوفِ، فما هي النّصيحةُ؟
ج: ينبغي عليهم أن ينهجوا منهجَ القرآنِ، واللهُ يقرنُ بين الوعدِ والوعيدِ في آياتٍ متصلةٍ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ*إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:6-7]، اقرأ هذا في القرآنِ تجدهُ كذلك، وهو الجمعُ بين الترغيبِ والترهيبِ وبين الوعدِ والوعيدِ، وهذا مطّردٌ بالقرآن.
بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:81-82] فينبغي توجيهَ الناسِ بالترغيبِ والترهيبِ، لكن تختلفُ، من استولى على قلبِه الخوفُ فتذكّرُه بالوعدِ والبشائرِ وتهوّنُ عليه الأمرَ، والإنسانُ المسرفُ على نفسِهِ فإنّكَ تَذْكرُه بما يناسبُه من نصوصِ الوعيد.
……………………………………
س3: يعملُ معنا شخصٌ من أهلِ البدعِ، ويُصرّحُ أنَّه من طائفةٍ معلومٌ عنها الشركُ بالله ومنابذتُهم لأهلِ السنّةِ، كما صرّح أنّه يُقلّدُ بعضَ كبرائِهم، هل يجوزُ لي أن أهجرَه وأتركَ الكلامَ معه، وما هو موقفي ممن يتكلّمُ معه من أهلِ السنّةِ؟
ج: إذا كان يتبجّحُ بمذهبِه ويُظهرُه ويلمزُ بأهلِ السنّةِ فاهجُرهُ ولا تُسلّم عليه، أمّا إذا كان صامتًا ولا يتكلمُ عن مذهبِهِ ولا شيوخِهِ ولا يمسُّ أهلَ السنّةِ بشيءٍ فعاملوهُ بالمسالمةِ والمتاركةِ، ولا تتخذَهُ صديقًا لك، وكن ناصحًا لمن يتكلّمُ معه وأرشدْهم إلى الطريقِ الأمثلِ.
……………………………………
س4: رجلٌ فرنسيٌّ يحفظُ القرآنَ، ويريدُ الهجرةَ وطلبَ العلمِ في السعوديةِ، هل يجوزُ لي أن أُعينَه للحصولِ على إقامةٍ في ذلك؟
ج: سبحانَ اللهِ! ما دامَ مسلمًا ويحفظُ القرآنَ، إذًا هو رجلٌ صالحٌ، فكيف لا؟! فإذا كانت لديك القدرةُ فأعنْهُ ليهاجرَ إلى بلدٍ إسلامي.
……………………………………
س5: أخي محكومٌ عليه بالقصاصِ، وله اثنا عشرةَ سنةٍ في السجنِ، هل يجوزُ الحجُّ والعمرةُ عنه؟ وهل إذا ساهمَ بمالِه لتحججِّ غيرِه يكونُ له مثلُ أجرِهم؟ ونسألكم والحاضرين أن تدعوا أن يسخّر قلوبَهم للعفوِ عنه.
ج: نسأل اللهَ أن يجعلَ له مخرجًا إن كان تائبًا ونادمًا، بالنسبةِ للحجِّ والعمرِ فإنَّه يحتاجُ إلى تأمّلٍ، ويُعادُ السؤالُ مرةً أخرى إن شاءَ اللهُ.