بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّيام)
– الدّرس: الثّالث
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ على آلهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنِّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
(ومَنْ نوى الصومَ: ثم جُنَّ، أو أُغمي عليهِ جميعَ النهارِ ولم يُفِقْ جزءًا منهُ: لم يصحَّ صومُهُ)
– الشيخ: من نوى الصوّمَ في الليلِ عازمًا على الصيامِ ثمَّ زالَ عقلُه بالجنونِ، أو أغميَ عليه لعلّةٍ، والإغماءُ يزولُ به العقلُ، ولم يفقْ جزءًا من النَّهارِ؛ أي من الفجرِ إلى الغروبِ وهو في هذهِ الحالةِ؛ أي زائلُ العقلِ، يقولُ: "لم يصحَّ صومُهُ"؛ لأنَّه لم يعقلْ هذه العبادةِ. والمجنونُ غيرُ مكلّفٍ، والمغمى عليه قريبٌ من هذهِ الحالةِ أيضًا. والمغمَى عليه يتردّدُ عند أهلِ العلمِ بينَ المجنونِ وبينَ النائمِ، أمَّا إذا أفاقَ جزءًا من الوقتِ حصلتْ له نيّة الصيامِ، مثل المجنونِ الذي يغيبُ لكنَّه يفيقُ فإنَّ صيامَه يصحُّ.
– القارئ: (لا إنْ نامَ جميعَ النهارِ)
– الشيخ: إنسانٌ نوى الصيّامَ من الليلِ ثمَّ نامَ قبلَ الفجرِ ولم ينتبه إلَّا بعدَ غروبِ الشمسِ، يقولُ المؤلّفُ: يصحُّ صومُهُ. والفرقُ بينَه وبين المُغمَى أنَّ النائمَ مكلّفٌ وعنده قدرٌ من الإدراكِ وذلك بأنَّه إذا أُوقِظَ أستيقظَ وإذا نُبِّهَ انتبهَ، بخلافِ المغمَى عليه فإنَّه لا ينتبهُ لأنَّ عقلَه زائلٌ، أمَّا النائمُ فلا؛ لأنَّ عندَه قدرٌ من الإدراكِ والإحساسِ. فالفرقُ ظاهرٌ بين النائمِ والمُغمَى عليه، فالنائمُ يصحُّ صومُهُ ولو نامَ جميعَ النّهارِ.
– القارئ: (ويلزمُ المُغمَى عليهِ القضاءُ فقط)
– الشيخ: وهذا فرقٌ آخرُ بين المجنونِ والنائمِ، فالمغمَى عليه حالُهُ بينهما، فلهذا فُرِّقَ بينهما بالحكمِ. فالمجنونُ لا يصحُّ صومُهُ ولا قضاءَ عليه، والمغمى عليه لا يصحُّ صومُهُ وعليه القضاءُ فقط. والعبارةُ تُشعِرُ أنَّه ليسَ عليه أكثر من القضاءِ. وهل يحتملُ عليه أكثرُ من القضاءِ؟ لا يُحتملُ، لهذا نبّهَ عندكم الشيخُ محمّدٌ رحمهُ اللهُ على أنَّ فقط هذه ال(لا) ليس المُرادُ منها أنَّ المغمَى عليه لا يلزمُه شيءٌ آخرُ، بل لا يلزمُه إلَّا القضاءُ، يعني وأنَّها احترازٌ من أنْ يلزمَهُ إلَّا القضاءُ، بل يقولُ: صوابُ الكلامِ أنَّه قالَ: ويلزمُ المغمى عليه فقط القضاءُ، يعني دونَ المجنونِ، فكلمةُ "فقط" مقصودُها الاحترازُ من المجنونِ. أمَّا النائمُ جميعَ النهارِ فصيامُه صحيحٌ، فلا مجالَ لوجوبِ القضاءِ عليه، لكنَّ المغمى عليه يلزمُه القضاءُ فقط دونَ المجنونِ، فكانَ المناسبُ في التعبيرِ أن يُقدِّمَ كلمةَ "فقط" بأن يقولَ: ويلزمُ المغمَى عليه فقط القضاءُ.
– القارئ: (ويجبُ تعيينُ النيةِ من الليلِ لصومِ كلِّ يومٍ واجبٍ، لا نيةُ الفرضيةِ)
– الشيخ: "ويجبُ تعيينُ النيَّةَ من الليلِ"، أو يجبُ نيَّةُ الصيامِ من الليلِ لكلِّ يومِ صومٍ واجبٍ: كل ُّصيامٍ واجبٍ يجبُ تعيينُ نيّتِهِ من الليلِ للحديثِ المعروفِ الذي ذهبَ إلى معناهُ جمهورُ العلماءِ: "لا صيامَ لمن لم يُجمِعِ الصيّامَ من الليلِ"، يعني يعزمُ على الصيّامِ من الليلِ، فخرجَ بذلكَ من لم ينوي أصلًا، ومن يكونُ متردّدًا. فمن لم يعزِمِ الصيامَ من الليلِ لا يصحُّ صومُهُ، فلهذا قيلّ: "يجبُ تعيينُ النيّةِ من الليلِ لصومِ كلِّ يومٍ واجبٍ"، احترازًا من النافلةِ. "واجبٍ": صفةٌ للصيامِ، يعني لكلِّ صيامٍ واجبٍ.
ويقولُ: إنَّه لكلِّ يومٍ، فظاهرُ هذا العبارةِ أنَّه لا تكفي نيَّةُ صيامِ رمضانَ من أوّلِ الشهرِ. وهذه المسـألةُ ظاهرٌ أنَّ فيها قولانِ لأهلِ العلمِ، منهم من يقولُ: تكفي نيّةُ صيامِ رمضانَ من أوّلهِ، إذا دخلَ الشهرُ فإنَّ هذه النيّةَ تكفيه، فلا يحتاجُ إلى أنْ يجدّدَ نيَّةَ الصيامِ لكلِّ يومٍ. فلو قُدّرَ أن ينامَ إنسانٌ العصرَ ثمَّ لم يستيقظْ إلَّا بعدَ الفجرِ، هل نوى الصيامَ لذلك اليومِ؟ ما حضرتِ النيّةُ ولم ينوِ.
فمُقتضَى هذه الجملةِ والعبارةِ "لصومِ كلِّ يومٍ واجبٍ": أنَّه لا يصحُّ صيامُهُ لأنَّه لم ينوِ الصيامَ من الليلِ. والقولُ الآخرُ: أنَّه تكفي نيّةُ الصيامِ من أوّلِ الشهرِ، وهذا هو الحقُّ إن شاءَ اللهُ؛ لأنَّ المسلمَ طوالَ الشهرِ من أوّلِ ما دخلَ الشهرُ وهو عازمٌ على الصيامِ، فلو غَفلَ عن الصيامِ لسببٍ من الأسبابِ لنومٍ أو غيرِه فإنَّه يصحُّ صومُهُ.
"لا نيَّةُ الفرضية": طيب، إنسانٌ عليه قضاءُ يومٍ من رمضانَ، ونوى الصومَ غدًا لكنَّه لم يستحضرْ أنَّه قضاءٌ، هذا هو مقتضى العبارةِ، المهمَّ أنَّه ينوي الصيامَ ولا ينوي غيرَ الواجبِ، إذا نوى غيرَ الواجبِ انصرفَ، لكنَّه نوى الصومَ، أمَّا في أيامِ رمضانَ فالأمرُ ظاهرٌ من أنَّه ينوي الصيامَ ولا يلزمُهُ أن ينويَ أنَّه فريضةٌ. نضربُ لهذا مثلًا في الصلاةِ: إنسانٌ نوى أن يصلّيَ الظهرَ لكن لم يستحضرِ الفرضيةَ، وعند الموسوسين يقولُ: نويتُ أن أصليَ صلاةَ الظهرِ فرضًا أداءً مقتديًا بهذا الإمامِ، فلا يجبُ، فالذي يصلّي الظهرَ الحمدُ للهِ. ففي رمضانَ ينوي المسلمُ على هذا المذهبِ يلزمُهُ أن ينويَ لكلِّ يومٍ، والمهمُّ أنَّه ينوي الصيامَ، ولا يلزمُهُ أن ينويَ أنَّه فرضٌ لأنَّ هذا وقتُه، يعيّنه الوقتُ. وأمَّا القضاءُ فالظاهرُ أنَّه لا يتعيّنُ إلَّا بالنيةِ، كأنَّه يلزمُ أنَّه ينوي أنَّه قضاءٌ. أمَّا في رمضانَ فيعيّنُه الوقتُ مثل صلاةِ الظهرِ فإنَّ الوقتَ هو الذي يعيّنُها، فأنت منذُ أن توضّئتَ أردتَّ أن تصلّيَ الظهرَ، فعند تكبيرةِ الإحرامِ كبّرتَ تصليَ الظهرَ، ولا خطرَ ببالكِ أنَّها فريضةٌ، لأنَّ الظهرَ أصلًا فريضةٌ، وكذلك صيامُ رمضانَ في أيّامهِ فريضةٌ.
– القارئ: (ويصحُّ النفلُ بنيةٍ من النهارِ: قبلَ الزوالِ وبعدَه)
– الشيخ: هنا النفلُ اختلفَ حكمُهُ في النيّةِ عن الفرضِ، فالفرضُ لا يصحُّ إلَّا بنيَّةٍ من الليلِ لأنَّه إذا لم ينوِ من الليلِ، ما نوى إلَّا بعدَ ما بزغَ الفجرُ استأنفَ وبدى له أن يصومَ. هذا الجزءُ الذي ذهبَ دقيقةٌ أو نصفُ دقيقةٍ هذا خرجَ عن حكمِ الصيامِ، لم ينوِ فيه الصيامَ. فلا يصحُّ إلَّا بنيّةٍ حتى تحيطَ النيّةُ بكلِّ وقتِ الصومِ الواجبِ منذُ البدايةِ. أمَّا النفلُ فيصحُّ بنيّةٍ من النهارِ، وهذا من وجوهِ التوسعةِ والتيسيرِ لأمرِ التطوّعاتِ، وهذه قاعدةُ الشريعةِ؛ وهي التيسيرُ في النوافلِ ليتزوّدوا من نوافلِ الطاعاتِ في الصيامِ وفي الصلاةِ أو غيرِ ذلك. فالنوافلُ أحكامُها أوسعُ وأيسرُ، ومن ذلك جوازُ صلاةِ النافلةِ على الراحلةِ، وجوازُ الصلاةِ من قعودٍ، وهكذا صومُ التطوعِ يصحُّ بنيّةٍ من النهارِ. وقد جاءَ في الحديثِ الصحيحِ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- "جاءَ إلى أهلِه فقال هل عندَكم شيءٌ من طعامٍ؟ قالوا لا، فقال إذًا أنا صائمٌ، أو فأنا صائمٌ إذًا"، فظاهرُ الحديثِ أنَّه استأنفَ الصيامَ في تلكَ اللحظةِ.
يقولُ المؤلّفُ: "قبلَ الزوالِ وبعدَه": ومن العلماءِ من يقولُ: أنَّه لا يصحُّ إلَّا قبلَ الزوالِ؛ لأنَّه بعدَ الزوالِ يكونُ قد ذهبَ نصفُ النهارِ أو أكثرُه. والأظهرُ أنَّه لا مُوجِبَ لهذا التقييدِ، هذا التقييدُ ليس له دليلٌ بل له تعليلٌ، والتعليلُ يحتاجُ إلى دليلٍ. فيصحُّ بنيّةٍ من النهارِ، لكن يُشترطُ لنيّةِ الصيامِ من النهارِ أن لا يكونَ قد أكلَ شيئًا مفطّرًا، فإن كان قد أفطرَ -يعني أكلَ في الصباحِ- فليسَ له أن يقولَ: لعلّي أصومُ بقيّةَ هذا اليومِ.
فيُلاحظُ أنَّه لم يصحَّ صيامُه إلَّا أن يكونَ قد أمسكَ من أوّلِ النهارِ، لكنَّ الأولَ هو صائمٌ لا بنيّةٍ، هو ممسكٌ لم يأكلْ ولا شيء، فالإمساكُ بلا نيّةٍ هو إمساكٌ، لكن لا يصحُّ عبادةً. فإذا نوى في أثناءِ النهارِ صارَ إمساكُه بعدَ النيّةِ عبادةً، وقبلَه ليس بعبادةٍ، فلا يُؤجَرُ على ما مضى منه، إنّما يُثابُ من وقتِ النيةِ، فمن نوى الصيامَ في الساعةِ الحاديةِ عشرَ قبلَ الظهرِ ظَفِرَ بنصفِ يومٍ تقريبًا. ولهذا نقولُ إنَّ أيامَ التطوعِ الفاضلة َالتي يُرغّبُ في صيامِها كالاثنينِ يصحُّ صيامُه من النهارِ لكن لا يكونُ كاملًا، هل يكونُ قد صامَ يومَ الإثنين؟ هل يقولُ لنفسِه أنّه صامَ الإثنين؟ صامَ بعضَ اليومِ، ويردُ هذا في صيامِ البيضِ وفي صيامِ الستِّ. وكثيرٌ من الناسِ يسألونَ عن حكمِ صيامِ الستِّ بنيّةٍ من النهارِ، نقولُ: يصحُّ صيامُه بنيّةٍ من النهارِ، لكن يكونُ صيامُه ناقصًا، لا يكونُ قد صامَ الستَّ. صامَ يومينِ من أوّلِ النهارِ، ويومين بنيّةٍ من النهارِ، هذا ما صامَ أربعةَ أيامٍ. فلا يعتدُّ لهُ إلَّا من وقتِ النيّةِ لقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنّما الأعمالُ بالنيّاتِ، وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، فليس له إلَّا ما نوى. فنقولُ له: صيامُك على القدرِ الذي صمتَه صحيحٌ، لكن ما يعتدُّ به في صيامِ الإثنينِ فيكونُ صيامُه ليومِ الإثنينِ ناقصًا، وكذلك للستِّ وللبيضِ. فالأيامُ المعيّنةُ المرغَّبِ في صيامِها لا تكونُ كاملةً إلَّا بنيّةٍ من الليلِ، لا يكونُ صيامُها كاملًا إلَّا بنيةٍ من الليلِ.
– القارئ: (ولو نوى إنْ كانَ غدًا من رمضانَ فهو فرضي: لم يُجزئهُ)
– الشيخ: لو نوى ليلةَ الشكِّ ولم يأتِ خبرٌ، ونامَ قبلَ أن يأتيَ خبرٌ فنوى نيّةً معلّقةً: إن كان غدًا من رمضانَ فهو فرضي، يقولُ المؤلّفُ: لم يُجزئْهُ؛ لأنَّ قولَه: إن كانَ من رمضانَ فهو فرضي فيه تردّدٌ، هذا وجهُهُ، متردّدٌ لم يعزمْ. وذكرَ الشيخُ محمّدٌ عندَكم أنَّه في قولٍ آخرَ يُجزئُه، وأنَّ هذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ؛ لأنّه ناوٍ للصيامِ، هو عازمٌ على أن يصومَ، يعني هو غيرُ متردّدٍ في نيّةِ الصيامِ بل هو عازمٌ على الصيامِ، لكن يقولُ: إن كان غدًا من رمضانَ فهو فرضي، يعني وإن لم يكن فإنَّه يكونُ له تطوعًا، ولا سيّما أنَّه قالَ فيما سبقَ: "لا نيَّةَ الفرضية"، فهو عازمٌ على الصيامِ، فليسَ تردّدُهُ في أصلِ الصيامِ، بل هو عازمٌ عليه ومُبيتٌ للنيةِ لكنَّه يقولُ: إن كان غدًا من رمضانَ فهو فرضي. و "لو" في مصطلحِ الحنابلةِ فيه إشارةٌ إلى الخلافِ القويِّ.
– القارئ: (ومن نوى الإفطارَ: أفطرَ)
– الشيخ: رجلٌ من الصباحِ إلى المساءِ لم يأكلْ شيئًا، هل يُعتبرُ صائمًا؟ لا، لأنَّ امتناعَه عن الأكلِ والشربِ لم يكن بقصدٍ، فالصيامُ عملٌ بنيّةٍ وشرطُه النيّةُ ودوامُ النيّةِ، فالعزمُ عليه يكونُ من الليلِ، ويجبُ أن تستمرَّ هذه النيّةُ، يستصحبُ هذه النيّةَ طيلةَ يومِهِ، فلو أنَّه نوى الإفطارَ اعتُبِرَ أنَّه مفطرٌ. يعني أنا الآنَ لستُ بصائمٍ خلص أفطرَ ولو لم يأكلْ ويشربْ، لكن واحد فكّرَ أنَّه يُفطرُ وما نوى أنَّه مفطرٌ، هذا يمكنُ أن نفكّرَ وأن نفصِّلَ فيه. إن عزمَ على الإفطارِ بعزمٍ ويمكنُ أنَّه ذهبَ ليبحثَ عن شيءٍ يأكُلُه لكنَّه لم يجدْ شيئًا؛ هذا أفطرَ لأنَّه عزمَ على الأكلِ والشربِ لكنَّه لم يجدْ، ومن نوى الفعلَ وفعلَ ما يقدرُ عليه فحكمُهُ حكمُ الفاعلِ، لكنَّ الآخرَ نوى أن يأكلَ وراحَ يبحثُ ووجدَ لكنَّه كفَّ ورجعَ عن نيّتِه، فهذا أرجو أنَّه لا يفسدُ صومُه، ونيّتُهُ تلكَ غيرُ جازمةٍ، لأنَّها لو كانت جازمةً لأكلَ لأنَّه وجدَ.
– مداخلة: من لم يجدْ، وحديثُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "هل عندكم من شيءٍ"؟
– الشيخ: بطلَ صومُه، وحديثُ النبيِّ لا يردُ على هذا، فأولًا: هذا في صومِ التطوّعِ، والشيءُ الثاني: "هل عندكم من شيءٌ؟" يعني مرتين، مرةً قالوا نعم فقرّبوه له وقال: "لقد أصبحتُ صائمًا فأكلَ"، وفي المرّةِ الثانيةِ قالوا له: لا، فقال: "فإذًا أنا صائمٌ"، يعني حُملَ على أنَّه استأنفَ الصيامَ، وهذا هو الذي استُدلَّ به على صحةِ صومِ النفلِ بنيّةٍ من النهارِ.
– مداخلة: يعني لم يكن ناويًا للصيام قبل ذلك؟
– الشيخ: عندما قالوا له: لا يوجدُ شيءٌ.
– مداخلة: ذهبَ ليبحثَ عن طعامٍ لكنَّه لم يجدْ شيئًا في صيامِ التطوّعِ، لكنَّه نوى الإفطارَ؟
– الشيخ: يفسدُ صومُه لكنّه سهلٌ، يستأنفُ النيّةَ وتصحُّ نيّتُه.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «لا نيّةَ الفرضية»: أي لا تجبُ نيّةُ الفريضةُ، يعني لا يجبُ أن ينويَ أنَّه يصومُ فرضًا، لأنَّ التعيينَ يُغني عن ذلكَ، فإذا نوى صيامَ رمضانَ، فمعلومٌ أنَّ صيامَ رمضانَ فرضٌ، وإذا نوى الصيامَ كفارةَ قتلٍ أو يمينٍ فمعلومٌ أنَّه فرضٌ، كما قلنا في الصلاةِ: إذا نوى أن يصليَ الظهرَ لا يحتاجُ أن ينويَ أنّها فريضةٌ؛ لأنَّه معروفٌ أنَّ الظهرَ فريضةٌ، وعلى هذا فنيّةُ الفريضةِ ليست بشرطٍ. ولكن هل الأفضلُ أن ينويَ القيامَ بالفريضةِ أو لا؟ الجوابُ: الأفضلُ أن ينويَ القيامَ بالفريضةِ، أي: أن ينويَ صومَ رمضانَ على أنَّه قائمٌ بفريضةٍ؛ لأنَّ الفرضَ أحبُّ إلى اللهِ من النفلِ.
– الشيخ: بالنسبةِ لقولِ الشيخِ: أنَّ الأفضلَ أن ينويَ القيامَ بالفريضةِ؛ عندي فيه نظرٌ. مادامت الفرضيّةُ صفةً لازمةً لصلاةِ الظهرِ فهل يُقالُ قولُه سبحانَه في الحديثِ القدسيِ: "وما تقرّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه" يعني هل يزولُ عنه هذا الحكمُ إذا نوى صلاةَ الظهرِ ولم يستحضرِ الفرضيةَ؟ هل يكونُ أجرُهُ دونَ أجرِ من استحضرَ الفرضيّةَ؟ هذا فيه نظرٌ، والذي يظهرُ أنَّه لا فرقَ بينهما، لكن يمكنُ أن يقالَ: أنَّ استشعارَ الوجوبِ، وإلَّا فإنَّ الفرضَ مؤدّيهِ.
قال في الروضِ: «من قالَ أنا صائمٌ غدًا إن شاءَ اللهِ مترددًا فسدت نيّتُه، لا متبركًا»
– الشيخ: "ومن قالَ أنا صائمٌ غدًا إن شاءَ اللهُ وهو متردّدٌ": فهذا في أُسلوبِنا الجاري أنَّه متردّدٌ، فلا يكونُ قولُه هذا تبييتٌ للنيّةِ، فلا تصحُّ له نيَّةُ الصيامِ. أمَّا إذا قالَه متبركًا بذكرِ اللهِ وتعليقًا للأمرِ على مشيئةِ اللهِ، لأنّه لا يدري ما يتمُّ له من حالِه، وتحسُّ من نبرةِ الكلامِ أنَّه ليس تعليقًا بل هو تحقيقٌ. فإنْ قالَه مترددًا لم يصحَّ منه، وإن قالَه متبركًا واحتياطًا لتحقّقِ صيامِه وما نوى صحّتْ نيّتُهُ.
– القارئ: أي: إذا قالَ: أنا صائمٌ غدًا إن شاءَ اللهُ، ننظرُ هل مُرادُه الاستعانةُ بالتّعليقِ بالمشيئةِ لتحقيقِ مرادِه، إن قال: نعم، فصيامُه صحيحٌ؛ لأنَّ هذا ليس تعليقًا، ولكنَّه استعانةٌ بالتعليقِ بالمشيئةِ لتحقيقِ مرادِه؛ لأنَّ التعليقَ بالمشيئةِ سببٌ لتحقيقِ المرادِ، ويدلُّ لهذا حديثُ نبيِّ اللهِ سليمانَ بن داودَ ـ عليهما الصلاةُ والسلامُ ـ حين قال: «واللهِ لأطوفنَّ الليلةَ على تسعينَ امرأةٍ تَلِدُ كلُّ واحدةٍ منهنَّ غلامًا يُقاتلُ في سبيلِ اللهِ، فقيلَ له: قل: إن شاءَ اللهُ، فلم يقلْ، فطافَ على تسعينَ امرأةٍ يجامِعُهنَّ، ولم تلدْ منهنَّ إلَّا واحدةٌ شقَّ إنسانٍ» فقالَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «لو قالَ إن شاءَ اللهُ لكانَ دركًا لحاجتِه»
وإن قالَ ذلك مترددًا يعني لا يدري هل يصومُ أو لا يصومُ، فإنَّه لا يصحُّ؛ لأنَّ النيّةَ لابدَّ فيها من الجزمِ، فلو باتَ على هذهِ النيةِ بأن قال: أنا صائمٌ غدًا إن شاءَ اللهُ مترددًا، فإنّ صومَه لا يصحُّ إن كان فرضًا، إلَّا أن يستيقظَ قبلَ الفجرِ وينويهِ. وقال في الروضِ: «ويكفي في النيّةِ الأكلُ والشربُ، بنيّةِ الصومِ»: أي لو قامَ في آخرِ الليلِ وأكلَ على أنَّه سحورٌ لكفى؛ حتى قال شيخُ الإسلامِ: إنَّ عشاءَ الصائمِ الذي يصومُ غدًا يختلفُ عن عشاءِ من لا يصومُ غدًا، فالذي لا يصومُ عشاءُه أكثرُ، لأنَّ الصائمَ سوفَ يجعلُ فراغًا للسحورِ.
– الشيخ: هل من الممكنِ أن يقومَ الشخصُ للسحورِ بلا نيّةٍ؟ النيّةُ لازمةٌ له، إذا قامَ وأكلَ وشربَ فإنَّ النيّةَ لا تنفكُّ عنه. فلو فرضنا على سبيلِ الفرضِ أنَّ شخصًا انتبَهَ وهو جائعٌ ولم يأكلْ بالليلِ، وعنده طعامٌ وأكلَ وشربَ في هذا الوقتِ، أكلَ من أجلِ الجوعِ، فهل هذا يُجزئُه نيّةٌ؟ فإنّه لا يعتبرُ أكلُه وشربُه نيّةٌ له، أمّا من أكلَ وشربَ في السحورِ فالنيّةُ حاصلةٌ له ولابُدَّ، لأنَّك إن سألتَه لماذا تأكلُ سيقولُ لك: أتسحَّرُ، فكلمةُ أتسحّرُ فيها نيّةٌ للصيامِ ولابدَّ.
– القارئ: ويصحُّ النَّفْلُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ …
قولُه: «ويصحُّ النفلُ بنيّةٍ من النهارِ قبلَ الزوالِ أو بعدَه»: أي يصحُّ صومُ النفلِ بنيّةٍ من النهارِ قبلَ الزوالِ أو بعدَه، وهذا مقابلُ قولِه: «يجبُ تعيينُ النيّةِ من الليلِ لصومِ كلِّ يومٍ واجبٍ»، فصيامُ النفلِ يصحُّ بنيّةٍ أثناءَ النهارِ، ولكن بشرطِ ألَّا يأتي مفطِّرًا من بعدِ طلوعِ الفجرِ، فإنْ أتى بمفطرٍ فإنَّه لا يصحُّ.
– الشيخ: أتى بمفطّرٍ من أكلٍ أو شربٍ أو جماعٍ، وكذلك من كانَ على حالٍ يتعذّرُ فيها الصيامُ. يعني المرأةُ إذا طهُرتْ في أثناءِ النهارِ لا يصحُّ صيامُها بقيّةَ النهارِ تطوعًا لأنَّها في أوّلَ النهارِ ليست ممن يصحُّ صيامُه، فلا يصحُّ لها أن تنويَ الصيامَ في أثناءِ اليومِ، فهي في مثابةِ الآكلِ والشاربِ وإن لم تأكلْ وتشربْ، لأنَّه أصلًا الصيامُ لا يُتصوَّرُ منها.
– القارئ: مثالُ ذلك: رجلٌ أصبحَ وفي أثناءِ النهارِ صامَ وهو لم يأكلْ ولم يشربْ ولم يجامعْ ولم يفعلْ ما يفطّرُ بعدَ الفجرِ؛ فصومُه صحيحٌ مع أنَّه لم ينوِ من قبلِ الفجرِ، ودليلُ ذلك أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-دخلَ ذاتَ يومٍ على أهلِه فقال: «هل عندكم من شيءٍ؟ قالوا: لا، قال فإنّي إذًا صائمٌ».
وقولُه «إذًا» في الحديثِ: ظرفٌ للزمانِ الحاضرِ، فأنشأَ النيّةَ من النهارِ، فدلَّ ذلك على جوازِ إنشاءِ النيّةِ في النفلِ في أثناءِ النهارِ. فإذا قال قائلٌ: قد ننازعُ في دلالةِ هذا الحديثِ ونقولُ معنى «إنّي إذًا صائمٌ»: أي ممسكٌ عن الطعامِ، من الذي يقولُ: إنّ المرادَ بالصومِ هنا الصومُ الشرعيُّ؟ قلنا: عندنا قاعدةٌ شرعيةٌ أصوليةٌ وهي: أنّ الكلامَ المطلقَ يُحمَلُ على الحقيقةِ في عرفِ المتكلِّم ِبه، والحقيقةُ الشرعيةُ في الصومِ هي التعبّدُ للهِ بالإمساكِ عن المفطراتِ من طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ، فلا يمكنُ أن نحملَ لفظًا جاءَ في لسانِ الشارعِ على معناه الّلغوي وله حقيقةٌ شرعيةٌ. نعم لو فُرِضَ أنَّه ليسَ هناك حقيقةٌ شرعيةٌ حملناهُ على الحقيقةِ اللغويةِ، أمَّا مع وجودِ الحقيقةِ الشرعيةِ فيجبُ أن يُحمَلَ عليها …
– الشيخ: مثل الوضوءِ في بعضِ الأحاديثِ، يعني الأصلُ إذا وردَ الوضوءُ فإنَّه الوضوءُ الشرعيُّ، لا مطلقُ غسلِ اليدينِ مثلًا.
– القارئ: ولكن هل يُثابُ ثوابَ يومٍ كاملٍ، أو يثابُ من النيّةِ؟ في هذا قولان للعلماءِ: القولُ الأوّلُ: أنَّه يُثابُ من أوّلِ النّهارِ؛ لأنَّ الصومَ الشرعيَّ لابدَّ أن يكونَ من أوّلِ النّهارِ. القولُ الثاني: أنَّه لا يُثابُ إلّا من وقتِ النيّةِ فقط، فإذا نوى عندَ الزّوالِ، فأجرُهُ أجرُ نصفِ يومٍ، وهذا القولُ هو الرّاجحُ لقولِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «إنّما الأعماُل بالنيّاتِ وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى»، وهذا الرّجلُ لم ينوِ إلّا أثناءَ النهارِ فيحسبُ له الأجرُ من حينِ نيّته.
– الشيخ: واللهُ سبحانَه وتعالى لا يسوّي بين المختلفاتِ، فلا ُيسوّي بين من لم ينوِ إلَّا عندَ الزوالِ بمن نوى من الليلِ فإنَّ الثاني كانَ في عبادةٍ من أوّلِ النّهارِ، وأمّا الآخرُ لم يكن في عبادةٍ من أوّلِ النّهارِ فلا يستويان.
– القارئ: وقولُه: «قبلَ الزوالِ وبعدَه»: إذا قالَ قائلٌ: لا حاجةَ لقولِه قبلَ الزّوالِ وبعدَه لأنَّه قال: «ويصحُّ النّفلُ بنيّةٍ من النهارِ» فلا حاجةَ إلى قولِه: «قبلَ الزوالِ وبعدَه» قلنا: نعم هذا صحيحٌ، لكن احتاجَ المؤلّفُ إلى هذا؛ لأنّ في المسألةِ قولًا آخرَ، وهو أنَّه لا يصحُّ نيّةُ النفلِ بعدَ الزّوالِ؛ وتعليلُهم أنَّه مضى أكثرُ اليومِ مفطرًا بدونِ نيّةٍ، والحكمُ في الأشياءِ للأغلبِ والأكثرِ، فما دامَ أكثرُ النهارِ مرَّ عليه بدونِ نيّةٍ فإذا نوى بعدَ الزوالِ لم يكن صومًا؛ ولهذا احتاجَ المؤلّفُ أنَ يقولَ: «قبلَ الزوالِ وبعدَه».
– مداخلة: لو نوى بعدَ العصرِ؟
– الشيخ: كلُّهُ واحدٌ، يعني التقيّدُ قبلَ الزوالِ أو بعدَهُ أو قبلَ العصرِ أو بعدَهُ، يعني الحمدُ للهِ فضلُ اللهِ واسعٌ. يعني لو أتى شخصٌ وقد أمسكَ من بعدِ الظهرِ هل تقولُ له: لا تكملْ وصيامُك غيرُ صحيحٍ؟ لا، الأمرُ واسعٌ إن شاءَ اللهُ، والتطوّعُ قاعدةُ الشريعةِ فيه التوسعةُ.
– مداخلة: عندي سؤالٌ في كلمةِ "فقط"، ويلزمُ المغمَى عليه القضاءُ فقط، في شرحِ الشيخِ صالحِ الفوزان يقولُ: وليسَ عليه كفّارةٌ لأنَّه لم يتعمّدْ إبطالَ صيامِه؟
– الشيخ: هذا يُرجعُ إلى شروحٍ أخرى.
القارئُ يقرأُ من الروضِ المربعِ:
(ويلزمُ المغمَى عليه القضاءُ) أي قضاءُ الصومِ الواجبِ زمنَ الإغماءِ؛ لأنَّ مدّتَه لا تطولُ غالبًا فلم يزلْ به التكليفُ (فقط) بخلافِ المجنونِ فلا قضاءَ عليه لزوالِ تكليفِه.
– الشيخ: جعلَ "فقط" احترازًا للمجنونِ. وقولُ الشيخِ محمّدٍ مطابقٌ لقولِ صاحبِ الروضِ، لأنَّ الإطعامَ ليسَ له مناسبةٌ.
– مداخلة: …
– الشيخ: الحاملُ والمرضعُ لها شأنٌ آخرُ، وهذا ما أفطرَ أصلًا، والحاملُ والمرضعُ أفطرتْ لخوفِها على نفسِها وعلى الولدِ. "بخلافِ المجنونِ": هي تفسيرٌ لقولِه: "فقط"، والشيخُ محمّدٌ يقترحُ أنَّ المفروضَ أنَّ العبارةَ تقدّمت فقط ما دامَ هذا هو المرادُ، ما دامَ هذا المرادُ كانَ المناسبُ: ويلزمُ المغمَى عليه فقط.
– مداخلة: النيّةُ من النهارِ في التطوعِ لها فرقٌ بين التطوعِ المطلقِ وبينَ صيامِ الإثنينِ وعرفةِ وعاشوراء مثلًا؟
– الشيخ: أنا ذكرتُ الفرقَ. مثلًا الذي يصومُ الإثنينَ ومن عادتِه أنَّه يصومُ الإثنينَ ما يتحقّقُ له مرادُهُ وإن كنّا نقولُ أنَّ صيامَه صحيحٌ، وأنا قرّرتُ المعنى: من صامَ بنيّةٍ من النهارِ يومَ الإثنينِ هل صامَ يومَ الإثنين؟ صامَ بعضَه، ويصحُّ صيامُ بعضِه؟ نعم، وكذلك أيامُ البيضِ والستِّ وعرفة وعاشوراءَ وغيره.
القارئُ يقرأُ من الروضِ المربعِ:
(ومن نوى الإفطارَ أفطرَ) أي صارَ كمن لم ينوِ لقطعِهِ النيّةَ، وليس كمن أكلَ أو شربَ.
– الشيخ: يعني واحدٌ متطوعٌ ونوى الإفطارَ فسدَ صومُه إن كان فرضًا، لكن إن كان متطوعًا صحَّ أن يستأنفَ، لكن لو أكلَ وشربَ خلص لا يمكنُه أن يستأنفَ نيّةَ الصيامِ لشرطِه المتقدِّمِ.
– القارئ: فيصحُّ أن ينويَه نفلًا بغيِر رمضانَ. ومن قطعَ نيّةَ نذرٍ أو كفارةٍ ثمَّ نواهُ نفلًا، أو قلبَ نيّتهما إلى نفلٍ صحَّ، كما لو انتقلَ من فرضِ صلاةٍ إلى نفلِها.
– الشيخ: نعم، لكن صحَّ القدرُ الذي يتطوّعُ به، لكن لا يصحُّ كفارةً. يعني إنسانٌ صائمٌ عن كفارةٍ ثمَّ قطعَ النيّةَ، هل يصحُّ أن يستأنفَه تطوعًا؟ نقولُ: نعم يستأنفُهُ تطوعًا، لكنَّ الواجبَ أو الفرضَ الذي في ذمّته لابدَّ من الإتيانِ به.
– مداخلة: لو أنَّه نامَ يومين أو ثلاثةً، يصحُّ صيامُه؟
– الشيخ: مُوجِبُ الكلامِ واحدٌ.
الأسئلة:
س1: الصائمُ قضاءً هل يشملُه قولُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "الصائمُ المتطوعُ أميرُ نفسه" فيكونُ له الفطرُ والقضاءُ في يومٍ آخر؟
ج: لا، نصَّ العلماءُ على أنَّه من شرعَ في الواجبِ ليس له أن يقطعَه. فالذي يصومُ قضاءً لا يجوزُ له أن يفطرَ من غيرِ عذرٍ، كمن شرعَ في صلاةِ فريضةٍ فلا يجوزُ له أن يحوّلها إلى تطوعٍ من غيرِ عذرٍ.
…………………………………..
س2: قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "من صامَ يومًا في سبيلِ الله …"، ما المقصودُ بقولِه في سبيلِ اللهِ؟
ج: بعضُهم قال فيه احتمالُ أن يكونَ بنيّةٍ خالصةٍ، ويحتملُ مجاهدًا في سبيلِ اللهِ في الوقتِ الذي لا يضعفُه عن الجهادِ. افرضْ أنَّ مجاهدًا في سبيلِ اللهِ وهناك أيام ليسَ فيها عملٌ ولا قتالٌ ولا حربٌ فإنَّه يحتملُ أيضًا، فاللفظُ محتملٌ لكلا الأمرين.
…………………………………..
س3: لو قيلَ للحالفِ: قل: "إن شاءَ اللهُ"، فقالَ إن شاءَ اللهُ فهل يحنثُ إن لم يفعلْ ما حلفَ عليه؟
ج: لا يحنثُ.
……………………………………
س4: هل يصحُّ صومُ القضاءِ إن لم ينوِ من الليلِ؟
ج: لا يصحُّ، لابدَّ أن ينويَ من الليلِ.
…………………………………..
س5: كنتُ صائمًا نفلًا فأُخبرتُ أنَّ الغداءَ سيكونُ جاهزًا بعدَ ساعةٍ ونصفٍ، فقلتُ: أحضروا الطعامَ فأنا مفطرٌ، فتأخّرَ الطعامُ وذهبَ جوعي فأكملتُ الصيامَ، فهل صيامي صحيحٌ؟
ج: صحيحٌ، لكن قد يُقالُ: فاتَكَ جزءٌ منه، يعني حينَ نويتَ الفطرَ ثمَّ استدركتَ ورجعتَ.
…………………………………..
س6: ما الفرقُ بين من عزمَ على الفطرِ في صيامِ الفرضِ ولم يجدْ شيئًا فسدَ صومُه، وبين من عزمَ وبحثَ ثم كفَّ، فقلتم: لا يفسدُ صومُه؟
ج: الفرقُ ظاهرٌ، لأنَّ هذا لم ينتقضْ عزمُه لكنَّه كما قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في ذاكَ: "إنَّه كانَ حريصًا على قتلِ صاحبِه"، فذلك الذي لم يجدْ لم ينحلَّ عزمُه، لكنَّه عجزَ، أمَّا الآخرُ انتقضَ عزمُه وتركَ.
…………………………………..
س7: قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "هل عندكم من شيءٍ؟ قالوا لا، فقال: إذًا إنّي صائمٌ"، وجَّهَ بعضُهم الحديثَ إلى أنّني سأكملُ صيامي لأنَّه كان صائمًا من الفجرِ فأكملَ الصيامَ؟
ج: هذا اختلافٌ عندَ أهلِ العلمِ وهو كثيرٌ، لكن هذا هو القولُ المعروفُ والمشهورُ هو عمدةُ أهلِ العلمِ، هذا الحديثُ هو عمدةُ أهلِ العلمِ في صحّةِ نيّةِ صيامِ التطوعِ من النهارِ.
…………………………………..
س8: هل يكتبُ أجرُ من نوى في النهارِ صيامَ النافلةِ صيامًا تامًا، أم يبدأُ الأجرَ من عندِ النيّةِ؟
ج: هذا حصلَ ذكرُهُ والكلامُ عليه والوقوفُ معه، فالمقصودُ "إنّما الأعمالُ بالنيّاتِ وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى"، ليس له من أجرِ الصيامِ إلّا من وقتِ النيّةِ.
…………………………………..
س9: إذا صمتُ نافلةً وأردتُّ الأكلُ قبلَ غروبِ الشمسِ فهل عليَّ شيءٌ؟
ج: إن نوى الأكلَ واستأنفَ فإنَّه يُرجَى له إن شاءَ اللهُ أن يُكتبَ له ما نوى من الصيامِ.
…………………………………..
س10: ما دليلُ قولِ من قالَ: أنَّ النيَّةَ، نيةَ صومِ رمضانَ تكفي من أوّلِ الشهرِ، وما ردّهم على الحديثِ الذي أوردَه الأصحابُ؟
ج: المسلمُ من أوّلِ رمضانَ نيّتُه موجودةٌ، نيّتُهُ مُستصحبةٌ، يعني إمّا أن تكونَ النيّةُ موجودةً بالفعلِ، أو أنَّها موجودةٌ كما يٌقالٌ بالقوّةِ، فالذي في المثالِ الذي ذكرناه أنَّه نامَ قبلَ العصرِ ولم يستيقظْ إلَّا بعدَ طلوعِ الفجرِ، فالنيّةُ موجودٌ بالقوةِ، لكن لم يمنعْها إلَّا النومُ.
…………………………………..
س11: هل يجوزُ العملُ في شركةٍ رأسُ مالِها مختلطٌ، مالٌ شخصيٌّ، وعشرون بالمئةِ قرضٌ ربويٌّ؟ وهل من توجيهٍ؟ ويقولُ: أنَّ الشركةَ تبيعُ موادَ البناءِ، وصاحبُها مسلمٌ، والعذرُ من القرضِ من أجلِ ألا يستفيدَ البنكُ من الودائعِ الماليةِ؟
ج: "دعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ"، اطلبِ الكسبَ الصافي النظيفَ، والسؤالُ يحتاجُ إلى مباشرةٍ في السؤالِ، والمقصودُ أنَّه عندنا أصولٌ وعندنا مثلُ قولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ، فمن اتّقى الشبهاتِ فقد استبرئَ لدينِه وعرضِه"، و "دعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ".
…………………………………..
س12: من يصلّي في طريقِ المارّةِ بحيثُ يحجبُ الناسَ من المرورِ، هل يجوزُ المرورُ بين يديهِ؟ وهل له حرمةُ السُّترةِ؟
ج: الذي يصلّي في طريقِ الناسِ فالنّاسُ أحقُّ به وهو الذي عرّضَ نفسَه، فيجوزُ لهم المرورُ لأنَّ الحقَّ لهم، وهو الذي فرّطَ.
…………………………………..
س13: متى يُقالُ دعاءُ دخولِ المسجدِ، عندَ دخولِ ساحتِه، أم المسجدِ المسقوفِ؟
ج: عند دخولِ الساحةِ، من أوّلِ البابِ، لأنَّ الساحةَ من المسجدِ، إلّا الساحاتِ في الحرمِ بمكّةَ فإنّها ليست من المسجدِ.
……………………………………
– مداخلة: حديثُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في دعاءِ الاستسقاءِ من أنَّه رفعَ يديه، هل يُقالُ هذا في دعاءِ الجمعةِ في رفعِ الخطيبِ ليديهِ؟
– الشيخ: لو فعلَهُ ما هو استسقاء.