بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّيام)
– الدّرس: الخامس
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنِّفُ رحمهُ اللهُ تعالى في تتمّةِ كلامِه في بابِ ما يفسدُ الصومَ ويُوجِبُ الكفّارةَ:
(لا ناسيًا، أو مكرهًا، أو طارَ إلى حلقِه ذبابٌ، أو غبارٌ، أو فَكَّرَ فأنزلَ، أو احتلمَ، أو أصبحَ في فيه طعامٌ فلفظَهُ، أو اغتسلَ، أو تمضمضَ، أو استنثرَ، أو زادَ على الثلاثِ، أو بالغَ فدخلَ الماءُ حلقَهُ: لم يَفْسُدْ)
– الشيخ: بعد أن ذكرَ المؤلّفُ مفسداتِ الصيامِ المتّفقِ عليها والمُختلَفِ فيها نبّه إلى ما لا يُفسِدُ الصيامَ ممَّا يشتبهُ بالمُفطِّرات. "لا ناسيًا": يعني لا إن أكلَ ناسيًا أو شربَ ناسيًا. فمن أكلَ أو شربَ ناسيًا لم يفسدْ صومُه أو استقاءَ ناسيًا، وقد صحَّ عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "من نسيَ فأكلَ أو شربَ فليتمَّ صومَه فإنَّما أطعمَهُ اللهُ وسقاهُ"، وقال في الحديثِ العامِّ: "إنَّ اللهَ تجاوزَ عن أمتي الخطأَ والنسيانَ"، وقال سبحانَهُ وتعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]. "أو مكرهًا": وكذلك المُكرَهُ، من أكلَ أو شربَ مُكرهًا كذلك لا يفسدُ صومُه، فاللهُ تعالى قد عفا عن المُكرَهِ في كلمةِ الكفرِ فكيفَ بما دونه.
"أو طارَ إلى حلقِهِ ذبابٌ": هذه من نوعٍ ثانٍ، لأنَّه من شروطِ المفسداتِ أن يكونَ مختارًا، وهذه الأمورُ الآتيةُ غيرُ اختياريّةٍ، فمن دخلَ في فمهِ ذبابٌ فهذا ليس باختيارِهِ بل هو مكروهٌ له أصلًا. أو "غبارٌ": فكذلك، مثلًا كأن يعملَ في مجالِ الحفريّاتِ أو الهدمِ فإنّه ينتجُ عنها غبارٌ ويدخلُ فمَهُ لكن كلّ هذا ليس باختيارِه.
"أو فكّرَ فأنزلَ": يعني فكَّر في حالةِ الجماعِ، والعادةُ أنَّه إذا فكَّرَ في حالِ الجماعِ فإنَّ الشهوةَ عند الإنسانِ تثورُ. يقولُ المؤلّفُ: إذا أنَّه فكَّرَ فأنزلَ لم يفسدْ صومُه، ومُقتضَى إطلاقِ كلامِ المؤلّفِ حتى لو أنَّه فكّرَ وتابعَ في التفكيرِ ليستمتعَ بالتفكيرِ ولِيُنزلَ، وعندي في الحقيقةِ على هذا تحفّظٌ وتوقّفٌ. إذا فكّرَ تفكيرًا عارضًا فثارت شهوتُه فأنزلَ فهذا أمرٌ عارضٌ، لكن لو أنَّه فكَّرَ وتابعَ في تفكيرِه حتّى أنزلَ فهذا عندي فيه تحفُّظٌ.
– مداخلة: الشيخُ ابنُ عثيمينَ قال: وقيل يُفطِرُ.
– الشيخ: قالها بإطلاقٍ، وعندي الإطلاقُ في النّفي والإثباتِ أنَّه يُفطِرُ؟ لا. وعندي أنًّه يُشبهُ ما عندَهم من النَّظرِ، لأنَّهم قالوا: هناك كرَّرَ النَّظرَ، فالتكريرُ فيه استدعاءٌ، وهكذا التفكيرُ.
– مداخلة: قال في الرّوضِ: وقياسُها على النّظرِ غيرُ مُسلَّمٍ؟
– الشيخ: صحيحٌ؛ لأنَّهم يحتجّون بحديثِ: "إنَّ اللهَ تجاوزَ عن أمتّي ما حدّثتْ به أنفسَهَا"، وأنَّ هذا حديثُ النّفسِ، لكنَّ حديثَ النّفسِ العارضِ غيرُ حديثِ النّفسِ الذي يُتابِعُ فيه، وهو كالذي يفكّرُ بالحرامِ ويُكرّرُ التفكيرَ ويهوى ويتمنّى.
– القارئ: ذكرَ الشيخُ البليهيّ تعليقًا على هذه ِالمسألةِ:
قولُه "فكَّرَ فأنزلَ": لحديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: "إنَّ اللهَ تجاوزَ لأمّتي عمّا وسوستْ أو حدّثتْ بها أنفسَها ما لم تعملْ به أو تكلَّمْ" رواهُ البخاري، وبهذا القولِ قال أبو حنيفةَ والشافعيُّ وأكثرُ العلماءِ، وعند مالكٍ إذا فكّرَ فأنزلَ فسدَ صومُه.
– الشيخ: أنا عندي التَّفصيلُ الذي ذكرتُه لكم، واللهُ أعلمُ.
"أو احتلم": ممَّا لا يُفسدُ الصومَ أيضًا الاحتلامُ، لأنَّ الاحتلامَ بغيرِ اختيارِه، والاحتلامُ ليسَ من فعلِ الإنسانِ أصلًا، الفعلُ شرطُه القصدُ، والاحتلامُ حالةٌ تَعرضُ للنائمِ، والواجبُ عليه الغُسلُ فقط لأنَّه أمرٌ متعلِّقٌ بالطّهارةِ.
"أو أصبحَ في فيهِ طعامٌ": تسحَّرَ ونامَ ولمّا طلعَ الفجرُ كان شيءٌ من الطعامِ في فمِهِ، قال: "فلفظَهُ": لم يفسدْ صومُه، وهذا ظاهرٌ. لكن لو أنَّ هذا الطعامَ الذي في فمِهِ بلعَهُ اختيارًا نقولُ: أفطرَ، لكن لو كان هذا الطعامُ في فمِهِ وابتلعَهُ بعفويّةٍ فإنَّه يُصبحُ من نوعِ الأكلِ ناسيًا، أمَّا إذا لَفَظَهُ فالأمرُ ظاهرٌ.
"أو اغتسلَ": الشبهةُ من ناحيةِ الاغتسالِ أنَّه يُبرّدُ الجوفَ. الصائمُ إذا اشتدَّ به العطشُ واغتسلَ فإنَّه يخفُّ عطشُهُ، فالمؤلّفُ نبّهَ إلى أنَّه إذا اغتسلَ فإنَّه لا يفسدُ صومُهُ حتَّى ولو حصلَ له تبريدُ وتخفيفُ العطشِ، لأنَّه لم يشربْ شيئًا، ولم ينه اللهُ ورسولُه الصائمَ عن الاغتسالِ، حتّى ولو قصدَ التخفيفَ فأنَّ هذا لا يضرُّهُ، وأظنُّ أنَّ هذا ليس فيه خلافٌ. "أو تمضمضَ أو استنشقَ": أمَّا الاستنثارُ: فهو الإخراجُ، أمَّا المضمضةُ والاستنشاقُ: هو العُرضةُ لأنْ يُفطِرَ، هذا هو المناسبُ. "أو زادَ على الثلاثِ": الثلاثُ هي السنّةُ، وما زادَ عيها فإنَّه لا يفسدُ بها الصومُ، لأنَّ الزيادةَ من جنسِ الأولى والثانية.
"أو بالغَ فدخلَ الماءُ حلقَه: لم يَفْسُدْ": يعني بالغَ في المضمضةِ والاستنشاقِ، فدخلَ الماءُ حلقَه في كلِّ هذه الصورِ؛ وهي المضمضةُ والاستنشاقُ والزيادةُ على الثلاثِ، فيقولُ: كذلك لا يفسدُ صومُه. يعني تمضمضَ واستنشقَ ودخلَ إلى حلقِهِ ماءٌ بغيرِ اختيارِه، أو زادَ على الثلاثِ ظنًا منه أنَّ الثالثةَ لم تكن مستوفيةً فدخلَ شيءٌ من الماءِ إلى حلقِهِ. لكن يقولُ: إذا بالغَ في المضمضةِ والاستنشاقِ فدخلَ الماءُ حلقَه لم يَفسُدْ ففيه شيءٌ من التوقفِ أو التحفّظِ؛ لحديثِ لقيطٍ: "وبالغْ في الاستنشاقِ إلَّا أن تكونَ صائمًا"، فهو في هذه الحالِ منهيٌّ عن المبالغةِ، فإذا بالغَ في المضمضةِ والاستنشاقِ فدخلَ إلى حلقِهِ الماءُ فهذا محلُّ نظرٍ لأنَّه فعلَ ما نُهيَ عنه، فلقائلٍ أن يقولَ: أنَّه إذا بالغَ فدخلَ شيءٌ من الماءِ إلى حلقِه كان هذا بتسبُّبٍ منه وبمخالفةٍ.
– القارئ: علَّقَ الشيخُ البليهيُّ على هذه المسألةِ قال: إذا تمضمضَ أو استنشقَ لم يفسدْ صومُه لقولِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "عُفيَ لأمّتي الخطأُ والنّسيانُ"، وقال مالكٌ وأبو حنيفةَ: يفسدُ إذا كان ذاكرًا لصومِه سواءٌ بالغَ في المضمضةِ والاستنشاقِ أم لا، وعند الشافعيِّ: إذا بالغَ فسدَ صومُهُ وإلّا فلا، ذكرَ ذلكَ عنهم ابنُ هبيرةَ في الإفصاحِ.
– الشيخ: سبحانَ اللهِ! أهلُ العلمِ في مذاهبِهم منهم من يذهبُ إلى طرفٍ، والآخرُ يذهبُ إلى طرفٍ، والخيرُ يكونُ بالوسطِ. فلا ريبَ عندي أنَّه من تمضمضَ واستنشقَ فدخلَ الماءُ إلى حلقِه فهذا من قبيلِ الخطأ فهو فعلَ المأمورَ، فعلَ ما أُمرَ به؛ فلا يفسدُ صومُه قطعًا. لكن من بالغَ فهذا هو محلُّ التأمّلِ، والأشبهُ كما نُسبَ للشافعيّ، لكنه لو بالغَ مبالغةً غيرَ مقصودةٍ -فالإنسانُ قد يبالغُ سهوًا- فهذا نُرجعُه للنّسيانِ، أو أنَّه لا يعلمُ الحكمَ فهذا من الخطأ أيضًا، لكن لو تعمّدَ المبالغةَ وهو يعلمُ فَيُطَبّقُ عليه شروطُ فسادِ الصيامِ، يعني بالغَ وهو يعلمُ النّهيَ عن المبالغةِ ثمَّ دخلَ الماءُ حلقَه أصبحَ هذا بفعلِه عامدًا مختارًا.
– القارئ: (ومَنْ أكلَ شاكًا في طلوعِ الفجرِ صحَّ صومُهُ، لا إنْ أكلَ شاكًا في غروبِ الشمسِ، أو معتقدًا أنَّه ليلٌ فبانَ نهارًا)
– الشيخ: قد أباحَ اللهُ له الأكلَ والشربَ حتَّى يتبيَّنَ له الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ من الفجرِ. ما دامَ شاكًا فالأصلُ بقاءُ الليلِ، لكن ما لم يتبيّن، وهذه المسألةُ نردُّها إلى المسألةِ الآتيةِ عندهم في المذهبِ، ما لم يتبيّنْ أنَّه أكلَ في النَهارِ، هو أكلَ شاكًا ثمَّ تبيّنَ له أنَّه قد طلعَ الفجرُ وأنَّ أكْلَهُ وقعَ في النهارِ فعلى المذهبِ هذا من بابِ أولى أنَّه لا يصحُّ صومُه كما في المسألةِ الآتيةِ، كمن أكلَ يعتقدُ أنَّهُ ليلٌ فبانَ نهار، يقولُ هنا المؤلّفُ: "لا إن أكلَ شاكًا في غروبِ الشمسِ": من أكلَ شاكًا في طلوعِ الفجرِ صحَّ صومُه لأنَّ الأصلَ بقاءُ الليلِ، لا إن أكلَ شاكًا في غروبِ الشمسِ فإنَّه يفسدُ صومُه لأنَّه أكلَ قبلَ أنْ يتبيّنَ له الليلُ، قال تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، وهو أكلَ قبلَ تبيُّنِ الليلِ، ولأنَّ الأصلَ بقاءُ النّهارِ، فلا يجوزُ للصائمِ أنْ يأكلَ حتّى يعلمَ غروبَ الشمسِ، إما بيقينٍ معاينة، أو بغلبةِ الظنِّ.
"أو معتقدًا أنَّه ليلٌ فبانَ نهارًا": هذا يشملُ الحالتين في الفجرِ والمغربِ. كذلك إن أكلَ يعتقدُ أنَّه لم يطلعِ الفجرُ، والاعتقادُ غيرُ الشكِّ، فالشكُّ فيه تردّدٌ، أمَّا هذا ما عنده تردُّدٌ أنَّ الفجرَ باقٍ عليه ربعُ ساعةٍ، يعتقدُ إلى الآنَ أنَّه لم يطلعِ الفجرُ ما عنده شكٌّ، ثمَّ تبيّنَ أنَّ الساعةَ مؤخَّرةٌ، يعني تبيّنَ له أنَّه أكلَ بعدَ طلوعِ الفجرِ بربعِ ساعةٍ مثلًا؛ فهنا يقولون كذلك: بأنَّه لا يصحُّ صومُه. ولها صورةٌ أخرى وهي أنْ يعتقدَ أنَّ الشمسَ قد غربتْ وليسَ لديه تردّدٌ وليس شاكًا، ثمَّ تبيّنَ أنَّها لم تغبْ بأن يكونَ هناك غيمٌ، وغلبَ على ظنِّ الناسِ أنَّ الشمسَ قد غربتْ فأكلوا، فبعدَ خمسِ دقائقَ سطعتِ الشمسُ عليهم كما حدثَ ذلك في عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فهنا أكلَ يعتقدُ أنَّه في ليلٍ ثمَّ بان نهارًا، فهذه الصورتين جعلَ حكمَهُمَا كمن أكلَ شاكًا في غروبِ الشمسِ.
والقولُ الآخرُ: أنَّ الكلَّ من بابٍ واحدٍ، وعلى قولِهم كما ذكرتُ لكم: من أكلَ شاكًا في طلوعِ الفجرِ ثمَّ تبيَّنَ أنَّه أكلَ في النهارِ فعلى المذهبِ: لا يصحُّ صومُه من بابِ أولى. والصوابُ إن شاءَ اللهُ أنّه في كلِّ هذه الصورِ يصحُّ صومُه لأنَّه أكلَ خطأً، والخطأُ في الشرعِ كالنسيانِ، واللهُ قرنَ بينهما بالعفوِ، وكذلك الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فلا يبقى معنا من تلك المسائلِ التي ذُكرتْ إلَّا مسألةَ: إن أكلَ شاكًا في غروبِ الشمسِ فإنَّه لا يصحُّ صومُه.
– مداخلة: هل مسألةُ الشكِّ متصوّرةٌ في هذا الزمانِ، يعني فيما قبلَ: نعم، أمّأ الآن فهل تُتَصوّرُ؟
– الشيخ: الشكُّ واردٌ في كلِّ الأحوالِ، وهو مُتصوّرٌ بكثرةٍ.
– القارئ: ذكرَ الشيخُ البليهيُّ في قولِه "لا إن أكلَ شاكًا في غروبِ الشمسِ": وفاقًا للثلاثةِ حديثُ أسماءَ بنت أبي بكرٍ قالت: "أفطرنا على عهدِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في يومِ غيمٍ ثمَّ طلعتِ الشمسُ"، قلتُ لهشامِ: أُمِروا بالقضاءِ؟ قال: فلابدَّ من ذلك. رواهُ أحمدُ وأبو داودَ والبخاريُّ والبيهقيُّ وابنُ ماجه واللفظُ له، ولأنَّ الأصلَ بقاءُ النهارِ.
– الشيخ: وكأنَّ التعليقَ عندي أنَّه متقدّمٌ، فالتعليقُ يُناسبُ التي بعدها.
– القارئ: قولُه: "فبانَ نهارًا": هو قولُ الأئمةِ الثلاثةِ لما رواهُ البيهقيُّ بإسنادِه إلى مكحول قال: سُئِلَ أبو سعيدٍ الخدريِّ عن رجلٍ تسحَّرَ وهو يرى أنَّ عليه ليلًا وقد طلعَ الفجرُ، قال: إن كان شهرُ رمضانَ صامَه وقضى يومًا مكانَه، وإن كان غيرَ شهرِ رمضانَ فليأكلْ من آخرِهِ فقد أكلَ من أوّلِهِ، وقد ترجمَ له البيهقيُّ: "بابُ من أكلَ وهو يرى أنَّ الفجرَ لم يطلعْ ثمَّ بانَ أنَّه قد طلعَ"، واختارَ الشيخُ أنَّه لا يجبُ القضاءُ على من أكلَ معتقدًا أنَّه ليلُ فبانَ نهارًا، وهو قولُ عمرَ رضيَ اللهُ عنه وكثيرٌ من علماءِ السّلفِ، ويشهدُ له قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنَّ اللهَ وضعَ عن أمّتي الخطأَ والنسيانَ" رواه ابنُ ماجه وابنُ حبّان والبيهقيُّ.
– الشيخ: وكذلك قولُ اللهِ تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فهذا نصٌّ قرآنيٌّ، ويُستدلُّ لهذا الرأي المرجَّحِ بقصّةِ عَدي بنِ حاتمٍ أنَّه كانَ في أوَّلِ الأمرِ ينظرُ ويجعلُ عنده خيطينِ أبيضَ وأسودَ، فيأكلُ وينظرُ، فلمّا سألَ الرّسولَ وذكرَ له أنَّه وضعَ عند وسادتِه خيطين، فقال: "إنَّ وسادكَ لعَريضٌ".
– القارئ: فصلٌ [فيما يتعلّقُ بالجماعِ في نهارِ رمضانَ]
– الشيخ: من المفطّراتِ المجمعِ عليها: الجماعُ في نهارِ رمضانَ، وهي من المفطّراتِ في صيامِ الفرضِ والنّفلِ، لكن هنا قيَّدَهُ المؤلّفُ في نهارِ رمضانَ لتعلّقِ الكفّارةِ في هذا الموضعِ. ما يتعلّقُ بالجماعِ في نهارِ رمضانَ، ما الذي يترتّبُ على الجماعِ في نهارِ رمضان؟ يترتّبُ عليه فسادُ الصومِ، هذا قدرٌ مشتركٌ بين الفرضِ والنّفلِ، وتترتبُ عليه الكفّارةُ، فمن جامعَ في نهارِ رمضانَ فسدَ صومُه ووجبَ عليه القضاءُ والكفّارةُ. والكفارةُ مفصّلةٌ على الترتيبِ وهي: عتقُ رقبةٍ، فإن لم يجدْ صامَ شهرين متتابعين، فإن لم يستطعْ أطعمَ ستينَ مسكينًا. هكذا جاءَ في الحديثِ الصحيحِ في الرَّجلِ الأعرابيّ الذي جاءَ إلى الرّسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهو يطلبُ النجاةَ ويطلبُ سببَ الخلاصِ، والرسولُ لم يوبّخْهُ ولم يذمَّهُ أبدًا، فواضحٌ أنَّ الرجلَ جاءَ نادمًا وخائفًا، قالَ له النبيُّ: "هل تجدُ رقبةً؟ قال لا. قال: هل تستطيعُ أن تصومَ شهرين متتابعين: قال: لا. قال: هل تجدُ إطعامَ ستينَ مسكينًا؟ قال: لا. فسيقَ بقدرِ اللهِ تعالى مكتلٌ من تمرٍ، وصاحبُ الحاجةِ موجودٌ، فقال: خذها وتصدّق بها كفارةً عنك، فقال الرجلُ للنبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أعلى أفقرَ منَّا، فالرسولُ ضحكَ من قصةِ هذا الرجلِ وحالِه، فقال النبيُّ: خذهُ وأطعمْهُ أهلكَ" وقد وكلَهُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إلى ذِمَّتهِ ودِيانتِه. وهنا اختلفَ العلماءُ هل سقطتِ الكفارةُ أو لم تسقطْ، منهم من قال: سقطت، ومنهم من قال: أنّها لا تسقطُ، والأظهرُ أنَّها لم تسقطُ، وبالتالي من لم يجدْ شيئًا فإنّها تبقى دَينًا في ذمّتِه واللهُ المستعانُ.
– القارئ: (ومنْ جامعَ في نهارِ رمضانَ في قُبُلٍ أو دُبُرٍ فعليهِ القضاءُ والكفارةُ)
– الشيخ: جامعَ في فرجٍ: احترازٌ من أنَّه يكونُ جامعَ لا في فرجٍ فإنَّه يكونُ من نوعِ المباشرةِ، فإنْ أنزلَ كان عليه القضاءُ، وإذا لم يُنزلْ فلا شيءَ عليه.
– القارئ: (وإنْ: جامعَ دونَ الفرجِ فأنزلَ)
– الشيخ: هذه هي المسألةُ، أمَّا في الأوَّلِ مطلقًا: إذا جامعَ في فرجٍ فسدَ صومُه ووجبتْ عليه الكفَّارةُ أنزلَ أو لم يُنزلْ، وبعضُ الجُهَّالِ يسألون يقولُ: إنَّه جامعَ ولم يُنزلْ، ويحسبُ أنَّه لا يفسدُ صومُه إلَّا إذا أنزلَ.
– القارئ: (أو كانتِ المرأةُ معذورةً)
– الشيخ: يعني بنحوِ الإكراهِ، أو الجهلِ بالحكمِ أو النّسيانِ.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
الثانية: إذا كانت المرأةُ معذورةً بجهلٍ، أو نسيانٍ، أو إكراهٍ؛ فإنَّ عليها القضاءُ دونَ الكفّارةِ وسيأتي الكلامُ عليها. وعُلم من قولِه: «أو كانت المرأةُ معذورةً» أنَّه لو كانت مُطاوعَةً فعليها القضاءُ والكفارةُ كالرّجلِ.
– مداخلة: وفي الروض: (معذورة) بجهلٍ، أَو نسيانٍ، أَو إكراهٍ.
– الشيخ: المعروفُ في المذهبِ أنَّ الجماعَ لا يُعفَى فيه عن النّاسي، ليس مثل الأكلِ والشربِ، يمكن أن يكونَ هناك روايتان، فهناك فرقٌ بين الأكلِ والشربِ وبين الجماعِ، والقول الآخر: أنَّه لا فرقَ وهو الصحيحُ، لكنَّ عبارةَ صاحبِ الرّوضِ تمشي على القولِ الرّاجحِ، إلَّا إذا كان عندهم تفريقٌ بين الرجلِ والمرأةِ في الجهلِ والنسيانِ.
– مداخلة: الشيخُ العنقليُّ في حاشيتِه على الرّوضِ ذكرَ هذه المسألةَ في قولِه: "وإن طاوعت"، قال: هذه شروطٌ معتبرةٌ لوجوبِ الكفّارةِ، أمَّا القضاءُ فيجبُ عليها في كلِّ حالٍ، ولا كفّارةَ إن كانت ناسيةً أو جاهلةً أو مكرهةً أو نائمةً. والفرقُ بينها وبين الرجلِ في الإكراهِ أنَّ الرجلَ له نوعُ اختيارٍ بخلافِها، وأمَّا النسيانُ فقال ابن قُندس: إنَّ جهةَ الرجلِ في المجامعةِ لا تكونُ إلَّا منه غالبًا بخلافِ المرأةِ فكانَ الزجرُ في حقّه أقوى، فوجبتْ عليه الكفارةُ في حالةِ النسيانِ دونَها.
– الشيخ: صارَ عندهم تفريقٌ في حالةِ النسيانِ بين الرجلِ والمرأةِ، دائمًا الأقوالُ المرجوحةُ يكونُ فيها شيءٌ من الاختلافِ، والصحيحُ أنَّه لا فرقَ بين الرجلِ والمرأةِ في هذا كلِّهِ، فمن حصلَ من الجماعِ مكرهًا أو جاهلًا أو ناسيًا لم يفسدْ صومُه، فشرطُ الفطرِ في هذه المفطّراتِ أن يكونَ عالمًا عامدًا مختارًا.
– القارئ: (أو جامعَ من كان نوى الصومَ في سفرهِ: أفطرَ، ولا كفارةَ)
– الشيخ: يعني مسافرٌ نوى الصومَ، لم يترخّصْ في الفطرِ فجامعَ فإنَّه لا تجبُ عليه الكفّارةُ، لأنَّ صيامَه ليس بواجبٍ عليه، ولأنَّه أصلًا يُباحُ له الفطرُ، المسافرُ إن نوى الصومَ ومن ثمَّ أفطرَ، يُباحُ له ذلك؟ نعم، فمن بابِ أولى الجماعُ. فمن نوى الصومَ في سفرِه ومن ثمَّ جامعَ فسدَ صومُه وعليه القضاءُ فقط ولا كفارةَ عليه، والكفارةُ إنّما تجبُ على من جامعَ في نهارِ رمضانَ وكان ممن يجبُ عليه الصومُ.
– القارئ: (وإنْ: جامعَ في يومينِ، أو كررَه في يومٍ ولم يُكفَّرْ: فكفارةٌ واحدةٌ في الثانيةِ، وفي الأولى اثنتانِ)
– الشيخ: "جامعَ في يومين": يعني في اليومِ واليومِ الآخرِ، يعني حصلَ منه الجماعُ مرّتينِ، أو "كرّرهُ في يومٍ ولم يكفّرْ": في الصّورتين، جامعَ اليومَ ولم يكفّرْ ثمَّ جامعَ فكفّارةٌ واحدةٌ، لكن لو أنَّه جامعَ وصارتِ الأسبابُ عندّه متوفرةً أعتقَ رقبةً ثمَّ جامعَ، يقولُ المؤلّفُ: فكفارةٌ ثانيةٌ. يمكنُ أنْ يُشبَّهَ بمن زنى ثمَّ حُدَّ، ثمَّ زنى فإنَّه يُحَدُّ مرَّةً أخرى لأنَّه قامَ به سببُ الوجوبِ، وكونُه كفّرَ فإنّها للجماعِ الأوّلِ وهذا جماعٌ آخرُ، وإن كان صيامُه أصلًا فاسدًا. من أكلَ متعمدًا ثمَّ جامعَ أليس جامعَ في صيامٍ فاسدٍ أصلًا، فتجبُ عليه الكفّارةُ لأنَّ أكلَه الأوّلَ المتعمّدَ وإن فسدَ به الصومُ فهذا لا يُبيحُ له الاستمرارَ بالأكلِ، ففطرُهُ أو إفسادُهُ لصومِهِ متعمدًا في الأوّلِ لا يُسوّغُ له أن يستمرَّ أو يجامعَ.
فإذا جامعَ بعدَ أن كفّرَ وجبتْ عليه الكفَّارةُ مرَّةً أخرى، أمَّا إذا لم يكفّرْ والتكرارُ في يومٍ واحدٍ فتجزئُهُ كفارةٌ واحدةٌ، أمَّا إذا جامعَ في يومين فتجبُ عليه كفّارتان كفَّرَ عن الأوّلِ أو لم يكفِّرْ؛ لأنَّ لكلِّ يومٍ حكمُهُ، ومعنى هذا لو أنَّه جامعَ في ثلاثةِ أيامٍ أو أربعٍ فتجبُ عليه أربعُ كفّاراتٍ، وفي هذا خلافٌ، والمسألةُ محتملةٌ.
– القارئ: هناك تعليقٌ للشيخِ البليهي: قولُه: "ومن جامعَ في يومين": سواءٌ كفّرَ لليومِ الأوّلِ أم لا؛ لأنَّ كلَّ يومٍ عبادةٌ منفردةٌ وله حكمُهُ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأكثرِ العلماءِ، وعندَ الإمامِ أبي حنيفةَ وأصحابِه عليه كفّارةٌ واحدةٌ ما لم يُكفِّرْ عن الجماعِ الأوّلِ. وقولُه: "أو كرّره في يومٍ ولم يكفّرْ": وبه قال الثلاثةُ، ذكرَ ذلك عنهم ابنُ هبيرةَ في الإفصاحِ وابنُ رشدٍ في بدايةِ المجتهدِ. قوله: "كفارةٌ ثانيةٌ": هذا المقدَّمُ في المذهبِ خلافًا لهم، فعند الأئمةِ الثلاثةِ لا تجبُ، وعن أحمدَ مثله، ودليلُنا هو عمومُ حديثِ أبي هريرةَ حيثُ لم يستفصِلِ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ويأتي إن شاءُ الله.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «وإن جامعَ في يومين، أو كرّرهُ في يومٍ ولم يكفرْ فكفارةٌ واحدةٌ في الثانيةِ وفي الأولى اثنتان، وإن جامعَ ثمَّ كفَّرَ ثمَّ جامعَ في يومِهِ فكفارةٌ ثانية».
ذكرَ المؤلّفُ ـ رحمهُ اللهُ ـ مسألتين:
المسألةُ الأولى: إذا جامعَ في يومين بأن جامعَ في اليومِ الأوّلِ من رمضانَ، وفي اليومِ الثاني فإنَّه يلزمُه كفارتان، وإن جامعَ في ثلاثةِ أيامٍ فثلاثُ كفَّاراتٍ، وإن جامعَ في كلِّ يومٍ من الشهرِ فثلاثون كفّارةً أو تسعٌ وعشرونَ حَسَبَ أيّامِ الشهرِ؛ وذلك لأنَّ كلَّ يومٍ عبادةٌ مستقلّةٌ، ولهذا لا يفسدُ صومُ اليومِ الأوّلِ بفسادِ صومِ اليومِ الثاني. وقيل: لا يلزمُه إلَّا كفارةٌ واحدةٌ إذا لم يكفّرْ عن الأوّلِ وهو وجهٌ في مذهبِ الإمامِ أحمدَ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛ وذلك لأنَّها كفاراتٌ من جنسٍ واحدٍ فاكتُفيَ فيها بكفارةٍ واحدةٍ، كما لو حلفَ على أيمانٍ متعدّدةٍ ولم يُكفّر، فإنَّه إذا حنثَ في جميعها فعليه كفارةٌ واحدةٌ، وكما لو أحدثَ بأحداثٍ متنوّعةٍ، فإنَّه يُجزئُه وضوءٌ واحدٌ، ويُقالُ هذا أيضًا في كفارةِ الظّهارِ إذا لم يُكفرْ عن الأوّلِ. وأمَّا قتلُ النّفسِ فتتعدّدُ الكفّارةُ؛ لأنَّها عوضٌ عن النّفسِ، كما لو قتلَ المحرمُ صيودًا في الحرمِ. وهذا القولُ وإن كان له حظٌ من النّظرِ والقوّةِ، لكن لا تنبغي الفُتيا به؛ لأنَّه لو أُفتيَ به لانتهكَ النّاسُ حرماتِ الشهرِ كلِّه.
– الشيخ: يعني ما يصيرُ في الشرحِ نقرّرُ أنَّ هذا هو الصحيحُ أو كذا لأنَّه يُستغلُّ، لكن لو حدثَ من بعضِ الناسِ يُنظرُ فيهم، لأنَّ بعضَ الناسِ يقولونَ: وقعَ منّا هذا في يومينِ وثلاثةٍ وخمسٍ.
القارئُ يُكملُ من الشرحِ الممتعِ:
لكن لو رأى المفتي الذي ترجَّحَ عنده عدمُ تكرّرِ الكفَّارةِ مصلحةً في ذلك فلا بأسَ أن يفتيَ به سرًا، كما يصنعُ بعضُ العلماءِ فيما يُفتونَ به سرًا كالطلاقِ الثلاثِ.
– الشيخ: يعني له وجهٌ، ولكلِّ سؤالٍ جوابٌ، وأحوالُ الناسِ تختلفُ، وهذا أمرٌ موكولٌ لاجتهادِ المفتي.
– القارئ: (وإنْ جامعَ ثمَّ كَفَّرَ ثمَّ جامعَ في يومِه: فكفارةٌ ثانيةٌ)
– الشيخ: نعم على ما تقدَّمَ.
– القارئ: (وكذلكَ من لَزِمَهُ الإمساكُ إذا جامعَ)
– الشيخ: مسافرٌ قدمَ فعلى المشهورِ يلزمُه الإمساكُ، فلو جامعَ في الصيامِ الذي قلنا أنَّه يلزمُه فعليه ما على غيرِه، فتجبُ عليه الكفَّارةُ، والقولُ الثاني: لا تجبُ عليه الكفّارةُ، لأنَّ هذا صيامٌ مختلَفٌ فيه. ويمكنُ أن يُقالَ أنَّ الرّاجحَ فيه: أنَّه لا يلزمُهُ الصيامُ، فكيفَ نقولُ: تجبُ عليه الكفَّارةُ وهي كفارةٌ شديدةٌ ومغلّظةٌ في صيامٍ مختَلَفٍ فيه؟! واللهُ أعلمُ.
– القارئ:
هناك تعليقٌ للشيخ البليهي:
"وكذلكَ من لَزِمَهُ الإمساكُ إذا جامعَ": هذه مسألةٌ يكثرُ وقوعُها، فعلى المقدَّمِ في المذهبِ تجبُ الكفّارةُ؛ لأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَ المجامِعَ في نهارِ رمضانَ بالكفّارةِ ولم يستفصلْ عن كيفيّةِ جماعِه، والقولُ الآخر في المذهبِ: لا شيءَ عليه، وهو قولُ الأئمةِ الثلاثةِ. وعندي أنَّ هذا القولَ والفتوى به أولى لقولِه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، مع قولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنَّ اللهَ تجاوزَ عن أمّتي الخطأَ والنّسيانَ"، واختارَ الشيخُ: لا يجبُ القضاءُ على من جامعَ جاهلًا أو ناسيًا.
– الشيخ: على كلِّ حالٍ الصحيحُ أنَّه لا تجبُ عليه الكفّارةُ فقط، الآنَ هم قالوا يلزمُه الصيامُ لكونِه جامعَ متعمدًا، لكن لو جامعَ ناسيًا فإنَّه يرجعُ إلى مسألةِ النسيانِ.
– مداخلة: من لم يعلمْ بطلوعِ الهلالِ في أوَّلِ يومٍ وجامعَ؟
– الشيخ: أبدًا لا شيءَ عليه، وعليه القضاءُ فقط، وعندَ ابنِ تيميةَ: لا قضاءَ عليه.
– القارئ: (وإن جامعَ وهو معافى ثم مَرِضَ، أو جُنَّ، أو سافرَ: لم تسقطْ)
– الشيخ: صح، جامعَ وهو في حالٍ طبيعيةٍ ليسَ مريضًا ولا مسافرًا، ثمَّ مرضَ أو جُنَّ أو سافرَ، فإنَّه لا تسقطُ عنه الكفّارةُ.
– القارئ: (ولا تجبُ الكفارةُ بغيرِ الجماعِ في صيامِ رمضانَ)
– الشيخ: لو جامعَ من عليه قضاءٌ من رمضانَ، جامعَ في يومِ قضائِه فإنَّه يجبُ أنْ يبدِلَه بيومٍ آخرٍ ولا كفارةَ عليه، والكفّارةُ إنّما تجبُ على من جامعَ في نهارِ رمضانَ خاصةً.
– القارئ: (وهي: عتقُ رقبةٍ، فإنْ لم يجدْ فصيامُ شهرينِ متتابعينِ، فإنْ لم يستطعْ فإطعامُ ستينَ مسكينًا، فإنْ لم يجدْ سقطتْ)
– الشيخ: سقطتْ، هذه المسألةُ التي سبقَ التّنبيهُ عليها، والمسألةُ فيها اجتهاداتٌ أخرى، والأظهرُ أنَّها لا تسقُط واللهُ تعالى أعلمُ.
– مداخلة: الشيخُ ابنُ عثيمينَ رجّحَ أنَّها تسقطُ.
– الشيخ: سياقُ الحديثِ ظاهرُها أنَّها لا تسقطُ.
– مداخلة: قولُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- للرّجلِ: "خذْهُ وأطعمْهُ أهلكَ" ألا يدلُّ هذا على سقوطِ الكفّارةِ، وإلَّا لقالَ له النبيُّ كفّرْ؟
– الشيخ: لا، والمسألةُ كما قلتُ: فيها قولان، واللهُ تعالى أعلمُ، والشّبهةُ أنَّ الرسولَ عندما جاءَ المكتلُ وجَّه الرّجلَ إلى أن يتصدّقَ به، والشيخُ ابنُ عثيمينَ عندَه تفصيلٌ ولكم أن تُراجعوهُ حيثُ قال: إن كانت المسألةُ في مجلسِ الكلامِ والسؤالِ فإنَّها لا تسقطُ، أمَّا إذا ما وَجدَ إلَّا بعد فإنَّها سقطت، إذا انتهى مجلسُ الإفتاءِ ولم يحصلْ على شيءٍ يُكفّرُ به فإنَّها تسقطُ.
الأسئلة:
س1: أسكنُ بجانبِ البحرِ، والشمسُ تغيبُ باتّجاهِ البحرِ قبلَ ربعِ ساعةٍ من أذانِ المؤذنينَ، هل يجوزُ لي أن أفطرَ، أم أنتظرُ حتى يؤذّنَ المؤذّنُ كي لا أشوشَ على المسلمينَ في بلدي؟
ج: إذا علمتَ غروبَ الشمسِ عيانًا فأفطرْ، لكن لا تؤذّنْ حتى لا تُشوشْ على الناسِ، مثلُ إذا ما كان الرجلُ في الصحراءِ يرى الشمسَ قد غربتْ وينظرُ إلى الساعةِ! سبحانَ اللهِ، عندَ الناسِ ارتباطٌ بالوسائلِ.
……………………………………..
س2: هل من فسدَ صيامُه سواءٌ كسببٍ مشروعٍ كالمرضِ أو الدواءِ، أو بسببٍ غيرِ مشروعٍ كالإنزالِ، يُوجبُ عليه الإمساكُ بقيّةَ اليومِ، وكذلك حرمةُ الجماعِ؟
ج: إذا كان بفعلٍ محرّمٍ متعمّدٍ فيجبُ عليه الإمساكُ، ففي رمضانَ من أفطرَ لسببٍ مباحٍ كمسافرٍ قدمَ ففي وجوبِ الإمساكِ عليه خِلافٌ، والأحوطُ عليه أن يُمسكَ، أمَّا من تعمَّدَ إفسادَ صومِه بأكلٍ فيجبُ عليه الإمساكُ، فأكلُهُ الأوَّل المتعمَّد لا يُبيحُ له كما تقدَّمَ.
……………………………………..
س3: هل يفطرُ الصائمُ بريقِ زوجتِه أو ولدِه إذا قبّلهما واستخدمَ السواكَ بعدَهما؟
ج: هذه أسئلةٌ متكلّفةٌ، الأظهرُ أنَّه يفسدُ، يعني ممكن بعضُ الناسِ يمصُّ لسانَ زوجِتِه ويبلعُ من ريقِها فيفسدُ صومُه نعم.
……………………………………..
س4: هل حديث: "المتطوّعُ أميرُ نفسِهِ إن شاءَ صامَ وإن شاءَ أفطرَ" صحيحٌ؟ وما تفسيرُه؟ وهل هو على إطلاقِه؟
ج: نعم المتطوّع أمير نفسه.
……………………………………..
س5: هل يفطرُ الصائمُ بمجرّدِ النيّةِ بالفطرِ؟
ج: قالوا: من نوى الإفطارَ أفطرَ، لأنَّ أصلَ الصيامِ إنَّما يتحقّقُ بالنيّةِ، فيفسدُ بالنيّةِ كذلك.
……………………………………..
س6: جوّالي كان مضبوطًا على أذانِ مدينةِ الدمّامِ، ثمَّ سافرتُ إلى الرياضِ فأذَّنَ قبلَ الوقتِ بسبعِ دقائقَ وأفطرتُ، هل عليَّ شيءٌ؟
ج: نعم، لأنَّك مفرِّطٌ.
……………………………………..
س7: كفارةُ من جُنَّ لو ماتَ، هل يُكفّرُ عنه أهلُه؟
ج: نعم يُكفِّرُ عنه أهلُه، يُكفَّرُ عنه من مالِه.
……………………………………..
س8: هل يدخلُ في مسألةِ الشكِّ في الفطرِ خطأُ المؤذّنِ في وقتِ الأذانِ، والصائمُ لم يتأكّدْ من الوقتِ، بل أكلَ بعدَ دخولِ الوقتِ وبعدَ طلوعِ الفجرِ؟
ج: إن كان يعتمدُ على الأذانِ فعمدتُه الأذانُ، وإن كان لا يعتمدُ على الأذانِ فينبغي أن يتأكَّدَ ويتثبّتَ.
……………………………………..
س9: في كفارةِ الجماعِ في رمضانَ صيامُ شهرين فما هو ضابطُ سقوطِها، فكثيرٌ ممن يقعُ فيها من الشبابِ يقولُ لا أستطيعُ؟
ج: لا يستطيعُ فهو المسؤولُ فيما بينَه وبينَ ربِّه، كما أنَّ الرسولَ لم يناقشِ الأعرابيَّ فقالَ له: لا أستطيعُ، فتركَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
……………………………………..
س10: إطعامُ ستينَ مسكينًا هل يجبُ أن ألتزمَ بالعددِ المحدّدِ؟
ج: نعم لابدَّ من ستين.
……………………………………..
س11: ما حكمُ وضعِ الصائمِ السواكَ في فمهِ ليسَ لغرضِ التسوّكِ بل من أجلِ التطعّمِ به وبَلِّ الرّيقِ؟
ج: هذا فيه نظرٌ، ولا يَصُلحُ.
……………………………………..
س12: من هم الأرحامُ الذين تجبُ صلتُهم؟ وهل تجبُ صلةُ الأخِ من الرّضاعةِ؟ وهل ممّن تجبُ صلتُهم خالُ الجدِّ لأمٍّ؟
ج: الأخُ من الرضاعةِ ليسَ من الرَّحمِ، لكن من ذوي العلاقاتِ الخاصّةِ، وخالُ الجدِّ لأمٍّ واللهِ من الرَّحمِ. والرَّحمُ معناها: القرابةُ، فيشملُ الأولادَ وأولادَهم بنينَ وبناتٍ، والأخوةُ والأخواتُ وأولادُهم، والآباءُ والأمّهاتُ وإن عَلَو كلُّهم من الأقاربِ، والأعمامُ والعمّاتُ وأولادُهم، والخالُ والخالاتُ وأولادُهم، كلُّهم من ذوي الأرحامِ لكن كلٌ على درجتِه.
……………………………………..
س13: هل النّصوصُ الواردةُ في رؤيةِ اللهِ سبحانَه وتعالى تشملُ الملائكةَ سواءٌ في الدنيا والآخرةِ؟
ج: اللهُ أعلم.
……………………………………..
س14: أتعلَّمُ قراءةَ القرآنِ على أحدِ القرّاءِ، وقال لي: خذْ لك مصحفًا خاصًا، وضعْ علامةً بالقلِم على أخطائِكَ لترجعَ إليها؟
ج: لا، هذا من تشويهِ المصحفِ، والمصحفُ ليسَ كتابًا مدرسيًا، بل خذْ لك ورقةً وأكتبْ عليها ما تريدُ، والمصحفُ يجبُ أن يُعتَنَى به ……………………………………..
س15: يوجدُ عند بيتي كلابٌ تزعجُني بالنُّباحِ، هل يجوزُ لي قتلُها بوضعِ السمِّ لها؟
ج: إذا آذتكَ فيجوزُ.