الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الزكاة من زاد المستقنع/كتاب الزكاة (12) “باب أهل الزكاة” قوله الرابع: المؤلفة قلوبهم ممن يرجى إسلامه

كتاب الزكاة (12) “باب أهل الزكاة” قوله الرابع: المؤلفة قلوبهم ممن يرجى إسلامه

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الزكاة)
– الدّرس الثّاني عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلّمَ على نبيّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أمّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
(الرابعُ: المؤلفةُ قلوبُهم: ممنْ يُرجَىَ إسلامهُ، أو كفُّ شَرِّهِ، أو يُرجى بعطيتِه قوةُ إيمانِه)

– الشيخ: الرابعُ من أصنافِ أهلِ الزكاةِ هم المؤلَّفةُ قلوبُهم، والمؤلَّفةُ: جمعُ مؤلَّف: وهو اسمُ مفعولٍ يرفعُ نائبَ فاعلٍ، قلوبُهم: نائبُ فاعلٍ. والمؤلّفةُ قلوبُهم: المعروفُ أنَّ المرادَ بهم الساداتُ ورؤساءُ العشائرِ الذينِ يُرجى بإعطائِهم من الزكاةِ أن يُسلموا، ومتى يُرجَى ذلك؟ عندَ وجودِ القرائنَ التي تدلًّ على أنَّه عندهم ميلٌ إلى الإسلامِ، وعندها نُعطيهم رجاءَ استمالةِ قلوبِهم. والمالُ محبّبٌ للنّفوسِ ومُليّنٌ للطباعِ، يُرجَى بعطيّتِهِ إسلامُه أو كفُّ شرّهِ إذا خُشِيَ منه أو من أتباعِه التّسلطُ، فيُعطَى كفًّا لشرِّهِ، وهذا جارٍ؛ فكثيرٌ من الأشرارِ إن أُعطي انقطعَ لسانُه وانكفَّ شرُّهُ، أو تقويةُ إسلامِه إذا كان مسلمًا.
فالفقراءُ والمساكينُ يُعطونَ لحاجتِهم، والعاملونَ عليها يُعطونَ لعملِهم، والمؤلّفةُ قلوبُهم يُعطونَ لحاجتِنا إليهم أن يدخلوا في دينِ اللهِ، وإن كان من يُسلمُ منهم أنَّ منفعةَ إسلامِه تعودُ إليه. والمؤلّفةُ قلوبُهم يُعطونَ من الزكاةِ ويُعطونَ من الخُمسِ كما أعطى النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- المؤلّفةَ قلوبهم من غنائمِ غزوةِ حُنينٍ، وهذا أفضلُ ما يُنفقُ فيه المالُ، لأنَّه إن كان للإسلامِ فهذا أعظمُ مطلبٍ لأنّه الغايةُ من إرسالِ الرّسلِ وإنزالِ الكتبِ، فالقصدُ منه هدايةُ الخلقِ.
وقلتُ: أنَّ المعروفَ من عملِ الرسولِ والصحابةِ وكلامِ أهلِ العلمِ أنَّ المؤلفةَ قلوبهم يختصُّ بالساداتِ الذين إن أُعطوا حصلت بذلك مصلحةٌ عامةٌ ومنفعةٌ كبيرةٌ فيُسلِمُ ويُسلمُ أتباعُه، أو ينكفُّ شرّهُ وشرُّ من ورائِه.
– مداخلة: أو يُرجَى بعطيّتِه قوةُ إيمانِه يعني للمسلمِ؟
– الشيخ: نعم، فكما أنَّ المالَ يكونُ سببًا في إسلامِه فإنَّه سببٌ في استقرارِه.

– القارئ: (الخامسُ: الرقابُ: وهمْ المكاتَبونَ، ويُفَكُّ منها: الأسيرُ المسلمُ)
– الشيخ: هذا هو النوعُ الخامسُ من أصنافِ أهلِ الزكاةِ، ويُلاحظُ سبحانَ اللهِ أنّه اختلفَ سياقُ لفظِ الآيةِ ففي الأوّلِ كانت الإضافةُ إليهم بالّلام: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، ثمَّ قال: وَفِي الرِّقَابِ ولم يقلْ: وللرّقاب. قال: "وهم المكاتَبون" والمُكاتَبُ: من اشترى نفسَه من سيّدِهِ بمالٍ، فيُعطَى ما يقضي به دَينَه وهو دَينُ الكتابةِ فيتحرّرُ بذلك، ويفكُّ رقبتَه، وقال العلماءُ: وَفِي الرِّقَابِ لا يُعطونَ للتّمليكِ، بل يُعطونَ لسدِّ ما عليهم ولقضاءِ الدَّين الذي عليهم، قال اللهُ: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [ النور:33]
قال: "ويفكُّ منها الأسيرُ المسلمُ": ولا ريبّ أنَّ فكَّ الأسيرِ المسلمِ من أعظمِ المطالبِ وأعظمِ الواجباتِ على المسلمينَ، فإنّه يُفدَى من الزكاةِ، وإذا كان المكاتَبُ يُعطَى لتحريرِه فكيفَ بالمسلمِ الذي بيدِ العدوِّ وينالُ ما ينالُه من الأذى والظلمِ والذلِّ، ففي إعطائِه إعتاقٌ له، وهو أعظمُ من عتقِ الرّقيقِ. ويمكنُ بهذا الإطلاقِ أن يُشترى بالزكاةِ مماليكُ ويعتَقون، ولكن ليس للسيّدِ أنْ يُعتِقَ عبدَه ويحتسبَ ذلك من الزكاةِ، لأنَّه يعودُ إليه من ذلك العتقِ، لكن يشتري مملوكًا ويعتقُه، ولمن يكونُ ولائُه؟ يكونُ للمسلمين.
– مداخلة: قالَ في الحاشيةِ: قال مالكٌ: يجبُ على الناسِ افتداءُ أسرَاهم وإن استغرقَ ذلك أموالَهم، وحكاهُ غيرُ واحدٍ من الجماعةِ؟
– الشيخ: عظيمٌ، يعني هذا معناه لو غالَى العدوُّ في فدائِه فإنَّ افتداءَه من أعظمِ الواجباتِ.
– مداخلة: كأنّه حصرَ الرِّقابَ بالمكاتبين، والرّقابُ: تشملُ العبيدَ كلَّهم المكاتبين وغيرَ المكاتبين.
– الشيخ: واللهِ عبارتُه ضيّقةٌ، قال: "وهم المكاتَبون" فحصرَ في الرّقابِ، والآيةُ فيها إجمالٌ يعني عمومٌ في عتقِ الرّقابِ.
– مداخلة: العمالُ الذين يأتونَ من الخارجِ للعملِ، يُعتبرونَ من المؤلّفةِ؟
– الشيخ: هذا محلُّ اجتهادٍ.

– القارئ: (السادسُ: الغارِمُ: لإصلاحِ ذاتِ البينِ: ولو مع غنىً، أو لنفسِه مع الفقرِ)
– الشيخ: 
قال اللهُ تعالى: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60] والغارمُ: هو المدينُ الذي عليه الدَّينُ، فالدّينُ يُسمى غُرمًا ومغرمًا، كما قال النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "نعوذُ بك من المأثمِ والمغرمِ" والدّائنُ يُسمّى غَريمًا، والمدينُ غارمٌ. والغارمُ: هو الذي تَحمَّلَ حَمَالةً لإصلاحِ ذاتِ البينِ، يعني تحمّلَ دينًا لإصلاحِ ذاتِ البينِ، كأن يكون بين طائفتين شِقاقٌ فيتدخّلُ بعضُ المحسنينَ بالإصلاحِ بينهم ولا يتأتّى له ذلك إلّا بتحمّلِ مالٍ يعطيهِ لأحدِ الطرفين أو لكلٍّ منهما على أن يَصطلحا ويكفَّ بعضُهم عن بعضٍ.
فالمصلحُ يُعطَى من الزكاةِ ما يُقضَى به هذا الدّينُ تشجيعًا على مثلِ هذا العملِ، هذا من الإعانةِ على الخيرِ، وهذا يدلُّ على أنَّ من مقاصدِ الإسلامِ الصلحُ وإزالةُ الشرِّ الذي يكونُ بين النَّاسِ، لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10] فيُعطَى  ولو كان غنيًا، ولو كان قادرًا على أن يُنهيَ ذلك من مالِه. وشَرَطَ بعضُهم أنَّه إنّما يُعَطى إذا لم يقضي، أمّا إذا أدّى ما عليه فإنّه لا يُعطَى لأنَّه صارَ بذلك غيرَ غارمٍ، وجاءَ في حديثِ قبيصةَ: "أنَّه ممّا يبيحُ المسألةَ أن يتحمّلَ الرجلُ حمالةً فلهُ أن يسألَ فيها حتى يصيبَها ثمّ يُمسكُ" يعني له أن يسألَ من يُعينُه ويساعدُهُ على هذه الحمالةِ، مما يدلُّ على عِظمِ شأنِ الصلحِ، فإنّه يُعطى مع غِناه.
قوله "ولو": على حسب المصطلح الفقهي عندهم كأنَّ فيه إشارةٌ إلى أنَّه لا يُعطَى إن كان غنيًا، والصحيحُ أنَّه يُعطَى، ولهذا أشارَ إلى الخلافِ، وأختارَ المؤلّفُ ولو كان مع الغنى. 
– مداخلة: في الروضِ قال: "ولو مع غنى إن لم يدفعْ من مالِه" وما هو الرّاجحُ …؟
– الشيخ: هذا نبّه عليه الشيخُ محمّدٌ عندكم وهو حسنٌ، لأنَّه أدّى ما عليه بناءً على أنَّ له حقّ في الزكاةِ، ونوى الرجوعَ واستعجلَ من أجلِ سرعةِ حلِّ الإشكالِ، وبادرَ وقضى من مالِه بنيّةِ الرجوعِ على أهلِ الزكاةِ، فهذا له وجهٌ حسنٌ، لأنَّه حينئذٍ دخلَ في هذا وأدّى ما عليه بناءً على أنَّ له حقّ في الزكاةِ، لكنّه بادرَ حتى لا يتأخّرَ تحقيقُ الصلحِ حتى يجمعَ من الزكاة.
"أو لنفسِهِ مع الفقرِ": يعني غرمَ بنفسِهِ، يعني تديّنَ وتحمَّلَ مالًا لنفسِه مع الفقرِ، بمعنى أنَّه لا يستطيعُ إيفاءَ الدَّينِ، تحمّلَ ديونًا للإنفاقِ على نفسِهِ، أو ديونًا وقعت عليه بسببِ أنَّه مارسَ تجارةً ثمَّ انكسرتِ التجارةُ وتحمّلَ هذه الديونَ، ولكنّه الآن فقيرٌ. فالذي عليه الدّيونُ إنّما يقضى دينه من الأموالِ التي عنده، فإذا نفدت الأموالُ التي عنده وعليه دينٌ فإنَّه يُعانُ من الزكاةِ.

– القارئ: (السابعُ: في سبيلِ اللهِ، وهمُ الغزاةُ المتطوعةُ أي لا دِيَوانَ لهم)
– الشيخ: 
هذا هو المشهورُ في تفسيرِ الآيةِ، يعني الجهادُ في سبيلِ اللهِ. وهذه الجملةُ تقتضي أنَّ من مصارفِ الزكاةِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ، أي يُشترى من الزكاةِ الأسلحةُ والمراكبُ، ويُعطَى الغزاةُ المتطوعةُ، فقولُ المؤلفِ: "وهم الغزاة" كأنّه جعلَهُ مثلَ قولِه: "وهم المكاتبون" يعني كأنَّ المرادَ بقولِه: "في سبيلِ اللهِ": خصوصًا الغزاةُ. والواقعُ أن ما يُعطاهُ الغزاةُ يعني هو من جملةِ ما في سبيلِ اللهِ، فيُعطون ما ينفقونَ على أنفسِهم وما يشترون به السلاحَ، وكلَّ ما يلزمُ في الجهادِ. وأظنُّ من المتأخّرينَ من ذهبَ إلى أنَّ هذا عامٌ، فكلُّ ما هو قربةٌ، وكلُّ ما هو مصرفٌ من مصارفِ الخيرِ فهو في سبيلِ اللهِ، ولكنَّ هذا ليسَ بظاهرٍ، فالمشهورُ والمأثورُ هو ما كان للجهادِ في سبيلِ اللهِ. ويناءً على هذا فلا تُصرفُ الزكاةُ في بناءِ المساجدِ والرُبُطِ وبناءِ القناطرِ، ولا تُشترى بها الكتبُ وتُطبعُ، فالزكاةُ محصورةٌ في الجهادِ في سبيلِ اللهِ.
– مداخلة: المجاهدونَ هل يُعطونَ ما يُعينُهم على الجهادِ أم يُعطونَ زيادةً؟
– الشيخ: يُعطونَ ما يُجاهدونَ به. يقولُ: "الغزاةُ المتطوعةُ": وهم الذين لا ديوانَ لهم، يعني ليسوا الجنودَ، لأنَّ الجنودَ اليومَ لهم مرتّباتٌ فإنَّهم َمكفيّونَ من المالِ العامِّ، لكنَّ ما يقبضُه وليُّ الأمرِ من الزكاةِ، كما يُعطِي منه العمّالَ على الزكاةِ، الذي يظهرُ أنَّه يمكنُ أن يجعلَ فيها بندًا للمجاهدينَ في سبيلِ اللهِ. والزكاةُ الآنَ فيما أظنُّ محصورةٌ على ما يسمّونَه الضمانُ الاجتماعي، يعني ميزانيّةُ الضمانِ الاجتماعيّ من الزكاةِ وهذا حسنٌ.
– مداخلة: بالنّسبةِ للدّعاةِ ومدرسي القرآنَ هل يُعطونَ؟
– الشيخ: يُعطونَ لفقرِهم، إذا كان متفرغًا لتعليمِ القرآنِ الكريمِ فإنّه يُعطَى لفقرِه.

– القارئ: (الثامنُ: ابنُ السبيلِ، المسافرُ المنقطعُ بهِ)
– الشيخ: "ابنُ السبيلِ": قالوا: نُسبَ للسبيلِ وهو الطّريقُ الذي انقطعَ المسافرُ به، سافرَ وكان معه مالًا وأُخذَ أو نَفِدَ ما معه وانقطعَ، فيُعطى من الزكاةِ ما يبلّغُه، يعني يرجعُ أم يذهبُ ويكملُ حاجَتَه، وإن كان غنيًا في بلدِه، يعني منقطعًا الآنَ وليس معه مالٌ ليرجعَ إلى بلدِه ويقضي بها حاجتَه، مثلًا لو كان حاجًّا ونَفَدَ ما معه، فإنَّه يُعطَى ما يبلّغُه إلى حجّهِ ويرجعُ به، لكن إذا كان مسافرًا في مهمةٍ تجاريةٍ فالظاهرُ أنَّه يُعطَى ما يرجعُ به إلى وطنِهِ.
 – مداخلة: يعني يكونُ ابنُ السبيلِ محصورًا بالعبادةِ؟
– الشيخ: لا.

القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
السَّابِعُ: فِي سَبِيلِ اللهِ، وَهُمُ الغُزَاةُ المُتَطَوِّعَةُ الَّذِينَ لاَ دِيوَانَ لَهُمْ.
قوله: «السابع: في سبيلِ اللهِ»: السّبيلُ هي الطّريقُ، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي [يوسف:108] وقال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] وسبيلُ اللهِ في القرآنِ تُطلَقُ على معنيين: الأوّلُ: معنىً عام: وهو كلُّ طريقٍ يُوصلُ إلى اللهِ، فيشملُ كلَّ الأعمالِ الصالحةِ كقولِه تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:261]

– الشيخ: هذه الآيةُ تحتملُ المعنى العام والخاص.
– القارئ: وكقولِه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] أي: دينِه.
– الشيخ: 
أما هذهِ فليس فيها شكٌّ أنَّه يُرادُ بها المعنى العامُّ وهو دينُ اللهِ.
 
– القارئ: الثاني: خصوص الجهادِ، وهذا مثلُ قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا … وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] والسبيلُ أضيفت إلى اللهِ وإلى المؤمنينَ، فقال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115] وقال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلى قولِه: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] الآية، فكيفَ التوفيقُ بين الإضافتين؟ الجوابُ على ذلك: أنَّ معنى إضافتِه إلى اللهِ أنَّه مُوصِلٌ إلى اللهِ، فمن سلكَ هذا السبيلَ أوصلَهُ إلى اللهِ؛ ولأنَّ اللهَ هو الذي وضعهُ لعبادِه، فهو منه ابتداءً وإليه انتهاءً، أمّا إضافتُه إلى المؤمنين؛ فلأنَّه طريقُهم الذي يسلكونَه، فبذلك يتبيّنُ أنَّه لا تنافيَ بين الإضافتين.
– الشيخ: يلاحظُ على الظّاهرِ أنَّ السّبيلَ أُضيفَ إلى اللهِ كما ذكرَ الشيخُ، وإلى المؤمنينَ، وإلى الرّسولِ: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي [يوسف:108] وكذلك الصراطُ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] وكذلك قوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] فالصراطُ كذلك السبيلُ جاءَ مضافًا إلى اللهِ ومضافًا إلى سالكيهِ من النبيّينَ والصدّيقينَ والصالحينَ، وهل جاءَ مضافًا إلى الرّسولِ؟ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] هذا وإن لم يكن صريحًا ولكن فيه معنى الإضافةِ. والصراطُ يُفسَّرُ بالطريقِ، كما أنَّ السبيلَ يُفسَّرُ بالطّريقِ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الأحقاف:30]
 
– القارئ: وهم الغزاةُ المتطوعةُ الذين لا ديوانَ لهم….
قولُه «وهم الغزاة»: جمعُ غازٍ، هذا هو الشرطُ الأوّلُ. قولُه «المتطوعةُ»: بخلافِ غيرِ المتطوعين، هذا هو الشّرطُ الثاني. قوله «الذين لا ديوانَ لهم»: يعني ليس لهم نصيبٌ من بيتِ المالِ على غزوِهم، فهم متبرعونَ، هذا الشرطُ الثالثُ. فهؤلاءِ يكونُ إعطاؤُهم لدفعِ حاجتِهم، وللحاجةِ إليهم، فيعطونَ ما يكفيهم لجهادِهم، هذا معنى قولِه تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فجعلَ المؤلّفُ هذه الظرفيّةَ للمقاتِلِ، لا لنفسِ الطّريقِ، فالآيةُ معناها على كلام ِالمؤلّفِ: «الغازونَ في سبيلِ اللهِ». فخصَّ المؤلفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ «في سبيلِ اللهِ» بالغزاةِ الذين ليس لهم ديوانٌ، أي ليس لهم شيءٌ من بيتِ المالِ يُعطَونَه على غزوهِم وهذا هو المذهبُ، وفي هذا تخصيصٌ للآيةِ من وجوهٍ: الوجهُ الأوّلُ: أنَّه جعلَ في سبيلِ اللهِ الجهادَ فقط. الوجهُ الثاني: أنَّه جعلَه للمجاهدين فقط. الوجهُ الثالثُ: أنَّه جعلَه للمجاهدين المتطوعةِ الذين لا ديوانَ لهم.
فأمّا تخصيصُه بالجهادِ في سبيلِ اللهِ فلا شكَّ فيه، خلافًا لمن قال: إنَّ المرادَ في سبيلِ اللهِ كلُّ عملِ برٍ وخيرٍ، فهو على هذا التفسيرِ: كلُّ ما أُريدَ به وجهُ اللهِ، فيشملُ بناءَ المساجدِ، وإصلاحَ الطّرقِ، وبناءَ المدارسِ، وطبعَ الكتبِ، وغيرَ ذلك مما يُقرّبُ إلى اللهِ ـ عزّ وجلّ ـ؛ لأنَّ ما يُوصِلُ إلى اللهِ من أعمالِ البرِّ لا حَصْرَ له، ولكنَّ هذا القولَ ضعيفٌ؛ لأنّنا لو فسّرنا الآيةَ بهذا المعنى لم يكن للحصرِ فائدةٌ إطلاقًا، والحصرُ هو إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ.. 
[التوبة:60] الآية، وهذا وجهٌ لفظيٌّ.
أمَّا الوجهُ المعنويُّ فلو جعلنا الآيةَ عامةً في كلِّ ما يقرّبُ إلى اللهِ ـ عزَّ وجلَّ ـ لحُرمَ من الزكاةِ من تُيقِّنَ أنَّه من أهلِها؛ لأنَّ الناسَ إذا علموا أنَّ زكاتَهم إذا بُنيَ بها مسجدٌ أجزأتْ بادروا إليه لبقاءِ نفعِه إلى يومِ القيامةِ، فالصّوابُ: أنّها خاصّةٌ بالجهادِ في سبيلِ اللهِ. وأمّا قولُ المؤلّفِ: "إنّهم الغزاةُ" وتخصيصُه بالغزاةِ، ففيه نظرٌ. والصوابُ أنَّه يشملُ الغزاةَ وأسلحتَهم وكلَّ ما يعينُ على الجهادِ في سبيلِ اللهِ حتى الأدلّاَء الذين يدلَونَ على مواقعِ الجهادِ لهم نصيبٌ من الزكاةِ؛ لأنَّ اللهَ قال: فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولم يقل: للمجاهدين، فدلَّ على أنَّ المرادَ كلُّ ما يتعلّقُ بالجهادِ؛ لأنَّ ذلك من الجهادِ في سبيلِ اللهِ.
وهل يجوزُ أن يشترى من الزكاةِ أسلحةً للقتالِ في سبيلِ اللهِ؟ على رأي المؤلّفِ: لا يجوزُ، وإنّما تُعطَى المجاهدَ. وعلى القولِ الصّحيحِ يجوزُ أن يُشتَرى بها أسلحة يقاتلُ بها في سبيلِ اللهِ، لا سيّما وأنَّه معطوفٌ على مجرورٍ بفي الدالةِ على الظرفيةِ دونَ التمليكِ، بل هي نفسُها مجرورةً بفي {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وعلى هذا فيكونُ القولُ الراجحُ أنَّ قولَه: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعمُّ الغزاةَ وما يحتاجونَ إليه من سلاحٍ وغيرِه.
أمّا قولُ المؤلّفِ: «المتطوعةُ الذين لا ديوانَ لهم»: فظاهرُ كلامِه أنَّ من لهم ديوانٌ لا يُعطونَ من الزكاةِ، وهذا حقٌّ إذا كانَ العطاءُ يكفيهم، وأمَّا إذا كان لا يكفيهم فيعطونَ من الزكاةِ ما يكفيهم، بل لو قال قائلٌ: يعطونَ من الزكاةِ مطلقًا لكانَ له وجهٌ، ولكن وجهُ ما قالَه المؤلّفُ أنَّهم إذا كانوا يُعطونَ من مالِ المسلمين على جهادِهم فلا حاجةَ أن نعطيَهم من الزكاةِ؛ لأنّهم مستغنونَ بما يُعطونَ من بيتِ المالِ عن الزكاةِ.

هل يُعطَى من أرادَ الحجَّ من الزكاةِ؟ الجوابُ: المذهبُ جوازُ ذلك ليؤدّيَ فرضَ الحجِّ والعمرةِ لأنَّ الحجَّ والعمرةَ من سبيلِ اللهِ، والقولُ الثاني: يجوزُ في فرضِ الحجِّ والعمرةِ ونفلِهما للعلّةِ السابقةِ، والقولُ الثالثُ: لا يجوزُ وهو مذهبُ الأئمةِ الثلاثةِ لعدمِ وجوبِ الحجِّ في حقِّ الفقيرِ.
– مداخلة: 
الذي يُتاجرُ بالطّعامِ هل يجوزُ أن يُخرجَ من السّلعةِ للمجاهدين؟
– الشيخ: هذا على قولِ من يقولُ: يجوزُ إخراجُ زكاةِ العروضِ من العروضِ، أمّا على المذهبِ فقالوا يجبُ في قيمةِ العروضِ كما تقدّم. والقولُ الثاني قالوا: يجوزُ إخراجُها من نفسِ العروضِ، فمن كانت تجارتُه بالثيابِ يخرجُ من الثيابِ، يعني فقراءُ يحتاجونَ إلى ملابسَ يعطيهم من الملابسِ، تجارتُكَ من الرزِّ تعطيهم من الرزِّ، وهذا جيّدٌ، وأظنّه اختيارُ شيخِ الإسلامِ، لكنّ المهمَّ أن تعطيَه لمن ينتفعُ به. مثلًا: تجارتُك من ملابسِ الرجالِ، تُعطيها للنّساءِ؟ لا، أو من ملابسِ النّساءِ، تُعطيها للرّجالِ؟ لا.
 
– القارئ: الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ المُسَافِرُ المُنْقَطعُ بِهِ.
قولُه «الثامن: ابنُ السبيلِ المسافرُ المنقطعُ به»: السبيلُ: الطّريق، وابنُ السبيلِ أي: المسافرِ، وسُميَ بابنِ السبيلِ لأنّه ملازمٌ للطريقِ، والملازمُ للشيءِ قد يُضافُ إليه بوصفِ البنوّةِ كما يقولون: ابنَ الماءِ لطيرِ الماءِ، فعلى هذا يكونُ المرادُ بابنِ السبيلِ: المسافرُ الملازمُ للسفرِ، والمرادُ: المسافرُ الذي انقطعَ به السفرُ أي نَفَدَتْ نفقتُه، فليسَ معه ما يُوصلُه إلى بلدِه. وابنُ السبيلِ هل يُعطَى لسفرِه، أو يُعطَى لحاجتِه؟ إذا قلتَ لحاجتِه، أَوردَ عليك مُورِدٌ أنّه إذا كان يُعطَى لحاجتِه فهو من الفقراءِ، فيُقالُ: يُعطَى لحاجتِه، ولكنّه ليس شرطًا ألَّا يكونَ عندهُ مالٌ. أمّا الفقيرُ فيُشترطُ ألَّا يكونَ عندهُ مالٌ، ولهذا نقولُ: ابنُ السبيلِ نعطيهِ، ولو كان في بلدِهِ من أغنى الناسِ إذا انقطعَ به السفرُ.
– الشيخ: 
الواقعُ أنَّه يُعطى لحاجتِه وضرورتِه، أو فقرِه العارضِ، هو الآن صفرٌ ليسَ معهُ شيءٌ، ولا نقولُ له تديّن لأنَّ اللهَ جعلَ له حقًا في المالِ.

– القارئ: لأنَّه في هذهِ الحالِ محتاجٌ، ولا يًقالُ: أنت غنيٌّ فاقترضْ، فيُعطَى ما يُوصلُه إلى بلدِه، وهذا يختلفُ فينظرُ إلى حالِه حتى لا تكونَ هناك غضاضةٌ وإهانةٌ له. فإذا كان ممّن تعوّدَ على الدرجةِ الأولى، هل يُعطَى الأولى أو السياحيّة؟ هذا محلُّ تردّدٍ، ويترجّحُ أنَّه يُعطَى ما لا ينقصُ به قدرُه.
– الشيخ: الظاهرُ أنَّه يُعطَى من السياحيّةِ، الدرجةُ الأولى يقصدُها العظماءُ أو الذين يُعظّمونَ أنفسَهم.
 
– القارئ: وظاهرُ كلامِ المؤلّفِ أنَّه لا فرقَ بين كونِ السفرِ طويلًا أو قصيرًا لكونِه أطلقَ، ولم يقل: سفرًا قصيرًا، وظاهرُ كلامِه أيضًا أنَّه لا فرقَ بين المسافرِ سفرًا محرمًا، أو سفرًا غيرَ محرّمٍ لأنّه أطلقَ. أمَّا الأولُ: فنعم، وهو أنَّه لا فرقَ بين السفرِ الطويلِ والقصيرِ، فإنْ قالَ قائلٌ: السفرُ القصيرُ يمكنُ قطعُه على قدميهِ، ويصلُ؟ قلنا: لكنْ قد يكونُ وعِرًا في جبالٍ وأوديةٍ، وقد يكونُ مخوفًا يحتاجُ إلى رفقةٍ، فهو محتاجٌ إلى نفقةٍ توصلُه إلى بلدِه.
وأمّا الثاني فقال بعضُ العلماءِ: إنَّه وإنْ كان سفرُه محرمًا يُعطَى، فالسفرُ تثبتُ به الرّخصُ حتى وإن كان محرمًا، فله القصرُ، وله المسحُ على الخفّين ثلاثة أيامٍ. والمذهبُ وهو أصحُّ أنَّه لا يُعطى من الزكاةِ خصوصًا لقولِه تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
 [المائدة:2] ولذا قال العلماءُ: من سافرَ ليفطرَ حرمَ عليه السفرُ والفطرُ إلّا إذا تابَ، وهو سهلٌ بأن نقولَ له: تبْ إلى اللهِ ونعطيكَ، فيستفيدُ بهذا فائدتين: الأولى: التوبةُ، الثانيةُ: قضاءُ حاجتِه.
وأمّا من سافرَ في مكروهٍ فلا يُعطَى؛ لأنّه إعانةٌ على المكروهِ، أمّا من سافرَ في مباحٍ كالنزهةِ، أو واجبٍ، أو مُستحبٍّ فيُعطَى.
دونَ المُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيُعْطَى مَا يُوصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ….
قولُه «دونَ المنشئِ للسفرِ من بلدِه»: لأنَّ المنشئَ للسفرِ من بلدِه لا يصدقُ عليه أنَّه ابنُ سبيلٍ، فلو قال: إنّي محتاجٌ أن أسافرَ إلى المدينةِ، وليس معه فلوسٌ، فإنّنا لا نعطيهِ بوصفِهِ ابنِ سبيلٍ؛ لأنّه لا يصدقُ عليه أنّه ابنُ سبيلٍ، لكن إذا كان سفرُهُ إلى المدينةِ مُلحًّا كالعلاجِ مثلًا، وليس معه ما يسافرُ به فإنَّه يُعطَى من جهةٍ أخرى وهي الفقرُ.
قولُه «فيُعطى ما يُوصلُه إلى بلدِه»: ظاهرُهُ أنَّه يُعطَى ما يُوصلُه إلى غايةِ سفرِه، ثمّ رجوعِه.
 
القارئُ يقرأُ من الروضِ المربعِ:
(فيُعطى) ابنُ السبيلِ (ما يوصلُه إلى بلدِه) ولو وجدَ مُقرضًا، وإن قصدَ بلدًا واحتاجَ قبلَ وصولِه إليها أُعطيَ ما يصلُ به إلى البلدِ الذي قصدَهُ وما يرجعُ به إلى بلدِهِ، وإنْ فضلَ مع ابنِ سبيلٍ أَو غازٍ أَو غارمٍ أَو مكاتبٍ شيءٌ ردَّهُ، وغيرُهم يتصرّفُ بما شاءَ،

– الشيخ: هذا فيه تأمّلٌ كونَه يُعطَى إلى ما يبلّغه غايتَه، يعني الغايةُ ليست ضروريةً، يعني إعطائُه لبلوغِ البلدِ التي قصدَها يحتاجُ إلى تفصيلٍ، لأنَّ المقصودَ هو رفعُ الضرورةِ التي هو فيها كونَه يرجعُ إلى بلدِه، لكنَّ البلدَ التي قصدَها تختلفُ، كأنْ يذهبَ لزيارةِ قريبٍ مثلًا. هذه تحتاجُ إلى زيادةِ تأمّلٍ وبحثٍ، يعني كأنَّ الأمرَ يحتاجُ إلى زيادةِ تفصيلٍ.

القارئُ يكملُ القراءةَ من الشرحِ الممتعِ:
ظاهرُهُ أنَّه يُعطَى ما يوصلُه إلى غايةِ سفرِهِ ثمَّ رجوعِه، فإذا قدّرنا أنَّ رجلًا يريدُ أن يحجَّ من القصيمِ عن طريقِ المدينةِ وفي المدينةِ ضاعتْ نفقتُه، فيُعطَى ما يُوصلُه إلى غايةِ مقصودِه، ثمّ يرجعُهُ وليس ما يرجعُهُ فقط؛ لأنّه يفوتُ غرضُهُ إذا قلنا: يرجعُ.
– الشيخ: أمّا هذهِ فنعم.
– القارئ: وقولُ المؤلّفِ (فيُعطَى ما يُوصلُه إلى بلدِه): يُفهَمُ منه أنَّه لا يُعطَى أكثر، فإنْ بقيَ شيءٌ من المالِ بعدَ أن وصلَ ردّهُ إلى صاحبِه إنْ كان معلومًا، أو بيتَ المالِ إن كان مجهولًا، إلّا إذا كان ابنُ السبيلِ فقيرًا فيأخذُهُ باعتبارِ الفقرِ، فإذا وصلَ إلى بلدِهِ لا يردُّه؛ لأنَّ الفقراءَ يملكونَ الزكاةَ مُلكًا مُستقرًا.
 
– القارئ: (ومن كانَ ذا عيالٍ: أخذَ ما يكفيهِم)
– الشيخ: 
يعني الزكاةُ ليست خاصةً بالشخصِ الفردِ، بل يُعطَى ما يُنفقُه على نفسِهِ وعلى عيالِهِ وكلِّ من تلزمُهم نفقتُه.
– القارئ: (ويجوزُ صرفُها إلى صِنْفٍ واحدٍ)
– الشيخ: قالَ بعضُ أهلِ العلمِ: يعني لازم تُصرفُ الزكاةُ على الثمانيةِ، وقالَ بعضُهم: أنَّه يجوزُ صرفُها على صنفٍ واحدٍ وهذا هو الصّحيحُ، كما يدلُّ على ذلكَ قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "تؤخَذُ من أغنيائِهم فتردُّ في فقرائِهم" وقولُه تعالى: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ [البقرة:271] وقالَ بعضُهم: لابدَّ من مراعاةِ الجمعِ للفقراءِ، والصّحيحُ أنَّه يُعطَى ولو واحدًا من الفقراءِ، أو واحدًا من المساكينِ، لكن بقدرِ الكفايةِ، فلا يُعطَى أكثرَ من كفايتِهِ.
– القارئ: (ويُسنُّ: إلى أقاربهِ الذينَ لا تلزمُه مؤنَتُهُم)
– الشيخ: يعني يُستَحَبُّ صرفُها إلى الأقاربِ، فإنَّ الصدقةَ على البعيدِ الأجنبيِّ صدقةٌ، وعلى القريبِ صدقةٌ وصِلةٌ، فيجمعُ بين الحُسنيين، أمّا من تلزمُه نفقتُهم فلا يجوزُ أن يعطيَهم من زكاتِه، لأنّه بهذا يقي مالَه ويوفّرُ مالَه على نفسِهِ، فنفقتُهم واجبةٌ عليهِ كوجوبِ قضاءِ الدَّينِ عليه.
– مداخلة: ما ذكرَهُ الشيخُ أنّه إذا أُعطي ابنُ السبيل وفاضَ عن حاجتِه، هل يلزمُه الاقتصادُ قدرَ الإمكان؟
– الشيخ: يُنفقُ النفقةَ المعتادةَ، لا إسرافٌ ولا تقتيرٌ.
– مداخلة:
– الشيخ: أسألُ اللهَ أن يردَّها للحقِّ، ولكن ما هو أعظمُ من هذا هو نشرُ هذا الباطلِ، وهي مفتونةٌ، وللأسفِ ليس هناك رادعٌ، لا من جهةِ السلطةِ ولا من جهةِ الأقاربِ. ولو كان الأمرُ يتعلّقُ بها بأنْ تقومَ بنشرِها على صفحِتها مثلًا، لكنَّ الجريمةَ تكمنُ في أن تقومَ جريدةٌ بنشرِ هذا الباطلِ، فهي جريدةٌ خبيثةٌ ملعونةٌ، وهي جريدةُ الرياضِ، ولسنا مستغربين منهم بل نحنُ متعوّدينَ منهم، وهذا يدلُّ على أنَّ الأمرَ فيه بلاءٌ، فحسبنا اللهُ وحدَه. وكلامُها عن عدّةِ الوفاةِ كفرٌ، فيما بلغني أنّها تسخرُ من كلامِ اللهِ ونسألُ اللهَ الثباتَ، وهي من أسرةٍ أصلُها طيّبٌ، لكنَّ اللهَ يُخرجُ الحيَّ من الميّتِ ويخرجُ الميّتَ من الحيِّ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور:63] قالَ الإمامُ أحمدُ: الفتنةُ الشركُ، لعلّهُ إذا ردَّ بعضَ قولِه أن يصيبَه شيءٌ من الزّيغِ فيهلَك.
 


أسئلة:
س1: هل يَلزَمُ الأخَ الغنيَّ الإنفاقُ على أخيهِ الفقيرِ، أم يعطيَهُ ما يكفيهِ من الزكاةِ؟
ج: لا، يجبُ عليه أنْ يُنفقَ على أخيهِ، خصوصًا إذا كان وارثًا له لقولِه تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]
…………………………………….
س2: لو اقترضَ رجلٌ مبلغًا من المالِ، ودخلَ في تجارةٍ لا يُحسنُها، ثمّ خسرَ، هل يُعطَى من الزكاةِ ليُسدّدَ دَينَه، والحالةُ هذه؟
ج: نعم، يُعطَى إذا خسرتْ تجارتُه وأصبحَ صفرَ اليدينِ.
…………………………………….
س3: هل يُعطَى الصُحفيُّ أو الإعلاميُّ الكافرُ من الزكاةِ لكفِّ شرّهِ، أو ليقولَ كلامًا يُدافَعُ فيه عن الإسلامِ والمسلمين؟
ج: موضعُ اجتهادٍ، ويُنظَرُ فيه إن شاءَ الله.
…………………………………….
س4: هل يُفَكُّ بالزكاةِ المسجونُ عند ظالٍم ظلمًا؟
ج: موضعُ اجتهادٍ.
…………………………………….
س5: هل يُعطَى الغارمُ الذي يستدينُ من غيرِ حاجةٍ؟
ج: ما أظنُّ أنَّه يُعطَى لأنَّ هذا يُعينُه أنْ يستدينَ من غيرِ حاجةٍ، ويعبثُ بالمالِ ويبذّرُ، فلا يُعطَى، وتحمُّلُ الديونِ مكروهٌ، وفي إعطائِهِ إعانةٌ له على أن يستدينَ مرةً أخرى، فلا يُعطَى.
…………………………………….
س6: هل يُشرعُ الإكثارُ من تلاوةِ القرآنِ في شعبان؟
ج: لا، شعبانُ كغيرِه، ليستْ له خصوصيةٌ في تلاوةِ القرآنِ.
…………………………………….
س7: المرأةُ الحاملُ تخافُ على نفسِها وعلى الحملِ في صيامِ رمضانَ، هل لها الفِطرُ في ذلك، وإذا أفطرتْ ماذا عليها؟
ج: عليها القضاءُ فقط.
…………………………………….
س8: عندي قريبٌ مصابٌ بمرضٍ "متلازم الدّاون" إخراجُ الزكاةِ عنه من زكاةِ الفطرِ والزكواتِ الأخرى واجبٌ، أم ليس عليه زكاةٌ؟
ج: يُخرجُها من ينفقُ عليه، كالصبيِّ والمجنونِ، يُخرجُ زكاةَ الفطرِ عنهم، وإن كان عندَهم مالٌ يُخرجُ زكاةَ مالِهم وليُّهم، كما تقدّم أنَّ الزكاةَ تجبُ في مالِ الصبيِّ والمجنونِ وهذا في حكمِهما، أمّا مذهبُ أبي حنيفةَ فإنَّه لا يَرى وجوبَ الزكاةِ على الصبيّ والمجنونِ.
…………………………………….
س9: هل إخراجُ الزكاةِ ودفعُها إلى مسلمينَ لم يحجُّوا جائزٌ، علمًا أنَّ المتبرعينَ حجّوا الفريضةَ، وقالوا: إنَّ إخراجَ الزكاةِ أولى من تكرارِ الحجّ؟
ج: السؤالُ غيرُ واضحٍ.
…………………………………….
س10: الأذكارُ الواردةُ التي تُقالُ بعدَ الصلاةِ كثيرةٌ ومتنوعةٌ، فهل لها ترتيبٌ معيّنٌ، أم التّقديمُ والتأخيرُ …؟
ج: التقديمُ والتأخيرُ إليك، ليس لها ترتيبٌ، اللهمّ إلَّا الاستغفارُ ثلاثًا، وقولُك اللهمّ أنت السلامُ، فإنّه الأوّلُ فقط، أمّا الباقي فليس له ترتيبٌ.
…………………………………….
س11: ماذا يقولُ المصلّي بين الإقامةِ وتكبيرةِ الإحرامِ؟
ج: ليس لها ذكرٌ معروفٌ، إلّا أنّه يجيبُ المؤذّنَ إذا أقامَ.
…………………………………….
س12: هل يُخرجُ الإنسانُ زكاةً على أطفالٍ أيتامٍ أعمارُهم بين الثالثةِ والسادسةِ، وبلغَ على أموالِهم الحولُ؟
ج: وليُّهم يُخرجُ زكاةَ مالِهم إذا وجبتْ فيها الزكاةُ.
…………………………………….
س13: تقولُ: لديَّ ذهبٌ ألبسُهُ وذهبٌ لا ألبسُهُ، هل أزكّي عن كلِّ الذهبِ أم فقط الذي يُستخدمُ؟ وهل تصحُّ الزكاةُ عن الأقاربِ المحتاجين؟
ج: في زكاةِ الحُليّ قولان لأهلِ العلمِ، والمرادُ الحليُّ المُدُّ للاستعمالِ سواءٌ استُعملَ أم لم يُستعملْ. فالذهبُ الذي تذكرينَه كلُّه مما تتعلّقُ به الزكاةُ على الخلافِ، وأنصحُكِ بأنْ تُخرجي الزكاةَ عن الجميعِ الذي تلبسينَهُ أو لا تلبسينَهُ، لأنَّ الآخرَ مُعَدٌّ للاستعمالِ عند الحاجةِ، فلو احتجتِ لُبسَهُ لمناسبةٍ كان ذلك عاديًا، فكلُّه معدٌّ للاستعمالِ، فليسَ من شرطِهِ أن يُستَعمَلَ بالفعلِ، المهمُّ أنَّه مخصوصٌ ومقصودٌ للاستعمالِ، وإذا أخرجتي الزكاةَ فإنَّ أقاربَكِ المحتاجونَ هم الأولى فيها.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله