بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: الأوّل
*** *** *** ***
– الشيخ: .. تعلمون أنّ أهلَ العلم يصنّفون العلوم الشّرعيّة في مؤلَّفاتهم الحديثيّة والفقهيّة، يصنّفون الأحكام الشّرعيّة، الغالب أّنهم يبدؤون بالعبادات لأهميتها ولأنّها تتضمّن حقّ الله، العبادات، ويرتّبونها على أركان الإسلام الخمسة، ويفتتحون ذلك بكتاب الطهارة لأنه مفتاح الصلاة، فتقديم "كتاب الطهارة" مراعاةً لتعلّقه بالصّلاة، ثم يمضون في أبواب أحكام الصّلاة، ثم الزكاة، ثم الصّيام، ثم الحج.
ويُترجمونَ لكتابِ الحجِّ إمَّا بكتابِ الحجِّ، أو الحجِّ والعمرةِ، أو المناسكِ، ولا مشاحَّةَ في الاصطلاحِ، والمناسكُ: جمعُ مَنْسَكْ، والتنسُّكُ: هو التعبُّدُ، والنُّسُكُ: هو العبادةُ، لكن أكثر ما يُطلقُ في لسانِ الشرعِ وفي كلامِ أهلِ العلمِ على أفعالِ الحجِّ والعمرةِ، وإلّا فكلُّ العباداتِ أنساكٌ، لكنَّ الأغلبَ إطلاقُها على الحجِّ والعمرةِ، ولهذا نجدُ مثلًا قولَه تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ [البقرة:200] والمناسكُ هنا: هي أعمالُ الحجِّ، وكذلك في سورةِ الحجِّ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج:34] وأخصُّ من هذا إطلاقُ النُّسكِ على الذّبحِ: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي [الأنعام:162] وقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لكعب: "أنسك شاةً" أي: اذبحْ شاةً. فالمناسكُ إذًا هي أعمالُ الحجِّ والعمرةِ.
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد؛ قالَ المصنِّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
[كتابُ المناسكِ]
(الحجُّ والعمرةُ: واجبانِ)
– الشيخ: قال اللهُ تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فالحجُّ والعمرةُ عبادتانِ مُتشابهتانِ، ويشتركانِ في أكثرِ المناسكِ، ولا سيّما المحظوراتِ. فالعمرةُ سبيلُها سبيلُ الحجِّ، (دخلتِ العمرةُ في الحجِّ إلى يومِ القيامةِ)، فهما متّفقتانِ تمامًا في بابِ المحظوراتِ، فجميعُ محظوراتِ الحجِّ هي نفسُها محظوراتُ العمرةِ. وأمّا في الأفعالِ فيشتركانِ مثلًا في الإحرامِ، والطوافِ والسعي، فيمكنُ أن نقولَ أنَّ هذا قدرٌ مشتركٌ بينهما، فالإحرامُ الذي يَعدُّهُ الفقهاءُ أحدَ أركانِ النُّسكِ، والطوافُ والسعيُ، وينفردُ الحجُّ في مناسكَ أخرى، كالوقوفِ في عرفةَ، والمشعرِ الحرامِ، ورمي الجمارِ، فهذه مختصّةٌ بالحجِّ.
ويقولُ المؤلّفُ: "الحجُّ والعمرةُ واجبانِ": أمَّا وجوبُ الحجِّ فهذا من ضرورياتِ الدِّينِ أنَّه أحدُ أركانِ الإسلامِ، وأمَّا العمرةُ فقد اختلفَ العلماءُ في وجوبِها، ويظهرُ أنَّ أكثرَ العلماءِ على أنَّها واجبةٌ، وكثيرٌ من الأدلّة فيها مناقشاتٌ. من أدلّةِ القائلينَ بوجوبِ العمرةِ قولُه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فجمعَ بينهما.
وأُجيبَ عن هذا من القائلينَ بعدمِ الوجوبِ: أنَّ هذا أمرٌ بالإتمامِ، يعني أمرُ من شرعَ فيهما بالإتمامِ، ولهذا من المعروفِ أنَّه من شرعَ بالحجِّ والعمرةِ وجبَ عليه الإتمامُ. ومن ذلك قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- للذي سألَهُ أنَّ أباهُ لا يستطيعُ الحجَّ والعمرةَ فقال: "حُجَّ عن أبيك واعتمرْ"، كقولِه للمرأةِ أنَّ أباها أدركَ فريضةَ الحجِّ وهو لا يستطيعُ الثباتَ على الرّاحلةِ فقال: "حجَّ عن أبيكِ"، وهذا أيضًا يناقشُه القائلونَ بعدمِ الوجوبِ بأنَّه يتضمَّنُ الإذنَ. واختارَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عدمَ وجوبِ العمرةِ، ومن توجيهاتِه أنَّ جميعَ أعمالِ العمرةِ داخلةٌ ومندرجةٌ في أعمالِ الحجّ، والحجُّ إنَّما يجبُ مرَّةً. فلا تَسْلَمُ الأدلّةُ التي استُدِلَّ بها على وجوبِ العمرةِ، لا تسلمُ من مناقشةٍ من نحو ذكرتُ في الآيةِ والحديثِ.
– القارئ: (على: المسلمِ، الحرِّ، المكلفِ، القادرِ، في عمرِه: مرةً، على الفورِ)
– الشيخ: هذه هي شروطُ وجوبِ الحجِّ والعمرةِ، هذه الأمورُ يتوقَّفُ عليها الوجوبُ. وهذه الشروطُ منها ما هو شرطٌ للوجوبِ، ومنها ما هو شرطٌ للصحّةِ، ومنها ما هو شرطٌ للإجزاءِ؛ فأمَّا "الإسلامُ": فهو شرطُ صحّةٍ، وليس شرطَ وجوبٍ، فإنَّه يجبُ على الكافرِ من خلالِ القولِ بأنَّ الكفّارَ مُخاطبونَ بفروعِ الشريعةِ، لكنَّه لا يصحُّ منه، كوجوبِ الطهارةِ على من وجبتْ عليه الصلاةُ، فالصلاةُ تجبُ على المحدِثِ لكن بشرطِ أنْ يتطهّرَ.
و "الحريةُ": شرطٌ للوجوبِ وليسَ شرطًا للصحةِ، فإنَّه يصحُّ الحجُّ من العبدِ ومن الصبيِّ، لكنَّه لا يجبُ عليهما، أمَّا الصغيرُ فلِعدمِ تكليفِه، وأمَّا العبدُ فلقصورِه لأنَّه مملوكٌ، ولِمَا جاءَ عن ابنِ عباسٍ في الأثرِ وهو صحيحٌ أنَّه قال: "ما من صبيٍّ حجَّ ثمَّ بلغَ فعليه حجّةٌ أخرى، وما من عبدٍ حجَّ ثمَّ عُتِقَ فعليه حَجّةٌ أخرى"، وهذا يعني أنَّه لا يُجزئهما الحجُّ، فعليهما حجَّةٌ أخرى، فيصحُّ منها ولا يُجزئهُما. إذًا: الحريةُ والبلوغُ: شرطٌ للوجوبِ، وليسَ شرطًا للصحّةِ. أمَّا "العقلُ": فهو شرطٌ للوجوبِ وشرطٌ للصحّةِ والإجزاءِ، فلا يجبُ ولا يصحُّ ولا يُجزئُ على المجنون.
و "القدرةُ": وهي الاستطاعةُ، فهذا شرطٌ للوجوبِ فقط، فيصحُّ الحجُّ من الرجلِ العاجزِ إذا حجَّ، وإن كان لم يَجبْ عليه لكنَّه إذا حجَّ أجزأهُ وصحَّ منه. أمَّا دليلُ الشرطِ هذا فهو صريحٌ من القرآنِ الكريمِ وهو قولُه تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] وجاءَ في الحديثِ المشهورِ لَمّا سُئلَ: "ما السبيلُ؟ قال: الزادُ والراحلةُ"، فمن مَلَكَ زادًا وراحلةً تبلّغانِه البيتَ وجبَ عليه ذلك، ومعنى هذا أنَّ شروطَ وجوبِ الحجِّ هي شروطُ وجوبِ العمرةِ على من قالَ بوجوبِها.
– مداخلة: بالنّسبةِ للعبدِ لو أذِنَ له السيّدُ ألا يجزيه هذا، ولا يجبُ عليه مرّةً أخرى؟
– الشيخ: تعليلُ الفقهاءِ ما ذكرتَه أنت وهو حقُّ السيّدِ، لكن قيل أنّه في عبوديّتِهِ قاصرٌ وناقصٌ في شخصِهِ، اللهمّ إلّا الظاهريّةُ إن كانوا يقولونَ بوجوبِ الحجِّ عليه.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتع:
قولُه: "الحرُّ": ضدّهُ العبدُ الكاملُ الرِّق، والمبعَّض، وهذا هو الشرطُ الثاني لوجوبِ الحجِّ والعمرةِ، وهو الحريّةُ، فلا يجبُ الحجُّ على قِنٍّ ولا مبعّضٍ، لأنَّهما لا مالَ لهما، أمَّا العبدُ الكاملُ الرِّقِّ؛ فلأنَّ مالَه لسيّدِهِ لقولِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "من باعَ عبدًا له مالٌ فمالُه للذي باعَه إلَّا أن يشترطَه المبتاعُ"، فإذا لم يكن له مالٌ فهو غيرُ مستطيعٍ، وأمّا المبعّضُ فيملكُ من المالِ بقدرِ ما فيه من الحريةِ، فإذا ملكَ عشرةَ ريالاتٍ ونصفُه حرٌّ، صارَ له منها خمسةٌ، ولكنَّه لا يستطيعُ أن يحجَّ من أجلِ مالك نصفه ـ إذا كان مبعضًا بالنصفِ؛ لأنَّه مملوكٌ في هذا الجزءِ فلا يلزمُه الحجُّ.
– الشيخ: يعني الشيخُ مشَّى الشرطَ على موجبِ ما ذكرَهُ المؤلّفُ، وعلَّلَه بعد الاستطاعةِ.
– مداخلة: الآن المرأةُ أليست لا يجبُ عليها الحجُّ إذا لم تجدِ المحرمَ؟ ولو حجّتْ ألا يصحُّ حجُّها بدونِ محرمٍ؟ أفلا يُقاسُ العبدُ عليها؟
– الشيخ: بلى واللهِ يصحُّ منها ويجزئُها.
– القارئ: ذكرَ الشيخُ البليهي في قولِه "على الحرِّ": وهذا بالإجماعِ لقولِه تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]
– الشيخ: يعني رجّعَ شرطَ الحريّةِ إلى الاستطاعةِ، مثل ما أشارَ الشيخُ إلى قضيّةِ أنَّه لا مالَ له، لكن يظهرُ أنَّه هناك تعليلٌ آخرُ، وإلّا لو كان لعدمِ الاستطاعةِ، غيرُ المستطيعِ إذا حجَّ بتكلّفٍ أجزأهُ الحجُّ، مثل ما قلنا بالمرأةِ.
– مداخلة: قال الشيخُ ابنُ عثيمين في الممتع: فلو حجَّ الرقيقُ فإنَّ حجَّهُ صحيحٌ، ولكن هل يُجزئُ عن الفرضِ أو لا يُجزئ؟
– الشيخ: هذا الذي تضمَّنَه كلامُ ابنُ عباسٍ، فعليه حجّةٌ أخرى.
– القارئ: الجوابُ: في هذا خلافٌ بين العلماءِ: فقال جمهورُ العلماءِ: إنَّه لا يُجزئُ؛ لأنَّ الرقيقَ ليس أهلًا للوجوبِ، فهو كالصّغيرِ، ولو حجَّ الصغيرُ قبلَ البلوغِ لم يجزئهُ عن حجَّةِ الإسلامِ فكذلك الرَّقيقُ. وذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنَّ الرقيقَ يصحُّ منه الحجُّ بإذنِ سيّدِهِ؛ لأنَّ إسقاطَ الحجِّ عن الرقيقِ من أجلِ أنَّه لا يجدُ مالًا، ومن أجلِ حقِّ السيّدِ، فإذا أعطاهُ سيّدُهُ المالَ وأذنَ له، فإنَّه مكلَّفٌ بالغٌ عاقلٌ فيجزئُ عنه الحجُّ. وليس عندي ترجيحٌ في المسألةِ؛ لأنَّ التعليلَ بأنَّه ليس أهلًا للحجِّ تعليلٌ قويٌّ، والتعليلُ بأنَّه إنّما مُنعَ من أجلِ حقِّ السيّدِ قويٌّ أيضًا؛ فالأصلُ أنَّه من أهلِ العباداتِ.
– مداخلة: قال … أجمعَ أهلُ العلمِ إلَّا من شذَّ عنهم ممن لا يُعتدُّ بخلافِه، على أنَّ الصبيَّ والعبدَ إذا حجَّ في حال صغرهِ، والعبدُ في حالِ رِقّهِ، فبلغَ الصبيُّ وعُتقَ العبدُ أنَّ عليهما حَجّةُ الإسلامِ إذا وجدَ سبيلًا، وروى ابنُ عباسٍ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: "أيّما صبيٍّ حجَّ ثمّ بلغَ فعليه حَجّةٌ أخرى، وأيّما عبدٍ حجَّ ثمّ عُتِقَ فعليه حَجّةٌ أخرى".
– الشيخ: كأنَّه مُختلفٌ في رفعِهِ ووقفِهِ، والمشهورُ أنَّه موقوفٌ.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وهناكَ حديثٌ في الموضوعِ: "أنَّ من حجَّ، ثمّ عُتقَ فعليه حجَّةٌ أخرى، وأنَّ من حجَّ وهو صغيرٌ ثمَّ بلغَ فعليه حجَّةٌ أخرى"، لكنَّه مُختلفٌ في صحّتِهِ والاحتجاجِ به، وإلّا لو صحَّ الحديثُ مرفوعًا إلى الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لكانَ هو الفيصلُ، وكثيرٌ من المحدثين قال: إنَّه موقوفٌ على ابنِ عباسٍ وليسَ مرفوعًا، وأنا متوقّفٌ في هذا.
– الشيخ: إذا صحَّ موقوفًا فلهُ حكمُ الرّفعِ؛ لأنَّ الجزمَ بأنَّ عليه حجّةٌ أخرى هذا إيجابٌ وتشريعٌ، فهو إن صحَّ عن ابنِ عباسٍ موقوفًا أو مرفوعًا من بابِ أولى، يعني توجَّهَ أو صحَّ الاحتجاجُ به على عدمِ إجزاءِ حجِّ العبدِ، فنقولُ: عدمُ الإجزاءِ لا عدمُ الصحّةِ، فالحجُّ يصحُّ من العبدِ والصبيِّ بالإجماعِ، لكن هل يُجزئُهُ إذا حجَّ العبدُ؟ أمّا الصبيُّ فبالإجماعِ لا يُجزئُهُ، لكنَّ الشأنَ في العبدِ فهو محلُّ نظرٍ.
– مداخلة: في حاشيةِ ابنِ قاسمٍ ذكرَ عن الترمذي، قال الترمذيُّ: أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ المملوكَ إذا حجَّ ثمّ عُتِقَ فعليه الحجُّ إذا وجدَ إلى ذلك سبيلًا …
– الشيخ: واللهِ يظهرُ أنَّه حسبَ منهجِ الظاهريّةِ … فالإجماعاتُ هذه يعني معناها الأكثرُ.
– مداخلة: ذكرَ الشيخُ البليهي:
عن ابنُ عباسٍ عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: "أيّما صبيٌّ حجَّ به أهلُه فماتَ أجزأت عنه، ومن أدركَ فعليه الحجُّ، وأيّما مملوكٍ حجَّ به أهلُه فماتَ أجزأت عنه، فإن أُعتقَ فعليه الحجُّ" رواهُ الشافعيُّ والبيهقيُّ والحاكمُ وأبو داودَ في المراسيل، وابنُ أبي شيبةَ، والطبرانيُّ، وقال في مجمعِ الزوائدِ: ورجالُه رجالُ الصحيحِ، وقال الحافظُ: ورجالُه ثقاتٌ إلّا أنَّه اختُلفَ في رفعِهِ والمحفوظُ أنَّه موقوفٌ، وكذا البيهقيُّ في سننِه صوَّبَ وقفَه.
تنبيهٌ: ذهبَ كثيرٌ من العلماءِ إلى أنَّ العبدَ إذا حجَّ بعدَ بلوغِهِ ثمَّ عُتِقَ لا يلزمُهُ إعادةُ الحجّ، ورجّحَ هذا القولَ ابنُ حزمٍ المحلى، وهو اختيارُ الشيخِ عبدِ الرحمنِ ابنِ سعدي، وقال جماهيرُ العلماءِ: يلزمُ العبدَ إذا عُتِقَ إعادةُ الحجّ.
– الشيخ: خلص قولُ الجمهورِ، ولا نقولُ إجماع، قولُ الجمهورِ: أنَّ العبدَ إذا حجَّ وهو رقيقٌ ثمَّ عُتِقَ فعليه حجّةٌ أخرى.
– مداخلة: وأنت ماذا تقولُ أحسنَ اللهُ إليك؟
– الشيخ: اللهُ أعلمُ، إذا صرفنا النّظرَ عن الأثرِ هذا ينظرُ في صحّته، أمَّا إذا صحَّ موقوفًا فهو قويٌّ للاحتجاجِ فيه للجمهورِ، أمَّا إذا ضُعّفَ ولم يصلحْ للاحتجاجِ، والظاهرُ أنَّ ابنَ حزمٍ ما يعتبرُهُ، فنستطيعُ القولَ بالإجزاءِ قويٌّ، هذا ما أستطيعُ أن أقولَه.
"القادرُ في عمرِهِ مرّةً على الفورِ": في عمرِهِ مرّةً للحديثِ الصحيحِ، قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "الحجُّ مرَّةً، فما زادَ فهو تطوّع"، وهذا أيضًا بإجماعِ المسلمينَ إجماعًا قطعيًا؛ أنَّ الحجَّ لا يجبُ إلَّا في العمرِ مرّةً.
"على الفورِ": أي دونَ تأخيرٍ بعدَ توفّرِ الشروطِ المتقدّمةِ، فإنَّه لا يجوزُ التأخيرُ؛ لأنَّه ليس له وقتٌ معلومٌ، والقولُ بجوازِ التأخيرِ يتمادى إلى الموتِ. فالصلاةُ لها وقتٌ محدودٌ، والصيامُ وقتُه محدودٌ بشهرٍ، أمَّا الحجُّ فليسَ له وقتٌ محدودٌ فيجبُ على الفورِ، وهذا هو الأصلُ، الأصلُ في أداءِ الواجباتِ أدائُها على الفورِ، إلَّا ما دلَّ الدليلُ على التوسعةِ كالصلواتِ في أوقاتِها، وإلَّا فالأصلُ أداءُ المأمورِ فورًا إلَّا لعذرٍ، وهذا هو المقرّرُ في الأصولِ فإنَّ الأمرَ يكونُ على الفورِ لا على التّراخي، ونطبّقُ هذا الأصلَ على الحجِّ، فنقولُ أنَّه يجبُ على الفورِ، على من كان أهلًا له وتوفّرتْ فيه الشروطُ، فيجبُ عليه أن يُبادرَ دونَ تأخيرٍ.
– القارئ: (فإنْ زالَ: الرقُّ، والجنونُ، والصبا: في الحجِّ بعرفةَ، وفي العمرةِ قبلَ طوافِها: صحَّ فرضًا)
– الشيخ: هذا مسائلُ مفرّعةٌ على ما تقدَّمَ في مسألةِ شرطِ البلوغِ وشرطِ الحريةِ. يقولُ: متى عُتِقَ العبدُ، أو بلغَ الصبيُّ في الحجِّ بعرفةَ، وفي العمرةِ قبل الطّوافِ صحَّ حجّه فرضًا، أمَّا الحجُّ فلأنَّه أدركَ ركنَهُ الأعظمُ وهو الوقوفُ بعرفةَ، فيجزئُه ذلك فرضًا، ويحتملُ أنَّه إذا وقفَ ثمَّ عُتقَ بعد الوقوفِ لكنَّه رجعَ فيتوجّه القولُ بأنَّه يُجزئه لأنَّه أتى بالوقوفِ.
يقولُ: "وفي العمرةِ قبلَ طوافِها": عتقَ أو بلغَ الصبيُّ قبلَ الطوافِ، أمَّا إذا طافَ، فإنَّ ركنَ العمرةِ الأعظمَ هو الطوافُ، فإذا طافَ فقد تهيّئَ للتحلُّلِ منها، أمَّا إذا عُتِقَ قبلَ أن يطوفَ فإنَّه حينئذٍ يطوفُ وهو بالغٌ أو يطوفُ وهو حرٌ، فتجزئُه عن الفريضةِ، لكنَّ الصبيَّ المميّزَ والعبدَ لا يحتاجُ إلى أن يُحرِمَ، لأنَّ إحرامَه كان صحيحًا، لكنَّ المجنونَ إذا زالَ جُنونُه بعرفةَ فيجبُ عليه أن يُحرمَ، والإحرامُ بعرفةَ صحيحٌ؛ لأنَّ إحرامَه الأوّلَ لا يصحُّ منه كونُه مجنونٌ، فيدركُ الحجَّ إذا عتقَ في عرفةَ فيُحرمُ ويقفُ بقيّةَ الوقتِ ويصحُّ حجُّهُ فرضًا.
– القارئ: (وفعلُهُما من الصبيّ والعبدِ: نفلًا)
– الشيخ: إذا حجَّ الصبيُّ صحَّ حجُّهُ نفلًا، وكذلك العبدُ صحَّ نفلًا.
– مداخلة: هل المجنونُ لم يكنْ أحرمَ من قبل؟
– الشيخ: أصلًا هل يصحُّ منه الإحرامُ؟
– مداخلة: ذكر الشيخُ ابنُ عثيمين:
وهكذا إذا أفاقَ المجنونُ بعرفةَ صارَ حجُّهُ فرضًا، ولكن إذا سألَ سائلٌ: كيف يُتصوّرُ أن يُحرِم المجنونُ فيفيقُ بعرفةَ؟ وهل المجنونُ تصحُّ منه نيَّةُ الإحرامِ؟ فالجوابُ أن نقولُ: من أهلِ العلمِ من قال: إنَّ المجنونَ يجوزُ أن يُحرمَ عنه وليُّهُ، كما يحرمُ عن الصغيرِ، فالصغيرُ ليس له تمييزٌ، والمجنونُ ليس له عقلٌ، فإذا جازَ أن يحرمَ عن صبيّهِ الذي ليسَ له تمييزٌ، فإنَّه يجوزُ أن يُحرمَ عن المجنونِ، وبناءً على هذا القولِ لا إشكالَ؛ لأنَّه سيحرمُ عنه وليُّهُ وهو مجنونٌ، ويبقى مُحرمًا، فإذا عقلَ بعرفةَ صحَّ أن نقولَ: إنَّه زالَ جنونُه بعرفةَ، وهو محرمٌ، وأمَّا إذا قلنا: إنَّ المجنونَ لا يصحُّ إحرامُه بنفسِهِ ولا بوليِّهِ، فإنَّه يحملُ كلامُ المؤلفِ على ما إذا طرأَ عليه الجنونُ بعد الإحرامِ.
– الشيخ: يكونُ عارضًا إن شاءَ اللهُ، يعني إذا أحرمَ اختيارًا وطرأَ عليه الجنونُ فلا نقولُ يبطلُ إحرامُه، يُصبحُ موقوفًا على، إن أفاقَ قبلَ الوقوفِ بعرفةَ أو في حالِ الوقوفِ في عرفةَ صحَّ إحرامُه وصحَّ حجُّهُ.
– مداخلة: يعني الجنونُ الطارئُ ما يُبطِلُ الإحرامَ الأوَّلَ؟
– الشيخ: أرجو أنَّه لا يُبطلُه إذا أفاقَ بعد ذلك، مثل ما تقدَّمَ في الصيامِ، أنَّه إذا عرضَ له الجنونُ في أثناءِ النهارِ صحَّ صيامُه إذا أفاقَ.
– القارئ: (والقادرُ: من أمكنَهُ الركوبُ، ووجدَ زادًا، ومركوبًا صالحينِ لمثلهِ)
– الشيخ: "من أمكنَهُ الركوبُ": يعني يستطيعُ أن يركبَ لأنَّه كانت المراكبُ ليست كالحالِ اليومَ، فالراكبُ يحتاجُ أنَّه يركبُ ويتمسّكُ، وإلَّا فهو عُرضةً للسقوطِ، فمن استطاعَ الركوبَ ووجدَ المركوبَ وجبَ عليه الحجُّ، فهذا هو القادرُ؛ "من أمكنَهُ الركوبُ وملكَ الزادَ والراحلةَ، صالحين لمثلِهِ بعدَ قضاءِ الواجباتِ كالديونِ والنَّفقاتِ الواجبةِ"، وهذه من الشروطِ التي ذكرها العلماءُ باجتهادٍ، واللهُ أعلمُ إذا كان تقييدُهُ بصالحٍ لمثلِهِ، فمعنى هذا أنَّه من لا يصلحُ له ركوبُ الحمارِ ما يجبُ عليه الحجُّ، أنَّه ما يصلحُ في مثلِهِ أن يركبَ حمارًا، وهذا الشرطُ فيه عندي نظرٌ، لأنَّهم يعلّلونَ بأنَّه قد يكونُ عليه حرجٌ إذا ما ركبَ حمارًا، والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ركبَ حمارًا.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "صالحين لمثلِه"، أي: لا بدَّ أن يكونَ الزادُ صالحًا لمثله، وكذلك الرَّاحلةُ، فلو كان رجلًا ذا سيادةٍ وجاهٍ، ولم يجدْ إلَّا راحلةً لا تصلحُ لمثلِه ـ كحمارٍ مثلًا ـ فلا يلزمُهُ؛ لأنَّه مركوبٌ غيرُ صالحٍ لمثلِهِ، فيلحقُهُ في ذلك غضاضةٌ وحرجٌ، وكذلك الزادُ إذا كان لا يصلحُ لمثلِهِ. وقد يردُ على كلامِ المؤلفِ عمومُ قولِهِ تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] فإنَّه يشملُ من أمكنَه السفرُ على راحلةٍ لا تصلحُ لمثلِهِ، وبزادٍ لا يصلحُ لمثلِهِ. والناسُ إذا سافروا إلى الحجِّ على مثلِ هذه الراحلةِ أو بمثلِ هذا الزادِ، فإنَّهم لا يشمتُ بعضُهم ببعضٍ ولا يعيّرُ بعضُهم بعضًا، فلا يُقالُ حينئذٍ: إنَّه عاجزٌ، واللهُ ـ عزَّ وجلَّ ـ يقولُ: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] لأنَّ زادَ المسافرِ ليسَ كزادِ المقيمِ، ولهذا ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنَّه من وجدَ زادًا وراحلةً يصلُ بهما إلى المشاعرِ ويرجعُ لزمَهُ الحجُّ، ولم يُقيّدوا ذلك بكونِهما صالحينِ لمثلِهِ، وهذا أقربُ إلى الصوابِ، ولا عِبرةَ بكونِه يفقدُ المألوفَ من مركوبٍ، أو مطعومٍ، أو مشروبٍ، فإنًّ هذا لا يُعدُّ عجزًا.
– الشيخ: أرجو أنَّ هذا هو الصوابُ؛ لأنَّ التقييدَ بصالحينِ مثله فيه مراعاةٌ لمراتبِ الناسِ.
– مداخلة: ما هو دليلُهم بهذا القيدِ؟
– الشيخ: ليس عندَهُم دليلٌ، إلَّا مجرَّدَ أنَّ في هذا حرجٌ، وهذا تعليلٌ عليلٌ كما يقولُ الشيخُ محمّدٌ. وشرطُ الراحلةِ يمكنُ في حقِّ البعيدِ، لكن من مكةَ يجبُ الحجُّ على الإنسانِ ولو لم يجدْ راحلةً فإنَّه يمشي، أو من المناطقِ القريبةِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وهذا مُستطيعٌ، والزادُ والراحلةُ في الحديثِ يمكنُ أن نقولَ أنَّها خرجتْ مخرجَ الغالبِ.
– مداخلة: في حاشيةِ الروضِ يقولُ ابنُ قاسمٍ:
وقال مالكٌ: ليسَ الزادُ والراحلةُ من شروطِ وجوبِه، فإذا قدرَ راجلًا، وله صنعةٌ، أو من عادته السؤالُ فهو مستطيعٌ.
– الشيخ: "من عادته السؤالُ": هو الذي يشحذُ، وهذه عادتُه سواءٌ أكانَ مقيمًا أم مسافرًا، والرَّاجلُ: هو الماشي، لكن من القريبِ متوجّهٌ يعني مثلَ الطائفِ ومكةَ، أمَّا يمشي طولَ الزمانِ كأن يأتيَ من الهندِ فهذه يتوجَّهُ فيها شرطُ اشتراطِ وجودِ الرَّاحلةِ، أمَّا من القريبِ فلا ريبَ أنَّه لا يشترطُ الراحلةُ.
– مداخلة: في حاشيةِ ابنِ قاسمٍ أيضًا:
قال الترمذيُّ: العملُ عليه عندَ أهلِ العلمِ. وقال شيخُ الإسلامِ بعدَ سَردِ الآثارِ: في هذهِ أحاديثٌ مسندةٌ من طرقٍ حسانٍ، ومرسلةٌ، وموقوفةٌ، تدلُّ على أنَّ مناطَ الوجوبِ الزادُ والراحلةُ.
– القارئ: هناك تعليقٌ للشيخِ البليهي:
وقولُه "الزادُ والراحلةُ": لما روى الترمذيُّ والشافعيُّ وابنُ ماجه والحاكمُ والبيهقيُّ والدارقطنيُّ عن عبدِ اللهِ بن عمرَ قال: "قيلَ يا رسولَ اللهِ ما السبيلُ إلى الحجِّ؟ قال: السبيلُ الزادُ والراحلةُ"، وفي اسنادِه إبراهيمُ بن يزيدَ الخوزي، ضعّفَهُ أحمدُ والنّسائيُّ، وبهذا القولِ قال عمرُ وابنُ عباسٍ وأبو حنيفةَ والشافعيُّ وأكثرُ العلماءِ.
– الشيخ: الذي يظهرُ هو التوسُّطُ بين القولين، بين قولِ مالكٍ وقولِ الجمهورِ، يعني من كان عليه في المشي حرجٌ فنقولُ: لا بدَّ من مِلكِ الراحلةِ، أمَّا من لا حرجَ عليه، وكثيرٌ من الحجّاجِ قديمًا يمشونَ لكن في الغالبِ أنَّهم يحتاجوَن الركوبَ بعضَ الوقتِ، والحديثُ ليسَ بذاكَ في الصحّةِ، ولكن يقولون: كثرةُ طرقِهِ تُقوّيهِ.
– القارئ: (بعدَ قضاءِ: الواجباتِ، والنفقاتِ الشرعيةِ، والحوائجِ الأصليةِ)
– الشيخ: يعني إذا فضلَ له زادٌ وراحلةٌ صالحينِ لمثلِه على قولِهم، بعدَ قضاءِ الحاجاتِ الضروريّةِ، والنّفقاتِ الواجبةِ، والدينِ، وحوائِجِه الأصليةِ التي لا يستغني عنها، ومثّلوا لهذا مثلًا بأنَّه لا يبيعُ أواني البيتِ من أجلِ الحجّ، أو أن يبيعَ طالبُ العلمِ كتبَهُ من أجلِ الحجِّ طبعًا التي هو بحاجةٍ إليها، أمَّا أن يكونَ عنده مكتبةٌ مرتّبةٌ بالألوفِ فلا، القدرُ الضروريُّ لمهمَّته وطلبِهِ للعلمِ، يعني المراجعَ التي لا بدَّ له منها.
– مداخلة: بالنسبةِ للدَّينِ يمنعُ الحجَّ مطلقًا أم لا؟
– الشيخ: إذا كان مُطالبًا به: نعم، وهو مقدّمٌ، فقضاءُ الدَّينِ مقدَّمٌ، أمَّا الدَّينُ المؤجَّلُ فإنَّه لا يمنعُ.
القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "والحوائجِ الأصليةِ": أي لا بدَّ أن يكونَ ما عنده زائدًا على الحوائجِ الأصليةِ، وهي التي يحتاجُها الإنسانُ كثيرًا؛ لأنَّ هناكَ حوائجُ أصليةٌ، وحوائجُ فرعيةٌ. مثالُ الحوائجِ الأصليةِ: الكتبُ، والأقلامُ، والسيارةُ، وما أشبهَ ذلك، هي غيرُ ضروريةٍ، لكن لا بدَّ لحياةِ الإنسانِ منها، فطالبُ العلمِ عنده كتبٌ يحتاجُها للمراجعةِ والقراءةِ، فلا نقولُ له: بعْ كُتبكَ، وحُجَّ، أمّا لو كان عنده نُسختانِ فنقولُ له: بعْ إحدى النُّسختين.
– مداخلة: إذا كان عنده سيارةٌ فخمةٌ فيمكنُ أن يبيعَها ويستبدلَهَا بسيارةٍ أخرى ويحجّ؟
– الشيخ: متوجّهٌ، لا سيّما إذا كانت من السياراتِ الغاليةِ، أمَّا إن كانت عاديّةً فلا، أمَّا إذا كانت من السياراتِ الفخمةِ فإنَّه يستطيعُ أن يبيعَها ويشتري لنفسِهِ سيارةً أخرى ويحجَّ بالباقي.
القارئُ يكملُ القراءةَ من الشرحِ الممتعِ:
فإن كانتا مختلفتين قلنا: اخترْ ما تراهُ أنسبُ لك، وبعِ الأخرى؛ لأنَّ ما زادَ على النسخةِ الواحدةِ لا يُعتبرُ من الحوائجِ الأصليةِ. وإذا كانت له سيارتانِ لا يحتاجُ إلَّا واحدةً منهما نقولُ له: بعْ واحدةً، وحجَّ بها وأبقِ الأخرى، فإن كانتا مختلفتين، فالذي يختارُ لنفسِهِ يُبقيه والذي لا يختارُ لنفسِهِ يبيعَه. فإن قيل: الصانعُ هل يبيعُ آلاتِ الصنعةِ ليحجَّ بها؟ فالجوابُ: لا يلزمُه، لكن لو كان عندَهُ آلاتٌ كبيرةٌ يمكنُ أن يقتاتَ بآلاتٍ أصغرَ منها، فهل يلزمُهُ أن يبيعَ ما يزيدُ على حاجته؟ الذي يتوجَّهُ عندي أنَّ له أن يُبقيَ الآلاتِ الكبيرةِ؛ لأنَّ استثمارَهَا أكثرُ، ولأنَّه ربَّما يظنُّ أنَّ الآلاتِ الصغيرةِ كافيةٌ في هذا الوقتِ، ثمَّ يأتي وقتٌ آخرُ لا تكفي، فيكونُ في ذلك ضررٌ عليه، وآلاتُ الصانعِ تُعتبرُ من أصولِ المالِ التي يحتاجُ إليها، وإذا لم يحجَّ هذا العامُ، يحجُّ العامَ القادمَ.
مداخلة: ….
– الشيخ: لأنَّ وجوبَها سابقٌ لوجوبِ الحجِّ، يبدو كذا واللهُ أعلمُ، وهي ديونٌ للهِ، واللهُ أحقُّ بالقضاءِ، إذا كان دينُ الأدميّ يمنعُ من وجوبِ الحجِّ ما دامَ مطالبًا به. وقولُه عندك في الرّوضِ حالّةً أو مؤجّلة؟ واللهِ فيه نظرٌ، يعني المؤجلةُ التي على وشكِ أن تحلَّ وليسَ عنده ما يطمعُ في وجودِ ما يقضي منه يجوزُ، محلَّ اجتهادٍ، يعني مثلَ الديونِ المقسّطةِ الآن هذهِ تحلُّ شيئًا فشيئًا، فكيفَ يُقالُ أنَّه لا يجبُ عليه الحجُّ لأنَّه يمكنُ أن يُطالَبَ بعد شهرين أو ثلاثةٍ بشيءٍ؟!
– مداخلة: البيتُ الواسعُ الكبيرُ ألا يُقاسُ على السيارةِ الفارهةِ؟
– الشيخ: واللهِ عندي فيه تأمُّلٌ، أمَّا أن يكونَ الإنسانُ متهيئٌ للوجوبِ ويذهبُ ويشتري بيتًا فلا.
– مداخلة: …
– الشيخ: أظنُّ أنّني قلتُ: القولُ بالوجوبِ قويٌّ.
– مداخلة: بالنسبةِ للمغمى عليه، إذا أُغميَ عليه قبلَ الوقوفِ بعرفةَ لا أفاقَ إلّا بعدَ عرفةَ وأُتيَ به وهو مغميٌّ عليه، يصحُّ وقوفُهُ في عرفةَ؟
– الشيخ: المغمى عليه يتردَّدُ بين المجنونِ والنائمِ، فلعلّ إلحاقَه هنا بالنائمِ أولى؛ لأنَّ حرمانَهُ من الحجِّ، كما حصلَ لبعضِ الناسِ يعني جاءَ من أقطارِ الدنيا ثمَّ حصلَ له سببُ إغماء، فنقولُ له لا يُجزئُه، والوقوفُ يُجزي بلا نيّة، لكن لا بدَّ أن يُؤتى به إلى عرفةَ.
– مداخلة: في الحاشية قال: ولا يبطلُ الإحرامُ بالإغماءِ والسكرِ والموتِ؟
– الشيخ: قلت: أنَّ هذا هو الأظهرُ والأقربُ إن شاءَ اللهُ.
الأسئلة:
س1: هل حَجُّ المرأةِ بلا محرمٍ يكونُ صحيحًا؟
ج: نعم صحيحٌ، وإن كانت تأثمُ على سفرِهِا بلا محرمٍ.
……………………………………
س2: كثيرٌ من الناسِ عليه ديونٌ، فهل يجبُ عليه الحجُّ مع الديونِ التي عليه؟
ج: إذا كان يُطالَبُ بها فلا يجبُ عليه الحجُّ، أمَّا إذا كان لا يُطالَبُ بها يعني ديونٌ لأصدقاءٍ مثلًا، يعني عندهم لا مانعَ من إنظارِهِ سنينَ أحيانًا.
……………………………………
س3: أنا من فرنسا ومقيمٌ هنا وزوجتي حاملٌ، والولادةُ محدّدةٌ في ذي الحجّةِ، وأنوي المغادرةَ معها إلى فرنسا لأساعدَها، فهل يجوزُ لي هذا، علمًا بأنّني لم أقمْ بحجّتي إلى الآن؟
ج: أرجو أنَّ هذا عذرٌ، إذا كانت زوجتُكَ بضرورةٍ إليك فلك أنْ تسافرَ، تسافرُ معها وتحجَّ في السنواتِ القادمةِ إن شاءَ اللهُ، هذا هو الظاهرُ واللهُ تعالى أعلمُ. أمَّا إن كان سفرُكَ معها فهو ضروريُّ من جهةِ المحرميَّةِ، أمَّا من جهةِ الولادةِ إذا كانت ضروريةً أن تلدَ هناك فنقولُ: لا، ما الموجبُ أن تلدَ هناك في فرنسا، تلدُ هنا، فلا تحتاجُ حينئذٍ للسفرِ.
……………………………………
س4: توفَّرَ لي مالٌ للحجّ، ولي بنتٌ للزواجِ أيّهم أقدّمُ، زواجَ البنتِ أم الحجّ؟
ج: الحجّ، واللهُ تعالى أعلمُ.
……………………………………
س5: لي خادمةٌ ترغبُ بالحجّ، فهل أسمحُ لها بذلك؟
ج: تسمحُ لها بذلك، أنت أتيتَ بها بلا محرمٍ، لكن عليك أن تجتهدَ أن تكونَ في رفقةٍ مأمونةٍ.
……………………………………
س6: هل تجوزُ عمرةُ البدلِ، التطوّعُ عن الحيّ العاجزِ والقادرِ؟
ج: أمَّا العاجزُ فأرجو أنَّه يصحُّ فرضًا كان أم تطوعًا، لكن تطوُّعُ الإنسانِ عن نفسه أولى من تطوّعِهِ عن غيرِهِ، أمَّا القادرُ فلا يُتطوعُ عنه، وإن كان الفقهاءُ يتوسَّعونَ في هذا، يقولون: أيُّ قربةٍ فعلَها وجعلَ ثوابَها لمسلمٍ حيٍّ أو ميّتٍ فنفَعَه ذلك، هذا لا يستقيمُ على الإطلاقِ، القادرُ إن أرادَ الفضائلَ فإنَّه يفعلُ ذلك بنفسِهِ، وإلَّا لأمكنَ أصحابَ الأموالِ يقعدوا عن التطوّعِ بالحجِّ والعمرةِ ويستنيبوا في ذلك.
……………………………………
س7: في كتبِ الفقهِ نرى كثيرًا عبارةَ العاقرِ، فيخرجُ منها المجنونُ، كيف يتبيّنُ شرعًا الإنسانُ المجنونُ؟
ج: يمكنُ أن يكونَ السؤالُ خطأً، قد يكونُ العاقلُ، لأنَّ العاقلَ احترازٌ من المجنونِ.
……………………………………
س8: إذا خشيَ الحاجُّ الطريقَ إلى مكةَ فماذا يفعلُ؟
ج: الخوفُ المحقّقُ أو الذي يغلبُ على الظنِّ هو عذرٌ في تأخيرِ الحجِّ.
……………………………………
س9: ما هو الأحوطُ، أن يصومَ المرءُ الاثنينَ والخميسَ، أو ثلاثةَ أيامِ البيض؟
ج: كُلُّها فضيلةٌ، صمِ الاثنينَ والخميسَ، وإن كان يريدُ صيامَ ثلاثةِ أيامٍ يصومُ الأيامَ البيضِ، وإن كان يستطيعُ أن يجمعَ الاثنينَ والخميسَ مع الأيامِ البيضِ فهذا خيرٌ على خيرٍ.
……………………………………
س10: هل المتزوجُ إذا سبَّ اللهَ ورسولَه ينفسخُ الزواجُ بينه وبين زوجتِه؟
ج: من ثبتتْ رِدّتُه حَرُمَتْ عليه زوجتُهُ، فإن أسلمَ وهي في العدّةِ فهما على نكاحِهما، وإن خرجتْ من العدّةِ لم تحلَّ له إلَّا بعقدٍ جديدٍ.
……………………………………
س11: عليّ نذرُ صيامِ عشرةِ أيامٍ، صمتُ خمسةً ولم أُكملِ الباقي، هل يجوزُ لي إكمالُها متفرقةً، أم إعادتُها وصيامُها عشرةَ أيامٍ متتابعةً؟
ج: لا، هو أصلًا لا يلزمُه صيامُ عشرةِ أيامٍ متتابعةٍ إلَّا إذا كنتَ نويتَ أنْ تصومَ عشرةَ أيامٍ متتابعةً، أمَّا إذا نذرتَ أن تصومَ عشرةَ أيامٍ وبس؛ فلكَ أن تصومَها متتابعةً ومتفرّقةً، فالأمرُ إلى نيّتكَ، واللهُ أعلمُ.