الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النور/(12) من قوله تعالى {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات} الآية 41 إلى قوله تعالى {يقلب الله الليل والنهار} الآية 44

(12) من قوله تعالى {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات} الآية 41 إلى قوله تعالى {يقلب الله الليل والنهار} الآية 44

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النُّور

الدَّرس: الثَّاني عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [النور:41-44]

– الشيخ : لا إله إلا الله، ينبّهُ الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمات، ينبه إلى بعضِ آياتِه الكونيّة، وإلى تعظيمِ المخلوقاتِ كلِّها لهُ.

(أَلَمْ تَرَ): ألم تعلمْ أنَّ اللهَ يسبّحُ لهُ من في السماواتِ والأرضِ، جميعُ العوالمِ تسبّحُ لهُ، تنزّههُ وتقدّسُه وتمجّدُه، تسبّحُ السّمواتُ السّبعُ والأرضُ ومن فيهنَّ، (وَالطَّيْرُ) والطيرُ وهذا لعلّه من عطفِ الخاصِّ على العامِّ ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾، وهذه تصلّي وتسبّحُ وتسجدُ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ﴾ [الحج:18]فهي تسبّح وتسجد، ولكن -كما قال تعالى-: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:44]لا ندرك، لكن نؤمن بأن هذه الطيور السابحة في الهواء تسبّحُ ربَّها، لا إله إلا الله. وهذا يُوجِبُ لمن آمَنَ وعَقَل أنْ يسبّحَ ربَّه كما تسبّحه هذه العوالمُ.

ولهذا نقول: إنّه لا يخرجُ من هذا إلّا الكفّارُ، فإنّهم لا يسبّحون الله ولا يذكرونه ولا يعبدونه، بل إنّهم يشركون به ويلحدون في آياتِهِ ويلحدون في أسماءِهِ.

إلّا أنّ، يعني، يسبّحون الله بلسانِ الحالِ من حيثُ أنّهم مخلوقون لله، فخلقهم وكيانهم يدلُّ على ربوبيتِهِ وقدرتِهِ وحكمتِهِ سبحانَهُ وتعالى.

فالتسبيحُ يكونُ بلسانِ المقالِ يعني باللسانِ، ويكونُ بلسانِ الحالِ، ولهذا قالَ سبحانَهُ وتعالى في الآية التي مرَّتْ هنا، قالَ في آيةِ الحجِّ: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ [الحج:18] يعني: يسجدون ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ [الحج:18] يعني: كثيرٌ حقَّ عليهم العذابُ، هم: الذين لا يسجدون، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ﴾ [المرسلات:48]. ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ عليمٌ بهذه العوالمِ، عليمٌ بتسبيحِها وأفعالِها.

﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ له ملكُ السماواتِ والأرض، فهذه العوالمُ هو خالقُها وهو مالكُها ومدبّرُها، فلهذا هي تسبّحُه وتقدّسُه، وإليه المصير، إليه تصير الأمور، (وإلى الله تصير الأمور) والعباد المكلفون سائرون إلى الله، هو محاسبهم ومجازيهم.

ثمّ ذكر في الآياتِ الأخرى بعض الآيات؛ وهو ذلك السحاب الّذي ينشئه الله ويجعله، ويجعلُ فيه ما شاءَ من الماءِ ثم ينزلُه بقدرتِه سبحانه وتعالى.

يزجي سحابه ويسوقُ سحاباً وينشئُ سحاباً ويبسطه في السماء، هذا المعنى الله يذكّرُ به كثيراً.

ويجعلُ السحابَ إذا أنشأه ركاماً، بعضُه فوقَ بعضٍ، ولهذا يكونُ السحابُ ثقالاً يحملُ الماءَ الكثيرَ.

ويفعلُ ذلك سبحانَه بأسبابٍ يخلقُها: مثل الرياح فتثير السحاب فتسوقُ السحاب فتلقحُ السحاب فينشئ السحاب، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ [الأعراف:57].

﴿يُزْجِي سَحَابًا﴾ ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ ولهذا ينزلُ البَرَدُ مثلُ الحجارةِ، ينزلُ منه ما هو دقيقٌ حباتٌ صغارٌ، ومنه ما هو كبارٌ يدمّر ما ينزلُ عليه.

﴿مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ هذا النوع من السحاب يكونُ برقُه شديداً ولامعاً ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ﴾ يعني: ضوءُ برقِه يكادُ يذهبُ بالأبصار، فلهذا: لا ينبغي النظرُ للبرقِ الخاطفِ القويِّ ﴿يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾

﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [النور:44].

الأبصارُ الأولى هيَ: أبصار البصر الحسي الذي يكون بالعيون ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾.

والأبصار الثانية هي: البصائر؛ أبصارُ القلوبِ، ويسميّها أهلُ البلاغةِ من نوعِ الجِناسِ.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.

قالَ الشيخُ عبدُالرحمنِ السعديِّ-رحمَه اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الآيات؛ نبّهَ تعالى عباده على عظمتِه، وكمالِ سلطانهِ، وافتقارِ جميعِ المخلوقاتِ له في ربوبيتهِ، وعبادتِها فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ من حيوان وجماد ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ﴾

– الشيخ : وأعظمُ من ذلك الملائكةُ، من في السموات الملائكة، والله قد فضّل وذكر لنا تسبيحهم، ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء:20] ولا يسأمون، أولى من يدخل في هذا العموم: تسبيحُ الملائكةِ وتسبيحُ المؤمنين.

 

– القارئ : {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} أي: صافاتٍ أجنحتُها، في جوِّ السماءِ..

– الشيخ : صفُّ الطيرِ للجناحِ أن يبسطَهُ ولا يحرّكَهُ، فهكذا ترى الطيرَ إذا ارتفعَ في الهواءِ في الجوِّ خلاص لا يحتاج إلى تحريك جناحيه إنّما يحتاجُ عندَ الإقلاع، عندما يريدُ النهوضَ يحتاجُ أن يحرّكَ الجناح، فإذا ارتفعَ خلاص استقرَّ.

بنحو منها يُذكرُ إن تصميمَ الطائراتِ مُقتبسٌ، مقتبس من خِلقة الطير وحركة الطير وصفة طيرانه. الطائرات الآن هكذا عند الإقلاع، حالة.. حالة اهتمام وهي من أوقات الخطر وقت الإقلاع والهبوط كما يذكرون.

أمّا إذا استقرّت –سبحان الله– في الهواء في الجو، فكما يعني فإنّها تستقرّ ويستقرّ الركاب ويتحرّكون ولا يجدون… إلا إذا حصلت يعني أمور يعني أمورٌ عارضة. نعم سبحان الله.

 

– القارئ : (صافّاتٍ أجنحتها في جوِّ السّماءِ تسبّحُ ربَّها)

{كُلٌّ} من هذهِ المخلوقاتِ {قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي: كلٌّ لهُ صلاةٌ وعبادةٌ بحسبِ حالِهِ اللائقةِ بهِ، وقدْ ألهمَهُ اللهُ تلكَ الصلاةِ والتسبيحِ، إمّا بواسطةِ الرسلِ، كالجنِّ والإنسِ والملائكةِ، وإمّا بإلهامٍ منهُ تعالى، كسائرِ المخلوقاتِ غيرِ ذلكَ، وهذا الاحتمالُ أرجحُ، بدليلِ قولهِ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} أي: علمَ جميعَ أفعالِهم، فلمْ يخفَ عليهِ منها شيءٌ، وسيجازيهم بذلكَ، فيكون على هذا، قد جمعَ بينَ علمِه بأعمالِهم، وذلكَ بتعليمِه..

– الشيخ : … لا لا، علمِهم بأعمالِهم، علمِهم بأعمالِهم، يعني: يعملونها بشعورٍ.

– طالب: أحسن الله إليك: علمها

– الشيخ : علمها جيّد

– طالب: قد جمع بين علمه بأعمالهم

– الشيخ : لا، جيّد علمها بأعمالها …

– القارئ : فيكونُ على هذا، قد جمعَ بينَ علمِها بأعمالِها، وذلك بتعليمِهِ وبينَ علمِه بمقاصدِهم المتضمِّنِ للجزاءِ، ويُحتمَلُ أنَّ الضميرَ في قولِهِ: {قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} يعودُ إلى اللهِ، وأنّ اللهَ تعالى قدْ علمَ عباداتِهم، وإنْ لم تعلموا -أيُّها العبادُ- منها، إلّا ما أطلعَكم اللهُ عليه. وهذهِ الآيةُ كقولِهِ تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء:74] فلمّا بيّنَ عبوديتَهم وافتقارَهم إليهِ -من جهةِ العبادةِ والتوحيدِ- بيّنَ افتقارَهم، من جهةِ المُلكِ والتربيةِ والتدبيرِ فقالَ: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ خالقُهما ورازقُهما، والمتصرِّفُ فيهما، في حكمِه الشرعيِّ والقدريِّ في هذه الدارِ، وفي حكمه الجزائيِّ، بدارِ القرارِ.

– الشيخ : الله أكبر الله أكبر وإليه المصير..

– القارئ : بدليل قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أي: مرجع الخلق ومآلهم، ليجازيهم بأعمالهم.

قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ الآيات أي: ألم تشاهدْ ببصرِك، عظيمَ قدرةِ اللهِ.

– الشيخ : يعني ينبه إلى أن تر الأولى علمية، ألم تعلم بقلبك، والثانية بصرية، فيها لفتة من الشيخ للفرق بين اللفظتين: (ألم ترَ) ألم تعلم، (ألم ترَ) ألم تشاهد… نعم (ألم تر)

 

– القارئ : أي: ألمْ تشاهدْ ببصرِكَ، عظيمَ قدرةِ اللهِ، وكيفَ {يُزْجِي} أي: يسوقُ {سَحَابًا} قطعاً متفرّقةً {ثُمَّ يُؤَلِّفُ} بينَ تلكَ القطعِ، فيجعلُهُ سحاباً متراكماً، مثلَ الجبالِ.

– الشيخ : الله أكبر الله أكبر! صار الناسُ يرون جوانب من السحابِ لم يكونوا يتصورونها من قبل، لـمّا مكّنهم الله من هذه الأسباب التي يرتفعون بها على السحابِ… لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

 

– القارئ : {فَتَرَى الْوَدْقَ} أي: الوابلَ والمطرَ، يخرجُ من خلالِ السحابِ، نقطاً متفرّقةً، ليحصلَ بها الانتفاعُ من دونِ ضررٍ، فتمتلئَ بذلكَ الغدرانُ، وتتدفّقُ الخلجانُ، وتسيلُ الأوديةُ، وتنبتُ الأرضُ من كلِّ زوجٍ كريمٍ، وتارةً يُنزّلُ اللهُ من ذلك السحابِ برداً يُتلفُ ما يصيبُه

– الشيخ : هذا يعني إذا كان شديداً او كبيراً…

– القارئ : ﴿فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ﴾ بحسبِ ما اقتضاهُ حكمُهُ القدريُّ، وحكمتُهُ التي يُحمَدُ عليها، ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ﴾ أي: يكادُ ضوءُ برقِ ذلكَ السحابِ، من شدّته ﴿يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ﴾ أليسَ الّذي أنشأَها وساقَها لعبادِه المفتقرين، وأنزلَها على وجهٍ يحصلُ بهِ النفعُ وينتفي به الضررُ، كاملُ القدرةِ، نافذُ المشيئةِ، واسعُ الرحمةِ؟

﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ من حرٍّ إلى بردٍ، ومن بردٍ إلى حرٍّ، من ليلٍ إلى نهارٍ، ومن نهارٍ إلى ليلٍ، ويديلُ الأيّامَ بينَ عبادِهِ.

– الشيخ : يقلّب الله الليل والنهار بمجيء هذا وذهاب هذا، وأن يقلّبهم ويقلّب الأحوال فيهم، يقلّب الأحوال، يقلّب نفس الليل والنهار، يقلّبهما بالدوران والذهاب والعودة، ويقلّب الأحوال فيهما حرّاً وبرداً وأمناً وخوفاً، أحوالُ العباد تتقلّب، ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾

 

– القارئ : ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ﴾ أي: لذوي البصائرِ، والعقولِ النافذةِ للأمورِ المطلوبةِ منها، كما تنفذُ الأبصارُ إلى الأمورِ المشاهدةِ الحسيّةِ. فالبصيرُ ينظرُ إلى هذهِ المخلوقاتِ نظرَ اعتبارٍ وتفكّرٍ وتدبُّرٍ لما أُريدَ بها ومنها، والمُعرِضُ الجاهلُ نظرُهُ إليها نظرَ غفلةٍ، بمنزلةِ نظرِ البهائمِ. قالَ اللهُ تعالى..

– الشيخ : إلى هنا. لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. وهؤلاءِ الّذين ابتُلوا ببعضِ العلوم وفرحوا بما عندهم من العلم، علمُ بعضِ الكونياتِ ومن ذلك علمُ… يعني تغيراتِ الجوّ وتغيراتِ الهواء، هؤلاء مغرورون بعلمهم.

الكفار ليس ذلك بغريبٍ منهم، والمسلمون شابهوهم في الجملة يتكلّمون عن أحوالِ الجوِّ وعن الرياحِ وما سيكونُ منها وكيف تكونُ سرعتُها، وعن البردِ والحرِّ وعن المطرِ.

كما أشغلونا بذلك وشوّشوا عقائد بعض المسلمين، صاروا يذكرون: المطر سيأتي بعد كذا وكذا ويذكرون أيام، في هذه المدّة الماضية تحدثوا وقالوا سيكونُ برد وسيكون مطر من كذا وكذا إلى الثلاثاء إلى الجمعة.

ولا أظنُّ أنّهم يذكرون الله ويسبحونه ما أظنّ ذلك واقعاً، إنّما يذكرونه على وجه الإعجاب والاغترار بهذا العلمِ ولعلّ.. يعني.. قومُنا يتلقّون هذه العلومَ من… أيضاً.. من الجهاتِ التي هي الأصلُ في هذه العلومِ.

ويعتمدون على يعني الأجهزة الحسّاسة التي يتطلعون بها ويعرفون بها تغيرات الجوّ وبهذا نعلم بأنّهم لا يعلمون الغيب وليست أخبارهم من علم الغيب.

إنّما هو.. يعني أمور يدركونها بهذه الوسائل وغاية الأمر أنّهم يدركون من تغيرات الجوّ ما لا يدركُ الناس بأبصارهم لأنّهم يدركون التغيرات القادمة.

وأصبح الناس… بعض الأمور سهلة يعرفها الناسُ بوسائل الأخبار الآن.

يعني قديماً الناس يفجأهم البردُ ولا يدرون، لكن الآن إذا علمنا أنه في ثلوج في الشمالِ وجاءت ونزلت ثلوج… خلاص نحن ننتظر البرد خلاص، وبقدر كثافته وبحسب الرياح إذا كانت قادمة من هنالك فانتظر البرد الشديد يعني أصبح في بعض الجوانب لا نحتاج إلى أخبار هؤلاء أصبحنا نعرفها يعني بوسيلة الأخبار التي صارت ميسّرة ويجري التواصل وبسرعة فإذا جاءت أخبار جاءت صور عن الثلوج خلاص انتظر البرد الشديد.

وكذلك الرياح وجاءك الغبار وجاء الغبار هنا الآن أصبح أمور حسيّة ما فيها غيب ليس التكلّم بها من الكلام في علم الغيب.

سبحان الله وهذا كلُّه في الحقيقة ينبغي أن يُهتدَى به ويُنتبَهُ به في معرفة الله، معرفته تعالى، معرفة قدرته وحكمته، كلّ ما يجري من هذه الأحوال من تغيرات الجوِّ ومن السحاب نشوء السحاب وجريان الرياح كلُّها هي من آيات الله، الرياح هي من آيات الله، السحب من آيات الله؛ ولهذا الله يُذكّر يُذكّر بهذا في الكتاب كثيراً.