الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النور/(13) قوله تعالى {والله خلق كل دابة من ماء} الآية 45 إلى قوله تعالى {لقد أنزلنا آيات مبينات} الآية 46

(13) قوله تعالى {والله خلق كل دابة من ماء} الآية 45 إلى قوله تعالى {لقد أنزلنا آيات مبينات} الآية 46

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النُّور

الدَّرس: الثَّالث عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشّيطانِ الرّجيمِ:

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النور:45-46]

– الشيخ : إلى هنا اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيّدنا محمّد سبحان الله.

الحمدُ لله، كذلك هذه الآية فيها عرضٌ وذكرٌ لبعضِ آيات اللهِ الكونيّةِ، الآيات الكونيّة يعني: الآيات المخلوقة، فإنّ الآياتِ منها الآياتُ الكونيّة: كاللّيل والنّهار والشّمس والقمر وسائر المخلوقات كلُّها آيات.

(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) يعني جميع الدواب أصلُها الماءُ، الماءُ هذا المعروف السائلُ أو الماءُ الذي يُخلَقُ منه الحيوانُ من الإنسان ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [المرسلات:19] فالإنسان مخلوقٌ من ماءٍ يعني وهو ماء المنيّ، وهو المنيّ ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة:36] ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ [المؤمنون:13]

فالإنسان مخلوقٌ من ماءٍ والحيواناتُ كذلك، الحيوانات التي هذه التي تتولّد بالولادة أيضاً تُشبِهُ الإنسانَ، لا إله إلا الله. وحيوانات أخرى يخلقها الله من الماء، هذا من الماء مع التراب، هذه الدواب الصغيرة. (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ) مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ هذه الحيّات والزواحف الزواحف كلُّها تمشي على بطنِها.

(فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ) كالإنسان جعله الله، جعل الله يعني صورته معتدلة قائمة، يمشي على رجلين، كذلك الطيور، الطيور تمشي على رجلين، وبعض الحيوانات. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) وهذا كثير فالإبل والبقر والغنم هذه كلّها تمشي على أربع.

(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ) وهذا أعجب ما يكون، يمشي على بطنه!! سبحان الله!! نسأل الله العافية، نسأل الله العافية. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ)

﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [النور:45] قد يوجد، قوله تعالى: ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ يشهدُ بأنّه قد يكون من الحيوان، يعني سوى ذلك. قد يمشي على رجل واحدة أو على ثلاث الله أعلم. (يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فدلّ في الآياتِ الأولى على قدرتِهِ على هذه الأشياءِ المعيّنةِ ثمّ عمَّ (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) هذهِ الآياتُ هي الآياتُ الشرعيّة و(لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) وهي آياتُ القرآنِ مبيِّنات يعني موضِّحات وهي في نفسِها بيّنات، هي بيّنات واضحات وهي مُبيّنات موضِّحات، للمطَالِبِ للأحكامِ للمُشتبِهات.

(لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) وهي حججُ الله على العباد، آياتُ الله الكونيّة والشرعيّة هي حججُ اللهِ على عبادِهِ.

(وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) هذه الآيات من الناس من يهتدي بها وينتفع بها ومن الناس من يُعرِض عنها فيُحرَمُ من هدايتها، يُحرَم من هدايتها، نعوذ بالله من الخذلان.

(وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس:25] وهذه هي الهداية الخاصّة، الهداية المُقيَّدة بالمشيئة هي الهداية الخاصّة، ولا يقدرُ عليها إلا الله، الهداية الخاصّة هداية التوفيق هداية القلوب، هذه لا يقدرُ عليها أحدٌ ولا الرَسولُ -عليه الصلاة والسلام- ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:56] ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة:213] ولكن الله يهدي من يشاء.

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُالرحمنِ السعديِّ- رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) الآية: ينبّهُ عبادَهُ على ما يشاهدونَهُ، أنّه خلقَ جميعَ الدّوابِ الّتي على وجهِ الأرضِ {مِنْ مَاءٍ} أي: مادّتُها كلُّها الماءُ.

– الشيخ : مثل قول الله تعالى.. لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ الله جعل كل شيء نعم ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء:30]

 

– القارئ : كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فالحيواناتُ التي تتوالدُ مادّتُها ماءُ النطفةِ.

– الشيخ : الحيوانات التي تتوالد مادّتها الحيوانات التي تتوالد مادتها هو الماء الذي: هو النطفة يعني وهو المني، الإنسان والحيوانات التي تتوالد نعم هو ماء هو نعم.

– القارئ : حينَ يُلقِّحُ الذكرُ الأنثى، والحيواناتُ التي تتوالدُ منَ الأرضِ، لا تتوالدُ

– الشيخ : تتوالد وإلا [أو] تتولّد ؟

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، تتولّدُ من الأرضِ، لا تتولّدُ إلّا منَ الرطوباتِ المائيّةِ كالحشراتِ

– الشيخ : الرطوبات يعني التراب اليابس الجافّ تماماً، سبحان الله، ما يتكوّن منه شيء، ما يتكوّن منه مثلاً ديدان أو ذرّ أو نحو هذه الحيوانات الصغيرة، ما تتكوّن إلّا مع الرطوبة يمكن يتكوّن من الطين من يتكوّن الحيوانات التي تتكون من الموادِ الفاسدةِ، الطعام إذا فسدَ تتكوّن منه الديدان.

– القارئ : إلّا من الرطوباتِ المائيّةِ، فالمادّةُ واحدةٌ.

– الشيخ : الله أكبر الله أكبر.

– القارئ : ولكن الخلقةُ مختلفةٌ من وجوهٍ.

– الشيخ : الله أكبر، الخِلقة مختلفة، سبحان الله، سبحان الله. ماذا في البحر من أنواع الحيوان وماذا البرّ؟

﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى:29] ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام:38].

 

– القارئ : ولكنْ الخِلقةُ مُختلِفةٌ منْ وجوهٍ كثيرةٍ، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} كالحيّةِ ونحوِها، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} كالآدميينَ، وكثيرٌ من الطيورِ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} كبهيمةِ الأنعامِ ونحوِها. فاختلافُها -معَ أنّ الأصلَ واحدٌ- يدلُّ على.

– الشيخ : لا إله إلا الله، كبهيمة الأنعام ونحوها، لا إله إلا الله، الفيل يمشي على أربع؟

– طالب: نعم

– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر.

– القارئ : يدلُّ على نفوذِ مشيئةِ اللهِ، وعمومِ قدرتِهِ، ولهذا قالَ: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} أي: مِنَ المخلوقاتِ، على ما يشاؤُه مِنَ الصّفاتِ، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} كما أنزلَ المطرَ على الأرضِ، وهوَ لقاحٌ واحدٌ، والأمُّ واحدةٌ، وهيَ الأرضُ، والأولادُ مختلفو.

– الشيخ : اللقاح الواحد أو الأمّ الواحدة وهي الأرض، ثم نجد تناسباً -سبحان الله- بين هذه الآية في الإخبار عن خلق الدواب من الماء وبين الآية السابقة، الآية السابقة تضمّنت الخبر عن عن السّحاب ونزول الماء، فذكر مادّة الحياة وهي الماء، وذكر ما تتولّدُ من الماءِ من أنواعِ الحيوانِ، فهذهِ مناسبٌ بينَ الآيتين.

 

– القارئ : والأولادُ مختلفو الأصنافِ والأوصافِ ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد:4] ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[النور:46]

أي: لقدْ رحمْنا عبادَنا وأنزلْنا إليهِم آياتٍ بيّناتٍ، أي: واضحاتِ الدّلالةِ، على جميعِ المقاصدِ الشّرعيّةِ، والآدابِ المحمودةِ، والمعارفِ الرشيدةِ، فاتّضحتْ بذلكَ السُبُلُ، وتبيّنَ الرُّشدُ مِنَ الغيِّ، والهُدى مِنَ الضّلالِ، فلمْ يبقَ أدنى شُبهةٍ لمُبطلٍ يتعلّقُ بها، ولا أدنى إشكالٍ لمُريدِ الصوابِ، لأنّها تنزيلُ مَنْ كَمُلَ علمُهُ، وكَمُلَتْ رحمتُهُ، وكَمُلَ بيانُهُ، فليسَ بعدَ بيانِهِ بيانٌ ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[الأنفال:42] {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ممّن سبقَتْ لهم سابقةُ الحُسنى، وقدمُ الصدقِ، {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: طريقٌ واضحٌ مُختصَرٌ، مُوصِلٌ إليهِ، وإلى دارِ كرامتِهِ، مُتضمِّنٌ العلمَ بالحقِّ وإيثارَهِ والعملِ بهِ، عمّمَ البيانَ التامَّ لجميعِ الخلقِ، وخصّصَ بالهدايةِ مَن يشاءُ، فهذا فضلُهُ وإحسانُهُ، وما فضلُ الكريمِ بممنونٍ وذاكَ عدلُهُ، وقطعَ الحُجّةَ للمُحتجِّ، واللهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ مواقعَ إحسانِهِ.

قال الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا[النور:47]

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي] انتهى.