بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّيام)
– الدّرس: الثّاني
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنِّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
(ويلزمُ الصومُ لكلِّ: مسلمٍ، مكلفٍ، قادرٍ)
– الشيخ: "ويلزمُ الصومُ": يعني صومُ رمضانَ، "ويلزمُ": يعني يجبُ. فيجبُ الصومُ على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ؛ يعني عاقلٍ بالغٍ، إذًا: هذهِ شروطُ وجوبِ الصومِ. والشروطُ تعلمونَ أنَّها أنواعٌ: شروطٌ عامّةٌ وشروطٌ خاصّةٌ، وهذهِ من الشروطِ العامّةِ. فالإسلامُ شرطٌ لوجوبِ الصلاةِ والصيامِ ووجوبِ الزكاةِ، فالإسلامُ شَرَطَ لوجوبِ هذه الفرائضِ، فلا تجبُ الصلاةُ على الكافرِ، ولا يجبُ الصومُ على الكافرِ، بمعنى أنَّه لا يُؤمَرُ به ولا يُطالُبُ به ولا يُؤمرُ به.
فالإسلامُ شَرَطُ وجوبٍ وشرطُ صحّةٍ، فلا يصحُّ من غيرِ المسلمِ، وإن كان مخاطبًا به، ويعاقبُ على تركِه، على حدِّ قولِ اللهِ تعالى عن المجرمين: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر:43-44] والعقلُ والبلوغُ كذلكَ شرطانِ عامّانِ، شرطانِ لوجوبِ الصلاةِ ووجوبِ الصيامِ، وأمَّا الزكاةُ فلعلّه تقدَّمَ لكم أنَّ الزكاةَ تجبُ في مالِ الصبيّ والمجنونِ عندَ جمهورِ العلماءِ.
وقولُه: "قادر": ليسَ بعاجزٍ كالمريضِ، يلزمُ الصومُ كلَّ مسلمٍ مكلّفٍ: أي عاقلٍ وبالغٍ، وقادرٍ: والقدرةُ هي الاستطاعةُ، والاستطاعةُ من الشّروطِ العامّةِ أيضًا، فلا يجبُ الصومُ إلَّا على مستطيعٍ، ولا يجبُ الحجُّ إلَّا على المستطيعِ، فلا واجبَ مع العجزِ. فالاستطاعةُ شرطُ وجوبٍ لجميعِ الواجباتِ لقولِه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "ما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتُم".
– مداخلة: …
– الشيخ: القدرةُ: "صلّ قائمًا، فإن لم تستطعْ فقاعدًا" أمَّا هذا فشيءٌ آخرُ، لا يستطيعُ أن يصليَ قائمًا فيصلي قاعدًا، لا يستطيعُ قاعدًا فعلى جنبِه، أمَّا إذا زالَ عقلُه أصبحَ غيرَ مكلّفٍ. وذكرَ الشيخُ عندَكم أنَّ هناكَ شروطًا إضافيةً بأن يكونَ مقيمًا، فلا يجبُ الصومُ على المسافرِ، وصحيحًا يدخلُ في القادرِ، فلا يجبُ الصومُ على المريضِ لقولهِ تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] وذكرَ أيضًا: عدمَ المانعِ، دائمًا الواجبات تتوقفُ على وجودِ الشروطِ وانتفاءِ المانعِ، والصيامُ يمنعُ منه الحيضُ والنّفاسُ، فلا يجبُ الصومُ على الحائضِ وإن كان يجبُ عليها القضاءُ فإنَّه يتعلّقُ بذمّتِها وكذلك النّفساءُ.
– القارئ: (وإذا قامتِ البينةُ في أثناءِ النهارِ وَجبَ الإمساكُ والقضاءُ على كلٍّ مَنْ صارَ في أَثْنَائِهِ أهلًا لوجوبهِ، وكذا حائضٌ ونفساءُ طَهُرَتَا، ومسافرٌ قَدِمَ مفطرًا)
– الشيخ: هذه جملةُ مسائلَ: "إذا قامتِ البيّنةُ في النهارِ": يعني جاءَ الخبرُ أنَّه قد رُؤيَ البارحةَ كما كان يحصلُ قديمًا، كان لا يعلمُ الناسُ بدخولِ الشهرِ إلَّا في أثناءِ النهارِ. "إذا قامتِ البينةُ في أثناءِ النهارِ وجبَ الإمساكُ": على كلِّ من كانَ من أهلِ وجوبِه، يعني وهم من تقدَّمَ: وجبَ الصومُ على كلِّ مسلمٍ مكلّفٍ قادرٍ، يجبُ عليه الإمساكُ، لو بلَّغه الخبرُ وهو يأكلُ يجبُ عليه أن يُمسكَ، كمن رأى طلوعَ الفجرِ وهو يأكلُ وجبَ عليه الإمساكُ، وجبَ الإمساكُ على كلِّ من كانَ من أهلِ وجوبِ الصومِ.
"والقضاءُ": يعني ذلكَ اليوم، لأنَّه لم يصمْ بعضَ النهارِ فلا يُجزئُه، والفرضُ لا يُجزئُ بنيّةٍ من النهارِ، بل لابدَّ من النيّةِ من الليلِ، "لا صيامَ لمن لم يُجمعِ الصيامَ من الليلِ". قال: "وجبَ الإمساكُ والقضاءُ": وجبَ الإمساكُ لأنَّه عَلِمَ أنَّ هذا النهارَ من رمضان، ويجبُ عليه القضاءُ لأنَّه لم يصمْ بعضَ هذا اليومِ، هذا قولُ جمهورِ العلماءِ. وذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى أنَّه لا يُجزئُ فيجبُ الإمساكُ ولا يجبُ القضاءُ، والتعليلُ أنَّ الوجوبَ متعلّقٌ بالعلمِ وهؤلاءِ لم يعلموا برؤيةِ الهلالِ فلا يجبُ عليهم القضاءُ، فيكونُ فُطرهُم هذا من جنسِ الفطرِ خطأً، يعني يشبه من أكلِ يعتقدُ أنَّه نهار، في مسألةِ ستأتيكم وهي من أكلَ في النهارِ وهو يعتقدُ أنَّه في ليلٍ كمن أكلَ يظنُّ أنَّ الفجرَ لم يطلعْ ثمَّ تبينَ له أنَّ الفجرَ قد طلعَ من كذا، فالمذهبُ يجبُ عليه القضاءُ، والقولُ الآخرُ أنَّه لا يجبُ لأنَّه خطأ، والخطأُ كالنّسيان.
وهنا يظهرُ من يقولُ بهذا أي لا يجبُ عليهم القضاءُ لأنَّ أكلَهم في أول النّهارِ قبلَ علمهم هو من بابِ الخطأ، ونقولُ واللهُ أعلم إنّ هذا يختلفُ لأنَّه هنا أصلًا لم يثبتْ عندهم حكمُ الصومِ فلم يعلموا أنَّه من رمضانَ أصلًا، وأيضًا طردُ هذا أنَّهم لو لم يعلموا إلَّا بعدَ غروبِ الشمسِ فماذا يصنعونَ؟! هذا معناه أنَّه يسقطْ عنهم يومٌ كاملٌ، وهذا لا أظنُّهم يقولون به.
– مداخلة: البينةُ في أثناءِ النهارِ تكونُ بماذا؟ والشيخُ يقولُ: تكونُ إمّا بالشهادةِ أو بإكماِلِ شعبانَ، فهل يتصوّر الإكمالُ فيها؟
– الشيخ: تكونُ بالشهودِ، يعني يُتصوّرُ أنَّنا اليومَ نحنُ نعتبرُه تسعًا وعشرين من شعبانَ، وجاءت بيّنةٌ أنَّهم رَأوا هلالَ شعبانَ في كذا مثلًا، فإذا حسبنا بناءً على رؤيةِ شعبانَ الذي الآنَ ما وصلتنا إلَّا اليومَ، قامت البيّنةُ على أنَّ شعبانَ دخلَ في يومِ كذا، وكنَّا نظنُّه تسعًا وعشرينَ ثمَّ تبيّنَ أنَّه ثلاثينَ أو واحدًا وثلاثين مثلًا، فعلمنا حينئذٍ أنَّ اليومَ من رمضانَ بناءً على البيّنةِ التي قامت لدينا تقتضي أنَّ اليومَ واحدٌ وثلاثون.
"وكذا حائضٌ ونفساءُ طَهُرَتَا": الحائضُ إذا طهرتْ في أثناءِ النهارِ وَجَبَ عليها الإمساكُ والقضاءُ كذلك، والنفساءُ كذلك وجبَ عليها الإمساكُ والقضاءُ، وهذا ظاهرٌ أنَّه لا خلافَ بينهم في هذا، إذًا هو ليسَ محلَّ خلافٍ، الخلافُ في المسألةِ الأولى، أمَّا الحائضُ إذا طهرتْ والنُّفساءُ إذا طهرتْ فإنَّه يجبُ عليها القضاءُ لأنَّه ذهبَ هذا اليومُ وهي ليستْ من أهلِ وجوبِ الصومِ، ولا يصحُّ منها، فيجبُ عليها القضاءُ ويجبُ عليها الإمساكُ.
"ومسافرٌ قدمَ مفطرًا": يقولونَ يجبُ عليه الإمساكُ والقضاءُ، أمَّا القضاءُ فهو ظاهرٌ لأنَّه مفطرٌ في السفرِ فلا كلامَ فيه، لكن هل يجبُ عليه الإمساكُ؟ هناك قولانِ لأهلِ العلمِ: منهم من يقولُ بوجوبِ الإمساكِ لحرمةِ الشهرِ، ومنهم من يقولُ لا يجبُ عليه الإمساكُ لأنَّه لا يجزئُه ولا يصحُّ منه فلا يجبُ عليه الصومُ مرتين، وفي هذا آثارٌ عن السلفِ أنَّ من أكلَ في أوّلِ النهارِ فلهُ أنْ يأكلَ في آخرهِ ولا يلزمُهُ الصومُ، والاحتياطُ أنْ يُمسكَ، وهذا نقول فيه أحوطُ، أمَّا الوجوبُ فهو محلُّ نظرٍ.
– مداخلة: والحائضُ والنُّفساءُ؟
– الشيخ: كأنَّ الكلامَ في الجميعِ واحدٌ، والأحوطُ الإمساكُ فقط.
– القارئ: (ومن أفطرَ: لكبرٍ، أو مرضٍ لا يُرجى بُرْؤُهُ: أطعمَ لكلِّ يومًا مسكينًا)
– الشيخ: من أفطرَ لكبرِ السنِّ يعني لا يستطيعُ الصيامَ فإنَّه يُفطرُ، ولا يستطيعُ بمعنى أنَّه يشقُّ عليه مشقةً غيرَ عاديةٍ، فإنّه يفطرُ ويطعمُ عن كلِّ يومٍ مسكينًا. ويُستدلُّ على هذا بما جاءَ عن ابن عباسٍ في قولِه تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] قالَ ابنُ عباسٍ هذا في الشيخِ الكبيرِ والمرأةِ الكبيرةِ، فإذا شقَّ عليهما الصيامُ أفطرا وأطعما عن كلِّ يومٍ مسكينًا. وفي حكمِ الرجلِ الكبيرِ كذلك المريض الذي لا يُرجَى شفاؤه، فإنَّه يُفطرُ ويُطعمُ عن كلِّ يومٍ مسكينًا أيضًا.
– القارئ: (ويُسنُّ: لمريضٍ يَضُرُّه، ولمسافرٍ يقصرُ)
– الشيخ: يُسنُّ الفطرُ لمريضٍ يضرُّهُ الصومُ، ويمكنُ أن يُقالَ: إنَّه إذا كان يضرُّه يجبُ عليه الفطرُ، لأنَّ من مقاصدِ الشريعةِ رفعُ الحرجِ والضررِ، بل نقولُ يجبُ عليه الفطرُ، ما دامَ الصومُ يضرُّهُ فيجبُ عليه أن يفطرَ.
"ولمسافرٍ يقصرُ": نعم يُسنُّ له أن يُفطرَ، والجمهورُ على أنَّه لا يجبُ الفطرُ في السفرِ لكن يُستحبُّ، وقد يكونُ الفطرُ أفضلُ، وقد يكونُ الصومُ أفضلُ، لكن إذا كانَ الصومُ يضرُّهُ فكذلكَ نقولُ لا يجوزُ له الصومُ. والظاهريّةُ قالوا: يجبُ الفطرُ على كلِّ حالٍ، على المسافرِ يجبُ عليه الفطرُ، وأنَّ الصومَ في السفرِ كالفطرِ في الحضرِ. وهذا قولٌ مردودٌ لِمَا ثبتَ أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صامَ في السفرِ ثمَّ أفطرَ، ولِمَا ثبتَ أنَّ الصحابةَ كانوا يسافرونَ منهم الصائمُ ومنهم المفطرُ، ولا يعيبُ الصائمُ المفطرَ، ولا المفطرُ الصائمَ.
– القارئ: (وإنْ نَوى حاضرٌ صومَ يومٍ ثم سافرَ في أثنائِه: فلهُ الفطرُ)
– الشيخ: هذه مسألةٌ ظاهرةٌ، من نوى الصومَ وهو مقيمٌ ثمَّ سافرَ فلهُ أنْ يفطرَ، وقد ثبتَ ذلك عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "أنَّه خرجَ في سفرٍ وهو صائمٌ، فلمّا أُخبِر أنَّه قد شقَّ الصومُ على الناسِ وأنَّهم ينتظرونَ ما تفعلُ وكان في آخرِ النهارِ دعا بشرابٍ فشربَ وهم ينظرون" لكي يطمئنّوا إلى الفطرِ.
– القارئ: (وإنْ أفطرت حاملٌ أو مرضعٌ: خوفًا على أنفسِهِما: قضتاهُ فقط، وعلى ولديهِما: قضتَا وأطعمتَا لكلِّ يومٍ مسكينًا)
– الشيخ: الحاملُ والمرضعُ لهما حالتان: أن تخافا على نفسيهِما، أو تخافا على ولديهِما. يقولُ المؤلِّفُ: إذا خافتا على أنفسهِما أفطرتا كالمريضِ، وإن خافتا على ولديهِما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كلِّ يومٍ مسكينًا، لأنَّهما حينئذٍ ليسَ كالمريضِ لأنَّهما أفطرتا من أجلِ غيرِهما، والخلافُ كثيرٌ في الحاملِ والمرضعِ. والقولُ الآخرُ: أنَّ الحاملَ والمرضعَ حكمُهما كالمريضِ؛ تفطرانِ وتقضيانِ، ومنهم من يقولُ: تطعمانِ على كلِّ حالٍ مطلقًا. ففيها عدّةُ مذاهبٍ: القضاءُ والفطرُ، والقضاءُ مطلقًا، أو الإطعامُ مطلقًا، أو التفصيلُ الذي ذكرهُ. والأصلُ في هذا حديثُ أنسِ بن كعبٍ، قال عليه الصلاةُ والسلامُ: "إنِّ اللهَ وضعَ عن المسافرِ الصومَ وشطرَ الصلاةِ، ووضعَ عن الحاملِ والمرضعِ الصومَ" يعني أباحَ لهما الفطرَ، وعليهما القضاءُ كالمسافرِ.
– مداخلة: ما هو ترجيحُكم، هل هو القضاءُ فقط؟
– الشيخ: نعم، على ظاهرِ حديثِ أنسٍ.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وإذا قَامَت البَيِّنَةُ في أثْنَاءِ النَّهارِ وَجَبَ الإِمْسَاكُ والقَضَاءُ عَلى كلِّ مَن صَارَ في أثْنائِهِ أهلًا لِوُجوبِهِ …
قولُه: «وإذا قامت البيّنةُ في أثناءِ النهارِ وجبَ الإمساكُ والقضاءُ على كلِّ من صارَ في أثنائِه أهلًا لوجوبِه»: قولُه "البيّنةُ": أي بيّنةُ دخولِ الشهرِ، إمّا بالشهادةِ وإمّا بإكمالِ شعبانَ ثلاثينَ يومًا. وقولُه «وجبَ الإمساكُ»: يعني الإمساكُ عن المفطراتِ، ودليلُ ذلكَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حين أمرَ الناسَ بصيامِ عاشوراءَ في أثناءِ اليومِ أمسكوا في حينِهِ؛ ولأنَّه ثبتَ أنَّ هذا اليومَ من رمضانَ فوجبَ إمساكُه.
– الشيخ:
يعني في عاشوراء فُرضَ الصومُ على النّاسِ في أثناءِ النهارِ، فلمّا فرضَ اللهُ صيامَ عاشوراء أرسلَ من يأمرُ الناسَ بالإمساكِ في ذلكَ اليومِ، فهذا من حجةِ من يقولُ: أنَّه يجبُ عليه الإمساكُ دونَ القضاء.
– القارئ: وقولُه: «والقضاءُ»: أي يلزمُ قضاءُ ذلك اليوم الذي قامت البيّنةُ في أثنائِه أنَّه من رمضانَ، ووجهُ ذلك أنَّ من شرطِ صحّةِ صيامِ الفرضِ أن تستوعبَ النيّةُ جميعَ النهارِ، فتكونُ من قبلِ الفجرِ، والنيَّةُ هنا كانت من أثناءِ النهارِ فلم يصوموا يومًا كاملًا، وقد قالَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «إنّما الأعمالُ بالنيّاتِ وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى».
ووجوبُ القضاءِ في هذهِ المسألةِ ـ أي: ما إذا قامتِ البيّنةُ أثناءَ النّهارِ ـ هو قولُ عامّةِ العلماءِ، وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: يلزمُهم الإمساكُ ولا يلزمُهم القضاءُ. ووجهُ ذلكَ أنَّ أكلَهم وشربَهم قبلَ قيامِ البيّنةِ كان مباحًا، قد أحلَّه اللهُ لهم فلم ينتهكوا حرمَةَ الشهرِ.
– الشيخ: في الحقيقةِ قولُهُ "مباحًا": فيه نظرٌ عندي، فأقولُ بل كانَ خطًا. أمَّا في مسألةِ فرضِ يومِ عاشوراء الذي أشارَ إليه الشيخُ فنعم، كانَ أكلُ الناسِ وشربُهم في أوّلِ النهارِ قبلَ أن يأتيهم الفرضُ كان مباحًا؛ لأنَّه لم يُفرَضْ أصلًا، أمَّا في مسألتنا فإنّه فرضٌ لكنّهم لم يعلموا بدخولِ الشهرِ، فكانَ أكلُهم خطأً.
– القارئ: بل كانوا جاهلينَ، بَنَوا على أصلٍ وهو بقاءُ شعبانَ، فيدخلونَ في عمومِ قولِه تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا، فهم كمنْ أكلَ ظانًا بقاءَ الليلِ فتبيّنَ أنَّ الفجرَ قد طلعَ، أو أكلَ ظانًا غروبَ الشمسِ فتبيّنَ أنَّها لم تغربْ، وقد ثبتَ في صحيحِ البخاريِّ عن أسماءَ بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالت: "أفطرنا في يومِ غيمٍ على عهدِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ثمَّ طلعتِ الشمسُ" ولم يُنقَلْ أنَّهم أُمروا بالقضاءِ. وأجابَ ـ رحمهُ اللهُ ـ عن كونِهم لم ينووا قبلَ الفجرِ بأنَّ النيّةَ تتبعُ العلمَ ولا علمَ لهم بدخولِ الشهرِ، وما ليسَ لهم به علمٌ فليسَ بوسعِهم، ولا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلَّا وسعها، ولهذا لو أخّروا النيّةَ بعدَ علمِهم بدخولِ الشهرِ لم يصحَّ صومُهم. وتعليلُه وجوابُه ـ رحمهُ اللهُ ـ قويٌّ ولكن لا تطيبُ النفسُ بقولِه، وقياسُه على من أكلَ يظنُّ بقاءَ الليلِ أو غروبَ الشمسِ، فيه نظرٌ؛ لأنَّ هذا كان عنده نيّةٌ للصومِ لكن أكلَ يظنُّ الليلَ باقيًا أو يظنُّه داخلًا، ولهذا كان الخلافُ في المسألتين أشهرُ من الخلافِ في المسألةِ الأولى.
– الشيخ: يعني ظاهرٌ أنَّ الشيخَ لم يطمئنَّ لقولِ شيخِ الإسلامِ، وهو كذاك. ولم يذكرِ اللازمَ الذي ذكرتُه، أنَّه على قولِ الشيخِ يلزمُ -وإن كان لا ندري أنَّه قد لا يقولُ به- أنّهم لو لم يعلموا إلّا بعدَ انقضاءِ ذلك اليوم، قد لا يعلمونَه إلَّا قبيلَ غروبِ الشمسِ، فهل يجزئُهم أنَّهم صاموا خمسَ دقائقَ مثلًا أو ثلاثَ دقائقَ؟ فالصّوابُ هو ما ذكرَهُ المؤلِّفُ؛ أنَّ الواجبَ هو الإمساكُ والقضاءُ.
– القارئ: وقولُه: «على كلِّ من صارَ في أثنائِه أهلًا لوجوبِه»: أي بأن كان مسلمًا بالغًا عاقلًا. وهذهِ المسألةُ لها ثلاثُ حالاتٍ: الأولى: أن يكونَ من أهلِ الوجوبِ من قبلِ الفجرِ فيلزمُه الإمساكُ بمجرّدِ قيامِ البيّنةِ في أثناءِ النّهارِ. الثانيةُ: أن يصيرَ من أهلِ الوجوبِ في أثناءِ النهارِ قبلَ قيامِ البيّنةِ مثلَ أن يسلمَ أو يبلغَ أو يفيقَ في الضّحى، ثمَّ تقومُ البيّنةُ بعدَ الظّهرِ فحكمُها كالأولى. الثالثةُ: أن يصيرَ من أهلِ الوجوبِ بعدَ قيامِ البيّنةِ، مثلَ أن تقومَ البيّنةُ في الضّحى، ويسلمُ أو يبلغُ أو يفيقُ بعدَ الظهرِ، فلا يلزمُه الإمساكُ بمجرّدِ قيامِ البيّنةِ، بل حتى يصيرَ من أهلِ الوجوبِ.
(تتمّة): أفادَنا المؤلّفُ ـ رحمهُ اللهُ تعالى ـ أنَّ من قامَ به سببُ الوجوبِ أثناءَ نهارِ رمضانَ مثلَ أن يسلمَ الكافرُ أو يبلغَ الصغيرُ أو يفيقَ المجنونُ فإنَّه يلزمُهم الإمساكُ والقضاءُ، وهذا هو المشهورُ من مذهبِ الإمامِ أحمدَ وهو قولُ أبي حنيفةَ وسبقَ دليلُه وتعليلُه. القولُ الثاني: لا يلزمُهم إمساكٌ ولا قضاءٌ وهو الروايةُ الثانيةُ عن أحمدَ. والقولُ الثالثُ: يلزمُهم الإمساكُ دونَ القضاءِ، وذكرَ روايةً عن أحمدَ، واختيارُ الشيخِ تقيِّ الدِّينِ (شيخ الإسلام ابن تيمية)، وهو مذهبُ مالكٍ وهو الراجحُ؛ لأنَّهم لا يلزُمهم الإمساكُ في أوّلِ النهارِ لعدمِ شرطِ التكليفِ، وقد أتوا بما أمروا به حينَ أمسكوا عندَ وجودِ شرطِ التكليفِ، ومن أتى بما أمرَ به لم يُكلّفِ الإعادةَ.
وَكَذا حَائِضٌ وَنَفْسَاءُ طَهرَتَا وَمُسافِرٌ قَدِمَ مُفْطِرًا وَمَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا …
قوله: «وَكَذا حَائِضٌ وَنَفْسَاءُ طَهرَتَا وَمُسافِرٌ قَدِمَ مُفْطِرًا»: أي ومثلُ الذي كان أهلًا للوجوبِ في أثناءِ النهارِ من حيثُ وجوبِ الإمساكِ والقضاءِ، "حائضٌ ونفساءُ طهرتا ومسافرٌ قدمَ مفطرًا" فهذه ثلاثةُ مسائلَ، وثمةَ مسألةٌ رابعةٌ وهي: مريضٌ برئَ، ويُعبَّرُ عن هذهِ المسائلَ بما إذا زالَ مانعُ الوجوبِ في أثناءِ النهارِ، فهل يجبُ الإمساكُ والقضاءُ؟ والجوابُ: أمَّا القضاءُ فلا شكَّ في وجوبِه لأنَّهم أفطروا من رمضانَ فلزمَهم قضاءُ ما أفطروا لقولِه تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] وقولِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها: «كنَّا نُؤمرُ بقضاءِ الصومِ ولا نُؤمرُ بقضاءِ الصلاة" تعني الحيّضَ.
وأمَّا الإمساكُ: فكلامُ المؤلّفِ ـ رحمهُ اللهُ ـ يدلُّ على وجوبِه وهو المذهبُ؛ لأنَّهم إنّما أفطروا لمانعٍ وقد زالَ، والحكمُ يزولُ بزوالِ علّته. وعن أحمدَ روايةٌ أخرى لا يلزمُهم الإمساكُ؛ لأنَّهم يجوزُ لهم الفطرُ في أوّلِ النّهارِ ظاهرًا وباطنًا. فقد حلَّ لهم في أوّلِ النّهارِ الأكلُ والشربُ وسائرُ ما يمكنُ من المفطّراتِ، ولا يستفيدونَ من هذا الإمساكِ شيئًا، وحرمةُ الزمنِ قد زالتْ بفطرِهم المباحِ لهم أوّلَ النّهارِ. وقد رُويَ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ أنَّه قال: «من أكلَ أوّلَ النّهارِ فليأكلْ آخره" يعني أنَّ من حلَّ له الأكلُ في أوّلِ النّهارِ حلَّ له الأكلُ في آخرِه، وهذا القولُ هو الرّاجحُ. وعلى هذا لو قَدِمَ المسافرُ إلى بلدِه مفطرًا ووجدَ زوجتَه قد طهرتْ أثناءَ ذلك اليومِ من الحيضِ وتطهّرتْ جازَ له جماعُها، وإذا أفطرَ لإنقاذِ غريقٍ فأنقذَهُ لم يلزمْهُ الإمساكُ آخرَ النّهارِ، وإذا أفطرتْ مرضعٌ خوفًا على ولدِها ثمَّ ماتَ في أثناءِ اليومِ لم يلزمْها إمساكُ بقيّتِه.
والقاعدةُ على هذا القولِ الراجحِ: أنَّ من أفطرَ في رمضانَ لعذرٍ يبيحُ الفطرَ ثمَّ زالَ ذلك العذرُ أثناءَ النّهارِ لم يلزمْهُ الإمساكُ بقيّةَ اليومِ.
ويُسَنُّ لِمَرِيضٍ يَضُرُّهُ …
قولُه: «ويُسنُّ لمريضٍ يضرُّه»: الضميُر في قولِه «يُسنُّ» يعودُ على الفطرِ، فإذا كانَ الإنسانُ مريضًا يضرُّه الصومُ فالإفطارُ في حقِّهِ سُنَّةٌ، وذلك على ما قالَهُ المؤلِّفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ وإن لم يفطرْ فقد عَدَلَ عن رخصةِ اللهِ ـ سبحانَه وتعالى ـ، والعدولُ عن رخصةِ اللهِ خطأٌ، فالذي ينبغي للإنسانِ أن يَقبلَ رخصةَ اللهِ. والصحيحُ أنَّه إذا كان الصومُ يضرُّهُ فإنَّ الصومَ حرامٌ، والفطرَ واجبٌ؛ لقولِ اللهِ تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] والنهيُ هنا يشملُ إزهاقَ الرّوحِ، ويشملُ ما فيه الضّررُ.
– الشيخ: وكذلك قولُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لمَّا رأى ذلكَ الرجلَ يُظلَّلُ وقد اجتمعَ حولَه الناس: "ليسَ من البرِّ الصيامُ في السفرِ" يعني على هذا الوجهِ.
– القارئ: والدَّليلُ على أنَّه يشملُ ما فيه الضررُ، حديثُ عمرو بن العاصِ ـ رضيَ اللهُ عنه ـ عندما صلَّى بأصحابِه وعليه جنابةٌ ولكنَّه خافَ البردَ فتيمّمَ، فقال له النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «صلَّيتَ بأصحابِكَ وأنت جُنُبٌ؟» قال: يا رسولَ اللهِ ذكرتُ قولَه تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] وإنّي خفتُ البردَ، فأقرَّهُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على ذلك.
والمريضُ له أحوالٌ: الأوَّلُ: ألَّا يتأَّثرَ بالصومِ، مثل الزُّكامِ اليسيرِ، أو الصداعِ اليسيرِ، أو وجعِ الضرسِ، وما أشبهَ ذلك، فهذا لا يحلُّ له أنْ يُفطرَ وإن كانَ بعضُ العلماءِ يقولُ: يَحلُّ له لِعمومِ الآيةِ: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا [البقرة: 185] ولكنّنا نقولُ: إنَّ هذا الحكمَ معلّلٌ بعلّةٍ وهي أن يكونَ الفطرُ أرفقُ به، فحينئذٍ نقولُ له: الفطرُ، أمَّا إذا كان لا يتأثّرُ فإنَّه لا يجوزُ له الفطرُ ويجبُ عليه الصومُ.
– الشيخ: أحكامُ الشريعةِ معلَّلةٌ، لها حِكَمٌ، فحينَ ذُكرَ المريضَ فلِما يترتّبُ على المرضِ مع الصومِ من زيادةِ المرضِ أو تأخّرِ البُرءِ، أو ما أشبهَ ذلك.
– القارئ: الحالُ الثانيةُ: إذا كانَ يشقُّ عليه الصومُ ولا يضرُّهُ، فهذا يُكرهُ له أن يصومَ، ويُسنُّ له أن يُفطرَ.
الحالُ الثالثةُ: إذا كان يشقُّ عليه الصومُ ويضرُّهُ، كرجلٍ مصابٍ بمرضِ الكِلَى أو مرضِ السكّرِ، وما أشبهَ ذلك، فالصَّومُ عليه حرامٌ. ولكن لو صامَ في هذهِ الحالِ هل يُجزئُهُ الصومُ؟ قال أبو محمّدِ ابن حزمٍ رحمهُ اللهُ: لا يجزئُه الصومُ؛ لأنَّ اللهَ ـ تعالى ـ جعلَ للمريضِ عدَّةً من أيامٍ أُخر، فلو صامَ في مرضِه فهو كالقادرِ الذي صامَ في شعبانَ عن رمضانَ، فلا يُجزئُه ويجبُ عليه القضاءُ. وقولُ أبي محمّدٍ هذا مبنيٌّ على القاعدةِ المشهورةِ: أنَّ ما نُهيَ عنه لذاتِه فإنَّه لا يقعُ مُجزئًا، فإذا قلنا بالتَّحريمِ فإنَّ مُقتضَى القواعدِ أنَّه إذا صامَ لا يُجزئُه؛ لأنَّه صامَ ما نهي عنه كالصومِ في أيامِ التّشريقِ، وأيامِ العيدينِ لا يَحلُّ، ولا يصحُّ، وبهذا نعرفُ خطأّ بعضِ المجتهدين من المرضى الذين يَشقُّ عليهم الصومُ وربّما يضرُّهم، ولكنَّهم يأبونَ أن يُفطروا، فنقولُ: إنَّ هؤلاءِ قد أخطأوا حيثُ لم يقبلوا كرمَ اللهِ ـ عزّ وجل ـ، ولم يقبلوا رخصتَه، وأضرُّوا بأنفسِهم، واللهُ ـ عزّ وجلَّ ـ يقولُ: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]
– مداخلة: قولُ أبي محمّدٍ هذا: لا يصحُّ الصيامُ لو صامَ، وحديثُ جابرٍ: "ليسَ من البرِّ الصيامُ بالسفرِ" لكنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يأمرْهُ بالقضاءِ؟
– الشيخ: اللهُ أعلمُ. على كلِّ حالٍ قولُ ابن حزمٍ ليس بظاهرٍ، وجيّدٌ أنَّه كان يُقيّدُ ذلك بالضررِ، يعني لا ندري عن تحريرِ مذهبِه، لعلّه يقولُ: إذا صامَ المريضُ مطلقًا، كما يقولُ في المسافرِ: أنَّ الصيامَ في السفرِ كالفطرِ في الحضرِ. فأخشى أنَّ مذهبَه لا يصحُّ الصومُ كذلك، فراجعوا هل يقيّدُ ذلك بالضررِ أو يرى هذا مطلقَ المريضِ، وهو أنَّ المريضَ لا يصحُّ صيامُه. أمَّا إذا قيّدهُ بالضررِ فإنَّ الأمرَ أيسرُ وأهونُ، وكثيرٌ من الناسِ يفعلُ ذلك متأولًا أنَّ ذلكَ لا يضرُّهُ، فيُرجَى أنَّه متأوّلٌ.
– القارئ: هناك قولٌ لابنِ قاسمٍ في الحاشيةِ:
(وسنَّ) الفطرُ (لمريضٍ يضرُّهُ) الصومُ.
القارئُ يكملُ القراءةَ من الشرحِ الممتعِ:
وَإِنْ أَفْطَرَتْ حَامِلٌ، أَوْ مُرْضَعٌ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا قَضَتَاه فَقَطْ، وَعَلَى وَلَدَيْهِمَا قَضَتَاه وَأَطْعَمَتَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
قولُه: «وإن أفطرتْ حاملٌ، أو مرضعٌ خوفًا على أنفسهما قضتَاه فقط، وعلى ولديهِما قضتاه، وأطعمتا لكلِّ يومٍ مسكينًا»: أفادنا المؤلّفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ أنَّه يجوزُ للحاملِ والمرضعِ أن تُفطرا وإن لم تكونا مريضتين، وهذا يشملُ أوّلَ الحملِ وآخرَ الحملِ وأولَ الإرضاعِ وآخرَ الإرضاعِ؛ وذلكَ لأنَّ الحاملَ يشقُّ عليها الصومُ من أجلِ الحملِ، لا سيّما في الأشهرِ الأخيرةِ، ولأنَّ صيامَها ربّما يُؤثّرُ على نموِّ الحملِ إذا لم يكن في جسمها غذاءٌ، فربَّما يضمرُ الحملُ ويضعفُ. وكذلك في المرضعِ إذا صامتْ يقلُّ لبنُها فيتضرّرُ بذلك الطفلُ، ولهذا كان من رحمةِ اللهِ ـ عزّ وجلّ ـ أنْ رخّصَ لهما في الفطرِ. وإفطارُهما قد يكونُ مراعاةً لحالهما، وقد يكونُ مراعاةً لحالِ الولدِ الحملِ أو الطفلِ، وقد يكونُ مراعاةً لحالِهما مع الولدِ. وعلى كلِّ حالٍ فيجبُ عليهما القضاءُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى فرضَ الصيامَ على كلِّ مسلمٍ، وقالَ في المريضِ والمسافرِ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] مع أنَّهما مفطران بعذرٍ، فإذا لم يسقطِ القضاءُ عمّن أفطرَ لعذرٍ من مرضٍ أو سفرٍ، فعدمُ سقوطِه عمّن أفطرتْ لمجردِ الرّاحةِ من بابِ أولى.
وأمَّا الإطعامُ فلهُ ثلاثُ حالاتٍ:
الحالُ الأولى: أن تفطرا خوفًا على أنفسِهما فتقضيان فقط، يعني أنَّه لا زيادةَ على ذلك.
الحالُ الثانيةُ: أن تفطرا خوفًا على ولديهِما فقط، فتقضيان، وتطعمان لكلِّ يومٍ مسكينًا.
أمَّا القضاءُ فواضحٌ؛ لأنَّهما أفطرتا، وأمَّا الإطعامُ فلأنَّهما أفطرتا لمصلحِة غيرِهما، فلزمَهما الإطعامُ، وقال ابنُ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ في قولِه: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] قال: «كانت رخصةً للشيخِ الكبيرِ والمرأةِ الكبيرةِ وهما يطيقان الصيامَ يفطران ويطعمان عن كلِّ يومٍ مسكينًا، والمرضعِ والحبلى إذا خافتا على أولادِهما أفطرتا وأطعمتا»، رواه أبو داود. ورُويَ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما.
الحالُ الثالثةُ: إذا أفطرتا لمصلحتِهما ومصلحةِ الجنينِ أو الطفلِ فالمؤلّفُ سكتَ عن هذهِ الحالِ، والمذهبُ أنَّه يُغلَّبُ جانبُ مصلحةِ الأمِّ، وعلى هذا فتقضيان فقط، فيكونُ الإطعامُ في حالٍ واحدةٍ وهي: إذا كان الإفطارُ لمصلحةِ الغيرِ، الجنينِ أو الطفلِ، وهذا أحدُ الأقوالِ في المسألةِ. والقولُ الثاني: أنَّه لا يلزمُهما القضاءُ، وإنَّما يلزمُهما الإطعامُ فقط سواء أفطرتا لمصلحتِهما أو مصلحةِ الولدِ أو للمصلحتينِ جميعًا، واستدلوا بما يأتي: 1 ـ حديثُ: «إنَّ اللهَ وضعَ الصيامَ عن الحبلى والمرضعِ». 2 ـ أثرُ ابن عباسٍ رضي اللهُ عنهما: «والمرضعِ والحبلى إذا خافتا على أولادِهما أفطرتا وأطعمتا»، ولم يذكرِ القضاءَ. القولُ الثالثُ: التخييرُ بين القضاءِ والإطعامِ. القولُ الرابعُ: يلزمُها القضاءُ فقط دونَ الإطعامِ، وهذا القولُ أرجحُ الأقوالِ عندي؛ لأنَّ غايةَ ما يكونُ أنَّهما كالمريضِ، والمسافرِ، فيلزمُهما القضاءُ فقط، وأمَّا سكوتُ ابن عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ عن القضاءِ فلأنَّه معلومٌ. وأمَّا حديثُ: «إنَّ اللهَ تعالى وضعَ الصيامَ عن الحبلى والمرضعِ» فالمرادُ بذلك وجوبُ أدائِه، وعليهما القضاءُ. وسببُ الخلافِ أنَّه ليسَ هناك نصٌ قاطعٌ صحيحٌ وصريحٌ في وجوبِ أحدِ هذهِ الأمورِ.
– الشيخ: واختيارُ الشيخِ ظاهرٌ ومناسبٌ لظاهرِ حديثِ أنسٍ.
– القارئ: مسألةٌ: إذا قالَ قائلٌ: أرأيتم لو أفطرَ شخصٌ لمصلحةِ الغيرِ في غيرِ مسألةِ الحبلى والمرضعِ، مثل أنْ يفطرَ لإنقاذِ غريقٍ أو لإطفاءِ حريقٍ، فهلْ يلزمُه القضاءُ والإطعامُ؟ الجوابُ: أمَّا على القولِ الذي رجّحناه من أنَّه ليسَ على الحاملِ والمرضعِ إلَّا القضاُء، فليسَ على المنقذِ إلَّا القضاُء. وأمَّا على القولِ بوجوبِ القضاءِ والإطعامِ عليهما في محلِّه ففيه قولان: القولُ الأوّلُ: يلزمُهُ القضاءُ والإطعامُ، قياسًا على الحاملِ والمرضعِ إذا أفطرتا لمصلحةِ الولدِ، والقولُ الثاني: لا يلزمُهُ إلّا القضاءُ فقط، واستُدِلَّ لذلكَ بأنَّ النصَّ إنَّما وردَ في الحُبلى والمرضعِ دونَ غيرهما. وأجيبَ عن هذا بأنَّه وإن وردَ النصُّ بذلك فالقياسُ في هذه المسألةِ تامٌّ وهو أنَّه أفطرَ لمصلحةِ الغيرِ.
والإفطارُ لمصلحةِ الغيرِ له صورٌ منها: 1 ـ إنقاذُ غريقٍ، مثل أن يسقطَ رجلٌ معصومٌ في الماءِ، ولا يستطيعُ أن يخرجَه إلَّا بعدَ أن يشربَ، فنقولُ: اشربْ وأنقذه.
2 ـ إطفاءُ الحريقِ، كأن يقولَ: لا أستطيعُ أن أطفئَ الحريقَ حتى أشربَ، فنقولُ: اشربْ وأطفئ الحريقَ. وفي هذهِ الحالِ إذا أخرجَ الغريقَ وأطفأَ الحريقَ، هل له أن يأكلَ ويشربَ بقيّةَ اليوم؟ الجوابُ: نعم له أن يأكلَ ويشربَ بقيّةَ اليومِ، لأنّه أُذِنَ له في فطرِ هذا اليومِ، وإذا أُذنَ له في فطرِ هذا اليومِ، صارَ هذا اليومُ في حقِّهِ من الأيامِ التي لا يجبُ إمساكُها، فيبقى مفطرًا إلى آخرِ النّهارِ.
– الشيخ: والأحوطُ الإمساكُ كما تقدَّمَ.
– القارئ: 3 ـ وكذلكَ لو أنَّ شخصًا احتيجَ إلى دمِه، بحيثُ أصيبَ رجلٌ آخرُ بحادثٍ ونزفَ دمُهُ، وقالوا: إنَّ دمَ هذا الصائمِ يصلحُ له، وإن لم يُتداركْ هذا المريضُ قبلَ الغروبِ فإنَّه يموتُ؛ فلهُ أن يأذنَ في استخراجِ دمِهِ من أجلِ إنقاذِ المريضِ، وفي هذهِ الحالِ يُفطرُ بناءً على القولِ الراجحِ، في أنَّ ما ساوى الحجامةَ فهو مثلُها. وسيأتي الخلافُ في هذهِ المسألةِ، وأنَّ المذهبَ لا يفطرُ بإخراجِ الدمِ إلَّا بالحجامةِ فقط دونَ الفصدِ والشرطِ، والصحيحُ أنَّ ما كان بمعناها يأخذُ حكمَها.
تنبيه: قولُ المؤلّفِ ـ رحمهُ اللهُ ـ: «أطعمتا لكلِّ يومٍ مسكينًا»: ظاهرُهُ أنَّ الإطعامَ واجبٌ على الحاملِ والمرضعِ، وهو ظاهرُ أثرِ ابنِ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ والمذهبُ أنَّ الإطعامَ واجبٌ على من تلزمُهُ النّفقةُ، فمثلًا: إذا كانَ الأبُ موجودًا فالذي يُطعمُ الأبُ؛ لأنَّه هو الذي يلزمُه الإنفاقُ على ولدِهِ دونَ الأمِّ، وعلى هذا فلا نخاطبُ الأمَّ إلَّا بالصيامِ فقط، وأمَّا الإطعامُ فنخاطبُ به الأبُ، ولو أنَّ الأبَ لم يُطعمْ فليسَ على الأمِّ في ذلك إثمٌ، ولهذا يُعتبرُ كلامُ المؤلّفِ ـ رحمهُ اللهُ ـ مخالفًا للمذهبِ في هذه المسألةِ.
– مداخلة: مسألةٌ إذا قامتِ البيّنةُ في أثناءِ النهارِ وجبَ الإمساكُ …؟
– الشيخ: لا أدري هل هي مسألةُ إجماعٍ، لكنَّ هذا هو الظاهرَ، لكن هو ليسَ كبقيّةِ المسائلِ.
الأسئلة:
س1: مرَّ بنا شرحُ صومِ الحاملِ والمرضعِ، وذكرتم خلافَ العلماءِ في القضاءِ والكفارةِ، فما هو القولُ الرّاجحُ؟
ج: الرّاجحُ أنَّه ليس عليهما إلّا القضاءُ.
– مداخلة: يقولُ: هذا قولُ عامّة أهلِ العلمِ، ورُويَ عن عطاءٍ: لا يجبُ عليه الإمساكُ …
– الشيخ: هذا يقتضي أنَّه إجماعٌ من الإجماعاتِ التي تُحكى، وعلى كلِّ حالٍ هو متوجّبٌ ولا ينبغي العدولُ عنه والأخذُ بالأقوالِ النادرةِ. وعند عدمِ وجودِ النصّ على مسألةٍ فالأخذُ بما عليه جماهيرُ أهلِ العلمِ هو الذي ينبغي الأخذُ به.
………………………………………
س2: زوجتي في السنواتِ الماضيةِ أنجبتْ أربعةَ أولادٍ، في كلِّ سنتين ولدٌ، وهي تُطعمُ فقط وتأخذ بقولِ الشيخِ الألباني، ويصعبُ عليها القضاءُ بين ولادةٍ ورضاعةٍ؟
ج: ما دامت أنَّها قلَّدتْ من يذهبُ هذا المذهبَ فلها ذلك، لكنّها الآنَ لو سألتْ للمستقبلِ قلنا لها: لا، تقضي وليس عليها إطعامٌ، أمَّا ما مَضَى فقد قلّدتْ وأخذت برأيِ بعضِ أهلِ العلمِ.
………………………………………
س3: هل هناك دليلٌ واضحٌ على الإمساكِ بقيّةَ النهارِ لمن تبيّن له دخولُ شهرِ رمضان؟
ج: لأن َّالفطرَ الأوّلَ كان لعدمِ العلمِ بدخولِ الشهرِ، والآنَ علمنا، يعني الأصلُ أنَّ الصيامَ واجبٌ علينا من أوّلِ النهارِ، لكن كان فِطْرُنا لجهلِنا بدخولِ الشهرِ، والآنَ قد علمنا بدخولِ الشهرِ، فلا مناصَ من الإمساكِ، وهذا قولُ جماهيرِ أهلِ العلمِ.
………………………………………
س4: لم يتبيّنْ لي سببُ الإلزامِ على من قامتْ عليه البيّنةُ في نهارِ رمضانَ بوجوبِ الإمساكِ مع عدمِ إلزامِ من زالَ عنه المانعُ للصيامِ؟
ج: تحتاجُ إلى تأمّلٍ.
………………………………………
س5: ما هو مقدارُ الطعامِ الذي يُخرجُ؟
ج: المعتاد أنَّه إطعامٌ، إن كان يابسًا فنصفُ صاعٍ أو مدّ على قولِهم، وإلّا فوجبةُ غداءٍ أو عشاءٍ، هذا هو القاعدةُ في الإطعامِ. بأن تكونَ وجبةً لمن تصلُحُ له، ويُملّكُ الطعامَ بأنْ يكونَ رزًا أو نحوه ويُجعلُ معه شيءٌ من اللحمِ.
………………………………………
س6: الحائضُ إذا طهرتْ في العشاءِ، هل تجبُ عليها صلاةُ المغربِ مع العشاءِ؟
ج: هذا فيه خلافٌ، وجاءَ فيه أثرٌ عن ابنِ عباسٍ وعبدِ الرحمنِ ابن عوفٍ أنَّها تُصلّي المغربَ.
………………………………………
س7: إذا ماتَ زوجُ امرأةٍ ولم تعلمْ بوفاتِه إلّا بعدَ ثلاثةِ أشهرٍ فماذا تفعلُ؟
ج: تقضي بقيةَ العدّةِ، يعني تلتزمُ الإحدادَ بقيّةَ العِدّةِ، ولا تقضي. فالإحدادُ لا تقضيه المتوفى عنها، لكن تبقى العِدّةُ من حيثُ النكاحِ، لكن بالنّسبةِ للأشهرِ الماضيةِ إنّما فاتَ عليها الإحدادُ فلا تقضيه.
………………………………………
س8: امرأةٌ توفّي زوجُها ولها من أولاد، ثمّ تزوّجتْ بآخرَ ولم تُنجبْ منه، فهل لزوجاتِ أبناءِ هذهِ المرأةِ الكشفُ على الزوجِ الثاني، وهل هو محرمٌ لهنَّ؟
ج: لا، هو ليسَ محرمًا لزوجاتِ هؤلاءِ الأولادِ، لأنّهم ليسوا أولادًا له، واللهُ تعالى يقول: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ [النساء:23] وهؤلاءِ ليسوا أبناءً له، لا من صُلبِه ولا من رضاعةٍ.
………………………………………
س9: ما هو الأفضلُ في أذكارِ الصباحِ، هل هو ذكرُها في المنزلِ أم في المسجدِ؟
ج: لا فرقَ، إلَّا بحسب يختارُ المكانَ الذي يكونُ فيه أقرب إلى الإقبالِ والذِّكرِ وحضورِ القلبِ، لكن لا نقولُ: أنّ الأفضلَ أن تكونَ في المسجدِ أو الأفضلَ أنَّها في البيتِ.
………………………………………
س10: عند السفرِ، متى أو كيف يُخيّرُ بين جمعِ التقديمِ والتأخيرِ، حيث سمعتُ أحدَهم يقولُ: إذا كان المسافرُ على السيرِ فيُستحسنُ جمعُ التّقديمِ؟
ج: بل يُستحسنُ جمعُ التّأخيرِ، لكنَّ السنّةَ في الظاهرِ أنَّه ينظرُ إلى ما يُناسبُ حالَه، فإذا ارتحلَ قبلَ الزوالِ أخّرَ الظهرَ، وإذا زالتِ الشمسُ وهو يريدُ الارتحالَ يقدّمُ العصرَ، وإذا كان في حالٍ يتخيّرُ فيها فيختارُ جمعَ التأخيرِ.
………………………………………
س11: هل قولُ صاحبِ الجنّتين خاصٌّ بصاحبِ الشيءِ؟
ج: أصلُ معنى "ما شاءَ اللهُ": هو هذا ما شاءَ اللهُ، لا بحولي ولا قوّتي. فهذهِ وصيّةُ الرجلِ الصالحِ للآخرِ الكافرِ: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] تبرَّأتَ من قوّتكَ، وأضفتَ هذا الخيرَ وهذه الجنةَ إلى مشيئةِ اللهِ، وليس هذا المعنى خاصٌّ بصاحبِ الجنّةِ. أنت إذا رأيتَ شيئًا وأعجبَكَ تقولُ: ما شاءَ اللهُ، يعني هذا ما شاءه اللهُ. وليسَ هو التبريكُ الذي يدفعُ العينَ، فعندَ الناسِ أنَّهم يعتقدون أنَّ هذا ممَّا يدفعُ العينَ، بل التّبريكُ أن يقولَ: باركَ اللهُ فيه وما أشبهَ ذلك، يدعو له بالبركةِ، أمَّا ما شاء الله فهو اعترافٌ بأنَّ هذا الموجودَ أو هذا البستانَ أنَّه بمشيئةِ اللهِ. ولو ترى قصرًا مشيدًا تقولُ: ما شاءَ اللهُ، يعني هذا ما شائَهُ اللهُ، هذا بمشيئةِ اللهِ وقدرِهِ، ومخلوقٌ من مخلوقاتِ اللهِ.
………………………………………
س12: هل يلزمُ على من رأى شيئًا يُعجبُه أن يُبرّكَ عليه، وما هو المرادُ من قولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "هلّا برّكتَ عليه"؟ وما معنى برّكت عليه؟
ج: إذا خَشِيَ أن يصيبَه بعينٍ يبرّكُ فقط. نعم: هلّا برّكتَ عليه إذا أعجبَكَ، ومعناه أنْ تقولَ: باركَ اللهُ فيه، أمَّا ما يذهبُ إليه بعضُ العامّةِ من قولِهم فقط: "ما شاءَ اللهُ" أو "لا إلهَ إلَّا الله" فلا.
………………………………………
س13: كيفَ يضبطُ طالبُ العلمِ المسائلَ الفقهيةَ؟ أو ما هي الطريقةُ المُثلى في دراسةِ الفقهِ؟ وهل ينبغي في البدايةِ دراسة الفقهِ على قولٍ واحدٍ؟
ج: المبتدأُ ينبغي أن يدرسَ بعضَ المتونِ المختصرةِ مثل "عمدةِ الفقهِ" ومن فوق "الزاد" وإن كان طويلًا، ولا يدخلُ في الخلافِ حتى يصبحَ لديه أصلٌ وقولٌ في المسألةِ يعرفُه، هذا من ناحيةِ العلمِ. أمَّا من ناحيةِ العملِ فعليه أن يستفتيَ من يثقُ بعلمِهِ وأمانتِهِ، ويستفتيَ من يعرفُ الخلافَ، هذا من جهةِ العملِ. أمَّا من جهةِ العلمِ فيدرسُ على المنهجِ هذا، بحفظِ متنٍ من المتونِ ومراجعته.
………………………………………
س14: ما حكمُ تاركِ الصلاةِ تهاونًا وكسلًا؟ وهل من يقولُ بأنَّه لا يكفرُ هل يُعدُّ من المرجئةِ؟
ج: لا يُعدُّ من المرجئةِ، أكثرُ الأئمةِ يرونَ أنَّه لا يكفرُ.
………………………………………
س15: هل نثبتُ للهِ صورةً لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنَّ اللهَ خلقَ آدمَ على صورتِه"؟
ج: هكذا يرى أهلُ السنّةِ، يُثبتونَ للهِ صورةً أخذًا بهذا الحديثِ، ومن أحاديثَ أخرى. له صورةٌ هي أحسنُ صورةٍ، ولا نعلمُ كيفيّتها، ولا تشبهُ سائرَ الصورِ، ولا تُشبهُ صورتُه صورةَ أحدٍ من العبادِ، ليس مثله شيءٌ لا في ذاتِه ولا في صفاتِه ولا في أفعالِه، وهكذا في الصفاتِ تفصيلًا، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] واللهُ أعلمُ.